|
فيدل كاسترو البصمة التي أوجعت امريكا
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5356 - 2016 / 11 / 29 - 21:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فيدل كاسترو البصمة التي أوجعت أمريكا تميم منصور رحل فيدل كاسترو أحد الزعماء الذين تركوا بصمات خالدة في ذاكرة غالبية شعوب العالم الكادحة ، رحل القائد والزعيم الذي شغل العالم طويلاً ، كان علامة بارزة ، ورمزاً من رموز الرجال العظماء ، الذي استطاع أن يجعل من جزيرة صغيرة تقع في البحر الكاريبي محوراً لاختبار قوة بين قوتين عظيمتين . رحل آخر الرجال من جيل العظماء الذين ساهموا في تغيير خارطة العالم السياسية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية ، غاب الرجل الذي لم يعرف أي معنى للهزيمة واليأس ، أفنى حياته من أجل توفير وإعطاء أبناء شعبه حق الحياة ، قارع أعتى القوى الامبريالية من أجل توفير العدالة والمساواة والحرية لبلاده ، رحل كاسترو الذي بقي وحيداً في المعركة سنين طويلة ، بعد أن تركه حلفاءه ، رفيق دربه جيفارا ، عبد الناصر ، نهرو ، تيتو ، ماوتسي تونغ ، منديلا ، والجنرال جياب . كاسترو ايقونة وأسطورة العصر ومعجزة القدر السياسي في القرن العشرين ـ وانشودة كل الثوار ، كانت نجاحاته تسير جنباً الى جنب أفكاره ومبادئه ، إحدى هذه الشعارات التي رفعها والتزم بها حتى نفسه الأخير " وطن لا تحميه لا تستحقه " ، لا أحد يستطيع فك رموز طبيعة هذا الصمود والتحدي ضد سياسة الولايات المتحدة سوى انتصاراته المتلاحقة ورفضه لأية مساومة وتهديده بالقتل ، لقد حصن شعبه للصمود أمام أقسى وأشد حصار تجويعي عرفته أمريكا اللاتينية . بفضل انتصاراته وصموده وإصراره ، فرض حقائق تاريخية لم تُعرف من قبل ، أثبت من خلالها أن قوة الدولة لا تقاس بحجم مساحتها وقدراتها الاقتصادية والعسكرية فقط ، إن قوة الدولة تقاس أيضاً من خلال هوية قادتها ، ومن خلال صلابة إرادة قيادتها السياسية ، واستقلال مواقفها ، هذا ما فعله كاسترو ورفاقه ، ، فقد حولوا كوبا الى قاعدة للتحدي والإنتاج والتطور في آن واحد ، جعلوا من كوبا نموذجاً يحتذى به في مجالات كثيرة ، بفضل الإرادة تحققت معجزات هامة ، في الولايات المتحدة وفي غالبية الدول الأوروبية والافريقية والآسيوية لا يتوفر التعليم والعلاج الصحي مجانياً ، ربما باستثناء سوريا ، أما في كوبا فإن العلاج الصحي والتعليم فهو إحدى الثروات التي وفرتها الثورة للجميع . إن سبب هذا التطور يعود الى الالتحام بين القيادة وغالبية أبناء الشعب ، لقد تجسدت الثورة الكوبية بقيادة كاسترو في روح وفي نفس كل مواطن كوبي ، لم ينحصر هذا الفكر داخل كوبا وحدها ، فقد أنطلق خارج كوبا ، بعد أن حطم الحصار الذي حوله الشعب الكوبي الى مدرسة ونظام ابتكر منه ثروات كثيرة ، لقد انتقلت هذه المدرسة في صمودها وفكرها ونهجها الحياتي الى العديد من دول أمريكا اللاتينية ، التي كانت في السابق تعتبر امتداداً للهيمنة الامريكية ، تمتص ثرواتها ، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تفقد صوابها . انتقلت روح الثورة الى فنزويلا ، ونيكارغوا ، والارغواي والبرازيل وغيرها من الدول ، كاسترو الحكيم العنيد وصفه صديقه الكاتب العالمي " غابرئيل ماركيز " الحاصل على جائزة نوبل عام 2008 قائلاً : صبر لا يقهر ، انضباط حديدي وقوة احتمالية تسمح له بقهر أي طارئ " وقال عنه آخرون ، إنه يمثل مجموعة قيم ودروس ، وأنه ظاهرة استثنائية . لم تكن طريق كاسترو في العمل الثوري والسياسي مفروشة في الورود ، مع أنه ولد وترعرع في بيئة برجوازية ، كان والده الاسباني الأصل يملك ضيعة كبيرة لزراعة قصب السكر، لكن هذا الرغد من العيش الذي توفر لكاسترو لم يمنع كاسترو من الالتحام مع الفقراء ومع الفلاحين والعمال . بعد أن شاهد ما يعانونه من بؤس وشقاء ، جعل من معاناة هؤلاء وشظف عيشهم فراش راحته وكسرة خبزه التي يعتاش منها . لقد رفض حتى رحيله حياة البذخ والترف ، كما رفض سياسة التبرج والشهرة الإعلامية ، ورفض أن يقام له أي نصب تذكاري في كوبا ، هذا ما أكده كل من زاروا كوبا . عندما اختار كاسترو السير في طريق العمل الثوري ، كان يعرف