فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5369 - 2016 / 12 / 12 - 16:44
المحور:
الادب والفن
إيزيسْ
النحيلةُ
يمامةٌ بيضاءُ
تحُطُّ فوق هامتِها،
وأكياسُ حلوى
مزروعةٌ في جيبِها،
وجمرةٌ موقدة
في ثنايا القلبْ.
ومَنْ ذاك الذي
يجمعُ نُثارَ الفتى الأوسمِ
من وهادِ الطريق؟
مَنْ ذاك الذي
يرتّبُ القُصاصاتِ المنثورةَ
على ضفاف الوادي
ويصطادُ نُدَفَ الجليدِ
من عروقِ الغيْم
لتكتملَ البردياتُ المبعثرةُ
بين ثنايا مصرَ
حتى تنتظمَ
بين شِغافيْن
كتابًا
سويّا؟
***
أنا إيزيسْ
سيدةُ القطريْن
أنا الثكلى التي
منذورةٌ للتوحّدِ
والفقدِ
علّمتُ نفسي
أنّ الحزنَ ... فنٌّ
وأن الابتسامَ في الحزنِ ... فنٌّ
وأن النبالةَ في الحزنِ ... فنّ.
***
كان
إكليلُ عُشبٍ
بزهراتٍ ثلاثْ:
رهنتُ الأولى لرحلةِ صيدٍ
ذهابًا
من دون إياب
وغادرني الحبيبْ.
وثانيةُ زهراتي
كانت لطفلٍ
ألقمتُه الحَبَّ والشعيرَ من كفّي
فشبَّ
وطالَ سعفَ النخيلِ،
ثم تشتتَ في سمائي
دُخانـًا
وقصائدَ
وأراجيحَ صغارٍ.
لا تصدقوا اللونَ الذي
غابَ عن فساتيني
وعن شرائطِ شعري
لا تصدقوا الحُليَّ التي
غادرتْ نحري
ولم تعُدْ
لا تصدّقوا السكونَ الذي
خيّمَ على جوانبِ حديقتي
...
فمَحلُّ القلبِ
مازال شيءٌ من عصيرِ الشَّهدْ
رغم رحيل الأحبةِ،
وبعضُ سكاكرَ
لأطفالِ الحيّ المحرومينَ،
والوجهُ الذي
شاحبٌ كالثلجْ
طينتُه
دفءُ رحمةٍ
تهبُ الأمواتَ
حياةً.
وثالثةُ زهراتي
عروسُ النيل
تغطسُ في الأحمرِ
لتنبثقَ كزنبقةٍ بيضاءَ
في المتوسّط،
ثم تمتشقُ رُمحَها
بخُطوِ إلهةٍ رومانية
وماءٌ
يقطرُ من جديلتِها
هي طفلتي التي
لم تأتِ أبدًا
فوق عتباتِها
تناحرَ العاشقون
فألقيتُها في النيلِ
غيداءَ
شهيّةً
قربانًا للغائبيْن.
لا تسألوا مرآةَ الردهةِ
كيف كنتُ أرقُبُها
على صفحةِ بلّورِها
تدلفُ من غرفتِها
نحو سور الحديقةِ،
ولا تسألوا خيوطَ التريكو
كيف غزلتُ لطفولتِها
مَعْبرًا ملوّنَ الدَرَج
وتكعيبةً
من ظلالِ الزيتونة التي جوار البيتْ
كي تخطوَ صبيّةً شهيةً
نحو الربيع.
***
أنا إيزيسُ النحيلةُ
لا ماسةٌ في إصبعي
ولا سوارٌ ذهبيٌّ
يُزيّن معصمي،
لكن تاجًا من نورٍ
يُكلّلُ هامتي
عند ثغري ابتسامةٌ
وفي قلبي
مَجرَّةٌ
بأسرِها.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