|
منتهى السعادة
حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 5364 - 2016 / 12 / 7 - 01:29
المحور:
الادب والفن
مُنتهى السعادة د. حبيب مال الله ابراهيم مازلت أتذكر جيداً صباح ذلك اليوم الذي تعمدت أن أدخل بناية المستشفى مبكراً ليس كعادتي بعد أن ودعت زوجتى ووضع نفسي في سيارتي ورذاذ المطر ينهمر والشوارع مبللة من أمطار الليلة والجو بارد ونحن في منتصف فصل الشتاء. أوقفت سيارتي في مرآب المستشفى ودخلت قبل بدء الدوام بساعة. لم يكن مجيئي دون سبب يُذكر فقد جئت لأقف على حالة فتاة أجريت عملية لساقها. لمحت والدها جالساً في هدوء ووقار وقد التحق بالممرضات عقب نقل ابنتها من غرفة العمليات. كانت فتاة جميلة وجهها في بياض الثلج وشعرها يميل للأصفر وعينيها في لون الزرع الأخضر وشفتيها متوردتان أظن انها لم تكن بحاجة الى أن تضع أحمر الشفاه يوماً وهي في الرابعة والعشرين فقد سمعت والدها يخبر الممرضة التي تجهز أوراقها قبل اجراء العملية. كانت ترقد في الطابق السادس. أردت أن أبدوا أمامها بهيئة شخص آخر، أردت أن اُنقل لها رسالة مفادها اني أجريت لساقها عملية جراحية بصفتي طبيباً أما حين أزورها في صباح اليوم فاني اُريد أن أبدو كزميل لها جاء لزيارتها، لذا خلعت مريلتي وناديت على الموظف العجوز الذي يجلس أمام غرفتي وطلبت منه أن يقطف بعض الورود من حديقة المستشفى فجرى مسرعاُ وهو يقول: - حسناً دكتور. بعد دقائق صعدت الى الطابق السادس ممسكاً بباقة الورد. لا أدري لماذا لم أخش من أن يراني أحد زُملائي الأطباء، دخلت غرفتها وحييتها بتحية الصباح ثم وضعت الورد على كرسي قريب كانت راقدة حين سألتها: - كيف حالك؟ - بخير. - أتستطيعين تحريك أصابع رجلكِ؟ - بصعوبة. أمسكت معصمها وأنا أعد دقات قلبها. ثم نظرت الى أصابعها التي تخلو من خاتم والتي سرت فيها الرعشة، فهمست بعد لحظات: - عال...لقد تحسنت بسرعة. لا اعرف لماذا ابتسمت لها فبادلتني بابتسامة مشرقة ونظرت اليّ بامعان كأنها تعلم سبب ابتسامتي، دخل في هذه الأثناء والدها العجوز. ارتبكت لحظة دخوله كأني ظُبطت في سرقة لم أجد ما أقول الا بشق الأنفس: - حالتها جيدة ... يجب ان ترقد في المستشفى عدة أيام. - الفضل يعود لله ولك يا دكتور ثم مدّ يده مصافحاً فممدت يدي وصافحته ثم استاذنت خارجا بعد أن انتهى الى سمعي دعاء العجوز بشفاء ابنته وبحفظي. حين رجعت الى غرفتي فكرت ملياً فيما اريد القيام به، نظرت في المرآة الى نفسي وحدثت نفسي: لازال شاباً في الثلاثين. تزوجت قبل شهور ولم أشعر نحو زوجتي بالحب. أحببتها في صورة زوجة لم نتبادل الرسائل ولم نتغازل ولم ألمس يدها قبل الزواج ولم أسهر الليالي في التفكير فيها. عند الساعة الواحدة بعد الظهر ذهبت لرؤيتها ففتحت الباب وسألتها عن صحتها وعن مواعيد الدواء وعن والدها: - أين الشيخ؟ - طلبت منه أن يذهب ليرتاح فقد كان جالساً الى جواري طوال الليل. - ولماذا لم يات أهلك؟ - ليس لي أحد سواه. أنا وحيدة أبوي وقد توفيت اُمي قبل سنوات. وليس لي عم أو خال. - الا تزالين طالبة؟ - وهل يبدو علي ذلك. فابتسمت. - انا مهندسة وقد تخرجت من كلية الهندسة قبل عام. - انك صغيرة السن. دخل علينا الشيخ في هذه الأثناء فسالني: - كيف حالها. - بخير. - لم استطع ان أرتاح في البيت....