|
الجوائز الأدبية وكرامة الكاتب
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 09:22
المحور:
الادب والفن
وقف الكاتب والمخرج أشرف أبو جليل في " قصر المانسترلي " أثناء توزيع جوائز مؤسسة سويرس معترضا على منح المؤسسة أدول جائزة الرواية، مستنكرا خطاب الكاتب النوبي حجاج أدول المهين للنوبة والشعب المصري الذي ألقاه أمام المؤتمر القبطي الذي عقد في واشنطن ما بين 16 -19 نوفمبر . وكانت جريدة أخبار الأدب قد نشرت ذلك الخطاب الذي لا يفهم منه سوى أن لحجاج أدول مشروعا شخصيا مربحا – ينتقل به من الكتابة الأدبية إلي النشاط السياسي – وهو النشاط الأقدر في أيامنا على دفع الشخص بسرعة إلي دائرة البريق والمال . إن أكاذيب أدول واضحة منذ البداية ، فهو لا يكتفي في خطابه بالمطالبة بحقوق النوبيين ، لكنه وفقا للمخطط الأمريكي يدعو إلي : " تكامل مصري سوداني " لأن مشاكل النوبة تكاد تتطابق سواء في مصر أو السودان . أي أنه يدعو لإقامة كيان منفصل ينشأ باقتطاع أجزاء من مصر والسودان وفقا أيضا للمخطط الأمريكي ، ويؤكد ذلك بقوله : " نريد مع نوبيي السودان تمهيد نهر ثقافي ". ولهذا فإن صيحته على حد قوله : " موجهة أساسا إلي الشعبين المصري والسوداني " فهي إذن لا تعالج مشكلات النوبة باعتبارها قطعة من مصر . وبالطبع لا يفوت أدول أن يتحدث عن " المظالم العنصرية والتطهير العرقي " ؟! وهو يتكلم عن ذلك بنبرة صارخة أقرب إلي التمثيل الميلودرامي الرخيص حين يقول : " إذا أردتم إتمام ذبحنا فلتذبحونا ونحن نقاوم بشجاعة تحت سمع العالم وبصره " . ولا يستنكف أدول – كعادة كل مناضلي هذه الأيام – أن يدعو أمريكا للتدخل قائلا : " على الأقليات أن ترفض الإذلال " والآن لاحظ بانتباه جملته التالية : " وفي العصر الحالي تستطيع الأقليات اتخاذ القوى الإنسانية العالمية كقيمة مضافة لانتفاضاتها الداخلية " ، أي أن بوسع الأقليات أن تستعين بقوى خارجية . ولأنه ليس للكذب أقدام ، فإنه سرعان ما يقع . ويتضح هذا حين يقول أدول : " النوبيون والسود عامة ممنوعون من الظهور في التلفزيون المصري " ملفقا بجرأة يحسد عليها فكرة أن هناك تمييز في مصر على أساس اللون مع أن نصف الشعب المصري من السمر والسود ! وباختصار فإن خطاب أدول خطاب من النوع الرخيص ، يقدم به شخص نفسه إلي مناطق النفوذ الأمريكية لا أكثر . وقد تولى الكاتب الكبير يحيي مختار – وهو نوبي – تفنيد أكاذيب أدول ، ونبهه إلي أن أحدا من أهل النوبة ومثقفيها لم يفوضه في هذا الحديث ، وهو ما قام به أيضا كتاب نوبيون آخرون . وقد يكون من الضروري الإشارة إلي أن المثقفين المصريين يؤيدون تعليم وتدريس اللغة النوبية ، وتدريس التاريخ النوبي ، ومنح التعويضات الكافية لأهل النوبة وغير ذلك من حقوق . لكن ذلك لا يتم باستدعاء الاستعمار الأمريكي إلي مصر ولا بفصل النوبة عن مصر وفقا للمشاريع الإسرائيلية ، وإنما في إطار حركة عامة تغير وجه المجتمع المصري إلي الأفضل . الغريب أن أدول الذي تحدث في خطابة عن العولمة ، والقوى الإنسانية العالمية ، لم يفتح فمه بحرف عن الاحتلال الأمريكي للعراق ، أو التهديد الأمريكي لسوريا ، وإيران أو التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل ضد فلسطين ، رغم أن الموضوع الأخير يتقاطع مع فكرة أدول المزعومة عن " التطهير " الذي يتحدث عنه . الأكثر من ذلك أنه لن يفتح فمه لا الآن ، ولا فيما بعد عن شئ من ذلك ، فهذا كله لا يندرج حسب مفهومه في إطار حركة " القوى الإنسانية العالمية " التي تلقى أدول دعوة منها إلي واشنطن . وأدول مجرد مثال على قدرة وحركة الأموال الأمريكية الضخمة التي تدفقت لتمويل جماعات حقوق الإنسان ، والأفراد، من أجل خلق نخبة تابعة ، وهو المخطط الذي لا تخفي وكالة المخابرات الأمريكية شيئا من تفاصيله ، وتروج له بعنوان " نشر الديمقراطية " . وقد رحب المثقفون دوما بكل مؤسسة تستطيع أن تقوم بدور في تنشيط الاهتمام بالأدب . وأسعدنا جميعا أن يفوز قصاص مصري لامع وباهر مثل محمد المخزنجي بجائزة مؤسسة سويرس عن القصة القصيرة ، وأن يفوز معه كتاب موهوبون آخرون من زملائنا بجوائز أخرى . لكن أحدا لم يكن يتوقع من مؤسسة ساويرس أن تكرم أدول بعد خطابه ذلك ، بحيث يصبح منحه الجائزة تقديرا لخطابه في واشنطن . وكان من الطبيعي أن يعترض الكاتب أشرف أبو جليل على منح أدول تلك الجائزة ، ولم يكن من الطبيعي أبدا أن يصيح فيه سويرس " اخرس " ، أو " اسكت " . والإهانة التي وجهها رجل الأعمال المصري سويرس للكاتب أشرف أبوجليل هي إهانة لكرامة جميع الكتاب والأدباء . ولسنا بحاجة لتذكير أحد بالفرق الضخم بين جامعي الأموال من عرق الناس ، وبين الكتاب والشعراء الذين يريدون للناس غدا آخر ، ومجتمعا آخر . ولاشك أن حركة الثقافة المصرية ليست بحاجة الآن لاضطهاد إضافي من " قوى المال " المقنعة بالليبرالية . وعندما يتحدث الكتاب فإن على الجميع أن ينصتوا إليهم باهتمام واحترام بالغ، لأن هذه هي قيمة الكاتب وهي قيمة كبرى خارج أسواق البورصة والعقارات ، إنها القيمة التي صانت للتاريخ اسم طه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهم وأهملت مئات الأسماء لوزراء ورجال أعمال لا يذكر أحد شيئا عنهم .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعتذار للشعب السوداني ، واستنكار لما جرى
-
بروزاك .. صديق المبدعين
-
ألفريد فرج .. في وداع الخيال
-
الوجه الآخر لفوز الإخوان في مصر
-
يوميات جندي أمريكي في العراق
-
من أين يأتي الحزن ؟
-
أقباط مصر .. هل يريدون الكثير ؟
-
أحداث باريس وكلمات ألبير كامي
-
الثقافة والطائرات
-
المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية
-
اللحظة الحرجة
-
علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
-
هي وأخواتها علماء العراق
-
الرواية اليوم
-
الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
-
الثورة مع الاستعمار
-
فاجعة مسرح بني سويف
-
نجم .. من الذاكرة !
-
جغرافيا الفكر والثقافة
-
رواية الصحن لسميحة خريس
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|