أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - هل انتصر الانسان؟















المزيد.....

هل انتصر الانسان؟


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 5356 - 2016 / 11 / 29 - 00:05
المحور: الادب والفن
    


اخترقت الرصاصة حاجز الصمت.. فتفجر الألم في صدره. الألم حالة استثنائية في دنيا استثنائية. يبدو من الوهلة الأولى ان المهمة انتهت، منذ الصباح وهو منبطح في مكانه، ملتصق بالأرض والبندقية. أفلت الأمر من يديه. البندقية ..؟ كأنها جزء من كتفه. عمليات الرصد أشارت ان الضابط الهدف بمر بسيارته قبل الظهر. الصمت كان شبه مطلق.. منذ الصبح! فقط ضع سيارات اخترقت حاجز الصمت والسكون، كانت تدب نوعا من الذعر غير المفهوم في اعصابه. سيارة الضابط ظهرت.. حقيقة مؤسفة. والألم ..؟ عبيط .. كان يجب ان تضغط. أصر على اسنانه بشدة، يبدو ان الحر يزداد.. اراد ان يقلع الجاكيت.. العرق يتفصد من جسده، تنفسه يصبح ثقيلا، الألم يزداد قوة، ينتشر بكل اطرافه، يتسلق لقمة رأسه، هل هذا شعوره؟ لعله الضابط ؟ الغريب ان ما حدث لم يكن ضمن المهمة، حتى في أسوأ افكاره لم يتوقع ما يعتريه. الرصاصة..؟ أصابته تماما.. هل سيقولون انه شهيد؟ لاح له وجه زوجته.. كيف سينزل عليها الخبر؟ شعر بالأسى يمزق قلبه، كيف حدث ذلك؟ هل يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ ما الذي يعتريه؟ هل ذهب بغفوة وها هو يصحو على حلم مرعب؟ كان يحلم بالأيام القادمة، بالعودة.. بالبيت.. بالأرض التي حرم منها.. بزوجته.. بأبنائه. رغبة جامحة لنقطة ماء.
لاح له وجه اصغر ابنائه، هل عند الضابط مثله؟ الضغط كان معناه حسم التفكير، جاء الضغط وجاءت رصاصة... وانفجر الألم.. لم يحسم التفكير.. ربما حسم..؟ أمر معقد... كل ما هنالك انه دخل بحالة شتات فكري.. يعرف ولا يعرف.. لحظات غريبه.. يحاول ان يفهم ما يعتريه، اصابته حالة شلل.. تسلق الألم الى وعيه.
لماذا يلهث بشدة؟ ما به؟ ما الذي أوصله لجهل ما به؟ الم يشعر قبل لحظات بتسلق الخدر الى يديه؟ أمر غريب. قبل الطلق كان الخدر بتسلق باضطراد.. والآن يتسلق الألم. لحظات مبهمة تمر في ذهنه. لماذا لم يضغط؟ عض بأسنانه على خشبة البندقية، الما او غضبا من نفسه، او كلاهما معا. توقف الألم في صدره.. وانتشر في اطرافه.. قبضته تتراخى وبندقيته تلامس الأرض. لوهلة انتبه انه في وسط المقبرة. ملاحظة لا تبعث على التفاؤل. غرز اصابع احدى يديه بالتراب.. وفتح عينيه بقوة. استعاد وعيه للحظات، اذن نفذت السيارة وفشلت المهمة وذهبت انت وانسانيتك الى جهنم.
قام بمحاولة ليرفع صدره عن الأرض، ضغط ثم ضغط.. تهدجت أنفاسه أكثر.. ارتفع قليلا.. وانهار يلهث.
غيبوبة الألم تعاوده بعنف.. حدس اقداما حوله، أصوات تتحدث بلكنة لا يفهما.. ريما اصيب بخلل في سمعه.. بلا وعي عانق البندقية. الانسان بين الذئاب ذئب او حشرة. قرر ان يكون ذئبا. قرار متأخر.. والسيارة نفذت بضابطها سليما. .وانت تنفذ من العالم بلا ثمن مع افكارك التافهة.. ولن تكون اكثر من رقم يضاف لسائر الضحايا. يطبعون صورك على اوراق النعي.. يفتخرون بك رغم انك فشلت. واولادك الصغار لن يعرفوا ان والدهم مات بطلا. هل ابن الضابط رائع كابنك؟
شعر بإيد تقلبه. ماء. شيء يسحب منه. أين البندقية؟ الذئاب تكاثرت عليك. اضرب.. اضرب.. حرك يده بقوة.. من اليمين الى اليسار.. الم رهيب يرغمك أن تصرخ. ماء. رصد اربع ساعات... هدوء وسكون، ثم تلخص كل شيء برصاصة وألم، والسيارة نفذت بضابطها سليما. الحقد يأكل أحشائك.. أتقتله لو أتيحت لك فرصة أخرى؟ ربما كان لديه طفل؟ زوجة..؟ أم وأب؟ لكنه احتل ارضك. داس كرامتك. اضرب.. ان دموع الأم الثاكل شيء رهيب. لم ينس يوم التهمت نيران القنابل وجه أخيه. اضغط بلا تردد.. ولتذهب الرحمة والضابط الى الجحيم. أخوه مات بعد اسابيع، عانى من الام جهنمية. الأم كانت مشلولة القدرة عن مساعدة ابنها. الشلل تسلل لجمجمتها.. كيف يستطيع ان ينسى؟ صرخ بصوت مرتفع.. ربما من آلامه، ربما من شيء آخر.. وأنت تفكر بزوجة الضابط وطفله؟ القضية غير محصورة هنا.. انت في مهمة تطبيقية، محدودة ومدروسة بدقة. مهمتك ان تضغط بأصبعك الى الوراء بعد ان يكون الصليب المنبعث امام عينك عبر منظار البندقية قد تعلق كوسام الشرف فوق صدر الضابط.
