عبد المجيد طعام
الحوار المتمدن-العدد: 5367 - 2016 / 12 / 10 - 07:14
المحور:
الادب والفن
في ركن من الحديقة المهمَلة جلس بلقاسم مع صديقه الحاج يتجاذبان أطراف الحديث و يبحثان في تجاعيد ذاكرتيهما عن أشرطة غابرة قد تمنحهما لذة استرجاع شذرات من أيام زمان ...أيام امتزج فيها الشباب بالشغب ، لكن و دون سابق إعلان تذَّكر بلقاسم في تلك اللّحظة شيئا مهمّا فقال لصديقه :" كنت أبحث البارحة عن بطاقة التقاعد، فصادفت ظرفا يحمل تحليلات طبية قمت بها منذ خمسة و أربعين سنة...كان عمري لا يتجاوز الخامسة والعشرين...." نظر إليه الحاج و هوس حب معرفة المزيد غير تضاريس تجاعيد جبهته فاستطرد قائلا :"بعد مرور خمسة و أربعين سنة !!... يبدو أن التحاليل لم تفصح عن أي مشكل صحي.. لو كان العكس لما عشت هذا العمر الطويل..." رشف بلقاسم رشفتين من فنجان قهوته و أخذ نفسا عميقا من سيجارته و رد:" لم أفتح الظرف إلا البارحة... ظل مغلقا طيلة هذا الزمن...طيلة خمسة و أربعين سنة.." لم يحتمل الحاج ثقل الانتظار فسأله بعينين جاحظتين :" هل فتحت الظرف ؟؟ ماذا وجدت فيه .. ؟؟"
زاغت عينا بلقاسم في فراغ يشبه العدم ثم رد على صديقه الحائر: " نعم يا صديقي فتحت الظرف...نعم فتحته....لكن ...في الحقيقة لم أعد قادرا على فهم ما حدث لي طيلة تلك المدة...التحاليل ....أكدت أنني لا يمكن أن أنجب أطفالا !! " تزحزح الحاج من مكانه و اقترب من وجه صديقه و بصوت خافت قال له :" ماذا تريد أن تقول أ سي بلقاسم؟؟"
وضع بلقاسم سيجارته بين شفتيه و أخذ نفسا طويلا و كثيفا...نفث دخانها حوله بشكل متقطع فبدا كمن يدفع عن عينيه كوابيس مزعجة أو كمن أرهقه البحث في ذاكرة مهترئة ... بعد أن أحس بنفاذ صبر الحاج قال له بصوت منكسر :" لكن لو كنت عاقرا.. مستحيل !!...لقد أنجبت مع الحاجة حليمة أولادا و بنات...لدي الآن أحفادا...كلهم أتوا من صلبي..أليس كذلك يا صديقي ؟؟...لعل التحاليل كانت خاطئة..أكيد كانت التحاليل خاطئة.."
ليل التاسع من دجنبر 2016
#عبد_المجيد_طعام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