|
زراعة الأنسجة ودور العلم
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5346 - 2016 / 11 / 17 - 01:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
زراعة الأنسجة ودور العلم طلعت رضوان بفضل العلماء الذين وهبوا حياتهم لسعادة البشر، توصلوا لتقنية زراعة الأنسجة فى تكثير الخضراوات والفاكهة، و(تخليق) أشجارممتازة دون اللجوء إلى البذور، التى كثيرًا ما يعجز المزارع عن الحصول عليها. وبفضل هذا الانجارالعلمى والتكنولوجى فلو تم العثور على نخلة (واحدة) أنتجتْ بلحـًـا أكثر حلاوة من غيرها ، فإنه يمكن (بتقنية زراعة الأنسجة) إنتاج ملايين النـُـسخ منها. وبفضل هذه التقنية يستطيع الفلاح زراعة هذه الأنسجة فى أرض بها نسبة ملوحة عالية أو فى موقع شديد الحرارة، فيتمكن من انتخاب الأفضل من الخلايا، بينما هذا الفلاح لا يستطيع ذلك بالطرق التقليدية (نظام الفسائل) وقد نجحتْ طريقة (زراعة الأنسجة) نجاحـًـا باهرًا فى نخيل الزيت الذى كان حتى وقت قريب لايتكاثر إلا بالبذرة. وقد طوّرتْ إحدى الشركات العالمية بإنجلترا تكنيك زراعة أنسجة هذا النخيل ، وأرسلتْ أولى شتلاتها للزراعة فى ماليزيا عام1976، ليكون الإثمار فى عام1978. وبزيادة فى (غلة الزيت) بلغت 30%. كما نجحتْ تقنية زراعة أنسجة نخيل البلح ، وهذا يعنى زيادة ثمار المحصول وجودته. وهذه التقنية الحديثة سوف تساعد على استنبات أنسجة (نبات الفانيليا) وأنسجة أشجارالصمغ، لإنتاج الفانيليا والصمغ فى المعامل وليس فى المزارع. وبذلك يمكن توفير الأرض لزراعات أخرى. كما تمكنتْ إحدى الشركات عام1991 من إنتاج الفانيليا من (مزارع الأنسجة) وهذه الفانيليا ليست (اصطناعية) وإنما هى مطابقة تمامًـا لما تنتجه بذور (أوركيدة الفانيليا) بعض العلماء يحاول إنتاج ألياف القطن من (مزارع الأنسجة) بل إنّ البعض تمكن فعلا من تنمية الحويصلات التى تحمل العصير فى ثمارالبرتقال والليمون والجريب – فروت لإنتاج عصائرالموالح من (مزارع الأنسجة) دون ثمار ودون أشجار. ويوجد نوع من مرض السكر اسمه العلمى Diabetes ينشأ فى الإنسان عندما يهاجم الجهاز المناعى على الخلايا المفرزة للإنسولين بالبنكرياس (أى يهاجم الهرمون الضرورى لحفظ المستوى الصحيح من السكر فى الدم) وإذا تحطمتْ هذه الخلايا أصبح على المريض أنْ يلجأ يوميـًـا إلى حقن الإنسولين. وقد ركزتْ دراسات كثيرة على تعاطى المريض بالفم لكميات وفيرة من بروتين GAD حتى يمتنع الجهاز المناعى عن تدمير خلايا البنكرياس، ولكن كانت المشكلة هى صعوبة تصنيع هذا البروتين بكميات تسويقية كبيرة. وبعد عدة تجارب نجح باحثون كنديون فى يوليو1997فى إدخال (الجين) المشفر لبروتين (جاد) فى (دنا) البطاطس. فأنتجوا بطاطس تحمل مستويات عالية من هذا البروتين. كما تم اكتشاف سلالة من فئران أنتخبتْ للحساسية العالية لمرض السكر، وتعتبر نموذجـًـا ممتازًا لحاملى هذا المرض، حيث ثبت أنّ لها نفس تركيب البنكرياس ولها نفس الاستجابة المناعية، فتم أخذ عينة من فئران هذه السلالة وحقنها بالبطاطس المهندسة وراثيـًـا. فكانت النتائج مشجعة جدًا. ثم بدأ تجريبها على البشر. ويعتقد العلماء أنّ أكل النباتات المهندسة وراثيـًـا ملائمة ، وقد تنجح فى منع طرد الجسم للأعضاء المزروعة فيه. وقد أمكن بالفعل إنتاج الكثيرمن النباتات المطعمة بجينات بشرية، وتحويلها إلى (بروتينات بشرية) وعلى سبيل المثال فإنّ البطاطس تنتج (ألبيمين الدم) ونبات (اللفت) ينتج (الإنكفالين) الذى يفرزه المخ لمنع الألم. ونبات (التبغ) ينتج (إنترلوكى- 2) وبعض أصناف الخضروات والفواكه مثل : الموز والطماطم والبطاطس ، تحمل (فاكسينات بشرية) للسعال الديكى والالتهاب الكبدى والوبائى B وكذلك أمراض الاسهال والتيتانوس والدفتريا، وتحمل أيضـًـا أجسامـًـا مضادة لبكتريا تسوس