أيد ترفعه. ماء. ألم .. هل هو معلق في الهواء؟ الألم موضوعي، منذ اول التاريخ لا يذكر يوما مر بدون هذا الألم. لو اطلقت النار ايها الكلب؟.. خيل لنفسه انه مكان الضابط.. احد ما يقتله.. ويصبح ابنه يتيما، وزوجته ارملة.. ووالداه يقتلهما الحزن. .؟ لكنك لست الضابط. انت جبان. الضابط من العدو.. واخوك الذي مات بقنابل العدو؟ وامك التي اصبحت نصف مشلولة؟ انت تقتل الجندي العدو وذلك ليس بإنسان. انت تقتل العدو من اجل ان تحيي به الانسان. افكارك موجعة للرأس. ماء.. ماء. انه حقيقة معلق في الهواء. او هي مرحلة الموت الأخيرة؟ الضابط العدو نفذ بالحياة وبالسيارة، وانت كانسان انتهيت. انت عدو بالأسر. او مشروع شهادة؟
لماذا يتأخر الموت؟ اذا كان لا بد من الموت فليجيء الآن. الأفكار تؤلمك اكثر من الرصاص. تجتاحك رغبة بالبكاء، أتذكر رغبتك بالبكاء؟ الهواية القديمة اياها؟ منذ كنت طفلا في مخيم اللاجئين والبكاء ملاذك من الجوع والبرد والقهر. كانوا يقولون لك هناك وطننا حيث لا جوع ولا برد ولا قهر ولا ملل.. هناك لدينا أرض معطاء.. تسد الجوع وتحمي من من البرد. ارض تفرح القلب بخيراتها. انت في تلك الفترة نما حبك غير الواعي لوطنك الذي تعرفه من الحكايات، كأحسن بيت ممكن في الدنيا. احببت ان تذهب سريعا اليه. طلبت من والديك وجديك ان تعودوا الى هناك. لماذا ممنوع؟ لماذا غادروه ؟ هل اصيبوا بالجنون؟ كل ما فهمته ان وطنك فيه كل ما يحلم به الأطفال.. والعودة للوطن سيحين يومها.. لكن السنوات تمضي والكلام يبقى كلاما. كان اسم وطنك يثير فيك المشاعر الجياشة. اسم فلسطين كان يجعلك تمتلئ بالنشوة. يوما سالت معلم الدين لماذا لا نقول فلسطين بدل الله؟ اليست فلسطين شيئا أكبر؟ لم يقل لك المعلم شيئا.. تركك توضح افكارك.. وتابع هو مسح دموعه بصمت. المعلم يبكي.. كانت مباغته.. وكانت نقطة تحول في حبك للوطن. لكنك كلب.. لم تطلق الرصاص. من يومه أخذ المعلم يحدثكم عن فلسطين.. الم رهيب.. اطلق صرخة.. هل هو بين ايديهم؟ والحقد يتفجر بدمه.. على نفسه اولا.. لم ينفذ المهمة. الألم اشارة الى انه يحيا.. او بين الموت والحياة. في المهمة السابقة اصطدموا بدورية، قاوموا النار بالنار. سقطت جثث من الجانبين.. لكن خلال القتال.. وانت قذر.. لماذا أخذت على مسؤوليتك تنفيذ هذه المهمة؟ تصرخ الما.. الصور تختلط بذهنك.. مخدر تملأ رائحته خياشيمك. أين انت؟ تشعر بدافع للصراخ. تفتح فمك.. لكن لا شيء. الألم يتلاشى. الخيالات تتبدد ، ذهنك يصبح خلوا من أي فكرة.. أين أنت؟ ماذا جرى معك؟ والآن .. ظهرت السيارة.. الصليب بالهدف.. اطلق النار.. ما بالك تتردد؟ الصمت مطبق.. اضرب. رصاصة تخترق حاجز الصمت والتردد. وتشعر بالألم والندم ولا ينفع الندم... فتستسلم للمخدر اللذيذ..!!
موسكو - 18-02- 1970
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهزيمة...
- نحو رواية فلسطينية وقضايا ثقافية أخرى
- حزب سياسي أم تنظيم مجتمع مدني؟
- فلسفة مبسطة: الفلسفة كظاهرة عولمية !!
- شر البلية ما يضحك...
- ن تسعة شهور من الجحيم ..!!
- سياسي ديمقراطي ومستقيم
- حكايات من عالم الحمير..!!
- يوميات نصراوي: جبهة الناصرة من التألق الى الاندثار!!
- لم انتبه لما قلت
- الوعي الأدبي وغياب المسئولية الأدبية
- الديوك تستعد للانتصار
- طريقة نصراوية للانتحار
- تجربتي في الحركة الشيوعية – 2
- فلسفة مبسطة: الفاعل والفعل والمفعول به!!
- رجل القانون.. وحملة التبرعات!!
- ساعات يوم الحساب
- يوميات نصراوي: تجربتي في الحركة الشيوعية
- فلسفة مبسطة: اطلالة على فلسفة سبينوزا
- شر التعددية في مجتمعات يسودها فكر اثني وطائفي


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - هل انتصر الانسان؟