صديقاتك اتصلن بي..اميرة ستزورك اليوم. نظر اليّ وهو يقول: - لا تتعجب اذا ما رايتني اُبالغ في الاهتمام بها يا دكتور، فهي وحيدتي. - أخبرتني بذلك (ونظرت اليها) - تفضل بالجلوس كي أحكي لك قصتي نظرت الى الساعة: - هنالك متسع من الوقت سأسمعك وجلسنا على كرسيين متجاورين قرب سريرها وبدأ يسرد: - تزوجت قبل ثلاثون عاما وبعد ست سنوات رزقنا بـ(دلال) نظرت اليها فاخفضت عينيها في خجل. ثم أكمل والدها: - لم نرزق بعدها بطفل وبعد عشرة سنوات من ولادتها ماتت امها ولاقيت في سبيلها الكثير فأصبحت اما وأباً في الوقت نفسه. حين أكمل حديثه تبادلنا أنا ودلال النظرات، تمنيت أن أغوص معها في الحب حتى الثمالة أن نتبادل الرسائل والهمسات وأن أعيش صفحة لم أجد لها مكاناً في حياتي، خرج العجوز في هذه الأثناء وهو يقول: - هل تسمحون لي بأن اُوزع هذه الحلوى في الغرف الاُخرى، ان سعادتي بشفاء ابنتي تُملي علي هذا. فابتسمنا ونحن نقول سوية: - تفضل. بعد خروج العجوز خطوت نحوها وتجرات لاغازلها: - عينيك فيهما أسئلةكثيرة. - وعينيك قلقتان. - لماذا رأيتك؟ - لأني كنت بحاجة لأن تجري لي عملية. فاستاذنت وخرجت كأني طفل صغير حصل على لعبة، حين وصلت الى البيت جلست في الصالة ومددت رأسي الى الخلف وبدأت أتذكر تفاصيل اليوم، سمعت صوت زوجتي وهي في المطبخ: - مهند...هذا أنت؟ - نعم. ***** زوجتي جميلة ورشيقة، طولها فارع ووجهها مُمتليء تميل للسمرة وعينيها سوداوتان، حديثها شيق وجميل وتبتسم لي حتى لو الفيتها مهمومة لكني لا أكاد أسمع صوت ضحكتها تُبالغ في الاهتمام بجمالها ربما لتحسسني بأنها لاتقل جمالًا ولا اناقةً عن الطبيبات اللواتن يعملن معي الا ان حديثها مختلف فتتناول امور الناس وما يدور حولهم فهي متخصصة في شؤونهم اعلم منها أخبار أقاربنا، هذا تزوج وذلك خطب. دخلت غرفة سميرة في اليوم الثالث عند الصباح الباكر فكانت جالسة على السرير تسعى لتحريك رجلها بصعوبة فاضتا عيني بمعان كثيرة وأيقنت ان حادثة ما على وشك الوقوع وان كانت تعرف سبب مجيئي مبكراً توقفت الى جوارها وأدمنت النظر اليها فسألتني باهتمتم: - أتعاني من مشكلة؟ - نعم....اسمعي شعرت بدقات قلبي وبحرارة الجو وبخجل مرّ أخفضت رأسي وتنهدت. نسيت اذاك الطريقة التي اُعبر بها عن حبي فأرادت أن تذكرني بها فمدت يدها ولمست وجهي ثم مررتها بين خصلات شعري وأغمضت عينيها لذا لم أجد صعوبة في أن أضمها بين احضاني وأنا أتاوه وأهمس: - لقد وجدتك أخيرا. أفقنا على صوت انفتاح الباب فنظرنا الى الدها ينظر الينا وهو ذاهل، فتراجع قبل أن يسقط من يده الكتاب الذي أحضره لابنته وقال بغضب: - كيف تفعل هذا يا.... لم يكمل فقد قاطعته وأنا أقول بتوسل: - أرجوك افهمني قاطعني بحدة: - ماذا أفهم؟ امسكت بكتفه بكلتا يدي لانبهه وأنا أقول: - أنا احبها وسنتزوج. أخفت (دلال) رأسها تحت الملاءة البيضاء منذ لمحنا والدها وسمعنا صوت نشيجها وهي تبكي فجلس العجوز على حافة سريرها ورفع الملاءة عن وجهها ببطئ ودنا منها ليقبلها وهو يعاتبها: - لماذا فعلتي ذلك. القت نفسها بين أحضان والدها وبقينا كذلك للحظات ثم سمعت صوت بكاء العجوز فوجهت حديثي الى العجوز: - سنتزوج حال خروجها من المستشفى. نظر الىّ وهو يقول بحدة: - الست متزوجاً؟ - متزوج، لكن سأترك زوجتي لأنني لا اُحبها - لا اريد لابنتي أن تكون سببا في ترك زوجتك اذهب واتركنا لحالنا. فخرجت بخطوات ثقيلة ***** لا أعرف كيف أقنعت نفسي بتفاصيل خطتي السوداء لترك زوجتي. كان لابد أن أختلق معها الكثير من المشاكل كي تترك البيت. صحيح اني لا أشعر نحوها بحب لكن كنت بحاجة اليها وتزداد هذه الحاجة كل يوم. بدأت أختلق المشاكل وأرجع ضجراً ثم أسب والعن اُناسا لا أذكر أسمائهم. أحيانا كنت اُفكر في أمر نفسي فأندم وأكاد اصارحها بكل شيء حتى اذا ما تذكرت حب (دلال) ازددت اصراراً على تنفيذ خطتي. سألتني مراراً ما اذا كنت اُعاني من مُشكلة فلم أكن اجيب. بقينا اسبوعين على هذه الحال الى أن ضاقت وتركت البيت بعد شجار دام ساعتين. رأيت دموعاً في عينيها وعتاب وبقايا أمل عسى أن أطلب منا البقاء. في اليوم الآخر جاء أهلي ليعاتبونني عما حصل فأخبرتهم باستحالة أن نعيش أنا وزوجتي تحت سقف بيت واحد وان أمامنا خيار الطلاق فرأيت دموعاً تجري من عيني اُمي واِخوتي. تم كل شيء بسرعة. التقيت مع زوجتي في المحكمة وانتهت امام القاضي علاقتنا ولو كلفتني من المال الكثير الا انني احسست باني اُفارق قطعة من نفسي لأنها عاشت معي سبعة شهور. رأيت دموعاً في عينيها قبل الانصراف لو عشت مئة سنة ما عرفت تفسيرها نظرت الى والديها واخوتها وقرات في أعينهم علامات الأسى. تزوجت (دلال) في أحد أيام الريبع. لم يحضر الفرح سوى والدها وأهلي واستانفت حياتي من جديد بعد أن أحسست انها تهادت لفترة. سمعت بولادة ابني من زوجتي الاُولى بعد شهرين ثم سمعت انها تزوجت وسافرت لتقضي حياتها مع زوجها في دولة اُخرى. جميل أن نرى أطفالنا يتناقلون بين جدران البيت ونحن ننصت الى أصواتهم ونستمتع معهم بقضاء أوقاتنا. مرّ عامان وأصبحت في الثانية والثلاثين. عرضت زوجتي على الأطباء فتبين بانها عقيمة. بكت بكاءً شديدا حين علمت بذلك فجلست الى جوارها أنا أمسح دموعها: - لسنا بحاجة الى الأطفال مادامت حياتنا جميلة. _ ظننت بأنني سأجعل حياتنا أجمل. علم أهلي بانقطاع نسلي من زوجتي. رأيت في عيونهم دموعاً ومعان هي نفسها التي رأيتها في عيون زوجتي الاُولى لحظة وقعنا على ورقة الطلاق في المحكمة معانٍ مازلت أعجز عن تفسيرها. كانت والدتي تنقل لي أحاديث من حياتها مع والدي وتُبين من حيث لا أشعر ان السعادة في الأطفال. مازلت حتى اليوم أتفلسف فأقول: هل سعادة الاُسرة في الأطفال أم في الحب؟ لقد عشت مع زوجتي الاُولى من غير الحب فهل كنت سعيداً؟ وأعيش اليوم في حب دون أطفال فهل أنا سعيد.
#حبيب_مال_الله_ابراهيم (هاشتاغ)
Habeeb_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدول الحقيرة!
-
التعليم في اِقليم كوردستان
-
حذاري من تكرار التجربة الافغانستانية
-
المتسول الصغير
-
مفاتيح الحب
-
نشأة المجلس الوطني الكوردستاني وتطوره
-
الحركة السياسية في كوردستان العراق
-
ضفتان
-
شيزوفرينيا قصصية
-
الخطاب السياسي في التلفزيون
-
الرحيل
-
ماذا بعد مظاهرات كوردستان؟
-
انتظار
-
حكاية قصة
-
حلم أدبي
-
كونراد… كان هناك
-
مفهوم المعلومات واهميتها
-
المعلومات
-
تأريخ الصحافة
-
الدكتور زهدي الداوودي .. والبعد الرابع
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|