الأسنان. ولأنّ المُـتعصبين دينيـًـا مُـتشابهون فى كل دين ، لذلك – كما ذكر د. مستجير- فإنّ الأصوليين فى بريطانيا (فى أوئل التسعينيات من القرن العشرين) هاجموا التكنولوجيا الحديثة، بحجة أنها لايمكن أنْ ((تكون محايدة)) وأنّ فيها ((نهاية العالم)) خاصة فى عصرالكمبيوتر، الإنترنت، الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا، وأنّ كل هذه المبتكرات تؤذن بنهاية العالم. ورغم ذلك فقد وقعوا فى التناقض حيث يستخدمون الكمبيوتر، ويكتبون عليه مقالاتهم التى تهاجم التكنولوجيا . ولم يكتفوا بذلك وإنما شكلوا جماعات من بينهم ، لحرق حقول الذرة وفول الصويا المهندسة وراثيـًـا ، بحجة المحافظة على الطبيعة لتبقى ((نقية مثلما تسلمناها، عذراء، طاهرة لم تمسسها تكنولوجيا)) ولكنهم يتجاهلون أنّ كل المحاصيل الزراعية قد حـُـورتْ وراثيـًـا من أسلاف برية قديمة، ولكن بطرق مختلفة)) (د. أحمد مستجير- قراءة فى كتابنا الوراثى- هيئة الكتاب المصرية- عام2013- ص133) وأعلن المتعصبون دينيـًـا أنّ الأطعمة المُحوّرة وراثيـًـا سوف تسبب السرطانات والحساسية للكثيرين وسوف تقلل مقاومة الجسم وتضعف جهازه المناعى. يقولون هذا رغم أنّ ملايين البشر يستخدمون الإنسولين البشرى الذى أنتجته بكتريا مُـحوّرة بإضافة (جين بشرى) إلى مادتها الوراثية لإنتاج الإنسولين. ويتجاهلون أمر حيوانات المزرعة المحورة وراثيا بجينات بشرية، فأنتجتْ فى ألبانها (عقاقير للبشر) وعن الزيادة الهائلة فى عدد سكان العالم ، فإنّ العلماء الأوروبيين (المغضوب عليهم والضالين) انشغلوا بالبحث عن وسيلة توفــّـر الطعام لهؤلاء الملايين. وكان من بين هؤلاء العلماء (واطسون وزميله كريك) حيث نشرا فى عام1953 بحثــُـا (من صفحة واحدة) وصفا فيه التركيب الجزئى لمادة الوراثة (الدنا) هذا البحث قليل الكلمات فتح الباب لعلم الوراثة.، وقلبه رأسا على عقب. وقفز به قفزة هائلة لم تخطر على بال أحد من قبل. حيث تبين أنّ المادة الوراثية لكل الكائنات الحية، من البكتريا حتى الإنسان، مؤلفة من نفس المكونات. فكان من الطبيعى- والأمركذلك- أنْ يتساءل العلماء الذين قرأوا هذا البحث- إذا كانت الطبيعة قد خلقتْ الجهازالوراثى لكل الأحياء من نفس المادة، فهل يمكن نقل بعض الأجزاء من المادة الوراثية من كائن إلى كائن آخر؟ وهل من الممكن إجراء (جراحة وراثية) نــُـطعـّـم بها المادة الوراثية لكائن ببعض جينات كائن آخر؟ وبمعنى آخر: هل يمكن البدء فى علم جديد اسمه (الهندسة الوراثية)؟ وفى عام1973(أى بعد عشرين سنة من بحث واطسون وزميله كريك) نجح العلماء فعلا فى إجراء الهندسة الوراثية. فنجحوا فى إتمام (تطعيمات جينية) بين أنواع مختلفة من البكتريا، وبين البكتريا والفيروسات، وبين البكتريا والضفاضع. وهكذا بدأتْ (ثورة الهندسة الوراثية) وفى عام1983 تم بنجاح دخول أول جين غريب فى نبات، وكان هذا النبات هو (الطباق) وبعد ذلك بدأ عدد النباتات المهندسة وراثيـًـا فى التزايد ، حتى وصل الرقم فى عام1995 إلى أكثرمن 60 نوعـًـا كان أهمها : شلجم الزيت، الذرة، بنجرالسكر، البطاطس، الطماطم، فول الصويا والقطن. وهكذا انتشرتْ تلك التقنية وبدأ استخدامها فى العديد من بلاد العالم ، ووصل عدد تلك الدول التى تجرى التجارب الحقلية على المحاصيل المهندسة وراثيـًـا إلى أكثرمن 30 دولة أهمها: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، كندا، هولندا، ألمانيا واستراليا.. إلخ. وفى عام 1996 زرعتْ الولايات المتحدة نحو ثلاثة ملايين فدان بمحاصيل مهندسة وراثيا. وارتفعت المساحة عام1997 إلى ما يقرب عشرة ملايين فدان، منها أكثرمن نصف مليون فدان ذرة . وفى نفس العام كان 25% من محصول القطن و15% من محصول الصويا و8% من محصول الذرة بالولايات المتحدة ناتجـًـا عن بذور محورة