|
مساحة حقول المتطلبات قصة قصيرة
يعقوب زامل الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 5364 - 2016 / 12 / 7 - 19:24
المحور:
الادب والفن
أحب يوما، كما تمنى، أن تكون له مزرعة بمساحة ما، وفي مكان ما ليس على التعيين، يقوم عليها بتربية بعض الطيور الداجنة، أو أي أزواج أليفة من الحيوانات الصغيرة البرية. كما أشترط عليه الحلم، أن يعيش مع زوج من خيول.. فرس وحصان، وثمة كوخ صغير وبعض متطلبات العيش البسيطة. قال أن تلك المتطلبات ستحتاج حتما لقنينة خمر أو نبيذ دائمة الحضور ولكأسين أيضا. كان يفكر بشكل جدي أنه سيكون حتما بحاجة لتلك الكأس الثانية، ولضرورة أكيدة أن تكون حاضرة لو جاءه زائر وود أن يشربا معا كأس أو كأسين وأن يتحدثا لبعض من الوقت. قرأ يوما قصيدة لا يتذكر الآن قائلها، كانت تحت عنوان " حرب الشفاه ". وكان يقف طويلا عند بدايتها: " بيني وبينك / تولفية لنحول الضوء / متاعا لمسار الوقت / ومن تناثركِ في الركام / تسفحين عطرك الماجن / وتخفين فراغا لقسوة لا تبرد / وأشيعكِ تحت ظلال الوحم...... ". هو يحب الضوء ويحب أن يرى ما يحدث له عندما تسفح أنثى عطرها الماجن معه يوما ما، أو يفكر بأنه يجب عليهما أن يفعلا ذلك بطريقة غير عابرة. حياته كانت مجموعة تأكيدات من حدود لأرواح الاشياء، غالبا ما كان يعيش معها كما أمتعة لمسار الوقت. لذا كان يكره أن يبقي خلال هذا المسار ضحية لظلال الوحم لأشياء بعينها. في طريق هبات الأمل والامتاع، كان يفكر أن يكون له جمهور واسع من المشاعر النافذة ليتآلف معها، كما عليه أن يفكر بكيفية وضعية رأسه حين يضع خريطة طريق واضحة. في نواحٍ عديدة مع خلواته الغريزية، كان شديد الأثرة على تأكيد ما يود الاشارة على الآخرين وعلى ذاته أيضا، من أنه " في عالمك الداخلي لا بد لرأسك استيعاب ما تود التفكير فيه. أنه رأسك فحسب فكن دقيق العناية به. ليس عليك أن تنسى رأسك، لأنك ستحتاجه لاحقا للتفكير معك على نحو أفضل. بالأمس قالت له زوجته: ــ انا أواجه مشكلة في ترتيب أغراضك! ولأنه خاف أن يواجه سلوكها بشيء من الحماقة، ترك نفسه تقفل على تلك الملاحظة الرديئة. لذا قال بصوت مائع نوعا ما: ــ أنا آسف بشأن فراغ رأسك من أي هموم أخرى في الفترة الأخيرة. الحقيقة لم يكن يعني بقوله هذا أي شيء. فقط كان يحاول أن يزوق مزاجيهما ببعض التلميحات الممكنة. كانت لها شفتين مزمومين على الدوام حتى في أفضل الظروف التي يتوجب عليها أن تكون امرأة تشعر بأنها أنثى لرجل يتشوق أن تنتبه أنثاه لأبسط الاهتمام بملامحها. حاول أن يقول لها وهي ما تزال مزمومة الشفتين:" تصوري ها أنا أحبك رغم أنك قلتي للتو شيء غير مناسب. لذا، وفي تلك اللحظة بالذات تسللت لرأسه فكرة مفادها " إن الغور في داخل شخص ما، يحتاج لخارطة طريق واضحة. وأن الشيطان وحده يعرف أي الطرق يمكنه التسلل عبرها لأعماقنا دائما ". حينها سمعها تقول محدقة بوجهه بشيء من التنصل: ــ لحظة واحدة ، أحتاج للحظة واحدة كي أرد عليك. قالت دون أن تترك لشفتيها فرصة للراحة. وهذا ما حاول أن يكون أكثر استجابة لمشاعر كان يحاول أن يكون عليه أمامها، ليبدو على غير عادة من يحاول