|
الوطن وعنفوان الغربة في نص الشاعر السوري الدكتور حسن نعيم ( ملحمة يوسف الفلسطيني)
عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 5372 - 2016 / 12 / 15 - 23:38
المحور:
الادب والفن
الوطن وعنفوان الغربة في نص الشاعر السوري الدكتور حسن نعيم ( ملحمة يوسف الفلسطيني )
الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي
المقدمة : الدكتور حسن نعيم شاعر وفنان تشكيلي، عضو رابطة الكتاب السوريين، عضوالمبادرة العالمية للقيادات الإنسانية، سفير للنوايا الحسنة و حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. بالمختصر شاعر اتجه بمشاعره و جوارحه و وجدانه وعلم وأدبه نحو الإنسان بمفهومه الشامل ، استغرقه الهم الإنساني ، فغاص فيه إلى القاع، ثم عاد إلى السطح يحكي للقاصي والداني ما شاهده، وما أفزعه، وما أبكى مقله، وألهب بواطنه، ولأنه فنان تشكيلي برع في رسم كل ما أدركه وجدانه، لوحة ناطقة نكاد نسمع حكايتها، وصرخات شخصياتها وأقوالهم، ولا نشك بقدرة سفير برهافة شاعرنا في إيصال صوت المكلومين في وطننا الكبير إلى مسامع المجتمع الدولي، لعلّ الصوت يهزّ ضمير هذا المجتمع الذي حابى ومالأ كثيراً.
الصورة الكلية للقصيدة :
قصيدة منظومة في إطار الشعر المعاصر ، شعر التفعيلة ، تتناغم الألفاظ فيها مع المعاني في ترابط وتماسك لافت من أول القصيدة إلى آخرها، بعلاقة تبادلية مع بيئة الشاعر التي بدأها بفلسطين ثمّ جعلها تتوسّع لتعمّ كلّ الوطن العربي، الذي صار فيه الوجع واحد، النص من النوع التعبيري الذي تطغى عليه الصور الشعرية والإضاءات الجميلة، و يميل إلى العاطفة، وتبدو فيه التجربة الشعورية للشاعر جلّية واضحة. نص غنائي،الغرض منه حكائي توصيفي لتاريخ مظلم بِظلام الجبّ الذي رمى فيه أخوة يوسف أخاهم المدلَّل عند أبيهم، يحكمهم الغلّ والحسد و الشر، بدأه الشاعر بعنوان مقصود (ملحمة يوسف الفلسطيني ) وبالفعل عندما نسمعه نسمع جلبة ملحمة تاريخية تحكي قصة سيدنا يوسف في كل زمان وكل مكان، التناص الذي اعتمده الشاعر مع قصة سيدنا يوسف كان اختياراً صائباً وموفقاً ومؤثراً جداً. وقد ساعد ذلك الشاعر في استحضار الكثير من الصور البيانية التي تدور حول تلك الفكرة بدعم وإمداد وضخّ غزير. يمزج الشاعر بين الوطن والمواطن في ملحمته تلك، فتارة نسمع صوت الإنسان ، وتارة نسمع صوت الأوطان. وكلا الصوتين موجوع
البيئة التي قيل فيها النص : وطن سليب ، فلسطين .
