أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي عبد العال - اليوم العالمي للفلسفة: أين نحن؟!















المزيد.....

اليوم العالمي للفلسفة: أين نحن؟!


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 05:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يُجسد هذا العنوان احتفاءً العالم بإبداع مهم فقط. لكنه يترك تساؤلاً إزاء الموقف منه: أين نحن تجاه كل ما يجري؟ ولئن كان ثمة اهتمام بالفلسفة فهي كذلك بمقدار الاسهام فيها. لا بمجرد التلهي الثقافي بإنتاج الآخرين كبضائع رمزية عابرة للقارات. لقد درجنا على جلب الأفكار من هنا وهناك. وحولنا المجتمعات العربية إلى اسواق لمعلبات العقل الغربي. فضلاً عن استيراد أساليب التفكير ومناهجه. فأضحت الاتجاهات والمذاهب الفلسفية ماركات عالمية تزخرف رؤوس العرب والمسلمين.
الطرافة أنَّ الوضع أمسى كالطربوش الشرقي والعمامة المصرية السودانية والعقال الخليجي والشنَّة المغربية. فأضحى غطاء الرأس علامة الخُيلاء والزهو. لكن كيف لهامات بأوصاف سيميائية أن ترتفع دون قوام فكريٍّ حقيقي. صحيح أن مواكبة الحضارة أمر ضروري بل يستحيل تركه إطلاقاً. لأنَّ ما هو كوني بمعناه الثقافي المتنوع علينا أن نجددَّه داخلنا يومياً. وينبغي كذلك أن نبتكر استقباله اكتشافاً وضيافةً وابداعاً. بيد أننا- في الوقت عينه- جئنا به كما هو. وقد حفظناه كـ" الحمار يحمل أسفاراً". وطبعاً تفهم الذهنية العربية الاسلامية قولاً كهذا جاء بالقرآن!!
الفلسفة أكثر مجالات الفكر كشفاً لطبيعة الشعوب وتحولاتها. لأنَّ بومة الحكمة، بومة منيرفيا، لا تنعق -كما يقول هيجل- إلاَّ وقت الغسق. الصوت الذي يمثل نذيراً لما هو قادم في حياة المجتمعات الإنسانية. بذات المعنى تواصل النعيق إذا تتبعنا خريطة التفكير العربي. حيث انتشرت الأصوليات العنيفة باسم الدين. وتجذر التخلف كمرض عضال لا نبرأ منه. وخيم ركود الرؤى فلا تتطلع نحو المستقبل. وانغلقت العقول تحت حمأة الصراع المذهبي والطائفي. وحل الربيع العربي بكل قتلاه وضحاياه.
أليس الاحتفاء العالمي شيئاً مهماً إزاء ما هو إنساني؟ التفلسف قضية حيوية بل أكثر أساسية من أشياء أخرى. إنّها تصقل قدرة الإنسان على مراقبة المصير ومزاحمة الفناء. لقد اعتبر أفلاطون الفلسفة مرانا على الموت. فكيف بشعوب يمرح بينها الموت جيئة وذهاباً دونما أن يستوقفه أحد أو يتأمله؟! الفلسفة علامة بارزة على صحة العقول. لو كانت الفلسفة حاضرة بقوة في الحياة العربية ما كان للإسلاميين لينشروا ترهات الوعود الذهبية بالحكم الرشيد واستعادة العصور المثالية لماضي العصور الاسلامية. لأنه لا يوجد عصر أيا كان يسمى بذلك. ويصعب تحديد هذا العصر أو ذلك باختلافه وصراعاته وتناقضاته على هذا الغرار. ولكانت الفلسفة قد أسست وعياً نقدياً يفرز المواقف. ويؤصل لعقلانية منفتحة.
والعقل الصحيح يستطيع التفكير بحرية. بينما ستعتل صحة الأجساد إذا كان العقل مريضاً. لقد كان شعب اليونان مخترعاً لصنف نادر من الرياضة اسمها الألعاب الأولمبية. ليس ذلك ضرب عشواء. لأنه اليونان الذي أحب الحكمة هو اليونان نفسه الذي أسس فلسفات للعالم والحياة والإنسان. أي اليونان صاحب الفيلوسوفيا philosophia. وكل فلسفة تنقل –إلى درجة الوضوح- قوة الأبنية الجسمية والعقلية الهادرة لشعبٍ ما. أما الهُزال الفكري فلن يكون إلاَّ جيناً وراثياً لمزيد من الانهيار والتدهور.
