|
صباح فيروز … وجه الفرح
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5350 - 2016 / 11 / 23 - 13:41
المحور:
الادب والفن
================ هذا المقال مُهدى لكلِّ مَن تعوّد، مثلي، أن يبدأ صباحَه بصوتها كي يراهن على نهارٍ عذب، سيبتسم فيه المارةُ بعضهم لبعض دون سبب سوى المحبة، حتى وإن أثقلتِ الهمومُ القلوبَ، وكسرتِ الأثقالُ الكواهل. نسمعُ صوتَها فيشرق في عيوننا نهارٌ طيب يقدّم فيه الإنسانُ أخاه على نفسه، لكي يمرَّ قبله في الطرقات، ويحمل فيه كلُّ إنسان وردةً يُلقيها على أول من يصادفه في الصباح! هل كلامي ضربٌ من الجنون؟ أو "كلام شُعرا" خياليّ حالم؟ هل حقًّا غدتِ المحبةُ والابتسام والرحمة أصعبَ من العنف والتجهّم والتطاحن؟ كيف سمحنا لأنفسنا أن نصل إلى ما وصلنا إليه من فقر في الروح وافتقار للحب وقدرة على الإيذاء وقد عاصرنا صوتَ فيروز؟! اليوم21 نوفمبر، عيد ميلاد فيروز. وأنا، منذ قدّمت لي فيروز منحةً لا أنساها، عاهدتُ نفسي على أن أهديها كلَّ عام في عيد ميلادها، وردةً في صورة مقال يحمل شيئًا من حبي لها. محاولة مني لتأطير يوم خريفيّ جميل، يودّعُ صفحةَ الصيف الصفراء الجافة، وينتظر قطرات الشتاء الرمادية. يوم أهدتِ السماءُ الأرضَ الشقيةَ، هديةً مُفرحة. الطفلةَ "نهاد حداد"، التي ستكبُر يومًا بعد يوم لتغيِّر، مع الرحابنة، عاصي ومنصور، ثم الابن الموهوب زياد، وجهَ القصيدة، ووجهَ الموسيقى، ووجهَ الغناء، ووجهَ الطفولة، ووجهَ الجمال، ووجه الفرح. كان ذلك قبل واحد وثمانين عاما حين نقطةُ نور سقطت فوق كوكبنا النبيل المُطرق على أحزانه؛ فانتبه، ولاح فوق وجهه ظِلُّ ابتسامة. هذه فيروز، غيمةُ القَطْر العذب التي مرّت فوق صحارينا العطشى فبللت حلقَها. فيروز ظاهرةٌ عابرة للأزمنة والجغرافيا. ونحن أجيالٌ محظوظة واكبتْها. صوتُها يشعرك بعجز اللغة، كلّ لغة، عن الإفصاح. فطاقةُ صوتها وطبقاتُه وموسيقاه الخبيئة بين موجاته، تقول أكثرَ مما تقول الكلماتُ التي يحملها هذا الصوت، وإن كانت كلمات كبار مثل جوزيف حرب أو جبران أو الأخطل الصغير أو أحمد شوقي. حينما منحتني السماءُ طفليَّ مازن وعمر، كنتُ أتركهما لساعات مع صوت فيروز وأنا واثقة أن تراكُم هذا السلوك كفيلٌ بأن يصنعَ منهما في مقبل الأيام كائنين راقيين سليمي الروح. إذ أؤمن أن بصوتها طاقةً بوسعها أن تنقّي الروحَ من شوائبها وغبارها. طاقةٌ تضع الإنسانَ في حال صلاة وجودية دائمة. وإلا ما سرُّ تغيّر مِزاجنا بعد سماع أغنية لفيروز؟ أزعم أن من تعود الاستماع إليها يظلّ طفلا لا يشيخ. "سيكبر خارج الزمن" مثلما قال صلاح عبد الصبور عن حبيبته. ذاك أنها تقول لي الآن: "تعا تا نتخبى من درب الأعمار، وإذا هِنِ كبروا نحن بقينا صغار، سألونا وين كنتو؟ وليش ما كبرتو انتو؟ وبنقلون نسينا؟ واللي نادى الناس تا يكبروا الناس، راح ونسي ينادينا!!" ذاك لونٌ من الفن يهذّبُ النفسَ. فلا يجوز لإنسان تربّى عليه أن يحقد أو يكره أو يسفَّ في القول أو الفعل. وهي التي تقول له كلَّ أصيل: "لأجلكِ يا مدينة الصلاة أُصلي، عيوننا إليكِ ترحل كلَّ يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانقُ الكنائسَ القديمة وتمسحُ الحزنَ عن المساجد." ألم تقدم لنا فيروز لمحاتٍ من الجمال والالتزام كثيرةً كما فعل جيفارا وجان دارك وعبد القادر الجزائريّ والأم تريزا وغاندي وعمر المختار ومارتن لوثر كينج؟ مَنْ مثل فيروز بلوّر داخلنا فكرة "العودة" إلى الأرض المستلبة؟ من مثلها أبكانا على القدس وبذر فينا اليقين بعودتها ذات وعد؟ أيُّ شيء مثل صوتها ظلَّ يهتف بالوطن: أنْ عُدْ؟ حتى لكأن الوطنَ يرفض أن يعود كيلا يتوقفَ صدحُها عن الوعد بحُلمٍ طال انتظاره. وردةٌ لعيدك يا "قمر على دارتنا" لكيلا ننسى أن شيئًا حلوًا واكب زماننا وأن الحياةَ جميلةٌ وتستحق أن تُعاش رغم كل ما يحدث. كيف نقبض على هذه اللحظة، نحن الذين اتفق لنا أن نعاصرها؟ كيف نعمل على "تجميد" لحظة "الجمال" هذه قبل أن تمرّ؟ إذ كيف لنا أن نمرّرَ هبةً سماوية من دون أن نحتفي بها ونحمي وجودَها كيلا تدعسَها مراراتُ الإرهاب الأسود مثلما دعست كلَّ جميلٍ ونقيٍّ في حياتنا؟ كيف لا نسرّب لأجيالٍ تلينا رسالةً تقول إننا كنا واعين أن غيمةً عذبةً مرّت من هنا، فرفعنا رؤوسنا عاليًا ولوحّنا لها بأكفّنا؟ دومي جميلةً أيتها الجميلة الـ"سمرا يا أمّ عيون وساع". شكرًا يا فيروز لأنكِ موجودة.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الآخر جحيم … نعيم؟
-
“فن- الحذر من الآخر
-
فن الحذر من الآخر
-
خيانة الأفكار
-
ماذا يعني مهرجان الموسيقى العربية؟
-
متى المسافرُ يعود؟
-
هل نحب؟
-
لن تدخلوا الجنة حتى تحابّوا
-
شريهان.... العصافير أنبأتنا عن مخبئك!
-
حوار مع أبي .... وألحقني بعبادك الصالحين
-
سوف يكبرون ويحبّون العالم
-
بيان من فاطمة ناعوت بخصوص مؤتمر واشنطن | لماذا يهاجمني بعض أ
...
-
الحرفُ يقتل!
-
المعادلة المستحيلة ... لا تطفئوا مِشعلها!
-
كيف تصير مشهورًا دون تعب؟
-
حُرّاس لغتنا الجميلة، وقاتِلوها
-
يا ماعت: اخلعي حذاءك في المطار
-
صاحبة السعادة تهدينا مذاقاتِ طفولتنا
-
سبعُ قبّعات فوق رأسك
-
مشروع قومي: ضدّ الطائفية
المزيد.....
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
-
محاضرة في جامعة القدس للبروفيسور رياض إغبارية حول الموسيقى و
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|