الدفاع نفسه بدل الهجوم. عندما أدارت ملعقة الشاي في الكوب الصغير، لاحظ كيف كانت تدير شفتيها المزمومين توافقا مع دوران ملعقة الشاي الصغيرة داخل الكوب الصغير. فكر بتلك الطيور الداجنة التي يود اقتناءها في المستقبل. كما تخيل لون خرزات عيون الأرانب التي كانت ستنمو وتتكاثر بصورة غير اعتيادية. كما فكر كيف سيكون حاله مع زوجيّ الخيول ايضا. وكيف لو أنه سيتعرض في تلك الأيام المقبلة إلى شيء من الهزال، أو كيف ربما ستصيبه الحمى لامرأة لا تفكر كما تفكر به زوجته الآن بكيفية التخلص من بعض اغراضه. أو حتى بكيفية تدويرها لملعقة الشاي الصغيرة من غير إيحاء يجعل من الأمر طبيعيا. وقبل أن تجيب أو أن ينتظر إجابتها فكر أن عليه، أن يتحرك نحو درج في مكتب عمله ليخرج قنينة المشروب التي تناول نصفها ليلة أمس. وكيف سيضعها على سطح المكتب الخشبي اللامع الصقيل دخل المطبخ، ثم عندما عاد بقطعة ثلج أعدها بدون عناية ليضعها داخل القدح الذي ملأ نصفه بالمشروب، كيف نظر إليها. عندما لاحظت ما فعله بمثل هذا الترتيب الخاص، لم تفكر بذات الكيفية التي رأت كيف فعلها للتو، فقط عندما تركت الملعقة وكوب الشاي. ثم قامت نحو سرير نومها، تذكرت أنها لم تشرب حتى قطرة واحدة من الشاي الذي تصوره أصبح باردا. لو كان له صديق الآن موجودا ويرى ما يحدث له ولزوجته، لسأله باهتمام: ــ ما رأيك صديقي؟! من هنا كان عليه أنه سيكون، بكل تأكيد، محبطاً بصورة جلية ليكسب مشاعر ذلك الصديق ليجعله يقف في صفه، ليس لشيء سوى أنه أدرك كيف بدا يحسن العمل بخارطة الطريق المقترحة. كان ذلك مهما بالنسبة إليه وكم أنه أصبح ذو أهمية أو سيصبح أمام زوجته التي بدأت تخونها الذاكرة وتنسى قدراته على إدارة الأمور. أو كيف كان يتعامل معها بالطريقة التي تجعلها سعيدة دائما. خصوصا عندما يعاملها كأنثى يدرك مواضع إثارتها. منذ زمن طويل ولحد اللحظة التي تمنى فيها الحصول على مزرعة الحلم، كان يطارد رغبة من نوع خاص، تقول زوجته عنها " البحث عن شذا الحب ". ومع جمال وأهمية تلك المطاردة، إلا أنها كانت توقعه في براثن الغيرة أحيانا. لم يجرئ أحد منهما القول إن الغيرة بلوغ السحر الذي يقلّب، كما مشكاة النار تديم التوهج في موقد بارد. في تلك الليلة انهمر مطر شديد، ولأنهما طوال توجسهما من صوت المطر الساقط على سطح الغرفة، كانا يشعران بشيء من القلق. قلق لا يعرف لماذا أخذ ينتابه رغم أنهما قبل لحظات نجحا أن يكونا شبقين كما كانا بالأمس البعيد. وكيف كان المطر يوم ذاك يراقب ويسمع ما يتساقط من أصوات حسية على سرير انفعالهما. ختام المطر وقبل أن يأخذهما النوم لعالمه، شعرا بأنهما لم يعودا قلقينّ. في صباح اليوم التالي، عندما كانت تقف أمام المرآة، أحست بحاجة عارمة أن تقول له ، بأنها ليلة الأمس وقبل أن تنام وهو يعطيها ظهره، ودت أن تخبره " كم بودي أن أشعر بأني عشيقتك ". وبالمصادفة التي لا تمسس، شعر معها بذات الشعور. كان يوّد القول : " حسناً ليكن لنا ذلك في ليلة مقبلة ". وكانت مدن الزينة، التي كانت تمارس ميلها القديم في الحواس، تقترب في خاطريهما، حيناً وتبتعد حيناً آخر، كما السرعة من فصاحة العواطف وشبق