أنس الشعرة
الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 01:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طالب بمعهد الدوحة للدارسات العليا.
أ - على سبيل البدأ : تقديم و إشكالية
لايكتفي المنهج الجدلي في تشكلاته المتعددة، بصورة محصورة، أي بين ثباتٍ وحركة، أو توظيفٍ معين، بل الجدل كمنهج عند بعض الفلاسفة هو صيرورة وجودية، وسيرورة فكرية أيضاً، اذ لامعنى لأحدهما دونَ الأخر، فلو دققنا في المعنى اللغوي لكلمة الصيرورة ولكلمة سيرورة، فإنّ الأولى: يأتي مصدرها من صَار، يصير، أي تحول الأمرُ الى شيء، أما الثانية: فمعناها اللغوي يدُل على حالها، فهي تأتي من سَار، وتعني الذهاب والتقدم، وبالتالي؛ يخرج معناهما اللغوي إلى دلالتهما الفلسفية، فالصيرورة هي ذات دلالة وجودية وحالة من التقدم الوجودي، الحركي، أما السيرورة فهي عالم من التغير والحركة، ولاشك أنّ هيراقليطسHeraclite*ساهم في هذا التصور بشدة، لأنه يعتبر أنّ الوجود ذو طبيعة صيرورية، يتركب من الصراع والأضداد(فعلا يتصورُ هيراقليطسالكوسموسياعتباره وحدة متناقضة، مركبة منَ الأضداد، وهو مايدل عليه مثاله حول النهر[1])، وأنّ التناقض هو طبيعة الفكر بالضرورة، ومن ثم فإنّ الصورة الوجودية للفكر عند هيراقليطس،لاتتأسس إلاّ على الحركة وهذه الحركة هي دائمة ومستمرة، والفكر يصيُر متدفقاً ومتغيراً بل ومتواشجاً مع الحياة[2]، ولعل هيغلHegel الذي أسس لمفهوم جديد للجدل لاينفصل عن المنطق، توصل عن طريق الجدل انّ الفكر يسيرُ عبر ثلاث لحظات، موضوع فسلب ثم التركيب، وكأنّ هذي اللحظات،تعود وتؤب لتفرزلنا، بسبب مبدأ السلب الذي هو عنصر الحركة، والذي يتوسطُ اللحظتين الأولى والثانية، موضوعا مستمراً بذاته، اذن؛ هل يقف معنى الجدل عند هذا الحد؟ وهل للجدل خاصية واحدة؟ وما معنى أن وكيف يكون الجدل سيرورة فكرية وصيرورة وجودية؟
ب- محاولة في الإجابة:
يختبر الفكر ذاتهُ باحتكاك الفكرة أمام تدفق التاريخ، وسيرورة الواقع الذي يفاجئ الفكر دائماً، إذ السيروةفي تقدم مستمر – لأنها زمانية-، والصيرورة تغيرُ التغير وهي التحول الوجودي لمبدأ الأضداد، - قوانين الجدل الثلاث، قانون الانتقال من الكم إلى الكيف والعكس؛ قانون صراع الأضداد أو تداخل الأضداد مع المادية الجدلية؛ قانون نفي النفي - والجدل كمنهج لا حدود له اذ استعمل بصورة الصيرورة والسيرورة، لأنّ الاكتمال ليس من طبيعة الفكر بل هو ديمومي (الفكر) بسبب سيرورته - لأنه يحمل مبدأ التناقض، والتناقض منتج الحركة-، يزج هيغل بالجدل في أتونِ الميتافيزيقا، بحيث يكون الجدل عبارة عن نسق يشمل الكون والطبيعة والمجتمع، وبهذا المعنى فالجدل الهيغلي صورة ميتافيزيقية، غير معنية بصور الاستدلال والمنهج، ولعل هذا هو النقد الذي وجهه ماركس وانجلز[3] للجدل الهيغلي، فالجدل الماركسي – المادي- هو محاولة لاستخلاص لمبادئ القوانين كصيرورة تشمل الطبيعة والفكر والتاريخ، لكن؛ هل هذا القلب الذي ادعاهُ ماركس في كتابه الرأسمال، هو إغناء للجدل وتثوير لمساره، كمنهج استدلالي، أم هو اقتبس تعسفي للمفهوم وتشويش نظري؟ أل التصور الماركسي بسبب نزعته التي أخذت صيغة عقدية، إلى تفسير العالم وظواهره وتاريخ المجتمعات، بمنطق مادي واحدي، مطابقة ظواهر الطبيعة للظواهر المجتمعية والإنسانية، وبالتالي؛ أخذ الجدل عندهم صيغة واحدة، سيرورة بدون صيرورة، اختزال حياة الفكر والطبيعة في مفاهيم كالسلب والصراع والأضداد، بينما الجدل كمنج لايسير إلا بخطى السيرورة والصيرورة، لأنه يمكنُ استثمره في منطق الحوار كألية ابستمولوجية تفحص المقدمات وتتصيد الثغرات المعرفية والأخلاقية، وبالتالي يخرج الجدل كمنهج عن صيغته المادية إلى صيغة حجاجية، مثمرة تساهم في بناء الخصوبة المعرفية، أي من المنطق المادي – الواحدي- إلى المنطق الطبيعي – الموسع- الذي يقف بين حافتي السيرورة كفكرة و الصيرورة كوجود.
ج- على سبيل الختام:
يعد الجدل ألية من أليات الاستدلال الإبستمولوجية والوجودية، إذا ما اقترن بتصورات السيرورة باعتبار الوجود صيرورة، وهو ألية مثمرة وخصبة،اذا ما اقترن أيضا بمنطق السيرورة وعالم الوقائع، بعيدا عن رؤى الاختزالية للمنهج وعليه؛ فإنّ المنهج الجدلي لايكون منهجا مثمراً إلا اذا اقترنَتِ الصيرورة بالسيرورة.
*للإشارة، قمنا بالإستفادة منَ كتاب أكسيلوسكسطس، حول هيراقليطس بالفرنسية، المعنون " هيراقليطس والفلسفة"، وقد أخذنا عنه جملة منَ الأفكار فيما يخص نظرته للعالم باعتباره صراعاً، وتنازعُ أضداد.
[1]Axelos, Kostas, Héraclite et la philosophie, la première saisie de l’être en devenir de la totalité, pp 50,51, les contraires, leur opposition et leur union, se manifestent dans un perpétuel mouvement, et c’est le devenir qui les meut. Entrer deux fois dans le même fleuve … elle se disperse et se réunit de nouveau s’approche et s’ éloigne.
[2]Ibid, pp 51,52, " le mouvement et le mouvement, du monde, auquel s’accorde la pensée en mouvement. La pensée ne postule pas rationnellement le mouvement, car il n’y a pas de mouvement indépendant du Monde et la pensée.
[3]البعزاتي، بناصر، خصوبة المفاهيم في بناء المعرفة، دراسات إبستمولوجيا، دار الأمان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2007، ص 205. "فالجدل، بمعنى ماركس وانكَلس، نواة قانونية كلية تعبر بكيفية ممتازة عن الحركية التي تحكم الوجود كله: الطبيعة والتاريخ والفكر. ولذلك رأيا أنه يجب سل تلك النواة من السياق الفلسفي الذي وضعها فيه هيكَل عسفاً. من أجل تأليفها مع أسس الاقتصاد السياسي والفكر الاشتراكية في وحدة منسجمة من أجل التحليل والفهم الوثيقين. وهكذا أعطى انكلس لمفهوم الجدل وظيفة إجرائية دينامية أساسية في الفحص العلمي والنقد الفلسفي."
#أنس_الشعرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