أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - غواية الموت















المزيد.....

غواية الموت


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 18:30
المحور: الادب والفن
    


غواية الموت
اكتمَل العَددُ ، هكذا أعلَنَ المكتبُ القائَمُ على هذه المسابقةِ، واتّصَلَ بكلِ الذينَ تَقدموا للمُشاركةِ بها، إنّهم سَوفَ يَركبونَ طائرةً خاصّةً بلا طيّارٍ إلى جزيرةٍ صغيرةٍ لا تَتعَدى مساحتُها كيلو مترٍ مربعٍ واحدٍ ، جزيرَةٌ صَخريّةٌ مُستديرةٌ، زَلِقةٌ بِما عليها مِن طَحالِبٍ، لكنّها مُستويَةٌ إلى حدِّ كَبيرٍ كأنَّ الرياحَ والأمطارَ والثلوجَ قَد جَعلتها مَلساءَ إلا مِن بَعضِ التَجاويفِ الصّغيرةِ والكُتلِ الصُوّانيّةِ الناتِئَةِ التي استَعصَتْ على الحتِّ والتَذويب .
ها هُم يَلبسونَ أقنِعةً على وجوهِهِم، كي لا يعرفُ بعضُهم بَعضاً، ولا يوجدُ مَن يَتحايَلُ لَيعرِفَ أندادَهُ الآخرينَ ،إنهم كائِناتٍ لا يمتُّ أحدُهم للآخرينَ بِصِلةٍ ما، يَجلسونَ في الحافِلةِ لا يَتكلمُونَ، كيْ لا يُعرفُ أحدُهم بِنبرَةِ صَوتِهِ، كلٌ ينظُرُ إلى الآخَرِ مِن ثقبٍ في قِناعِهِ، يراهُ عدواَ سَيَتَلَذَذُ بِقَتلِهِ ، يُسَيطِرَ عَليهم تفكيرٌ بارِدٌ وهُم مُقدِمونَ عَلى تَجربَةِ الحياةِ والموت، كلُ واحدٍ يَطمَحُ أن يَكونَ هُو الناجيَ مِن بَينِ كلِ هؤلاء، فلَسَوفَ يَهلكونَ جَميعاً إلا واحِداً.
أيُ فِكرةٍ هذهِ التي نَبَتَت فَوجَدَت مَن يَتَحمسُ لَها، وَمَن يَعتبرُها رياضَة الشجاعان، رياضَةَ الذينَ لا يَخشَونَ المَوتَ، والذين يَقودونَ هُجوماً على المَوتِ ويَتَحدونَ المَوروثَ القائِمَ على حُبِ الحياةِ ، وتَستَدرِجُهُم غِوايةُ المَوتِ ، فَيُقبِلُ المُقبلونَ عَليها بإرادَةٍ شُجاعَةٍ، للإنتِقالِ بِهم مِن الحياةِ الأولى للحياةِ الثّانيةِ، بَل رُبما سَينتقلونَ بِنفسِ الشَّجاعةِ إلى الحياةِ الثّالثةِ التي سَيمضُونَ مِنها للحياةِ الرابِعةِ.
ها هِي الطائِرةُ تَهبِطُ على سَطحِ هذهِ الجَزيرةِ المُقفِرَةِ، على هذا السّطحِ الصّخريِّ المُستَوي، تَتَوقَفُ بِهدوءٍ ويُفتحُ بابُ الطّائرَةِ ويَنزِلُ كلُ الفريقِ الذي أعدَّ نَفسَهُ ، بَل أعدّهُ المنِظمون لهذِه المُبارزةِ ، أن لا يِرى أحَدُهم الآخَرَ ولا يَعرِفونَ عَن بَعضِهِم شيّئا ، بَل مُلِئَت أنفُسُهم حِقداَ وكُرهاً بِما آتاهُم تَصوّرُهم البَشِعُ للآخرين ، دَرّبوهم أن يَكرهوا ذاتَهُم بِمقدارِ ما يَكرَهونَ الآخرين ، وَهكذا صاروا يَتمَنّونَ للآخرين ما يتَمنّونّه لأنفُسِهِم .
