احمد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5356 - 2016 / 11 / 29 - 01:23
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الضرب في اتجاهين معا
لما قوى رجعية بتهاجم عبد الناصر ، اللي طلع عين أبونا وقتل رفاق منا وسجن إرادة شعب بحاله سنين طويلة ، وتبقي القوى دى بتمجد فى السادات أو العصر الملكي ، أو فى النظام الليبرالي البرجوازي ، وكل منطقهم انه عسكري واستبدادي وديكتاتور ، ودا كلام صحيح بالمناسبة شايفه كل الناس بما فيهم اغلب الناصرين ، ويبقي هجومهم دا يحمل دعاية رخيصة لنظام عمل الحاجتين مع بعض – اعتصر دم الشعب ، وحرمه برضه من حريته ، زى السادات أو العهد الملكي ، أكيد هارفض الهجوم على عبد الناصر من الزاوية دى ، وأكيد عند المقارنة هاقدم إصلاحات الديكتاتورية العسكرية دي في مواجهة ديكتاتورية مش عسكرية ومن غير إصلاحات . لكن لو ناصريين قدموا النظام الناصري على انه نظام اشتراكي أكيد هاسخر منهم ، واقدم نقد لطبيعة نظام ناصر مقارنا بالاشتراكية ، كمان فيه ملاحظة هامة جدا ... ناصر وأصدقاءه فى التنظيم العسكري اللى عملوه – كانوا بيخاطروا بأرواحهم عشان هدف نبيل – بغض النظر عن كونهم بهايم فكريا – عملوا دا بإخلاص وبتجرد فى مواجهة مخاطر مركبة – الاستعمار والسلطة الملكية .
مكانش في اعتبار ناصر وﻻ تصوراته انه هايتحول لديكتاتور قمعي أو إن الضباط هايفسدوا وينهبوا ويميزوا روحهم عن الشعب ويسكنوا القصور والفيلل ويبقوا أرستقراطية عسكرية ورثت امتيازات الملك وحاشيته ، نقطة الانطلاق كانت تحررية – من منظور تنظيم ضباط من أصول برجوازية صغيرة وشبه فلاحية بكل تلاوينهم من خالد محيي الدين ليوسف صديق لعبد الناصر – لكن المسار قصة تانيه خالص ، ومحصلة التجربة تيجى من تحليل المكونات والمسار مش من أحكام مجردة .
من زاوية تانيه نظم شبه عبد الناصر وغيره فى الفترة دى كانت فعلا شوكة فى حلق الإمبريالية ، مكانوش عملاء وﻻ متوافقين ، دول دخلوا حروب فعليا لتحقيق مثلهم ، وحاولوا فعلا يعملوا تشكيلة الاستقلال والعدالة والتنمية ، الموضة وقتها كانت تسمية دا اشتراكية – وزى ما قلت كانوا حمير فى تفكيرهم . مكانش ينفع خالص حد يرفض الإصلاحات – رغم سذاجة بعضها – او معاركهم فى مواجهة الإمبريالية – رغم خطأ عدم إعطاءها مضمون شعبي شبه فيتنام مثلا .
قيس على دا تنظيم 26 يوليو الكوبي بقيادة فيدل كاسترو وارنستو جيفارا – اللى بدأ 82 مناضل عايزين يتخلصوا من ديكتاتورية نظام باتستا ومن استغلال أمريكا للاقتصاد الكوبي – أتقتل منهم فورا 70 شخص ، ومن 12 مناضل مسلح ضد جيش بدأ مسار افضي إلى انتصار جيش العصابات المسلحة والثورية ضد ديكتاتورية مرعبة ودموية وتابعة لأمريكا .
المسار أيضا كان درامي ، بسمات مشتركة مع النظام الناصري – مع الفارق – معارك ضد الإمبريالية فى محاولة خلق استقلال حقيقي ، اصلاحات ضخمة تمس الجماهير مباشرة وعلى حساب الراسمالين الكبار والمصالح الأجنبية ، خلق نمو اقتصادي بدرجة ما فى ظروف شديدة الصعوبة .
والاتنين ماقالوش اشتراكية إلا لما اتزنقوا واضطروا يتعاملوا مع الاتحاد السوفيتى ويدورو فى فلكه
يعنى القصة مركبه جدا – أبطال ، معارك ضد الإمبريالية ، قدر ضخم من الإصلاحات لصالح الجماهير ، و الجماهير بدرجة كبيرة خارج المعادلة هنا أو هنا ، وكان منطقي انهم يعتبروا نفسهم صناع الثورة وحراسها – دا لو اعتبرناها ثورة أصلا – ومن ثم يشوفوا فى سلطتهم المستبدة ضمان ، وفى أي معارضة خطر وخيانة ، وفى الجماهير متلقي سلبي ، وبديهي إن دا افضي لقمع وممارسات ديكتاتورية بشعة ضد الجميع .
الانفراد بالسلطة غير المراقب من الجماهير ، مع الخوف من القمع ،فتح باب لتمتع النخب الحاكمة فى الناصرية والكاستروية لامتيازات سلطوية وفساد تحت السطح خوخ عظم الإصلاحات والأهداف بدرجة كبيرة ، ﻻ معارضة تكشف وتعارض ، وﻻ جماهير قدامها مساحة للاحتجاج .
