|
المعلم : قصة قصيرة
صبيحة شبر
الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 09:27
المحور:
الادب والفن
الساعة الآن الثالثة صباحا، اتصلوا بك قبل دقائق يأمرونك بالقدوم ، عليك السمع والطاعة ، وتنفيذ ما يرتؤونه ،والامتثال لما يقررونه من أمور ، والا حلت عليك أللعنة ، وتبعك العذاب أينما ذهبت ، وأين يمكن أن تتوجهي ، وقد سدوا عليك المنافذ وأغلقوا الأبواب ؟، لاخيار .... عليك الخضوع والاستسلام ، َََََََََََوجميع ما عشته في ما ضيك ، وما خطر في بالك من تمرد أو ثورة ، سراب في سراب ، قررت الخروج من الخنوع ، وقاومت حينا سياسة الإذلال والمهانة ، ثم اسقط في يدك ، لن تجديك هذه الأمور شيئا ، وكل ما تعلمته هراء ، أنت لا تستطيعين أن تفعلي إلا ما يريدون ، هم يشيرون إليك وأنت تنفذين ، أنت دمية ، سيدتي ، يلعبون بها كما يشاؤون ، تتفوه بما يرددونه على مسمعها ، إمعة ، أخذت ترددين العبارة التي طالما سخرت منها ، وأعلنت عليها العصيان ، مكره أخوك لابطل ، الإنسان مسير وليس مخيرا ، تفرحك هذه الكلمات ، عجيب أمرك ، سرعان ما تبدلت ، وأنت قلقة ، تنتابك الهموم ، لا تعرفين لمن تتوجهين ، جميع العيون تترصدك ، تعد عليك الحركات والسكنات ، هل تثورين؟ وكيف يمكنك أن تدفعي القوائم المتراكمة عليك ، أجرة البيت ، تعليم الأولاد ، الغذاء ، أنت تحرصين على أن يكون الغذاء كاملا يحتوي كل العناصر الضرورية لبني الإنسان يريدون منك أن تصلي إليهم في الثالثة وعشر دقائق ، يجب إطاعتهم ، فهل يمكنك أن تساليهم لماذا لم يتصلوا بك قبل الآن ، علك تهيئين نفسك للخروج ، ألا يلزمك تغيير ملابسك ، وتمشيط شعرك أ ن تتعطري مثلا ، لترفعي من معنوياتك الهابطة ، كيف يمكنك الوصول إليهم ؟ وأنت لا تملكين السيارة ، من أين لك يا صديقتي ؟ وراتبك بالكاد يسد ما يمكن أن يبقيك وعائلتك على قيد الحياة أنت لا تملكين واسطة النقل ، والمدينة نائمة ، ولا احد في الشارع ، فماذا تفعلين لو تحرش بك احد السكارى ؟ أو خطف لص حقيبتك اليدوية ولاذ بالفرار ، لمن ستوجهين شكواك ؟ والشكوى لغير الله مذلة ، ماذا يمكنك أن تفعلي إذا سرقوا مفاتيح المنزل أو هوية الحالة المدنية ؟ من سينجدك من ضياعك وشعورك بالعدم ؟ ويشهد أمام من يعنيه الأمر انك فلانة بنت فلان ، لم ترتكبي إثما ، طوال حياتك ، عشت طائعة مسالمة ، تخلصين في عملك وتمنحين طلابك ما تستطيعين من معارف وعلوم ارتديت الجلابة على عجل ، غادرت المنزل ، بعد أن أيقظت ولدك - جد لي سيارة أجرة وعد لنومك المدينة هادئة ، فارغة ، لاشيء فيها ، حتى الكلاب والقطط ذهبت لتنام ، وتأخذ قسطا من الراحة ، وأنت هرب منك النوم وغادر جفونك ، التعب يمسك بتلابيبك ، لكن عليك أن تبتسمي ، وتعلني عن طاعتك وامتثالك لأوامرهم ، والا أعادوك من حيث أتيت ، وقد تتعرضين لانتقامهم ، فأنت عندهم ، يحكمون عليك بما يقررون لأ بناء وبنات وطنك ، ولكنك ارتأيت ان تكوني بعيدة عن أياديهم الطويلة ، فغادرت الى هذه البلاد ، قد يطردونك ، من العمل ، لكنهك لا يستطيعون ان يسجنوك او يعذبوك ، أنت شبه آمنة هنا جئت هنا باختيارك ، لم تذهبي إلى مكان تتوفر فيه فرص العمل ، قدرك شاء أن تنافسي أهل البلاد في أعمالهم ،والفرص شحيحة ، تذهبين بإرادتك إلى من هربت منهم ، قبل سنوات خرجت ، في ظلمة ليل موحش ،راغبة عن امتيازا تهم ، حلمت أن تعيشي حرة ، وجئت إلى هنا ، ولما أعياك الانتظار ،،، لم تجدي عملا ، في هذه البقعة النائية ،فالأعمال من الندرة ، لا يستطيع العثور عليها ، أهل البلاد ، فكيف يمكنك ان تنافسيهم وأنت القادمة من أقاصي الشرق ، ذهبت إليهم طالبة العمل فرحبوا بقدومك ، قائلين انك كفاءة في القدرات التعليمية والتربوية ، كنت بحاجة إلى المبلغ الذي يمنحونه إياك نهاية كل شهر ، والمبلغ هذا من الضالة لا يفيك ضرورات الحياة ، تحدثينهم عن حاجتك إلى دروس إضافية ، فأنت تطمحين تلبية ما يطلبه الأولاد المدينة فارغة هادئة ، لا سيارات للأجرة هنا ، كيف يمكنك الوصول إلى المكان الذي يريدون ، والوقت المعين لك أوشك على القدوم ، سوف تحل عليك أللعنة ، ماذا يمكنك ان تفعلي لو أثرت بتأخرك اليوم غضبهم ، و سرعان ما يغضبون ، عملت في الكثير من المدارس سيدتي ، كنت موضع التقدير والاحترام ، الطلاب يحبونك ويفهمون ما تقولينه لهم ، الأساتذة يقدرون لك الإخلاص وإتقان العمل ، المدراء يبادلونك احتراما باحترام ، نلت جوائز عديدة تثبت الكفاءة بالعمل والإخلاص فيه ، وشهادات موقعة من مسئولين كبار في مدارس مشهود لها بالجودة ، تعلن انك معلمة قديرة ، ولكن ذهب أوان تلك الأمور ، الطلاب القادمون من بلادك يخبرونك أنهم لم يعودوا يعلمونهم هناك شيئا إلا التصفيق والهتاف ، جئت إليهم بمحض إرادتك ، ليمنوا عليك بالعمل ، أسمعوك كلمات عديدة انك لولاهم لمت جوعا وما استطاع أولادك ان يتعلموا ، انك لا تستطيعين شيئا ، كيف يمكنك العصيان ؟ لديك أولاد صغار ، وأولادنا أكبادنا تمشي على الأرض المدينة هادئة ، لا إنسان فيها ، أنت متوترة ، منفعلة ، يستبد بك الخوف ، يسيطر عليك القلق لم تعثري على سيارة أجرة ، فماذا بمقدورك أن تفعلي ؟ سوف تحل عليك أنواع من العذاب ، تفتح بوجهك أبواب جهنم على مصا ريعها ، فإلى أين تولين وجهك ؟ أنت الضعيفة المغلوبة على أمرها المهيضة الجناح ، كنت قوية شجاعة ، لكنك تبدلت وأولادنا أكبادنا تمشي على الأرض تتضاعف مخاوفك ، تتناسل ، تتضخم ، خشيتك تتفاقم ، كيف يمكنك الوصول ؟ وماذا عساهم يطلبون منك ، تفكرين وتفكرين ، تساءلين نفسك ، تراهم ماذا يريدون منك في هذا الليل البهيم وقد نامت المدينة ، وأصبحت مرتعا للكلاب والقطط السائبة ، جميع مواطني بلادك المنكوبة ،سافروا الى بلاد الله الواسعة ، حيث يحضون بالعيش الكريم ، وبقيت أنت هنا ، لم تجدي عملا الا حيث يرهقونك ، ويخفضون من راتبك والأعمال في كل مكان يزداد راتب موظفيها ، وأنت في وضع صعب المدينة نائمة ، غافية تحلم بنهار مشمس سعيد ، وأنت يشتد قلقك ، يتضاعف ، وفجأة تقف قربك سيارة ، تسمعين صوتا يناديك باسمك ، تبتعدين عن مخاوفك حينا - أرسلني المدير كي أوصلك جاءتك النجدة ، ليس من اجل سواد عينيك ، فماذا يريدون ؟ جئت إلى هنا باختيارك ، تركت البلدان التي تتوفر فيها الأعمال والحريات ، كنت تحلمين أن تصلي إلى الهدوء والسلامة والبعد عمن اضطهدك ، رفضت أن تكوني جلادة أو ضحية ، رغبت أن تعيشي حياة طبيعية كما يعيش بنو الإنسان ، ولكنك تحلمين سيدتي ، لا أمان لك ، أللعنة تطاردك ، تصل السيارة إلى مكانها المنشود وأنت ترتجفين - (اليوم تبدأ امتحانات الثانوية العامة ، عندنا طلاب ثلاثة ، أريدك أن تساعديهم-) ...... يصمت المدير وترعبك الاسئلة ، ماذا خططوا لك اليوم ؟ أنت تعرفين من هؤلاء ، لقد فشلوا ، لم يحققوا النجاح في احدى المدارس الخاصة، يريدون منك أن تجعليهم ينجحون عندنا ، في مدرستك انت ، تعاودك أقاويل الطلبة عن تردي المستوى ، أي مستوى تريدين سيدتي ؟ والتدهور طال كل الميادين ، في مدرستك، يريدون تخطي المراحل والقفز ، يعاجلك المدير بعد أن قرأ ترددك وحيرتك -( الأمر بسيط وأكثر مما تظنين ، اكتبي لهم الأجوبة ، اصعدي الى الطابق الأعلى كي لا يراك احد واكتبي) ، ماذا ستفعلين ؟ وعندهم أساتذة بنفس اختصاصك ، يفعلون دائما ما يطلب منهم - عندي مفاجأة سارة ، سأخبرك بها حالما تنتهين- أنت مسيرة ، ماذا بامكانك أن تفعلي وأنت غريبة هنا ؟ بعيدة عن الأهل والخلان واليد الواحدة لا تصفق يمضي المدير بإخبارك ان ولدين في مدرسة أخرى يرغبان بأخذ دروس خاصة عندك ، تفرحين قليلا ، راتبك ضئيل يكاد لا يكفي للضروري من الأمور ، طالما تمنيت أعمالا إضافية ، تفرحين ، قد تستطيعين تحقيق بعض الطموحات ، وتحققين مطالب الأولاد ، وتلبين ما يرغبون به من أشياء ، قد أضحت اليوم من الضرورات ،وفرحك لا يلبث أن يرتد سهما إلى نحرك تذكري أن لي خمسين بالمائة من الأجور-
#صبيحة_شبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحية الى العام الجديد
-
يوم في حياة امرأة
-
مقابر
-
كلام في كلام
-
يافقراء العالم اتحدوا
-
الحرية الشخصية والدين
-
مسيرة الحوار المتمدن
-
اختي مريضة بالعراق
-
أرق ونحيب مكتوم
-
حقوق المرأة الأم
-
حياتكم لاتستحق التنديد
-
ايامنا تزداد سوءا
-
رأي في الارهاب
-
كن بعيدا
-
الزكاة بين الجمود والاجتهاد
-
نظام الجواري
-
ويستمرون في اغتيال فرحتنا
-
حفلة عيد الميلاد
-
أمور تحدث كل يوم
-
الى الكاتبة مها الرحماني
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|