المودات في نفسيهما، تود أنا تقول ذلك أيضا! أحسست بأن مدينة قلبها تبكي، وكان هو في الخفاء الشقي يحس بحاجة لأن يبكي. ــ " ما من شيء يبقى على حاله. عندما جئتِ، جاء معكِ نوع آخر من الحب. لهذا بدأت أؤمن أن المقاومة للاحتفاظ بكِ في داخلي أكثر أهمية من حبي لكِ ". في الا انتظام قال ذلك.. في الروائح المعلبة برطوبة العشب والروائح الملقاة هنا وهناك قال ذلك. في الغرف الدافئة بالشخصانية الملتوية قال ذلك. بالأجساد والأجساد، وبالثياب المهملة على الجوانب، وبما يتركه الخشب القديم في أجواء المقاهي الحريفة بالدخان وبثفالة بقايا الشاي المكوم في علب الصفيح، وما يلتصق في الذاكرة من رطانات، أحسته يقول هامساً. وكان جو خبيء كما الصراخ أمر غير قابل للنقاش يتكرر مرات ومرات، وبذات الأمر الذي لا يمكن إصلاحه حين يلتصق الندم بنفس قاتل ما على ما فعله بضحيته، أو كما يلتصق بعض غبار بملابس المارة، أو بنا نحن المنهكين في الدروب الخالية، لا نبالي بما يحصل لنا مع وثنية مطلقة، ولا طمأنينة. في واحدة من المرات قالت له شاكية عما يحصل لها دون تدرك " لماذا " وكيف. لكنها بالتأكيد حاولت تصحيح الصورة. ــ " هي كما تقول أنت بالضبط ، وثنية مطلقة ". وكانت قبل أن تقع في عشقه، تتصوره شبه إله جاء من مكان مجهول. لهذا وبعد أن وقعت تماما في وله حبه، وهي التي لم تكن تؤمن بأي ديانة غير ديانة فارس جميل تشغله برأسها الحالم، عندها خف فيها شعورها القديم. وأخذت تعبده لكون هذا الإله الجديد أخذ ينام معها!. عندما تختلي بجسدها في غرفتها الخاصة، كانت تحيطه بكلماتها وبلهاثها، وكان شغف مروياته وهي بين ذراعيه وساقيه، يجعلها تتمادى بفوضوية جسدها، بعضها يتدحرج .. تتلوى.. تتشرذم، في رقص تلو رقص. كل ذلك كان يشكل فرحها المجنون. وكمن تحاول أن تحتفظ به حتى ساعات نومها. توظب جسدها متاعا لأفكاره السحيقة وأحلامه فيها. في الساعات التي يغيب فيها عنها، عندما تفتح كل مقتربات جسرها إليه وتأوي إليه، كانت تشتهي أن يرسم على جسدها تلك الحقول الغنية بالمنح والعبقريات التي تحولها إلى امرأة خاصة فريدة في ألوانها وخطوطها وتزاحم أنوثتها. كم كانت تفكر عندما قال لها أنه زار مدينتها يوم كانت مجرد طفلة ما تزال تنام في مهد خشبي صغير بجانب سرير أمها. وعندما عاد لوطنه وتركها في ضيعة من ضياع الحلم الجنيني، لا تزال تتذكر بعد أن ارتبطت به، كيف تمنت لو أنه سرقها آنذاك، لتلوذ بحضنه الدافئ طفلة حتى تصبح كما هي عليه الآن، حين بدأت تشعر بأنه يمتلكها قطرة قطرة، لأنها غدت امرأة.
#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لدبيب الحزن والقطار!..
-
وقيل .. قليل الرجاء!
-
الكلمة أبداً..
-
حزمة اعتياد ورغيف..
-
لمائدة الليل والزعفران..
-
أنت.. ومزيج الأشياء !
-
وجهكِ فقط !...
-
الصوت فقط...
-
ما تحت الجلد !...
-
يا صاحب البحر..
-
خلاصة خرافة !..
-
قبل رحلة أخرى !..
-
لانبعاث آخر ...
-
لتكرار المحسوس !..
-
لانبعاث آخر..
-
في أحيان كثيرة، هو المنعطف !..
-
بين حين وحين !..
-
أتساع...
-
التسيار القصي...
-
براويز..
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|