الفكرة العامة للقصيدة ( المعاني الجمالية ):
ينطق يوسف هذا الزمان، يقف بين يدي أبيه يعقوب، نبي يشكو لنبي، ضحية يحكي قصة الجريمة التي ارتكبت بحقه، والمجرمون أخوته الذين جاؤوا من صلب أبيه، تجري في عروقهم ذات الدماء، لكن ما عمر فيه قلبه، عمرت قلوبهم بنقيضه ... ثم ينسب يوسف نفسه إلى بلده، أنا يوسف الفلسطيني، ثم يحدّد انتماءه، أنا يوسف العربي، ثم يصف حاله، أنا يوسف المنفي، وهذا أدب بالخطاب، أن تعرّف عن نفسك ونسبك وانتمائك، ثم تصف حالك، فلسطيني منفي من خمس وستين سنة عمر المأساة، يحرّك الشاعر المشهد، هذا قميصي يا أبي وكأننا نراه يتحرّك باتجاه أبيه الصامت، الذي لن ينطق أبداً منذ بدء القصيدة وحتى نهايتها، والحقيقة أن يعقوب جالس على كرسي على خشبة المسرح حاله حال الجماهير التي تشاهد العرض.. هو كل متلقي... يحرّك يوسف قميصه الملطخ بدم كذب، التاريخ الملطَّخ بالكذب، التاريخ الذي كان طاهراً يستر طاهراً، فدنّسوه بدم كذب تَبَرَّأ الذئب منه، وأشار إلى النفوس الإنسانية وقد فاقته شرّاً، هو إن فتك فلفطرة البقاء التي فطره الله عليها، نتأمّل المشهد، يشير يوسف إلى أخوته، يتابع شكواه: يحتفلون بمنفاي أبي، يشعلون الشموع احتفاءً بنجاحهم في إنجاز جريمتهم، ما زالوا يعدّون المنفى لأبنائي وأحفادي، لشعبي، وبناتهم بنات صهيون يرقصن ويغنين مرفوعات على الأيادي وفي العلالي، الفلسطيني منفي عن بلده، والبغاة يعيثون فيها فساداً وانتشاراً، يلتفت يوسف إلى أبيه مذكراً : أنا يوسف يا أبي ! وكأن الأب مُغيَّب، ويسأل بحسرة متى ننتقل من جوع الحياة إلى شبع الخلود ؟ سؤال عميق بعمق الحياة وامتداد الخلود .. أنا يوسف يا أبي، وهنا ينطق الوطن باسم يوسف، فلسطين تنطق باسم يوسف، تقول أنا يوسف يا أبي وهؤلاء الذين باعوني لصهيون ، وسلموني لأموت وحيداً، ولأنطق وحيداً ولأدخل صلح مخزٍ وحيداً، هنا في أرض الأولياء يا أبي اهتزت قبورهم هلعاً ، هنا كان سوق النخاسة الذي باعوا فيه الشريفات سبايا، القدس، بغداد، ودمشق ، باعوا الستر وكشفوا عوراتهم، خانوا انتصاراتهم، خانوا حطين، وباعوا فلسطين، تاجروا بالشرف وجهلوا . ويكثر الشاعر من ترداد اسم الإشارة (هنا). يعيد ويكرر أنا يوسف الفلسطيني أنا يوسف العربي وهذا قميصي، الدم الذي عليه هان على مشاهديه وأصبح ماءً، ثم احترق كما القضية فأصبح جمراً، ثم سَكَراً تغيب فيه العقول، ثم استحال إلى بلاء ووباء، هذا هو حال القضية الفلسطينية. في هذه البقعة وقع الشمال على الجنوب، وهنا أكل الغرب حضارة الشرق، وهنا سرق الخيل سرقت الأصالة، وتصاعد النحيب والعويل، من الأهوال والجرائم التي ارتكبت، وهنا قتلوا الزيتون في أرض الزيتون، وهنا جنود الرباط يقاتلوا أهل الردة، وهنا تتقارب الأبعاد، تكرار ( هنا )، جسد المسيح المصلوب، وصخرة أحمد، وهنا جامعة الدول العربية، جامعة العهر العربي والشر العربي، وهنا رجموا فيي كل المذنبات في بيارات البرتقال، رموا يوسف في بردى والفرات، وأغرقوه في النيل، هنا ارتكبوا كل جرائمهم، هنا انطوى الشمال على الجنوب، وهنا دخلت التيه وحدي أمشي فيه مسافات