أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد زيان - نداء الروح...ام نداء الجسد؟!














المزيد.....

نداء الروح...ام نداء الجسد؟!


خالد زيان
(Khaled Ziane)


الحوار المتمدن-العدد: 5382 - 2016 / 12 / 25 - 11:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الروح، الجسد، النفس، الجسم، البدن، الذات....كلها تعاريف لهذا الكائن تحت مسمى الإنسان!!
سمعت أحدهم وهو يقول محدثًا ندمائه في المقهى: أنا لا أبيت مع غانية إلا و أترك صباحًا عند وسادتها ما اتفقنا عليه ليلا من أجر، وأحيانا أدسّه في صدريتها قبل أن ننام، وربما أزيد عليه بعض الدراهم كبقشيش. أخذت أرنو إلى قهوتي وأتأمل حديثه متسائلا: أليست هذه فضيلة من هذا الشاب مرتدية ثوب الرذيلة؟ ألم تمنحه هي ايضا جسدها وكلها ثقة بأن تنال أجرها؟ فيقابل هذه بتلك، وكأن هذه الإطيقية محسومة منذ زمن.
إذا كانت للروح فضائل كما يدّعون، أليس للجسد أيضا فضائل؟ ام أن كل ما يصبو إليه الجسد يُعد شرورا ورذائل و مرتبطا كل الارتباط بالشهوات؟. ألم يُعلّمونا ونحن صغار بأن الأجساد هي التي ستحرق بالنار؟ أليس للروح أيضا رذائل؟ وإذا كانت، كيف تعذب إذًا..؟ أليست سعادة الإنسان مبنية أيضا على ما يقدمه لهذا الجسد؟ ام أن كل ما يُقدم له خارج هذه التعاريف و الأُطر يعدّ شرًا ورذيلة؟. ألا تقودنا هذه التساؤلات إلى العقيدة الثنوية Dualisme في نظرتها إلى الحياة البشرية على أنها صراع دائم بين الروح والجسد، وهو صراع ينتج عنه تحديد مصير النفس بعد الموت في الجنة أو في النار، فإن انتصر الجسد في ذلك الصراع فالمصير إلى النار، وإن انتصرت الروح فالمصير إلى الجنة، ولذلك اشتدوا في معاملة الجسد وحرموه من كل لذة وراحة، لفتح أبواب الملكوت التي لا تفتح إلا للفقراء الزاهدين، تاركين لهم فقط باب التضرع والأمنيات ليتجلّدوا به ويكابدوا به شهواتهم. وظل في اعتقادهم أن الجسد ورغباته مرتع لكل الشرور لأنهما يمنعان الروح من الخلاص والتحرر من حبسها الجسدي لتتعلق بالسماء، وبذلك تعود الى أصلها السامي الذي بعثت منه. وذهبت المنوية أو المانيشية Manichéisme (نسبة إلى مؤسسها ماني وهي ديانة فارسية قديمة 242 م) لأبعد من هذا، وهي حرمان هذا الجسد حتى من أكل الخبز أو شرب الماء إلا لمن اغترف غرفة بيده عند الحاجة فقط، لأنه مادة مكونة للجسد، أما أكل اللحم فيعد جريمة وأمرا محرما، فقد أَجبرت مُريديها بالعيش على أكل الخضر والفواكه فقط ؛ وهذا مثال على قول أحدهم عند أكله للخبز "لم أحصدك ولم أطحنك ولم أعجنك ولم أضعك في الفرن بل فعل ذلك شخص آخر وأحضرك إلي، فأنا أتناولك دونما إثم". وما كان هذا إلا تصورا سلبيا للجسد، يفقد فيه الإنسان إنسانيته، ويبعده عن معنى الأرض، أي عن معنى الحياة الحقيقي، الذي يسمح له بالعبور إلى الضفة التالية وإنشاء عوالم أخرى يطمح إليها.
و لقد ظل هذا التصور قائما إلى العصور الوسطى حيث مثّلته أيضا الثيولوجية المنبثقة عن المسيحية بالتقابل الوجودي بين الروح و الجسد، الخير و الشر، النور و الظلمة، "Le bien et le mal"، واتخذ طابع المبالغة الذي أثّر على مختلف مجالات الفكر والحياة آنذاك. وها هو يعاودنا الآن من وجهة نظر لاهوتية تقدم لنا صورة توحيدية Monothéisme تتجلى فيها القوّتان، الخير والشر، ليكون فيها الإنسان مخيرا بين السبيلين، والمآل دائما نفسه، إما إلى جنة خلد أو إلى نار عذاب.
