|
مذبحة حديقة البؤساء بالقاهرة30ديسمبر2005
عفيف إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 09:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
انظري كلما نمنح الارض من قلبنا/ تصبح الارض منفى لنا و لأشواقنا/ عبد الرحيم ابو ذكري
حكمة "شيخ العرب" السوداني : تقول السيرة الشفاهية لأحد زعماء الإدارة الأهلية في شرق السودان، مازال أحفاده يحملون أسمه من بعده، الذي تميز بحنكة عالية في معالجة كل القضايا القبلية المعقدة والمتشابكة، تزخر الذاكرة الشفاهية بالكثير من أقواله الحكيمة ذات الطابع الساخر الذي كان يميزه دائماً ويساعده كثيراً في فض الخصومات ورد الظلومات وتخفيف حدة التوتر بين الدوائر المتنازعه ولبسط وصايا سلطته أيضاً. ذات عيد من الأعياد وكما هي العادة القبلية جاء جميع أهل بلدتة وحجيج القري المجاورة كي يقدموا له التحايا والتهاني، وكان بين الحضور طفل بالكاد يشب عن العاشرة من العمر يحمل أسم الزعيم عندما جاء دوره قبل التهنئة سأله سوالاً مباغتاً: - يا شيخ العرب " وهذا لقبه المفضل" كل هؤلاء القوم الأبرار تمنوا لك أمنيات طيبة، أريد أن أعرف ماذا تتمني لنفسك في هذا العيد؟ كانت بديهته حاضرة وثاقبة وساخرة كالعادة ولم ترف عينه وقال له بصوته الضاحك: - أتمني أن أصير قبل العيد القادم السكرتير العام للأمم المتحدة! إندهش كل الحاضرين لشطحة شيخهم هذه المرة، فهم يعرفون دائماً التفاسير والدلالة المختبئة في قاموسه اللغوي المرتبط دائماً بما هو محلي من مفارقات، ويقرأون ما بين سطور أحاديثه بيسر وسهولة، والحكمة التي تختبي وراء ردوده، إنما يريد أن يصير السكرتير العام الأمم المتحدة كانت عصية عليهم، فسالوه مستنكرين ماذا تعني بذلك، فقال: - هل ذلك بعيداً علي قدرة الله، أم كثيراً عليًّ؟ فتوالت عبارات الثناء والمديح المسجوعة بمعسولها وزائفها وتملقها، وبحقائقها الناصعة أيضاً. فقال لهم : - اذن لماذا لا أصير في العام القادم السكرتير العام للأمم المتحدة؟ فهي أسهل وظيفة في العالم، بل أقل من كثيراً من قدراتي المعروفة لكم جميعاً، فأنا شيخ عموم أهل"البطانة" من مجلسي هذا أستطيع فض اعقد القضايا والنزاعات علي امتداد السودان، والدول المجاورة أيضاً، فماذا يفعل الأمين العام للأمم المتحدة وبعد أن تقع" الفأس في الرأس" غير أن يشجب، ويدين، ويستنكر ؟!!! قهقهه الحاضرون حتي إستلقي بعضهم علي ظهرة، و اختتموا ضحكاتهم الخالية بذلك الإستغفار المشهود. فماذا فعل الأمين العام للامم المتحدة قبل وبعد أن وقعت " الفأس في الرأس" للاجئين السودانيين المعتصمين بحديقة البؤساء بالقاهرة منذ نهاية سبتمبر إلي نهاية ديسمبر 2005م،علي مرمي صرخة طفل يشهق مودعاً الحياة من سوء التغذية والبرد القارس أمام مكاتب مفوضية الأمم المتحدة بجمهورية مصر العربية؟؟!! أجندة خفية: النظام المصري الذي يعاني من ضغوط متعددة علي المستوي الداخلي والإقليمي والعالمي، ويعرف دائماً كيف يحل أزماته بأزمة جديدة لها رنيناً وصدي واسعاً يطمس ما قبلها، وينسي المصريين هموهم الأساسية وأطنان مشاكلهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية، فهو محاصر داخلياً بالقوي الثورية الناهضة التي بدأت تردد شعارات تمثل