الدليل أنَّ اليونانيين اعتبروا غرباء المدينة- كأثينا مثلاً- برابرةً. أي يعد متطفلاً على النقاء الروحي والفكري للشعب الأثيني. وكذلك رأى هيدجر أن ثمة علاقة روحية خالصة بين اللغة الألمانية واللغة اليونانية القديمة. على أساس التعبيرات الماهوية عن الوجود من جهة. وعلى أساس أن الشعر وهو التقنية الفلسفية الأولى بتجلياته في الثقافتين الإغريقية والجرمانية من جهة تالية. نفس المسألة طرحها هيجل تحت مسمى روح الشعب. فالشعوب لها روح مميز بقدر مشاركتها في المجرى الفكري للتفلسف. وهي إذ ذاك تجسد طابعاً خاصاً يترك العالم فيه أصداءه. أي داخل إنتاج الحياة وابداع مفرداتها. كما يتجلى خلال الفنون الشعبية والأساطير والأشعار والحكايات الأدبية واتجاهات التفكير.
من جهة أخرى لم يقصد أفلاطون أنَّ الفلسفة تسبب موتاً من وراء عبارته. ولكنه ربما يقصد عدة أشياء. أولاً: أنَّ الفلسفة تستكشف المصير الإنساني بالتفكير الكلي النافذ. ثانياً: تعطي العقل مرونة لتصور النهايات القصوى للعالم. فالتفكير يتوقف حال إدراك اقتراب الختام من لحظة الانغلاق. ثالثاً: الموت قوة خفيه تحتاج إلى جلّد ومران قوى على اللاشيء. وكما يؤكد هيدجر فإنَّ العدم nothingness ليس شيئاً مادياً. لكنه الإحساس المرعب بفقدان الوجود وضياع الامتلاء إذ يعانيه الانسان. والمجتمعات العربية الاسلامية يتهددها هذا العدم. على الأقل هذا العدم الحضاري الذي يترصدها كفوهة بركان. وأن الإرهاب الديني ظاهرة في الصراعات الايديولوجية وفي بالنكوص الفكري.
ثالثاً: أن الابداع الفلسفي يوازي الخلود. لأنَّه صناعة الإنسان لعالمه الموازي لعالم الآلهة. بل هو ابداع لعالم مختلف يؤنسن الأساطير والوجود. وهو نوع من التوحد بالفيزيس physis. وهي كلمة يونانية تعني القوة النامية في الأشياء والكائنات. فمن يتفلسف يعشق شيئاً طبيعياً توحداً بالإمكانية القصوى للوجود. وبالتالي إذا جاءه الموت سيكون قد فارق إمكانية النيل منه. لأنه وضع نفسه في طريق اللانهاية العصية على الإفناء. رابعاً: أن التفلسف يعني العيش في النور. وإذا كان الظلام، هذا الكهف الأفلاطوني، يحل كالموت، فإن الفلسفة انكشاف وتجلي خارج نطاقه.
خامساً: التفلسف ولادة مستعادة باستمرار. كما كانت النباتات تنمو وتستزرع وتكرر دوراتها في شكل العود الأبدي بمفهوم نيتشه. والموت بهذا المعنى لا يستطيع التغلب على الفيلسوف لكونه كلما يموت سيظهر بدورة أخرى من الحياة كحال الطبيعة في الثقافة الشرفية القديمة. سادساً: التفلسف يؤجل الموت والفناء. هذا التأجيل لا يخال الموت يوماً مغالبته أو طرحه أرضاً. لأن الموت سيهزم الشيء غير المؤجل، المنتهي بعوامل ذاتية. وحالما يفعل ذلك لن يجد موضوعاً في التفلسف. لأنَّ الأخير أفق طويل بلا نهاية محددةٍ. واتساع بلا سقف وعليه فهو كعمل فكري خارج التوقعات.