المتأمل هنا يرى أن هناك التفاتة دائمة إلى الوراء، إلى الأزمنة المظلمة، فكل عصر ينظر إلى الذي قبله نظرة كمال، وكل ريبة فيه تُعد خطيئة!!
وحسبُ هؤلاء الناس بهذه الأفعال أنهم فازوا بالنعيم بعيدا عن أجسادهم وعن الأرض، وتناسوا أن تنعمهم ورعشة ملذاتهم إنما نشأت من هذه الأجساد ومن هذه الأرض. فيهوي عليهم نيتشه بمطرقته كالعادة في انتفاضة على كل هذه الفلسفات اللاهوتية الفارغة التي ارتكبت أبشع الجرائم في حق الجسد، ناطقا على لسان زرادشت ومزدريا أولئك الناقمين على هذا الجسد "إنني بأسري جسد لا غير، وما الروح إلا كلمة أُطلقت لتعيين جزء من هذا الجسد"، ويذهب لتوصيف هذه الروح بأنها بعد من أبعاد هذا الجسد فقط، مشيرا إليها بِـ "العقل" ذلك الحكيم المجهول، المغيّب بين ثنايا الأديان. ويضيف عن كبت هذا الانسان الذي هو قطعة واحدة جسدًا و روحا "إن من يحيط به لهيب الجسد تنتهي به الحال إلى ما تنتهي العقرب إليه فيوجّه حمّته المسمومة إلى نحره". ويرى نيتشه في هؤلاء الناقمين عجزا ولّد فيهم نقمة على الحياة والأرض ؛ والمعبر الذي لا يؤدي إلى مطلع الإنسان المتفوق، الذي تكلم به زرادشت...
خُلقت من هذه الأرض وعليها وُجدت وإليها أنتسب. فلا تُضيّقوا علي من أجل أن أعتلي جنة لم أرها إلا في بطون الكتب، ولم أسمع عنها إلا في أساطير الأولين. طفولتي، أحلامي، شبابي، هرمي، شيخوختي، قبري...كلها كانت على هذه الارض، فيها ترعرعت وكبرت منتشيًا عبق تربتها، سابحا في أوديتها وبحورها، متفسحًا في جداولها وأنهارها، متغذيا من خيراتها. أنا لم أُكمل بعد معها، لقد اختطفتني فقط بالموت للحظات، لتحتضنني مرة أخرى، وتكون أمي الثانية، أين أرتاح قليلا في رحمها. هناك في أحشائها سأناجيها، حيث لا يسمعنا أحد، سنكون في خلوة لوحدنا، سأعترف لها كما يعترف المذنب لكهنة الدير. فتغسلني من أدراني لتبعثني من جديد، في رحم أم أخرى وفي خِضمّ وجود آخر؛ أين سأعيش هناك متفوقًا على نفسي ومتفوقًا على جسدي الأول بأفراح وأحزان أخرى، و بذكريات جديدة...أليس هذا بكافٍ ليُفسر لكم حالة "الديجافو" ويفسر تفوق الإنسان على الإنسان؟ أليس هذا ما تنادي به الأرض مُجلجلة "ما الإنسان إلا كائن يجب أن نتفوق عليه؟". ألا ترون هذا الارتقاء من عصر لآخر؟. أتوسل إليكم بكل ما تؤمنون به وبكل ما هو مقدس لديكم أن تُخلّوا بيني وبينها، أريد أن أقيم قيامتي عليها في كل مرة أموت ؛ وأرضَى بها حَكمًا وجلّادا.....هكذا سيتكلم الجسد لو نطق!!



#خالد_زيان (هاشتاغ)       Khaled_Ziane#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عطلة لأبناء المكون المسيحي بمناسبة عيد القيامة
- القوى الوطنية والإسلامية في القطاع: أهل غزة يمثلون طليعة الج ...
- قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية حول المفاوضات النووية
- جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تصدر بيانا حول الأحداث الأخ ...
- الأردن يعلن إحباط مخطط -للمساس بالأمن وإثارة الفوضى- وأصابع ...
- ممثل حماس في إيران: يجب إعلان الجهاد العام بالدول الإسلامية ...
- نحو ألفي مستوطن يستبيحون الأقصى وبن غفير يقتحم المسجد الإبرا ...
- بابا الفاتيكان يضع المعماري الشهير أنطوني غاودي على مسار الت ...
- حزب الله اللبناني يدين اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقص ...
- المئات من الكاثوليك في بيرو وغواتيمالا يحتفلون بأحد الشعانين ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد زيان - نداء الروح...ام نداء الجسد؟!