نبض الجماهير، وتتمدد في شرايين الشارع المصري. وبجانب ذلك منظمات حقوق الإنسان الحارس الأمين للحقوق في عالم اليوم، التي تراقب كل ما كانت تفعله الدولة المصرية المستبدة في قديم الخفاء في السجون والأزقة، والحواري، وفي الصعيد البعيد، وفي عمق سيناء وما يطبخ بين قصور "شرم الشيخ" ولم يعد أزلام الدولة المصرية يرهبون أحد، بعد ان إبتدعت القوي المعارضة الجديدة وسائل عمل جديدة جعلت كل أوراق النظام القمعية مكشوفة أمام العالم بإستمرار. وايضا إعتقال النظام المصري لأحد رموز المعارضة بغير قرائن، في محاولة فاشلة للترهيب وردع المعارضة الشعبية، وكبديل قديم لكسر الحلقات التنظيمية للقوى الناهضة بقطع رأس الحية كي ترتبك الخطوط التنظيمية الخلفية، أحد الوصفات الناجعة مع التنظيمات السياسية القديمة التي تتكئ علي ثقل لجانها العليا فقط ، وهم لا يعلمون بأن الحركات الجديدة تدرس اساليب السلطة قبل نشؤها وتضع خططها التكتيكية والتنظيمية وفق ذلك، فهذه القوي الثورية الجديدة الناهضة كل واحد منهم يستطيع ان يكون قائداً لكل المعارك القادمة. محاولات فهلوة النظام المصري علي من علموه السحر، عندما دعم الاخوان المسلمين في الإنتخابات الأخيرة كي يوازن المعادلة بوصفة ساداتية لم يتعلم من عواقبها بعد ، ويرسل رساله صريحة التهديد وطُعم لمراكز البحث والدراسات السياسية الأمريكية الإستراتيجية بأن البديل القادم لأي محاولات إصلاح ديمقراطي في مصر والشرق الاوسط إسلامي متطرف، وله انياب هم خير من يعلمها، فمن يبذر البذرة يعرف طعم الثمرة. وهو يعلم أيضاً من العملاء المزدوجين بينه وبين الـ - السي آي أيه_ بأن الخطة القادمة للشرق الأوسط وافريقيا، بعد سيادة الإمبريالية علي العالم ونظامها العالمي الجديد، منطقة بدون زعماء استفدوا أغراضهم بالنسبة للسياسية الخارجية الأمريكية، أو غير موهلين لخططها في المرحلة القادمة، حكام لهم فقط قدرات البقاء علي أنفاس شعوبهم بحنكة الأقدمية، والحماية الأمريكية لهم، والأمثلة أمامه واضحة السطوع لا ريب فيها، اصيطاد صدام حسين، تدجين معمر القذافي، او ممارسة "القتل النظيف" بأكثر من طريقية معلومة لدي أجهزة المخابرات في كل العالم، حيث لا احد يملك دليل مادي معلوم يُقدم للاجهزة القضائية، مثل الشهداء ياسر عرفات، ود. جون قرنق، ورفيق الحريري. علي المستوي الإقليمي، هذا الجار الطيب الذي اسمه السودان، الذي لا يعرف قيمة نفسه بالنسبة للعالم وأهمية موقعه الجغرافي الإستراتيجي وأهمية نيله والمياه العذبة التي تتدفق بين ضفافه وروافده في الحروب العالمية القادمة بعد خمسين عام من أجلها، وتلك البحيرات المجهولة من الثروات بباطن الأرض، وما فوقها و..و..و..و ..و..و..و.. و..و..و..و ..و..و..و.. و..و..و..و ..و..و..و..و..و..و ..و..و..و. منه بدأت تهب رياح مختلفة لم تتقن بعد حرفة الحاوي الفرعوني التعامل معها بالاعيب التي تتكئ علي شعب وادي النيل ووحدته التاريخية، وملفات الضغوط المتبادلة، هناك دويلات صغيرة أخري متناحرة وغير مستقرة أخري قد تكون شريكة في منابع النيل علي حسب المخطط الأميريكي بعد أقل من خمس سنوات ولدي كل قياداتها الحاليين وعي تام تجاه الدور السلبي للنظم السياسية المصرية في السياسية السودانية!!