إلى حيث لا أدري، يحتار يوسف، يتساءل ما أصعب أن تجبر على ترك مكانك، أبتي ما زلت أذكر وصيتك لي بألا أخبرهم برؤيتي حتى لا يكيدوا لي، هنا يا أبتي باعني العابرون بثمن بخس في بلد المنفى، وهنا تتغيّر النبرة باتجاه إيجابي، سأتحوّل إلى حمامة سلام بيد المسيح ، وإلى قمر على كتف أحمد، سلام بين إسلام ومسيحية، سأبقى صامداً أريق دمي دفاعاً عن العرب، قميصي يعبق بعطر الأنبياء، عطر يسوع وأحمد، نبضات حياة وقوة يطلقها الشاعر بين حسرات وتأسي. وتعود الحيرة لتهبط مؤشر العزم والسلام، لتسجن يوسف، ليكون أسيراً في منفى الكلمات، ويعود الخوف ليهوي بالخط البياني أكثر، الخوف من خسة الأخوة، من خطط غدر تحيكها عتمة قلوبهم، ثم الشفقة على أب أغرقت دموعه لحيته حتى ابيضت عيناه، هو المبعد عن تلك العينين أعواماً وأعوام، و تعود وعود الخير لترفع الرسم البياني، سيكون عيناه، والوعد الصادق، يرتفع الإصرار على رفض المنفى، لا أرض جديدة ولا حياة جديدة، و لا انتماء جديد، الهوية جاثمة في القلوب الصادقة، في قلب الأم والأب والأخت والطفل، وسرعان ما تعلو القريحة بعاطفة المقاومة، يحطم أصنام الصمت ويطلق سراح الروح، لتأتينا صورة جمالية استوقفتني طويلاًً، سأحمل أنفاس اللحظة ، وأستحم بحيض الشمس، وأطهّر نفسي، مغسولاً من اللعنات، الله ! الله! ما أجملها من صورة ! وما أطهره من غسل ! هذا تطهّر من دنس المنفى، وكأن المنفى كفر أسلم بعده يوسف، فوجب عليه غسل بشفق الشمس الأحمر الذي أشبه دم الحيض النجس ، فكان النجس ماء طهر، يذهب رجس اللعنات، سيبقى طاهراً، حتى لو راودته الريح عن نفسه، سيبقى ماسكاً لزمامه، يحمل مفتاح جسده الذي أغلقه بعيداً عن شهواته، وهو من دعته أجمل النساء فاستعصم، لن يكتب الرسائل، فما زالت الرسائل خطرة، غير مقنعة من رجل ظنوه ميتاً منذ ميلاده، وأقاموا لوفاته مجالس عزاء، سجلوه في سجل المنفى، لكنه لم يمت ! ولم يفلحوا في محو ذاكرته، فهو يوسف الفلسطيني، ولمن يجهله هو حدود النار، والنصر بعد انكسار، بركان وإعصار، ويكسر الحصار، ويبزغ بعد الليل نهار.
الفكرة : في القصيدة أراها جديدة، التناص الذي اعتمده الشاعر و وظّفه في خدمة الفكرة أضاف إلينا و إلى الشعر إضافة جديدة أمتعتنا، وقرّبت إلينا الكثير من المواضيع التي عرض لها الشاعر في قصيدته، وهي غير مشكوك بصحتها كونها قضية معاصرة عشناها ونعيشها.
المعاني الشعرية: جديدة بمعظمها، وهي عميقة في كل مستوياتها وأنواعها، كونها وجدانية يغلب عليها الوطنية و الحزن و القهر والإحساس بالغدر والخسة، والإصرار والتحدي على رفض المنفى، ثم بث التفاؤل والأمل، تسلسل المعاني في القصيدة منطقي ومرتب، يعكس مقدرة الشاعر و إتقانه في استخدام أدواته .
العاطفة : وجدانية إنسانية قومية، غابت عليها عاطفة الحزن والقهر والغربة والوطنية، كلها شكوى من ظلم وغدر بني القوم والأخوة، تخللتها وبخجل، عاطفة إصرار وتصميم على المقاومة للفوز بحياة أفضل، التفاؤل جاء في آخر القصيدة لتنهيها بحقيقة أن الليل يعقبه النهار.وهي عاطفة صادقة إذ لا تخفى هذه العاطفة على أي عربي مخلص .
