أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - قشرة الحياء الهشة .. يا أنت ؟














المزيد.....

قشرة الحياء الهشة .. يا أنت ؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5364 - 2016 / 12 / 7 - 23:38
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


ذهبت إلى عيدها التسعة والتسعين، عمرها لايعد بالسنين، ترشفه كله فى لحظة تساوى ألف عام، يذوب الحاضر والماضى والمستقبل فى رشفة واحدة ،
يلتحم الجسد والعقل والروح فى كيان صلب، تتأمل السماء والناس والناموس، مع قضمات الخبز المحمص، والجبنة القديمة بالفلفل الأخضر، وحبات من أعناب عمر الخيام، تبعث البهجة فى القلوب، وتخدش حياء من يفزعهم الفرح، أو بيت جميل من الشعر يكشف قبحهم، أو طفلة تغنى فتثير غرائزهم، يضربها أبوها حتى تموت أو تكف عن الغناء، لا يستحى الواحد منهم أن يتسلل ليلا إلى عشيقته.

وفى الصباح يلقى محاضرة عن الفضيلة، لا يخدش حياءهم أن يعيشوا على المعونات والقروض ويأكلوا ما ينتجه الآخرون، لا يخدش حياءهم جمع المليارات من التجارة بقوت الشعب، وينبش الأطفال القمامة ليسدوا الرمق، لا يخدش حياءهم طفلة تموت فى عملية ختان، أو تزف بالقوة لرجل أكبر من جدها، أو يغتصبها واحد منهم فى الظلام ثم يسفك دمها بالنهار دفاعا عن الشرف .

تتألق عيناها بالفرح الطفولي، تبدو شابة متوهجة بالحياة لا تعترف بالموت، لا تنحنى للدهر ولا يهزمها القدر، رأيتها تكتب فى شرفتها، يأتى الشتاء فى ديسمبر رقيقا على مهل، الهواء دافيء مع برودة ناعمة، والشمس كصدر الأم حانية، زهورها برية، حروفها وحشية، حواسها الخمسة أو الستة أو المائة، تذوب فى حاسة واحدة تكشف المخبوء فى الجوف، تكتب بقلبها وبعقلها تحس، تسمع بعينيها، وبأطراف أناملها ترى وتتأمل ، قلمها ثاقب ينفذ فى الحجر، فى أعماقى أحسدها وأغار منها، أنقل إليها الأخبار السيئة لأبدد فرحها .

الناس تهاجمك وتتهمك بالكفر وخدش الحياء ويهدرون دمك، رفعت رأسها وامتدت عيناها بعيدا عني، ليس لى وجود فى مجال رؤيتها، وتبتسم فى هدوء :الهجوم طبيعى يا أنت تقول «يا أنت»، أبتلع الإهانة ، وهى تواصل كلامها، يخدش الصدق قشرة الحياء الهشة يا أنت .

كلمة «يا أنت» لا تعود تؤلمني، صوتها رقيق مرهف، يلتقط الحزن المكتوم فى صدري، يسمع اللامرئى ويلمس اللامنطوق، يشتد إعجابى بها ، وغيرتى منها تزيد الى حد الكره، هل يتلازم الإعجاب والكراهية معا؟ وكيف لا تخاف الموت وأنا أنتفض فزعا لكلمة تمس سمعتى أو تلمس شعرة من رأسى ؟

كلامها غريب على أذني، وشكلها مختلف عن النساء، أظافرها مقصوصة غير مدهونة، أظافر النساء طويلة مدببة كالمخالب مطلية بلون الدم الأحمر أو الدم الأزرق، وأحيانا الدم الأسود، حاجباها طبيعيان لم ينتزع الملقط منهما شعرة، حواجب النساء منتوفة صلعاء على شكل خط رفيع مقوس، شفتاها لونهما طبيعى شاحب قليلا، شفاه النساء منفوخة بمشرط التجميل والدهون، متخمة بالحزن والشبق المخزون، حمراء بلون الدم القاني، شعرها يطيره الهواء فرحا تتخلله الشمس، شعورهم مصبوغة بسوائل كيميائية كاوية أو ملفوفة داخل حجاب سميك لا ينفذ منه هواء أو شعاع ضوء، ملابسها من شدة البساطة أنيقة، حذاؤها عملى متين يساعد على الحركة والخطوة الخفيفة، فساتين النساء تكشف عن الشق بين النهدين وجزء من الفخذين، أقدامهن مقوسة مشوهة داخل أحذية لها كعوب خشبية أو معدنية ، كالعكاكيز، عالية رفيعة مدببة، يتأرجهن عليها كالدمى بمسرح العرائس.

كنت مثل النساء أنتقل من عذاب الماكياج إلى عذاب الحجاب، ومن ألم الختان وآلام المراهقة والعذرية إلى عبودية الحب والزواج والخيانات والزوجات المتعددات والخليلات بلا عدد، الى سن اليأس واكتئاب توسط العمر والكهولة، إلى الخوف من الموت وعذاب القبر، ألا تخدش حياءهم عذابات النساء؟ دماء النساء مطلوبة لتلويث شرفهم، نعم، ولغسل شرفهم أيضا.

منذ أيام ماتت طفلة فى العاشرة من عمرها، ضربها أبوها ليؤدبها حتى ماتت، ومنذ أيام ماتت إحدى بطلات مصر الرياضيات، ضربها أبوها ليؤدبها حتى ماتت، تتكرر هذه الأحداث وتمر مرور الكرام، ألا يخدش حياءهم موت الأطفال البنات؟ كما يخدش حياءهم بيت من الشعر أو جملة فى رواية خيالية ؟ والحياء العام؟ الحياء العام كالذوق العام كالرأى العام كالقيم والتقاليد السائدة، وكلها تتغير على الدوام وترتفع إنسانيا بارتفاع الوعي، وكيف يرتفع الوعى العام؟

بالصدق والإقدام على خدش الحياء العام والقيم الموروثة، ليصبح الكذب خادشا للحياء، والظلم والاستبداد والسجن والخنوع والتبعية، كلها خادشة للحياء، يا أنت.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفدائيون وهدى عبد الناصر
- سقوط العرش المصنوع بالقش
- ثقب فى جدار العقل
- ضباب الرؤية وضوء الماضى
- كُحل ثقيل.. عقل خفيف.. والضحك
- الصخرة العاتية تتحدى أى دستور
- لكنهم لم يعثروا عليها أبدا
- رقة الشاعرة وحاملة الأثقال
- نكهة الشاى الأخضر بالنعناع
- تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم
- ولم تسقط طائرة لندن
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى
- كتابك غير حياتى
- امرأة تكتب مصيرها بيدها
- وتظل النخبة المختارة تصفق
- لا يكفى أن تكون امرأة
- مشروع جديد لإصلاح الأخلاق


المزيد.....




- فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى ...
- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
- روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت ...
- فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح ...
- السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب ...
- تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
- -دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة ...
- مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - قشرة الحياء الهشة .. يا أنت ؟