النظام المصري الحاكم الذي لعب ببهلوانية علي كل النُظم السودانية المطوية تحت يده بأساليب متعددة، وتخص الانظمة الدكتاتورية بحفاوة خالصة لوجه مصالحها، وحتي عندما إبتدر نظام الجبهة القومية الإسلاموية الإرهابي العداء بمحاولة إغتيال حسني مبارك، ودعم كل التنظيمات الإسلامية المصرية المتطرفة بل وتدريبها وكوادرها العسكرية وتمويلها مباشرة من خزانة بنك السودان تحت رعاية اسامة بن لادن شخصياً حين كان يدير شئون تنظيم القاعدة وحركات الاسلام السياسي علي مستوي العالم من الخرطوم لمدة خمس سنوات 1990-1995م. حتي تلك القطعية مع هذا النظام لم تخل من غرض مصلحي بعد المطالبة بتسليم المتهمين بقتل حسن مبارك، فقلد ضمنت للنظام المصري أهم الأوارق للمساومة بجانب إحتضانه للمعارضة السودانية في المنفي ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي السوداني، وأيضاً رضا العم سأم ومختططاته في المنطقة كلها. بذلك ضمنت سكوت النظام السوداني الإسلاموي عن كل القضايا الخلافية العالقة التي فجرتها الحكومة الديمقرطية بعد إنتفاضة 6 ابريل 1985م أبرزها إعادة النظر في إتفاقية مياه النيل، أو محاولة الإستفادة من المياه المتدفقة بمشاريع طموحة تؤثر علي تتدفق المياه مستقبلاً، أو مثلث "حلايب" الملتهب. أو المواصلة في نهج الحكومة الديمقراطية السابقة التي ركلت تلك المعاهدات الكرتونية الفوقية للتكامل والدفاع المشترك التي تمت بينهم والمشير الامام المخلوع الدكتاتور جعفر نميري 1969-1985م. تبادل النظام المصري المهاترات الإعلامية المعلنة مع رصيفة السوداني الإسلاموي لذر رماد التضليل والتغبيش في أعين الشعبين بينما في خفاء الدبلوماسية تم عقد صفقات بينهم وعصابة الخرطوم الحاكمة لغض الطرف من الجانبين. والآن بعد مرحلة السلام في السودان برزت علي السطح ما لم يكن في التخطيط القديم لسياسة النظام المصري الحاكم تجاه السودان، فالبعبع الأسلاموي الارهابي في جنوب الوادي يتمتع بحماية وحصانة ورضاء البيت الأبيض و تبادل معه كل أنخاب الود بعد معسكر مخابراتي للتبادل المعلوماتي من جانب واحد كشاهد ملك دام لمدة عام قبل وبعد أحداث 11سبتمبر، وبفضل ذلك استطاعت امريكا كشف كل العمليات البنكية التي تديرها القاعدة وشبكات غسيل الأموال وترساناتها الإقتصادية، وتحصلت علي معلومات دقيقة حول طرائق تفكير قادتها في كافة الظروف وخططهم الاحتياطية، بالمقابل كان غض الطرف عن ما يحدث في دارفور والملف الأسود لحقوق الإنسان في السودان، إلا عندما إحتاجه جورج بوش كدعاية إنتخابية عندما نصب نفسه مخلصاً للعالم الجديد من كل طغيان، ومن خلفه ترسانة إعلامية ماكينتها لاتتوقف في عملقة الأقزام وجعل الظل مارداً مرعباً، هكذا فعلوا باسامة بن لادن فخر الصناعة الأمريكية إبان أغراض الحرب الباردة، وأيضاً باسلحة العراق للدمار الشامل،وصدام المرعب بين الذي تحول بين يوم وليلة من نمر مرعب إلي جرذ بائس لا يستطيع ان يحفر قبره جيداً تحت الأرض، وعندما أحتاج جورج بوش للسودان المُدرج اصلاً في تخطيطات السياسية الامريكية الاستراتيجية كمخزون نافع من الثروات بعد العام2050م علي حسب دراسات مراكز قرون اللاستشعار الامبريالية، أعلن في عشية بأن هناك تطهير عرقي