خيال الشاعر : كان خصباً ساعده التناص ، في استقدام الكثير من الصور البيانية التي تنوّعت مع تسلسل المواضيع المثارة ، والقصة التناص. أتاحت الفرصة للإتيان بالكثير من الصور البيانية، نستعرض بعضها: ( خمس وستون عجاف) استعارة وكناية (متى نعبر من مجاعة الحياة الزمنية ) كناية (هنا باعوا القدس ...) استعارة (هنا تاجروا بجدائل المرأة ) استعارة (هنا وأدوا الياسمين ) استعارة (هنا ابتلع الغرب الشرق ) استعارة ( هنا سرق الصهيل ) كناية (حل العويل )كناية عن الحزن (سأتحول إلى حمامة ) كناية عن السلام ( سأحطّم أصنام الصمت ) استعارة ( يلبسني الظل ) استعارة ( أنا المنفي داخل الكلمة ) استعارة (أستحم بحيض الشمس ) استعارة
الأسلوب : أسلوب أدبي راق، استخدم فيه الكاتب العديد من الصور الجمالية ، وعمد إلى تكرار الضمير ( أنا ) مع اسم العلم (يوسف ) مع لفظ( الفلسطيني ) و ( العربي ) المعرف بالألف واللام ، دليل فخر واعتزاز بصفة الصدّيق ، واعتزاز بالانتماء إلى الأصل العربي والوطني القومي، تكرارها كان اعتزازاً في بعض المواضع، وتذكيراً وتأكيداً على الأمجاد في مواضع أخرى ، وحسرة على ما لحقه من ظلم وهو العزيز في مواضع أخرى، واستعمل اسم الإشارة ( هنا) بكثرة أيضاً. استخدم الشاعر أيضاً الطباق بكثرة ( موتي وميلادي )،(مجاعة ، شبع )،(الموت، الولادة )،(الصمت ، النطق)،(الشمال ، الجنوب )،(الشرق ، الغرب)،( الليل ، النهار ). (نصر ، انكسار )، ( أدري، لا أدري). استخدم الإطناب بالترادف: ( يشعلون ، يوقدون ) ( باعوني , أسلموني ) (ترقص، تغني ) (تهتز ، ترتعش) كما استخدم الجناس : (خمراً، جمراً)، ( بلاء ، وباء) تأرجح أسلوب الشاعر في القصيدة بخط بياني يصعد تارك وينعطف منحدراً تارة أخرى ، بين فخر واعتزاز، ثم حسرة وتأسي وحزن وظلم ، ثم صمود وتصميم على المقاومة، بين ذُل وقهر ، ثم إباء واعتزاز، لتنتهي القصيدة بالتفاؤل والأمل والصمود.
التمركز التفكيكي : تمركز النص حول فكرة غدر بني القوم و وضاعتهم، وبيع القضية الفلسطينية بالإطار الخاص، والقومية العربية بالإطار العام، وهذا التمركز لا يختلف عليه اثنين . أما المتحولات فكانت مواضيع تدور في مدارات مختلفة حول هذه النواة المركزية، تختلف الرؤى حولها من متلقٍ إلى آخر، وهي اللآلئ المخبوءة التي يتفنن كل متلقٍ باصطيادها، تغطيها الصور الجمالية التي صوّرها الشاعر وترك لنا حرية تأويلها، وقد أشرت إليها في معرض تفكيكي للمعاني الجمالية للقصيدة، وإشارتي إلى الأسلوب الذي انتهجه الشاعر.
التكميم التفكيكي:
ويعتبر التكميم، أحد عناصر تحليل المضمون الهامة، في تفكيك النصوص، ويقصد به تحويل المعاني من مفردات أو تعابير أخرى إلى أرقام، ومن ثم اكتشاف دلالة الرقم، ويتم هذا التكميم أو التحليل الرقمي بمنهجية، وفق خطوات معروفة، ولغايات محددة، وتتوخى درجة الموضوعية و الحيادية فيه، وتجنب الأحكام الذاتية في هذا التحليل، و وحدات التحليل الأساسية هي : الحرف ، والكلمة، و العبارة، والفقرة، والفكرة، والشخصية، والزمان، والمكان ...ومن ذلك يكتسب هذا المنهج العلمي التفكيكي منهجيته العلمية، بأنه يمكِّن الباحث من التعمق والاندماج في صلب الموضوع، و يساعده أيضاً على الوصول إلى إجابات مقنعة عن الأسئلة التي تثار حول النص، وذلك بفضل قدرة التفكيك على التفسير الذي يزيل الغموض، ويظهر الغايات المقصودة من النص بوضوح، وكذلك يساعد على إظهار المعاني الدفينة والمخبوءة في النص، وإجلاء مضامينه على نحو دقيق، ويفيد هذا المنهج العلمي، المجتمع والباحثين في الأدب والعلوم الأخرى بأنه يصف الظروف والممارسات في المجتمع، ويبرز الاتجاهات المختلفة، ويساعد على الكشف عن نقاط الضعف والقوة والتناقضات، ويساعد على تطوير الأداء، و إظهار الفروق في الممارسات، وتقويم العلاقات بين الأهداف المرسومة وما يتم تطبيقه على الكشف عن اتجاهات الناس وميولهم.