نَزَلوا عَلى مَهلٍ ، كَأنّهم يَستعرِضونَ قُدراتِهم على هذه السّاحةِ المُستَديرَةِ المُستويةِ كَصَحنٍ مِن القِيشاني، ليسَ عليها شيءٌ إطلاقاً ، يَنطَلقُونَ إلى جِهةٍ عليها نُقَطٍ مِن الدِّهانِ الأحمَرِ، مَصفوفَةٌ على خَطٍ مُستَقيمٍ ، تُقابلُها على بُعدِ ثَلاثينَ مِتراً نقاطٌ أخرى مُماثِلة ، نُقطة يقَفُ عليها رَجلٌ ويُغَطيها بِظِلهِ ، وَمكتوبٌ عَليها أرقامٌ مُتسلسِلةٌ ، ويَقفُ الرّجالُ بِعشوائِيةٍ صِرفَةِ على هذه المُستَديراتِ الحَمراءِ المَرقومَةِ ، بِغَيرِ إذنٍ مِن أحَد، ولا باختِيارٍ إرادِيٍ مُسبقٍ مِنهم.
وَقَفوا ... لا تُعرف منهُم النِساءُ مِن الرّجالِ ، مَسرورونَ بِهذهِ المازوخِيّةِ التي تَمَّ تَحفيزُها في نُفوسِهم ، والتي أطنَبَ بِها فرويد كَنوعٍ شاذٍ مٍن اللّذةِ الجِنسيَةِ ، جَعَلها مَرَضاً خَلقِيّاً نابِعاً مِن انحرافاتٍ نَفسيّة ، لذّةُ الألمِ ، ولِذّةُ التَعذيب للذاتِ، ولِذّة الانتِحارِ، ولذّةُ الانتِصارِ عَلى الجَسَد، لذّةُ التّفّوقِ عَلى اللّذَةِ .
وَهاهِيَ روبُوتاتٌ يُوكَلُ إليها إنزالُ البَنادِقِ المَحشُوَةِ بِطلقَةٍ واحدةِ مِن الذَخيرَةِ، بَنادِقُ حَسبَ عَدَدِ المُتسابِقينِ، جَميعُها مَحشوّةِ بِطَلقَةِ صَوتٍ إلا واحدةٍ بِها رصَاصَةٍ قاتِلة، تُوَزَعُ هذهِ البَنادِقُ عَشوائِياً عَليهم، ولا يُعلمُ أينَ الرَصاصَةُ المُميتَةُ، ولَسَوفَ يُصوّبُ كلٌ بندقيَتَهُ نَحوَ المُقابِلِ لَه ، نَحوَ رَأسِهِ أو نَحوَ الجانِبِ الأيْسَرِ مِن الصّدرِ، وَسَيكونُ هُناكَ قَتيلٌ واحِدٌ فَقط .
مّن اقتَبَسَ مِن لُعبةِ الكَراسي الرّوسيّةِ هذهِ اللّعبَةِ المُميتَةِ، هذه الّلعبَةَ التي يُقتلُ بِها واحدٌ في كلِّ جولة، يَسقُطُ دونَما أسَفٍ عَليهِ، وَدُونما أحدٍ يَهرَعُ لإسعافِهِ، يُسحبُ مِن رِجلِهِ كالجيفَةِ نحوَ الشّاطِئ الصّخريِّ، ويُدفعُ بِما تَيَسرَ مِن إمكانيّاتٍ إلى الماءِ ، فَيَسيلُ دَمُهُ القاني في الماءِ المُتلاطِمِ، فَيلتقِطُ رائِحَةَ الدّمِ حوتٌ أو سَمكَةُ قِرشٍ ، فَيَأتي ويَتكفَلُ بِسَحبِها نَحوَ الماءِ الأعمق، يَلتهمُها كَوَليمَةٍ إنسانِيةٍ فاخِرةٍ .
ها هُما آخرُ اثنينِ يِتسَلمانِ بُندُقِيتَهُما، ارتَفَعَتْ دَرَجَةُ القَلَقِ وَالتَّوَتُرِ، فَهُنا تَتَساوَى نِسبَتا النَجاحِ وَالفَشَل، لَيسَ هُناكَ مِن خِيارٍ ثالِثٍ غَيرَ الموتِ والحَياةِ، فأيُهما يَحمِلُ البُندقيّةِ القاتِلةِ وأيُهما يَحمِلُ بُندقيَةَ الصّوتِ، أيهما الذي سَيَفوزُ في هذِه المباراةِ التي لا يشهدُها أحدٌ، غَير هذه الروبوتات التي تَحشو البنادِقَ وتَنقلُها وتُقدمُها للمُتبارينَ، وَلرُبما هُناكَ قمرٌ صِناعيٌ يُصوِرُها بِعدساتٍ مُقرِبَةٍ جِداً، وَلرُبما أنّها سَتُبثُ على الفَضائيّاتِ لِيراها الملايينُ، ولسَوفَ تكسَبُ المُؤسّسةُ المُنظِمةُ لِهذِهِ المُباراةِ الملايينَ عِندما تَبيعُها بالملايينِ أيضاً .
