هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 5379 - 2016 / 12 / 22 - 16:01
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الأدب ومحاربة التطرف و الإرهاب
في الأدب , كما في رسائل وسائل الإعلام وكما في المناهج المدرسية , هناك نهج متناغم لنبذ الإرهاب وتجريمه وتحريمه حتى لو لم يتم التنسيق المبرمج والتخطيط فيما بينهم . فالإرهاب ليس قتل وتدمير و تشريد مجتمعات كما حصل في الإرهاب الصهيوني لدولة فلسطين وكما يحصل حاليا في سوريا من تجويع وحصار وقتل محليين في بيوتهم , وكما حصل سابقا في غزو العراق , فهناك فوق ذلك الإرهاب ضد الأقليات التي تعيش بيننا والتي هي مواطنة وشراكة وإنتماء للوطن لايمكن إنكارها وتظهر بتفجيرات لأماكن عبادتهم مثلما حدث في تفجيرات الكنائس في مصر قبل أيام ,والإرهاب أيضا يشمل الى جانب القمع والتخويف والتفجيرات , منعهم من ممارسة طقوسهم الدينية أوالإحتفال بأعيادهم فمجرد رؤيتك لتزيين شجرة الميلاد في احد المولات ,يبعث شعورا مريحا بالنفس فقد قال الشاعراللبناني زاهي وهبه " بين الميلاد والمولد النبوي مسافةُ صلاةٍ وَرَسُولا محبةٍ ومكارمَ أخلاق" .
فإذا ما إنتابك شعور بالإزرداء وأنت تستهجن نصب شجرة ميلاد في المول فأعلم يا عزيزي المواطن إنك تعاني من تعصب ديني وهذا يتعارض مع ما في الإسلام من سماحة و تسامح ومحبة .
الإرهاب قد يكون بمنع شعائر المسلمين في البلاد المحتلة , وليس غريبا أن نسمع أن دولة الإحتلال الصهيوني ستمنع الآذان للمصلين المسلمين في دولتهم الأبدية ( فلسطين المحتلة ) ,فهي كيان قام أصلا على المرتزقة و العصابات الإرهابية , وكما أن هناك أرهابا سياسيا , هناك الإرهاب والقمع الإجتماعي بقمع الرأي الشخصي والرأي المخالف ومصادرة حقوق الإنسان كما هناك الإرهاب الإ قتصادي بتدمير إقتصاد الدول و إستزاف مواردها وجعلها تسقط تحت طائلة الديون والقروض والمنح لتقع البلاد في النهاية تحت سيطرة أيدي عصابات عالمية لتبني سياساتها أو حرمانها من القروض فالبنك الدولي الذي يمنح القروض والمنح إنما يتبنى سلوكا إرهابيا في إجبار الدول المحتاجة على نهج سياسات لا تتماشى مع أفكار ومعتقدات السكان المحليين لفرض واقع جديد , كما حدث في الأردن تحت ضغوط ما يسمى باللوبي المالي , حيث أجبر الدولة على عدم كتابة اسم فلسطين في المناهج الأردنية ,فهي سياسة إرهاب دولي يمارس إزاء دول فقيرة ولوي ذراعها
من قبل عدو يحاربك في أموال أبناءك ويرسم لهم سياستهم و مناهجهم و يجعلهم يرزخون تحت العبء والضغوط طيلة حياتهم .
كما هناك ما يسمى بالإرهاب النفسي والخوف من العيش بمجتمعات غير آمنة ,حيث يخاف الشخص على حياته من القتل المجاني وماله من السرقة و شرفه من الإنتهاك والإغتصاب , كما أن الإرهاب قد يكون لفظيا ,بتهديد الشخص والإهانة والإستهانة والسخرية منه , فعندما يقول لك شخص برسالة الكترونية " سوف نرميكم في قمامة التاريخ ", هذا يدل على أن هذا الشخص يعتقد نفسه ثائر وبطل ومخلصا لوطنه من عناصر لا يحب وجودها في بلده , وقد يرتكب مثل هذا الساذج كل أنواع الإرهاب الأخرى للوصول لهدفه العدواني لما يعتقده من خرافات وأوهام فكرية ,ولذا نجد أن الإرهاب قد تغلغل في كل تفاصيل حياتنا حتى في طريقه إجبارك لولدك لكي ينام على سريره تحت وقع الضرب أو التهديد .
ولم تغفل عن ذلك الكتابات السردية وخاصة السرد الروائي في روايات تتعرض لكل أنواع الإرهاب بتطرفها ونتائجها وتأثيراتها على الإنسان في كل دول الصراع في العالم .
والمعروف أن لكل رواية رؤية تشتغل عليها ,وهناك خط يسير عليه الكاتب أثناء كتابته للرواية لتمرير ما يريد قوله أو ما يهدف إليه .
