أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير الحمادي - جريمة الكاتدرائية المصرية














المزيد.....


جريمة الكاتدرائية المصرية


سمير الحمادي

الحوار المتمدن-العدد: 5369 - 2016 / 12 / 12 - 00:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عن انفجار الكاتدرائية في القاهرة صباح اليوم (11 / 12 / 2016):

أنا مسلم، ولا يوجد حرف واحد في عقيدتي يبرر أو يفسر ما حدث خارج دائرة الإدانة المطلقة، أقول هذا بثقة كاملة، وعن معرفة وفهم. ومع ذلك، أجدني للمرة المليون متهماً بجريمة لم أرتكبها، وعلي أن أدافع عن نفسي وعن ديني، وأدخل في سجالات بيزنطية عن علاقة الإسلام بالتطرف والعنف لا تنتهي إلى نتيجة: فلا أحد يقتنع.

لماذا كل هذا؟ لأن حفنة من الأوغاد أو الحمقى المتشددين (إما تحركهم المصالح أو الأوهام)، ليس بيني وبينهم سابق معرفة أو صلة، قرروا، لأسباب تخصهم وحدهم، اقتراف جريمة شنيعة أنا نفسي، لا أعلن رفضي لها فقط، بل أشعر بالتقزز والغثيان لمجرد التفكير فيها، فإذاً: السيئة يجب أن تعم، كل المسلمين يجب أن يقفوا بالطوابير في دائرة الاشتباه، ولا أبرياء في الحكاية.

أخطر معضلة واجهت الإنسان منذ بدء التاريخ هي الأيديولوجيات التي تستلهم الدين: إقحام الأديان في صراعات سياسية وسلطوية مركبة ومعقدة، على نحو يوحي بأنها موجهة لها، خطر كبير جداً، يدفع ثمنه الجميع، والتاريخ مليء بالتجارب والمآسي في هذا السياق.

في حالة الإسلام المسألة أكثر تعقيداً، وقد تمت دراسة هذا الجانب كثيراً، على يد مسلمين، وصدرت مئات الكتب والأبحاث (وهي صادمة جداً)، التي حفرت في الموضوع بطريقة عنيفة وقاسية، ووضعت يدها على أصل الداء بشجاعة ووضوح، وبلا مواربة.

وللعلم فقط: ثمة ثلاثة أنساق أساسية هيمنت على بنية الحالة الإسلامية على مدار التاريخ: نسق الإسلام السلطوي، نسق الإسلام الاحتجاجي، ونسق الإسلام الانسحابي.

تاريخياً، ظهرت انقسامات الإسلام الكبرى عقب وفاة النبي محمد (ص)، وتحديداً خلال السنوات الأخيرة من العهد الراشدي (ما يعرف في التاريخ الإسلامي بالفتنة الكبرى، وهذا المصطلح: الفتنة، هو الأساس الذي بني عليه كل الفقه الإسلامي: كله، وهو الذي يفسر التاريخ الإسلامي من أوله إلى الآن)، وهي الفترة التي شهدت أزمات وانقلابات عنيفة في السياسة والدين والمجتمع، غيرت كل شيء في البنية الذهنية والنفسية الإسلامية.

بيد أن هذه الانقسامات لم تتجذر، ويجري التنظير لها وتقعيدها بشكل واضح ونهائي، إلا في العصرين الأموي والعباسي (والعباسي تحديداً)، ومع اشتداد المنافسة والصراع بين هذه الإسلامات، أتيح لكل نسق أن ينبني، وأن يتراكم، وأن يطور مسلماته الفقهية وأدواته الأيديولوجية.

داخل هذه الأنساق، تتحرك الوحدات الإسلامية الحالية، وتنزلق في اتجاهات مختلفة، لكنها كلها تتصارع على حلبة الإسلام، وفي الوقت نفسه، تتشابك مع بعضها على نحو بالغ التعقيد (أي أنها تتصارع وترتبط مع بعضها في آن واحد بخيوط وثيقة، لكنها غير مرئية من الخارج):

هناك الإسلام الرسمي الذي يجسد النسق السلطوي (إسلام الدولة والأزهر في مصر مثلاً)

والإسلام الصوفي (الطرق والزوايا) الذي يجسد النسق الانسحابي

والإسلام السياسي الذي يجسد النسق الاحتجاجي (إسلام الإخوان المسلمين، وهو نسق من الممكن أن ينزلق إلى العنف في حالات معينة: كما فعل التيار القطبي في الستينات).

أما المروحة السلفية، وهي الأهم والأخطر والأكثر تأثيراً اليوم، فتتوزعها سرديات إسلامية متعددة (تقليدية وحركية وجهادية)، كلٌّ منها يجسد أو يتقاطع مع واحد من الأنساق المذكورة.