ها هو روبوتٌ واحدٌ يحملُ البُندقيتين، يَتَناولُ كلٌ مَنهُما واحدَةً ،وها هِي الروبوتاتُ الأُخرى تَعودُ إلى الطّائِرةِ التي تَطيرُ بِلا طيّارٍ، تُدارُ مُحركاتُها عَن بُعدٍ، تَتَحركُ على مَدرجٍ مُفترضٍ ثُمّ تُقلِعُ صاعِدةً مُبقِيَةً اثنينِ يَقفُ أحدُهما مُقابل الأخرَ، يَنظرانِ للطائرَةَ التي غابَت في الأفقِ ، لم يَتَردَدا أن يُتمّا لُعبتِهما إلى مُنتهَاها، وَقفَا في مَكانَيهُما، لَم يَكونا بِحاجةٍ لأن يَسمعا صفيرَ الانطِلاق، كانَ المَوتُ مُساوياً لِلحياة، فالذي سَوفَ يَموتُ سَوفَ يَفخَرُ به أولادُهُ وحَفَدتُهُ، ويُصبحُ أمُثولَة للشّجاعةِ والجُرأةِ وتَحدي المَوتِ ، والذي سَيبقى حَياً سَيكونُ كَمن انتصَرَ على كلِّ المُتبارينَ وفازَ بالحَياةِ عَن جَدارَةٍ مَشهودَة.
في إشارَةٍ مُتبادَلَةٍ أطلَقَ كلٌ مِنهما طَلقَتهً، وَسقطَ واحٌد مِنهما، وذهَبَ الفائِزُ إليه يَجُرُهُ نَحوَ الشّاطِئِ الصّخريِّ مُخلفاً خَطاً جديداً مِنَ الدَّمِ ، يُلقيهِ لِبعضِ أسماكِ القِرشِ التي تَحومُ مُتلَمِظَةً ، وَرُبما لِتمساحٍ ، القاهُ دُونَ وداعٍ ثُمَّ عادَ مُقتفِياً خَيطَ الدّمِ الذي خَلّفَهُ قَتيلُه الأخيرِ، تَوقفَ عِندَ آخرِ الخَيطِ الأحمرِ المُتَعرِّجِ المُطَّرِبِ، نَظرَ حولَهُ، وَجَدَ نَفسَهُ وَسَطَ صَحنٍ مِنَ القيشاني الأبيَضِ اللامِعِ، وحَولَهُ بَحرٌ مُحيطٌ وأسماكُ قِرشٍ تَبحَثُ عَن فَريسَةٍ وتِمساحٌ يَتَسلّقُ الشّاطئَ الصّخريَ، بَحَثَ عَن هاتِفِهِ الخِليَوِيِ لكيْ يُخبِرُ عائِلتَهُ بانتِصارِهِ العَظيم ، دّسَّ يدَهُ في جَيبِهِ فَلَم يَجِد الهتافَ الخِليَويَ مَوجوداٍ.



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث
- الاجتياز
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية
- بين الدين والفكر الديني
- المرأة في الفقه البدوي
- العنوسة
- مذهب النقل والعقل في تراثنا
- إلى الكتبة الفلسطينيين الذين يزيفون الوعي
- الأفكار الميتة
- الأفكار الحية والأفكار الميتة
- هوس القتل في فقه الأقدمين
- عبد الملك الحوثي حيث ينتحر
- ماذا بعد هزيمة داعش
- هل يكفي دولة واحدة للخلافة؟
- إلى روح سميح القاسم
- قبل أن يهدأ غبار الحرب


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - غواية الموت