بأن طريقه ، سوف تكون وعرة ، لأنه لم يكن معارضاً سياسياً للنظام الحاكم في كوبا ، أختار المقاومة المسلحة ، فكانت خطواته الأولى مهاجمة إحدى الثكنات العسكرية التابعة لنظام باتيستا ، لكن هجومه فشل ، وقتل غالبية رفاقه ، لم يبق من بينهم سوى 12 ثائراً ، كان كاسترو وشقيقه رؤول من الناجين . بعد خروجه من السجن سارع لإقامة خلايا ثورية فوق الأراضي الكوبية ، بهدف الإطاحة بنظام حكم باتيستا الفاسد ، خاض كاسترو مع رفاقه حرباً شرسة ضد القوى الداعمة للنظام الحاكم ، ونجح سنة 1959 أن يحرز نصراً حاسماً مدعوماً من غالبية أبناء الشعب الكوبي ، ومدعوم من شعوب أمريكا اللاتينية . بعد السيطرة على الحكم لم تتردد الثورة الكوبية بقيادة كاسترو من السير في طريق النظام الاشتراكي و الثوري الشيوعي ، ولكن بروح أمريكا اللاتينية ، ولم يمض وقتاً طويلاً على نجاح الثورة حتى انحاز الى الكتلة السوفياتية ، رغم أنه انضم الى كتلة دول عدم الانحياز عندما شعرت أمريكا في ذلك الوقت بأن النظام الجديد في كوبا يقف ضد مصالحها واطماعها ، قررت محاربته ومحاولة التخلص منه ، كانت الخطوة الأولى التي اتبعتها تفريغ البلاد من الطبقة المثقفة ، فهاجر الآلاف من كوبا الى الولايات المتحدة ، من بينهم المهندسين والأطباء وغيرهم . كما حاولت أمريكا اسقاط النظام عن طريق تجنيد الآلاف من المرتزقة المعادون للثورة ، وقامت سنة 1959 بانزالهم في خليج الخنازير ، لكن قوات الثورة سحقتهم وأسرت حوالي الف مأجور ، بعد ذلك لجأت أمريكا الى سلاح الدسائس ومحاولات اغتيال كاسترو والحصار الاقتصادي ، الا أن جميعها فشلت ، بقيت كوبا وبقيت ثورتها وتناوبت أجيال الثورة على حمايتها ، مما حدا بالرئيس الأمريكي الحالي للتراجع عن سياسة العداء للشعب الكوبي وثورته واضطر للاعتراف بالنظام الكوبي وفتح صفحة جديدة معه ، لكن هذه الصفحات لا تزال غير كاملة ، أن الشعب الكوبي الذي انجب كاسترو سوف ينجب أكثر من كاسترو واحد للسير في الطريق الذي عبدها قائد الثورة الأول أبو الثورة وأولهم وآخرهم في هذا العصر .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين فكي كماشة بلفور والتقسيم يعيش الشعب الفلسطيني
-
لا يفتح الطريق المسدود امام الفلسطينيين الا الشعب الفلسطيني
-
مقاييس التكريم محاطة بالجماجم
-
بين الهيئة العربية العليا والقائمة المشتركة
-
موعد مع الغدر في ليلة المجزرة
-
عروبة الحرم القدسي الشريف ليس رهينة لقرارات اليونسكو وغيرها
...
-
حقائق التاريخ تدين الوزير - بينيت -
-
حمامة بيرس للسلام في قفص التساؤلات
-
عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة أسقط البندقية وكسر غصن الزي
...
-
نتنياهو من فزعة يوم الانتخابات الى اللعب بورقة التطهير العرق
...
-
من اسحاق رابين الى الكابتن نضال
-
لسنا جسراً للسلام الذي يحلم به الاحتلال والسلطة في رام الله
-
هل نحن أمام مشروع مارشال جديد في غزة ؟؟؟ ..
-
الطائفة المسيحية ستفشل مشروع ساعر بيكو
-
عندما ينزلق الأزهر ويقع في شباك النفاق
-
الجبناء وحدهم لا يغضبون
-
العدوان على غزة كان بمثابة الغربال الذي اسقط زوان العنصرية
-
ديمقراطية الانياب الدموية في وسائل الاعلام الصهيونية
-
ثورات مصنوعة من خيوط واهية سريعة التمزق
-
كذبة اسمها العروبة
المزيد.....
-
شاهد ما كشفته صور حطام طائرة ركاب ومروحية في نهر شبه متجمد ب
...
-
حماس تعلن مقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف ونائبه مروان ع
...
-
ترامب: -لا ناجين- من حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية ف
...
-
أبو عبيدة يُعلن مقتل محمد الضيف وعدد من القيادات العسكرية لـ
...
-
واشنطن.. لحظة اصطدام طائرة أمريكية بمروحية عسكرية ومقتل 64 ش
...
-
مقابلة الكلب -رامبو- بمصر
-
من قائد -تنظيم إرهابي- إلى رئيس انتقالي.. احتفالات في دمشق ب
...
-
خلال لقاء مع حماس.. إردوغان يأمل في نجاح المرحلتين الثانية و
...
-
-حياتي ليست أقل قيمة-.. غضب في الأرجنتين من خطط ميلي لإلغاء
...
-
مقتل 6 أشخاص بهجوم روسي بمسيرة على بناية سكنية في سومي شمال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|