في دارفور، وأكثر من ذلك وضع ميقات معلوم كي يتم السلام في السودان،وتسأل كل العالم ما الذي جعل هذا البلد المنسي الموبوءة بكافة الويلات الإنسانية أن يكون محط إهتمام الدولة الأولي في عالم ورئيسها لولاية قادمة، ادركوا سريعاً بأن الأمر لايخلو من تعويض فشل للسياسية الأمريكية الخارجية في التعامل مع حل القضايا الشائكة علي أرض الواقع كما حدث في افغانستان،و الصومال،والعراق، وبورندي، وقديماً فيتنام. فلابد من خارطة سهلة كي يبرز راعي البقر قدراته الخارقة، فكان السودان وحربة الأهلية المزمنة، ونظامه السياسي الإسلاموي الذيلي الذي يتعلق بأي قشة كي يبقي عام آخر في تسلطه، فتم الضغط عليه بكافة المستندات التي تورطه في الأرهاب الدولي، وملف حقوق الإنسان الزاخر بالإنتهاكات الموثقة كي تتم صفقة معاهدة السلام بينه والحركة الشعبية لتحرير السودان بأسرع ما يمكن، وكانت المعاهدة في ظاهرها وقف نزيف دم لأطوال حرب في أفريقيا لا احد يستطيع الوقوف ضدها مهما كانت الاسباب التي جاءت به، وفي باطنها بذرة لعينة لتفككيك هذا البلد الآمن لدويلات متناحرة. عندما اتضحت هذه الرؤية هلل النظام المصري وقال : وجدتها أخيراً، فركض في المارثون من جديد وفق المضمار المرصوف بحوافر راعي البقر مجدداً دماءه وقواه المنهكة، وتحول الملف بكامله ليد حسني مبارك شخصياً، فمارس ضغطه المعلوم علي الحكومة السودانية بكل الملفات القديمة، ووجد التجمع الوطني الديمقرطي السوداني في أضعف حلقاته وبؤسه السياسي وتأكله الداخلي، لم يحتاج كثير جهد حتي جعلهم يقبرون أنفسهم وأحلام شعبهم سياسياً في صفقة سوف تظل مسبة وعبرة لكل من يمارس السياسية بشكل فوقي لا علاقة له بالواقع السياسي علي الأرض السودانية، وفي مراهقة سياسية يحسدون عليها وقع التجمع الوطني الديمقرطي السوداني صكاً ممهوراً بكامل أهليتة العقلية التي تمثل نفسها فقط، علي العدو الذي حاربه ست عشر عاماً ومازال يحاربه أن يكتب ما يراه مناسباً، تنفس حسني مبارك الصعداء فقد كان يظن الأمر أعقد بكثير من ذلك، وكان يظن إنه سوف يتنازل للحد الأدني في سقف التنازلات و التفاوض . كان النظام المصري يفكر كيف يحل المتاهة الداخلية الأقليمية والعالمية من غير ما يخسر شيئاً بتلك التوفيقية المتقنة التي ظل يمارسها ببهلونية منذ كامب ديفيد، مرة آخري صاح أحد الخبراء في القمع والتنكيل بورزارة الداخلية -وجدتها!!! وجدتها!!! عليكم بحديقة البؤساء بالمهندسين،ومن بها من لاجئين سودانيين يعتصمون بها منذ سبتمبر الماضي يكفي تماماً كي ينقذنا من هذه الورطة التي كان يبدو لا حل لها، فهولاء المغضوب عليهم من حكومة بلدهم التى شتتهم في كل البقاع، ومن الأمم المتحدة نفسها، ومن معظم قيادتهم السياسية المعارضة التي تقييم ببلدنا، لا أحد سوف يهتم بهم، علينا أن نسحلهم ونسحقهم بعد منتصف الليل، وخبرات عدسات المصورين والكاميرات التلفزيونية التي تخصنا تستطيع أن تبرز مانريده للعالم والصحف الداخلية، وهؤلاء الكتاب المحترفين لماذا كنا نعلفهم كل هذه المدة عليهم بكتابة مقالات عن نهاية أوكار الرذيلة الفسق، والخمور البلدية والدعارة العلينة التي كانت تمارس علي مرأي الجميع، والسرقات، والبلطجة، وأكوام الأوساخ والقذورات، وكل تلك