فما هي الثيمات التي تعالجها الروايات وتتطرق إليها في هذا المجال ؟
وللإجابة عن ذلك , أرتأينا المرور على جملة من الروايات التي فازت بجوائز عربية محلية أو ذات صبغة دولية و ناقشت بعضا مما نتعرض له في هذه الحياة المعاصرة من إرهاب - بعيدا عما كان يتم التركيز سابقا من روايات تتخذ من الهم الإجتماعي ثيمة لها بتعرضها لقصص تحفل بالفقر المعنوي والفقر الإقتصادي و ما يجره من سلوكيات غير مرغوبة أغلبها يعود لما يسمى بالجوع وأنواعه الجوع المعنوي ,الجوع الجسدي و الجوع النفسي , فلم تعد مشاكل الإغتصاب وقهر النساء والخيانات هي ثيمة الأعمال في عصرنا الحالي ,بقدر ما بدأ الإهتمام بما يسمى "أدب المهجر", وبدا ذلك واضحا في الروايات التي تفوز بالجوائز والتي تتحدث عن مرور ما يعانيه المهاجر العربي في بلاد الإفرنج .
فمن رواية امريكا" لربيع جابر" الى" بروكلين هايتس "لميرال الطحاوي حتى " عناق على جسر بروكلين لعز الدين فشير و رقصة شرقية و غيرهم , نجد أيضا روايات تكشف موضوع الإرهاب والتطرف الديني مثل "القوس والفراشة " أو تعرية للمجتمعات المتحفظة التي تتخذ من الدين ستارا يغطي ما يحدث من دعارة وتجارة للرقيق الأبيض وتهتك منفلت في القصور , كما في رواية " ترمي بشرر " و رواية "طوق الحمام " للكتاب والكاتبات السعوديات الذين قاموا بتعرية مجتمعاتهم بكل شجاعة .
ولا ننسى روايات معاصرة مثل رواية " مملكة الفراشة" التي تتعرض لواقع العالم الإفتراضي "الفيس بوك" كمحاولة للتشبت في الحياة إزاء ما يدور من خيبات حياتية و صراع مافيات الأدوية للمتنفذين في الجزائر , الى رواية "دوامة الرحيل" التي سردت بها الكاتبة " ناصرة السعدون " رواية مهاجرة عراقية الى امريكا بعد غزو العراق ,وكيف تعرضت البطلة للإرهاب اللفظي من قبل الطلبة الإمريكيين حيث كانوا ينادون البطلة - بالإرهابية – لمجرد معرفتهم إنها عراقية ولكن الرواية تستمد قيمتها الفعلية بما أظهرته من ذكاء بإظهار التناقض الحضاري في هدم حضارات قديمة مثل حضارة العراق في حرب غير عادلة مقابل دولة بلا حضارة ولا تاريخ – مثل دولة أمريكا – دولة الكل يعرف - كيف اقيمت على انقاض جثث السكان الأصليين - الهنود الحمر , فكيف لدولة ناشئة بالإرهاب والقتل أن تعي قيمة حضارة قديمة منذ الآف السنوات مثل حضارة االسومريين والبابليين العراقية .
حتى وصولا الى فوز رواية أجتماعية - نفسية - لرجل سوداني أعزب - مدرس كيمياء لم تعجبه كل وصفات الدخول للحياة , فأختار وصفة غريبة للخروج منها في رواية معنّونة (366) للروائي السوداني أمير تاج السر .
وهكذا نجد أن ثيمات العمل المطروقة تدور حول " التطرّف الديني" ، " النزاعات السياسية والاجتماعية" ، " وكفاح النساء" فإما أن تتعرض لنزاعات الأقليات وصراعها في مجتمعات عربية ترفضها , فمن صرخة "يا مريم " التي فجرت البطل " يوسف "في كنيسة النجاة في بغداد سنة 2010 , والبطل يوسف – بالذات - كان متفهما للحالة العراقية ومتفهما للحرب الدائرة وكان معتدلا في مسيحيته وتدينه , لدرجة إنك تتمنى عدم موته , فيأتي - الإرهاب - ليقضي على البطل المتسامح –الواعي –المثقف لحالة بلاده . ويترك وراءه مشاعر كراهية وحقد تلف الطرفين .