سابعاً: التفلسف فعل مقاومة شرسة لكل قوى الشر. إنه يقاوم عوامل الانسحاق والانهزام. ثامناً: الفلسفة ترسم الأمل في عالم أفضل بتعبير كارل بوبر. عالم أفلاطوني مغاير لحياة الزيف والصور الفانية. وبالتالي ستساعد الفلسفة على اجتياز محن الحياة. وستهوّن مصيراً مؤلماً. تاسعاً: أن الفلسفة تخفف الآلام الإنسانية وتهدهد وجوداً قلقاً. باعتبار الآلام جزءاً من الوجود الإنساني المشترك. فإذا عرف أحدُّنا أن الجميع سيموت ربما سيواكب نفس الشيء نفسياً.
اليوم العالمي للفلسفة يرتبط بالتزامن المفترض بين بني البشر. كمحاولة التقاء على رصيد تاريخي من تأسيس لمعاني الإنسان. أي فعل فلسفي حقيقي يضيف إلى هذا الرصيد شيئاً ذا قيمة. فما مضمون أن نتزامن في إنسانيتنا؟ إنه تأشير للعقول على عقارب الساعة الكونية نحو الاختلاف والثراء اللذين يميزان حياتنا.
واليوم المشار إليه بالعنوان مقصود لتحديد ماذا سنقدم نحن لبعضنا البعص في حياتنا. وكيف أسهمت الفلسفة في فكرة الإنسانية التي قال عنها كانط إنها كالنجوم المتلألأة. شيئان يأخذان بلُبي كما قال ويبعثان على الرهبة: القانون الأخلاقي داخل صدري والسماء المرصعة بالنجوم فوقي. الإنسان غدا قانوناً كونياً يواكب حركة الأفلاك في إدهاشها وسموها. وبقدر ما يشعر الإنسان بوجوده الممتد كونيا يرى نفسه إنساناً حقيقياً. الفلسفة تستطرق تلك الوضعية داخل البشر جميعاً بلا انقطاع. إنها التفكير المغاير وصولاً إلى الفضاءات النائية والمجهولة من العقل، الوعي، الحقائق، التاريخ.
من هنا جاء ارتباط الزمن بالعالم في الاحتفاء بالفلسفة. فالاحتفاء استعادة زمن العالم حينما يكون معروضاً للجميع. وهذا العرض عرض راهن بشكل دائم. أي هل يعيش الإنسان في أي مكان زمنه الكلي أم لا؟ ذلك لأننا نرى قطعان البشر الداعشي يعيشون أزمنة أخرى. ويجترون نصوصاً دموية غير نصوص الفلاسفة المعاصرين الأكثر انفتاحاً على كافة الحيوات. فالعالم هنا بصيغة الجمع مقصوداً هكذا ليس أكثر. لأنه ليس فكرة خارج الإنسان، العالم حاضر عبر وجوده اليومي. كما أنه ليس ترفاً بالنسبة لمن يتفلسف. ولا هو كذلك لمن يحيا داخل أية ثقافة ولو كانت محلية. العالم يقتحم حياتنا في كل لحظة. لا مفر منه وبخاصة مع وسائل الاتصال والعالم الافتراضي. المسألة باستمرار: كيف نحتفي بالفلسفة ابداعياً؟!



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برجماتية ترامب
- أمريكا تُراقِّصُ العالمَ العربيَّ
- الحقيقة الخادعة
- التساؤليَّةُ: نحو فكر فلسفيٍّ جديدٍ (ج2)
- إله هيدجر: الخلاص بالفكر والشعر
- جريمةٌ ميتافيزيقية
- المُتنطِّعُون: في إرهاب اللغة
- دولة الخرافة السياسية
- الإرهاب... وأسطورة سيزيف
- فوضى المصطلح: قصة ال (ما بعد)
- التساؤُليَّةُ: نحو فكرٍ فلسفيٍّ جديدٍ (ج1)
- الحُور والخُمور: الدين كرغبةٍ قُصوى
- التكبير والتكفير
- شفاهية الخطاب الديني
- مستقبل الإرهاب الديني
- هل يمكن اغتيال الأفكار؟
- لماذا لم يهتف أحدٌ...-الشعبُ يريدُ بناءَ النظامِ-؟!
- الدولة – الإله: نقد اللاهوت السياسي
- حدود الأنتنا: ماذا عن وجود الآخر؟
- صناعةُ التراث: لماذا لا نُغيِّر المفاهيم؟!


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي عبد العال - اليوم العالمي للفلسفة: أين نحن؟!