النتانة التي اقلقت سكان المهندسين الراقي، وتفاصيل ضبطنا لمحاولة حرق مبني مفوضية الأمم المتحدة بالقاهرة،بذلك نكون قد ارسالنا رسالة واضحة للمعارضة المصرية الداخلية المتنامية بعد أن نسرب لهم نصف الحقائق بواسطة عملاءنا بينهم بعد أن يروا ماذا فعلت العصي الكهربائية، وخراطيم المياة والغاز المسيل للدموع والسحل، وأخذهم الي أماكن غير معروفة خارج القاهرة وترحيلهم من بعد، سوف يكون ذلك مصيرهم إذا لم يوقفوا طنينهم المزعج باللافتات والشعارات والمسيرات التي يقولون عنها سلمية تلك البدعة الجديدة التي سوف تنخر دعامات نظامنا السياسي كالسوس إن استمرت بغير تأديب يذكرها نحن هنا دائماً . سوف نتصل بالأشقاء في السفارة السودانية ونعلمهم بأننا أخيراً قد وجدنا الحل الذي يريح جميع الأطراف، لا تشغلوا بالكم كثيراً بالأمم المتحدة فكوفي عنان نفسه كان بيننا في شهر نوفمبر الماضي و لم يأبه كثيراً لإعتصام اللاجئين السودانيين بحديقة البؤساء، خوفاً من أن تكون سابقة تحذو حذوها معسكرات لجوء أخر ي ولا يستطيع ان يفعل لها شيئاً، وكذلك لا تنشغلوا بالرأي العالمي، التجاهل الاعلامي الغربي والامريكي لهم تام طيلة الثلاثة شهور التي اقلقوا بها منامنا، وهم يتمتعون بالنوم في الهواء الطلق. .. هكذا تواصل رنين التلفونات بين كل الأطراف البربرية حتي تلك التي تتستر تحت لافتة حقوق الإنسان، وتسمي المفوضية العليا للاجئين بجمهورية مصر العربية التي علقت التفاوض مع لجنة اللاجئين، وتركتهم في العراء بلا حماية في مواجهة ذئاب جائعة. وضعوا خططهم كلٍ حسب اجندتة الخفية:
السفارة السودانية بالقاهرة سوف ترتاح من سبة جديدة تشوه وجه نظامها القمئ أكثر أمام العالم، وتلطخ ملف السلام الذي يضمن لهم الحكم والثروة لمدة خمس سنوات قادمة، تستعد فيها بقوة لخمسين سنة أخري من الحكم، وخاصة أغلب اللاجيئن من جنوب السودان وبياناتهم السياسية تفضح ثنائية إتفاقية السلام التي لا تشمل كل القوي السياسية في جنوب السودان، ومازال الإغتتال قائماً بين بعض الفصائل، وأيضاً يفضحون ملف العودة الطوعية وما طال أهلهم تقتييل وذبح بواسطة"جيش الرب" اليوغندي الذي يمرح طليقاً غير آبه بدعاوي السيادة الوطنية التي يطلقها النظام السوداني في الخرطوم في مواجهة قرار مجلس الأمن رقم 1593 الذي يقضي بتقديم اركانة لمحاكمة دولية . المفوضية العليا لشئون اللاجئين بجمهورية مصر العربية أيضاً سوف ترتاح من صداع مزمن إستمر رهقه لمدة ثلاثة شهور. ويخفف من حرجها أمام العالم عندما تدين الأعمال الوحشية فور حدوثها وتعلن براءتها منها.
الحكومة المصرية، أولاً سوف ترهب معارضيها بالعصي الغليظة، وتتخلص من نموذج معارضة مستوردة خصيصاً من السودان تذخر بمهارات وخبرات السودانيين في النضال باساليب مختلفة ضد كافة أشكال الدكتاتوريات والعسف ببلداهم الموبوءة بتلك الحلقة الشريرة من الانظمة الشمولية المتعاقبة، يمكن أن يكون ذلك ملهماً للمعارضة المصرية في مقبل صراعهم ضدها . ثانياً:تقدم فروض الطاعة والولاء للعم سأم في حرصها علي إتفاقية السلام السودانية التي يرعاها وله فيها مأرب عظمي. ثالثاً: تقدم خدمة جليلة للنظام الإسلاموي الحاكم في السودان تحتاج مردودها في رصيد السنوات القادمة.