الى روايات تذهب بذاكرتها الى ماضي "حادثة تفجير كنيسة "درب الهوا" في بيروت في رواية جبور الدويهي , الى كفاح النساء في الغربة كما في رواية " دوامة الرحيل". والعودة للماضي الأليم , لعقد تصالح وغفران كما في رواية "طابق99 " التي تتحدث عن ما فعله حزب الكتائب من جرائم بمعاونة الجيش الصهيوني بالفصائل الفلسطينية في مخيم صبرا وشاتيلا في بيروت ,وصولا الى رواية " حياة معلقة " معلقة طبعا على كف عفريت كما في رواية عاطف ابو سيف التي تناقش حياة غزة و ما لحق باللاجئين التي شردتهم دولة الكيان الصهيوني سنة 1948والتجئوا للعيش في مخيمات غزة . يجترون أحزانهم ويتذكرون بحنين بيوتهم المسلوبة .. فما هو أسؤأ من اللجوء إلى بلاد الآخرين , أن تكون لاجئا في مكان آخر من وطنك , ويسمونك باللاجىء.
و صولا الى رواية فائزة تتعرض لمثلي الجنس مثل رواية الكاتب السوري خالد خليفة الصادرة سنة 2013 " لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة " تعود الرواية إلى زمن أحداث حرب النظام السوري سنة 1982 على حلب , حيث تتناول هذه الرواية سيرة شاب مثلي يجسد فيه دور "ذكر" برغبات أنثوية ويتحدث عن حفلات مثليّ الجنس في بيروت و يتحدث عن أم ترغب بالجنس وعمة تصدر رغباتها في العري أمام نوافذ الجيران , يتحدث عن المسكوت عنه ,عن الحزب الواحد وتفرد السلطة , عن النساء وعمليات الترقيع التي تقوم بها , عن الأنثى المستلبة والتدين المرحلي .. فمثل هذه الرواية التي غاص بها المؤلف بكل وحل المحرمات بأقدامها العارية , خرج مؤخرا بجائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأمريكية في القاهرة , ولهذا سنجد أن موضة مثليّ الجنس سوف تكثر في الروايات القادمة .وخاصة أن تقليد تلك الفئة المريضة صار له جماهيره وبات غير مستهجنا الضحك على بعض مثلي الجنس الذين يعرضون لنا فيديوهاتهم على مدار الساعة .
وفي الأدب خاصة - بات معروفا أن كل رواية تخترق التابوهات الثلاث المحرمة (الجنس , السياسة , الدين ) سوف تفوز بجائزة , فما زلنا نسمع عن فوز متكرر لرواية وعقود تصوير لتحويلها لفيلم ,إنها رواية " مولانا " للكاتب الصحفي المصري إبراهيم عيسى التي كانت من ضمن الروايات الست التي فازت بالترشح للفوز بجائزة البوكر سنة 2013 والتي تتحدث عن عالم رجال الدين وشيوخ الفضائيات و تناقضاتهم .
كل هذه ثيمات اشتغل عليها الأدباء و مازالوا يشتغلون ولكن ماذا عن رواية بعيدة عن تلك التابوهات المحرمة , رواية تناقش مسألة الإحتباس الحراري
مثلا .
ربما يجدر بي كتابة ملاحظة أوردها واسيني الأعرج في ملتقى للرواية العربية في القاهرة - حيث تساءل في ورقة بحثية تساءلا مشروعا :" لماذا لا توجد رواية عربية تطرح أزمة المياه في العالم العربي وتعالجها ضمن قالب روائي، كما في الأدب الأفريقي ، إذ لا تكاد تخلو رواية افريقية من مشكلة المياه .
, نعم لقد تم استهلاك كل مواضيع الحياة , فلما لا نلتفت قليلا لدمار البيئة و الاحتباس الحراري الذي أحدث فروقا واضحة في درجات الحرارة في عدة بلدان. وهذا يحيلنا للعودة لدور الروائي - الرائد في تفقده لمحيط بيئته والعناية بها بتضمينها في الأدب الذي يكتبه .
وأخيرا , ونحن في ظل هذه الظروف العاصفة ,سننتظر روايات مكتوبة بأيدي روائيين عرب مهاجرين هربا من الحروب والقمع ومصادرة الرأي , هربا من إرهاب دولهم العلني الى الإرهاب الخفي للدول المستضيفة المتمثلة بتلك النظرة الدونية لهم في بلاد الغرب وحتى في أدق التفاصيل مثل تلك المشاعر التي تتولد من مشاعر الخوف بوجودهم في المجتمعات الغربية .
كل هذا سنجده ونوثقه في ما يسمى بالروايات وليس بتقارير لمراسلي الجزيرة أو وكالات الأنباء المتعددة التي ستظل حبيسة أرشيفاتها ولا بمذكرات إحتجاج لمنظمات العفو الدولية أو هيومن رايتس وغيرها.
إنه الأدب من هؤلاء الذين يتجرعون غربة العيش في مجتمعات راقية ولكنهم حتما ليسوا بمعزل عما سيلحقهم من إرهاب خفي غير معلن , هؤلاء هم من سيصدر لنا المشاعر الحقيقية بتجارب حية نحن بإنتظار قرائتها
ولحينه يبقى الإرهاب لا نسب له ولا دين .
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