فالسلفية التقليدية تجسد نسق الإسلام السلطوي (عبر الإعلاء من مفهوم الطاعة أو الامتثالية السياسية)

والسلفية الحركية تجسد نسق الإسلام الاحتجاجي (وهي الأقرب لفكر الإخوان)

أما السلفية الجهادية، التي تضرب اليوم في العالم كله، فهي تجسد نسق الإسلام الاحتجاجي العنفي (عبر تفعيل وتكييف قراءات تراثية خاصة لمفاهيم الطاغوت والحاكمية والولاء والبراء والتكفير والجهاد أُنتِجت في بيئات وسياقات صراعية كما هو الحال مع الإرث الفقهي لابن تيمية)، وقد تعرضت بدورها لشرخ خطير في العام 2013 على خلفية الثورة السورية، وانقسمت إلى جناحين:

الجناح الخراساني الذي يتزعمه تنظيم القاعدة في أفغانستان

والجناح العراقي الذي يقوده تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا

والاثنان يكفران بعضهما ويقتتلان بلا هوادة أو رحمة، في سوريا وليبيا وجبهات أخرى، وقد سقط بينهم مئات القتلى، بل إنهم صاروا يقتلون بعضهم أكثر مما يفعلون مع خصومهم.

بعيداً عن كل هذه التفاصيل، ما هو الحل المناسب للخروج من هذا المأزق الحضاري والإنساني الذي يواجهه الإسلام والمسلمون اليوم؟ إنه، بلا فلسفة، في وضع اليد على الجرح: أي التراث الفقهي الإسلامي المسئول عن كل هذا العنف والقتل والدم، وليس الدين الإسلامي الذي تعرض لعملية أدلجة تاريخية قد تكون الأطول والأكبر والأسوأ في تاريخ الأديان.

هذا التراث بحاجة إلى عملية كنس ومسح وتنظيف واسعة وشاملة وعميقة لا تبقي ذرة غبار إلا أتت عليها، من أول تاريخ الإسلام، وليس في عصوره الوسطى والمتأخرة فحسب.

البداية ينبغي أن تكون من هنا، بعد ذلك كل شيء سيأخذ مجراه الطبيعي، فضرب الأساس كما يجب، بشكل منهجي وجذري وكامل، وعلى مرأى من الجميع، سيؤدي إلى تصدع وتداعي البنيان بأكمله: من تلقاء نفسه، بلا مشاكل، وبلا ضحايا.

لا يوجد حل آخر.



#سمير_الحمادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر الجهاد
- مراجعات السلفيين في المغرب
- الله حق.. الإنسان هو الشر
- ملاحظات على هامش ظاهرة إسلام البحيري
- كفوا عن داعش.. فإنهم متّبعون
- المتطرفون في الفيس بوك
- الفراغ الأيديولوجي: أزمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وا ...
- في مفهوم الشرعية السياسية
- خلفاء خارج الصندوق
- موقف الإسلاميين المغاربة من تنظيم -الدولة الإسلامية-
- -وعاظ السلاطين- لعلي الوردي: قراءة وإضاءات
- قراءة في كتاب -حديث الشيطان: مقابلات مع سبعة طغاة- لريكاردو ...
- جماعة بوكو حرام
- مقدمة في تاريخ الحركة الجهادية في سورية
- قراءة في مصطلح -السلفية الجهادية-
- في بؤس الإعلام المصري
- عن الكواكبي.. ومعضلة الثورات العربية
- عبد الله القصيمي: الأصولي المنشق
- الإسلامولوجيا وسؤال الكفاية: نموذج مغربي
- برقية.. إلى ثوار -الربيع العربي-


المزيد.....




- اقــــرأ: ثلاثية الفساد.. الإرهاب.. الطائفية
- المسلمون متحدون أكثر مما نظن
- فخري كريم يكتب: الديمقراطية لا تقبل التقسيم على قاعدة الطائف ...
- ثبتها بأعلى إشارة .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على ال ...
- “ثلاث عصافير”.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 ...
- مؤرخ يهودي: مؤسسو إسرائيل ضد الدين والإنجيليون يدعمونها أكثر ...
- الشيخ علي الخطيب: لبنان لا يبنى على العداوات الطائفية +فيدي ...
- اضبط الان تردد قناة طيور الجنة toyor al janah على الأقمار ال ...
- ” بإشارة قوية ” تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 Toyor Aljanah ...
- ثعلـوب الطبيب باقة من أجمل اغاني الأطفال عبر أستقبال تردد قن ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير الحمادي - جريمة الكاتدرائية المصرية