أما الولايات المتحدة الامريكية ومن يدورون في فلكها كثور الساقية الأعمي ، كانت لهم مآرب أخري لا علاقة لها إلا بمصالحهم المستقبلية في المنطقة، ورد الصاع صاعين للنظام المصري الذي حاول خداعهم بلعبة الإنتخابات الأخيرة ونتائجها، والإحتفاظ بملف جديد للنظام المصري ضد حقوق الإنسان، ليس ضد مواطنيه فقط بل ضد مواطنى الدول المجاورة لة ،و التفريط في المواثيق الدولية، وسوف تنظر بعين الاعتبار للإنتهاكات الخطيرة التي لازمت العملية الإنتخابية الأخيرة بمصر، سوف يحتاجونه عندما يرتدون قناع حقوق الإنسان للتدخل في شئون مصر ، أو عندما يعلنوا صراحة بأن دور حسني مبارك إنتهي في المنطقة بالنسبة لهم. فقد أعدوا منذ عُلموا بتوقيت تنفيذ مجزرة حديقة البؤساء كل الخطة الإعلامية التي تفضح الحدث بعد سكوتهم الإعلامي المتواطئ والمتعمد عن الإعتصام في كافة مراحله طيلة الثلاثة شهور الماضية، فنصبوا فخ من الكاميرات وأجهزة التصنت المرئية والمخفية عالية الحساسية والدقة حول الميدان وفي الشرفات المجاورة والأقمار الصناعية تري بعين لايراها أحد، وصوروا الحياة العادية لحديقة البؤساء منذ الصباح الباكر إلي حين حدوث المجزرة، كما سوف نشاهد قريباً جداً.. جداً في أجهزة اعلامهم الفيلم التوثيقي لهذا اليوم لإدانة النظام المصري وفق أجندهم الخفية لترتيب العالم وفق أوليات النظام العالمي الجديد، عندما يحين بالضبط وقت إزاحة حسني مبارك، أو الضغط علي نظامه لتنفيذ أحدي قذارتهم في المنطقة. سوف يتم ذلك مثلما شاهدت كل أركان الدنيا الحدث علي الهواء مباشرةً ويتصدر كل الوسائط الإعلامية في كل العالم فور من حدوثه في توقيت موحد. مشاهد وصور بعد مجزرة حديقة البؤساء: قد يظن العابر بحديقة البؤساء صبيحة المجزرة بان هناك قبائل همجية من كواكب أخري هاجمت خصيصاً تلك البقعة التي تخلو من أي وجود بشري كان يسكنها طيلة الشهور الماضية فقط مِزق من كل شئ، والحقائب تبدو كبطون أبقار تناهشتها ضواري شرسة شرهة ليلاً، إنجيل ممزق وكذلك مصاحف، وكتب الأواراد والصلوات ،وأشرطة الكاست، الفنان الأمين عبد الغفار يطل من غلاف الالبوم بوجهه الريفي الذي يشبه صوته المشجن بالحنين، مبعثرة كيف ما إتفق أشرطة عقد الجلاد، ومحمد الأمين ، واغنيات الجالوا، تعاليم الصلاة، والصبر علي البلاء، أوراق ثبوتية لا يستطيع اللاجئ التحرك من غيرها في البلد المضيف، شهادات ميلاد، خطابات، أدوات مطبخية معدنية معجونة كأن قد وطئها قطيع من الأفيال المجنونة ، بقايا أعقاب سجائر كانوا يزفرون وراءها هموهم الدائرية ، وصور فوتوغرافية كثيرة ، وللصور في حياة اللاجئ نوافذ للحنين والشجن، والذكري والإجترار، قد تكون هي كل ما استطاع أن يحمله معه من قريته المحروقة من بقايا عائلتة التي تحولت الي رماد، أو لأصدقاء إستشهدوا في محرقة الحرب الطويلة، أو لمفقودين يأمل أن يصير العالم قرية صغيرة كما يقولون ويلتقيهم يوما ما مرة أخري، أو لمحبوبة وعدها بالعودة بعد أن تصفو سماء الوطن، ويخلو ليلها من ونهارها من الطفابيع والعسس، أو لرفيق أستشهد قربه في بيوت الأشباح ومازال يسمع صدي هتافه المختلط بسياط الزبانية على جسده، أو لأفراد عائلتها التي تركتها وارءها وفي القلب ألف غصة ورعاف ونزيف لا ينتهي، أو لزميلات دراستها عند التخرج، أو لأبناءها الذين لا تعلم عنهم شئياً حين أقتادوهم بليل، أو لخالة، أو لعمة أو صورة جد وقور يتكئ علي عصاه التي كان يحارب بها الإنجليز..