وقد استخدم الشاعر نوعين من المفردات : 1-المفردات والمعاني الثابتة: وهي المفردات التي أخذت بنوعي المفردات النحوية الأساسية الاثنتين (مفردات المحتوى content words ومفردات التركيب -function- word) : أنا يوسف العربي ، أنا يوسف الفلسطيني ، يا أبتي. 2- المفردات الدلالية المتكررة ، وتلك المفردات حركها الكاتب بشكل فني مدروس لإعطاء جمالية في النص ، فأعطى لكل مفردة وظيفة معينة ، وعمل على تكرارها بشكل واعٍ ، لتعطي دلالات تضيف عمقاً لبنية النص
.حاولت تطبيق التكميم التفكيكي على النص، أجريت حساباً رياضياً لجميع الكلمات المعبرة، بعد أن حوَّلتها إلى أرقام بدلالات تفكيكية سيميائياً، ركزت على الكلمات التي تكررت في النص لأعطي دلالات تصوّر حسي لإحساسات الكاتب، تحمل معانٍ ودلالات تبيّن إمكانية الكاتب في كتابة النصوص بشكل متمكن . وقد بلغ عدد التكرارات132 وحدة حسية موزعة بين إيجابية وسلبية .
الدلالات الإيجابية :
الاعتزاز والفخر :تكرار ( أنا، أنا يوسف العربي ، أنا يوسف الفلسطيني ) :16 حب :(أبتي ، أبي) :14 فخر بالوطن : ( هنا) :4 صمود ومقاومة وتصميم :25 التحدي و رفض المنفى :8 التفاؤل :3
المجموع :70
الدلالات السلبية :
الحسرة والقهر والحزن :24 الغدر والخسة : 30 الشكوى من الغربة والحيرة : 8
المجموع 62
المحصلة: 70-62=8
نجد غلبة للدلالات الإيجابية بزيادة مقدارها8 وحدات إيجابية لذلك نحكم علمياً وإحصائياً أن الشاعر في هذا النص وطني الهوية، عزيز النفس يشعر بالاعتزاز والفخر، تفاؤلي النظرة، صامد ومقاوم ، يأبى الضيم والذل، وجداني المشاعر.
الخاتمة : أتمنى أن أكون قد أخلصت في تناول النص بتحليلي التفكيكي هذا، وأن أكون قد أفلحت بالإحاطة بمفاصله، فمن حق النص ومن حق الشاعر على أن أكون قد فعلت، فإن قصّرت فعذري أنني بشر، وما زلت أحبو في عام النقد الرحب، فاعذروا تقصيري . تحياتي إلى الشاعر والسفير والفنان المبدع الدكتور حسن نعيم، الذي أطلق صوته مغرداً بهذه القصيدة على مسرح عمون بالأردن وفي الكثير من الأمسيات الأدبية .
النص الأصلي:
ملحمة يوسف الفلسطيني أنا يوسف الفلسطيني انا يوسف العربي أنا يوسف المنفي وخمس وستون عجاف وهذا قميصي وعليه دم كذب، وهاهم إخوتي يا أبتي يشعلون الشمع لعيد المنفى يوقدوه لأولادي يوقدوه لأحفادي يوقدوه لموتي وميلادي وبنات صهيون ترقص تغني
محمولة على الأيادي أنايوسف يا أبتي فمتى نعبر من مجاعة الحياة الزمنية ؟ متى ندخل إلى كمال الشبع الأبدي ؟ أنا يوسف يا أبي وها هم الذين باعوني وأسلموني للموت وحدي للولادة وحدي للصمت وحدي للنطق وحدي للصلح وحدي للريح وحدي هنا يا أبي تهتز قبور الأولياء هنا تهتز ترتعش قلوب الضعفاء هنا سوق النخاسة والبيع والشراء هنا باعوا القدس هنا باعوا بغداد هنا باعوا دمشق هنا باعوا حتى ورق التوت باعوا فلسطين ونصر حطين هنا تاجروا بجدائل إمرأة دوخت بسحرها الشمس هنا وأدوا الياسمين أنا يوسف الفلسطيني يا أبي أنا يوسف العربي يا أبتي وهاهم إخوتي وهذا قميصي وهذا الدم قد أصبح ماءً أصبح جمراً أصبح سحراً أصبح خمراً وبلاء ووباء هنا سقط الشمال على الجنوب هنا إبتلع الغرب الشرق هنا سُرق الصهيل وحل العويل هنا قُتل الزيتون هنا جنود الردة هنا المسافات