وراثيا. ووصل ثمن ما يباع من البذورالمهندسة وراثيـًـا فى عام 2000 إلى ما لايقل عن ستة آلاف مليون دولار(د. مستجير- ص139) وذكر د. مستجير أنّ الأنسجة تقنية بسيطة، وقد أتقنها العلماء ، وهى تنمى فيها خلايا النبات فى مُستبت غذائى ، ويمكن للمهندس الوراثى أنْ يـُـدخل ما يود من جينات غريبة فى هذه المستنبتات ، لكى تنو بعد ذلك إلى نباتات كاملة تحمل الجين أوالجينات الغريبة التى يرغب المهندس الوراثى أنْ يـُـحوّرنباتاته. وذكرأنّ فول الصويا ينقصه واحد من الأحماض الأمينية العشرة الضرورية لغذاء الإنسان هو(المثيونين) وأنّ الفول المصرى ينقصه حمضان ضروريان هما (المثيونين والستين) وأنّ إضافة الجين المسئول عن حمض المثيونين بالهندسة الوراثية إلى الفول سيرفع من قيمته الغذائية. وقد قام الباحثون بالفعل بنقل هذا الجين من المادة الوراثية لجوز البرازيل إلى المادة الوراثية لفول الصويا، فأصبح الفول غنيـًـا بالمثيونين. ثم صادفتْ العلماء مشكلة جديدة عندما اكتشفوا أنه قد انتقل مع الجين المأخوذ من الجوز، جين آخر ينتج مواد تثيرالحساسية التى يسببها الجوز لبعض الأشخاص. وكان على العلماء البحث عن حل لهذه المشكلة. وطرح د. مستجير عدة أسئلة مهمة مثل : لو تم هندسة نباتات تحمل جينات من البقر، فهل يقبل الهندوس أنْ يأكلوها؟ ولو أدخلتْ فى النباتات جينات مأخوذة من الخنازير، فهل يوافق اليهود والمسلمون على أكلها؟ وقد قال بعض (علماء) المسلمين أنّ الجينات تحمل معها هويتها، فالجين المأخوذ من الخنزير يظل جين خنزير أينما حل. بينما يرى بعض اليهود أنّ الجينات تأخذ طبيعة الكائن الذى تــُـنقل إليه. فالجين من الخنزير يصبح جينــًـا نباتيـًـا إذا أدخل فى المادة الوراثية للنبات ((وهذا أمر يجب أنْ يـُـترك لرجال الدين ليقروا ما يرونه فى هذا الشأن)) وكذلك توجد مشكل أخرى تتعلق بالبشر (النباتيين) الذين لايأكلون الأغذية الحيوانية، فهل المُـطعـّـم بجين حيوانى يعتبرمن الأغذية الحيوانية، رغم أنه أصبح ضمن النباتات؟ ونجحتْ شركة أمريكية فى إنتاج طماطم اسمها العلمى (فلفر يبفر) لاتختلف عن الطماطم المألوفة من الناحية الغذائية. لكنها تتميز بقدرتها على الصمود دون تلف بضعة أسابيع. كما أمكن بفضل الهندسة الوراثية تغيير تركيب درنات البطاطس بجين منقول من بكتريا (كولاى) برفع كمية النشا بنسبة تصل إلى 20% . كما أمكن تطوير أرز فى بذرة إنزيم لعلاج مرض التليف الكيسى وتطوير موز تحتوى مادة ثماره على (فاسكين الالتهاب الكبدى- B ) كما أجرى العلماء الأبحاث فى مشروع الجين الأزرق (بلو جين) وقد تمكنتْ شركة (مونساتتو) بالفعل من تصنيع قماش أزرق من هذا القطن لايحتاج إلى صبغة كما أنّ لونه ثابت لايزول مع الغسيل. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواجهة بين العلم والكهنوت الدينى
-
انعكاس الثقافة القومية على الأدب (9)
-
انعكاس الثقافة القومية على الأدب (8)
-
انعكاس الثقافة القومية على الأدب (7)
-
العلوم الطبيعية والأنظمة العربية
-
انعكاس الثقافة القومية على الأدب (6)
-
انعكاس الثقافة القومية على الأدب (5)
-
انعكاس الثقافة القومية على الأدب (4)
-
محمود تيمور ومشكلات اللغة العربية
-
انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (3)
-
عروبيون وينتقدون اللغة العربية
-
انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (2)
-
انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب
-
الأقليات الدينية والثقافة السائدة
-
كيف كسر الولاء للدين مصطفى كامل
-
هل البديهيات تحتاج إلى توضيح ؟
-
هل يستطيع البشر التخلص من الغيبيات ؟
-
هل الدين - أى دين - قابل للتجديد ؟
-
الأدب الروائى ومقاومة الأصولية الإسلامية
-
أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|