أو..أو..أو أو..أو..أو أو..أو. ..أو..أو..أو أو..أو..أو أو..أو. عندما ينظر العابر إلي أعلي يري هالة تشبة تلك تحيط بالقديسين تمطر دماءاً ما ان تقترب زخاتها من الأرض حتي تتلاشي متفرقعة، وتخرج منها أصداءً موجعة لآنات نساء مشروخة، وصرخات أطفال فزعه كأنها رأت فجأة أمامها الغول ، وحشرجات مذبوحة، وصياح أشبه بصياح المحاصر بين النيران، وبقايا ترنيمة تبشر بالسلام الذى لم يكن علي الارض وبالمسرة التى لم تكتمل ، معلقة في الفضاء هكذا كارواحهم المخطوفة فجاة وهي تستقبل تباشير أعياد الميلاد وأمنيات عام جديد. ثم يتردد صدي بصوت جوقة من الأطفال مازالت اللثغة بين احرفهم يصرخون مثل أمل دنقل: ضد من..؟ ضد من..؟ ضد من..؟ ومتي القلب في الخفقان اطمأنْ؟! هدية العيد الخمسين لأستقلال السودان: في الذكري الخمسين لأستقلال السودان يناير في 1956 – من الإستعمار الثنائي الإنجليزي المصري 1898-1956 تقمصت النظام المصري روح الوصايا والعبودية والإذدراء والإستغلال فأعد هدية اليوبيل الذهبي التي تتوافق مع ممارسات نظام الجبهة القومية الإسلاموية في السودان ومشروعها الحضاري الذي أفضي إلي قمع، وتقتييل، ونهب وإذلال، وشتات الشعب السوداني. عندما طرقوا بوابة عبد القيوم هرول الحاجب إلي الداخل سريعاً مهللاً قال - أضياف، أضياف، يا سيدي السطان. - من أي البلاد؟ عرب أم أعاجم ..أم.. ؟ - عرب، عرب،يا سيد من أم الدنيا مصر. - مصر"العشة أم القصر"؟؟ فرد بتنغيم يصحابه طرقعة أصابعة بتوقيع إيقاع رباعي ويهز معه وسطه -القصر، القصر، القصر،القصر ، يا سيدي القصر، ويحملون لنا الهدايا ومفرح الأخبار. اذن لماذا ابقيتهم بالباب، مرحباً بأبناء شمال الوادي فتقبل السلطان شاكراً وبمزيد من الرضي والتسامح تفاصيل تقتييل ستة وخمسين شهيداً حتي تاريخ التسليم الرسمي للهدية، ضحايا الابادة الجماعية الذي تمت بحديقة البؤساء للاجئين السودانيين المعتصمين بها سلمياً منذ ثلاثة شهور، مساعدة من النظام المصري الحاكم لما يتم في دارفور من إبادة عرقية بمليشيات الجانجويد المدعومة من قبل نظام الجبهة القومية الإسلاموي، ومساندة لإبادة شعب البجا أيضاً في شرق السودان، و تأكيدأ ودعماً لأواصر الأخوة والتكامل وعمق العلاقات الأزلية بين الأنظمة السياسية الشمولية لدولتي وادي النيل.
أول يناير 2006
#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعاً.. شاعر -عجاج البحر-
-
وحده
-
الكتابة في زنزانة*
-
بشرى حسن فرحان أو ملك الصمت
-
الرنة المفقودة
-
ميلاد
-
إنه علي حق!
-
نيرفانا
-
محمد إبراهيم نُقد.. واسطورة الإختفاء.. أو حقاً إنه حقلاً من
...
-
خذوا
-
مصطفي سيد أحمد ظاهرة إبداعية كونية
-
طرف الغثيان
-
لوحة
-
ظافرون
-
لكننا!
-
وحدها
-
حرب
-
زرياب
-
الحصاحيصا 21 أكتوبر 1964
-
جغرافيا
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|