الأقرب هنا جسدي جسد المسيح المعذب هنا صخرة أحمد الكوكب هنا جامعة العهر والشر المذنب هنا رجموني عند بيارات البرتقال عند بردى والفرات هنا أغرقوني في دموع النيل يا أبتي أحتاج كثيراً لأن أمشي وحدي إلى حيث أدري .. ولا أدري كم هو صعب يا أبي أن تجبر على ترك شئ لازلت تريده ولا زلت أذكر يوم قلت لي لا تقل لهم ماقلته لي وأنك ستطير فوق وتآتي بالمطر أنا يوسف يا أبتي هنا باعني السيارة لضلوع الموت القبر المنفى بالثمن البخس هنا سأتحول إلى حمامة في يد يسوع وقمراً على كتف محمد هنا سأبقى صامداً هنا سأتبرع بدمي ليعيش العرب أنايوسف يا أبتي فخذ قميصي واشتم عطر الأنبياء إشتم عبق يسوع ومحمد أنا المنفي ياأبتي داخل أسوار الحروف أنا المنفي داخل الكلمة أطوف بسؤالي حول السطور وأسعى … أضم حزني وأدعي ولا أدري ما يرسم أخوتي في العتمة قد يلفظ البركان الثلج ياأبتي لكن أخوتي لن يلفظوا إلا الغدر والخسة أنا يوسف ياأبتي تفيض لحيتك قهراً ودموع وتفيض جيوبهم ذلة أنا المنفي في عينيك أعواماً سأسرج لك عيوني فلاتبكي سنلتقي هناك على ضفة جرحي حيث الوعد الموعود هذي صلاتي أنا الراحل العائد الصامد كالزيتون لا أريد حياة جديدة ولا أرض جديدة ولاهوية جديدة ممزوجة منسوجة بالدم فهويتي في قلبك يا أبي في قلب كل أم وأخت وطفل يلبسني الظل ويتفيأ عمري أعوذ بالله منه ومني ها أنا ذا أحترق في أنات الروح والجسد المنفي المرهق وأنتظر العودة والمفتاح مغموس في جسدي يا أبتي هل تسمعني سأحطم أصنام الصمت سأحمل أنفاس اللحظة وأستحم بحيض الشمس وأطهر نفسي مغسولا من اللعنات حتى حدود الريح ومهما شهوتها راودتني عن نفسي سأبقى حامل المفتاح في إنتظار الوصول لخارطة الجسد يا أبتي لازلت في إشتهاء لن أكتب شيئاً فالرسائل خطرة وأنا في نظرهم إنسان ميت فلقد أقاموا صوان العزاء من لحظة ميلادي وسجلوا أسمي في سجلات المنفى ظنوا أنهم غسلوا ذاكرتي لكن نبضي لم يزل يحمل هويتي أنا يوسف الفلسطيني أناحدود النار والنصر بعد الإنكسار والبركان والإعصار فليأت الحصار وليبنوا الأسوار صامد أنا ياأبتي وبعد الليل سيبزغ النهار
د. عبير خالد يحيي
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعر كوسيلة لاستعراض الآفات المجتمعية وعرضها على طاولة التش
...
-
قراءة نقدية في كتاب (ابن العذراء) للكاتب المصري /محمد ربيع /
-
نهاية الانتظار
-
الهاجس
-
نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأدباء والنقّاد والمترجمين العرب
-
البديل
-
المنتصر في الحرب مهزوم
-
النهاية
-
التدوير الأدبي ورسم المشاهد عند الكاتب المصري الأستاذ محسن ا
...
-
نذور الوطن
-
نقد أدبي مقدّم لرابطة الأدباء والنقاد والمترجمين العرب من ال
...
-
نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأبدباء والنقاد والمترجمين العرب م
...
-
ومع ذلك ..لم أقتنع
-
وعد غير منجز
-
الاتجاهات التربوية والعبر المجتمعية في نصوص الكاتب والأديب ا
...
-
ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
-
قراءة في نص (تأبط شراً ) للأديب العراقي / كريم خلف جبر الغال
...
-
عشرون و نيّف
-
اللعب مع الكبار
-
جروح لا تندمل
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|