مع فروق كتيرة جدا بص على القذافي وصدام والبعث في بداياته من نفس الزاوية ، الفروق دي عملت مكانة خاصة فى التاريخ لناصر وكاسترو – الأقل فسادا والاكثر إصلاحات ، مع توحدهم جميعا فى الديكتاتورية وقمع الجماهير وا رهابها .
حجب الجماهير خلى التجارب دي مش مهمة أوي عند الجماهير ، والديكتاتورية العسكرية خلت الناس تحلم بالحرية علشان مايبقوش جاموس بياكل ويتسكن فى زريبة . ودا خلى فرصة استمرار نظم زي دي ضعيفة للغاية – فضلا عن أسباب أخري مهمة زى تغير التوازن الدولي اللى كان مديهم فرص افضل للمناورات السياسية .
المشكلة تبدأ من تحديد مين بينقد التجارب دي ، ومن أي منظور ، ولتحقيق أي أهداف ؟
زى ما قلت على نظام ناصر .. كاسترو مات وكل وكلاء الديموقراطية الليبرالية – اللى معندهاش مشكلة فى حروب ومجازر أمريكا ضد الدول الصغيرة ، وﻻ في إن شركات الدواء الغربية وغيرها تحتكر تصنيعه وتتسبب فى قتل ملايين سنويا بسبب نقص او غلاء الدواء ، وﻻ مع شروط المؤسسات المالية – الليبرالية جدا – اللى بتشرد وتفقر ملايين وتحرمهم من التعليم والسكن والخدمات الضرورية – بدأو هجوم على الحاج كاسترو الديكتاتور البشع مولولين على ديموقراطية التصويت والتعبير والباقي كله مش مهم . وطبعا تباكوا على الأغنياء اللى اتاخدت فلوسهم ، والمصانع الفاشلة بتاعة القطاع العام اللى بيبوظ السوق ، وبشرونا بمزايا الاقتصاد الحر والإنسان الحر والتعبير الحر ... ونسيوا خالص ان المريض والمشرد بلا سكن والمهدد فى عمله بسلطة المدير والدولة والمالك ، وسيبك مؤقتا من عشرات الملايين من الفلاحين الفقراء واللى ها يحصلهم ، إن عمر ناس فى الوضع دا ممكن تبقي حره فى حاجة .
فى مواجهة النوع دا من النقد لازم نعمل مقارنات لصالح ألإصلاحات الاجتماعية اللي عملتها النظم دي ، ونكشف ونفضح ونشهر بالحرية الليبرالية اللى بيبشروا بيها مجردة كدا فى الفراغ بعيد عن أي ضمانات اجتماعية – ناهيك عن انعدام التكافؤ – الحر – بسبب تفاوت المراكز الاجتماعية والطبقية .
وﻻزم برضه نقدم الصورة الحقيقية للحرية بتاعة الصندوق والبنك والشركات والدول الإمبريالية .
إحنا أكيد عايزين حرية طبعا ، بس مش النوع دا – منتوف الريش والأجنحة – من الحرية .
فى المقابل ما ينفعش نعتبر نظم ناصر وكاسترو والقذافي .. الخ . ﻻ اشتراكية وﻻ تعرف عن الاشتراكية غير اسمها ، ودا نقد موجه ليسار وقوميين وجيفاريين وماويين وستالينين هام جدا وجوهرى ، ﻻ المنطلق وﻻ المسار ليهم صلة بالاشتراكية ، رغم تسليمنا بالإصلاحات اللى اتعملت ، كمان مستحيل النظم دى كانت تحافظ على استقلالها ، ومكانتش العلاقة مع النظام السوفيتى علاقة استقلال بالقطع . ومن صين ماو الى كل الأخرين رجعوا وها يرجعوا يدورو فى فلك الاقتصاد الراسمالي العالمى والارتباطات الامبريالية بالضرورة ، دا مسار حتمى بسبب كل معطيات التجارب – الإصلاحية الوطنية – بتاعة النظم دي .
ﻻ وهم الليبرالية وحريتها صحيح ، وﻻ وهم اشتراكية واستقلال النظم دى صحيح ، يجب توجيه الضربات النقدية فى الاتجاهين معا فى ذات الوقت ، لكن مع التمييز ، النقد جاى منين وبيقول إيه ، دا تمييز شديد الأهميه مش حاجة شكلية ، إذا ما راعتهوش ممكن تقول نقد يخدم هذا أو ذاك من غير ما تنتبه .
وداعا كاسترو ولا نريد تكرار تجربتك فنحن نسعى لتحرر جذري ولحرية تصنعها الجماهير لتحقق بها عدالتها ، شكرا لإصلاحات نظامك التى عاجلا او آجلا سيبلعها اقتصاد السوق الحر الذي يتسلل تدريجيا إلى كوبا ، نحن نسعى إلى اشتراكية تقيمها ثورة الجماهير وتحافظ عليها وتحميها الجماهير وتحول بينها وبين الامتيازات لنخب الحكم والقمع العام الموجه لكل نقاد النظام .
انت وناصر وامثالكم تظلون افضل من النظم التى واجهتموها ومن ديموقراطيتها – المنتوفة – وتتحملون فى ذات الوقت ثمن جرائم القمع والحجب التى مارستها ضد الجماهير ، وفى مقدمة ذلك الثمن هشاشة ما شيدتموه على صروح القمع والديكتاتورية .
ندافع عن ذكراكم ضد الوهم الليبرالي ، ونرفض تمجيد تجاربكم أو قبولها أمام وهم هذا الخليط اليساري / القومى الذي ذكرته .
#احمد_حسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