حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 5343 - 2016 / 11 / 14 - 05:37
المحور: الادب والفن
    

حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7

غياب والد كريم عن الأحداث التي مرت في علاقة كريم بالسيدة سميرة لم يكن مبررا عند كل الذين تدخلوا بشكل مباشرة أو بصورة غير مباشره في متابعتها، بالرغم من أنه الوحيد الذي نجح في إستيلاده من زوجته دون أمل في أخر، وحبه الأكيد لكليهما إلا أن أختيار كريم للأدب والثقافة والفكر بعد أن كان يتأمل منه أن يراه مهندسا لامعا من جملة الذين يتعامل معهم يوميا في مهنته، كان الرجل مقاطعا وبصت لكل الذي يجري، إنه أحتجاج واقعي على الخيبة وإقرار بعد النجاح فيما سعى له.
بقيت سميرة في مدينة كربلاء تدرس الرسم والفنون في بعض مدارسها وهي محاصرة بالكثيرة من الأسئلة وبكثير من التهم والإشاعات دون أن ترد، ليس لأنها لا تملك الأجوبة ولكنها تعرف أن الناس لا تسمع وعندما تسمع ستسأل سؤال أخر، لذا لا أمل من نهاية قريبة، كريم أيضا لم ينجو من مصيدة العيون والهمس الخفي عن كل شيء.... عن تهم حقيقية وأخرى مفتعلة، التهمة الأكبر أنه مجنون يبحث عمن يعقله أو يمنحه صك الغفران من الخبل، وضع دقيق وبحاجة إلى كتاب مثل ألف ليلة وليلة حتى تنسى الناس قصة كريم وسميرة والخيالات التي صنعها هوس التطفل.
شيء غريب لا يجد له تفسير كريم أن الكثير من الشباب الذين يعرفهم من خلال وسط الفكر والثقافة أو من أيام الدراسة والجامعة وحتى من شباب المنطقة، يبدون له الكثير من الود والتعلق به وبأفكاره خاصة التي تدعو إلى حيادية العلم والتربية والتعليم عن الخضوع لقيم المجتمع، كانت دعوته بالتأكيد تلاق صدى بين الأفكار الأقرب لليبرالية، ولكن ما يثير الغرابة أن البعض من هؤلاء يصفها بالأفكار المجنونة أو ينعت كريم بالجنون لأنه يريد أن يتجاوز الثوابت، كذلك سميرة تعاني نفس النظرة ففي قاعة المدرسات أو في الجمعات واللقاءات وحتى مع الطالبات تلاق الكثير من الدعم والمساندة واحيانا التشجيع، الغريب الكل يتهمها بأنه تسعى لإفساد واقع التربية والتعليم... إنها الحيرة.
في اللقاء الرباعي الذي جمع سميرة وأمها وكريم وأمه في بيت العائلة في أوائل الشتاء الحالي، والذي أجهد كريم حتى تقنع الوالدة بإنعقاده دون أن يحضر الوالد، وجعله جلسة تعارف وتقارب ومناسبة لتقريب الصورة أكثر بين والدته وسميرة، دار الحديث جافا أول الأمر في صور عن الصحة والسلامة والكلمات العابرة، عيون سميرة تحدق بالبيت الصغير وما يحوي من ذكريات حقيقية لكريم عنه وفيه، رسمت عشرات الصور الذهنية عن حركة ساكنيه، ناقشت مضيفها عن بعض التفاصيل الهندسية في البناء وعلاقتها بالواقع، فيما أنشغلت السيدات بحديث معمق عن الحياة ومتاعبها وعن القسمة والنصيب وأخر الملفات التي تدور بين النساء فيما يخص الطبخ والعلاقات المنزلية.
اللوحة الوحيدة التي علقت على جدران البيت تمثل قراءة أنطباعية ورمزية لقيمة البيت التراثي كمكان يوحي بالألفة والتمرد في آن واحد، رسمتها سميرة بطريقة أعطت للزمن فيها عمق يصل إلى قرارة نظرية الوجود مستخدمة اللونين الأسود والبني والأحمر لتقسم الزمن لمراحل، وتقول لمن يقرأ اللوحة جيدا أننا برغم أنتقالاتنا اليومية بين طيات الوقت كونه مقياس حركتنا إلا أننا نعيش متشبثين بما كان لأننا ولحد اللحظة نعجز أن نخلق لنا صورة عما سيكون في الغد....، أم كريم كانت كثيرا ما تنتقد ولدها على هذه اللوحة وتقول عنها أنها تشبه طبخ ست غشيمة.
كان الأمر المزعج والذي أطاح بقوة في تخطيط كريم لأن يرتبط أكثر في عالم سميرة الفني والفكري المتمرد هو أختفائها بدون أن تترك له خبر أو أثر، ولا حتى في مدرستها القريبة من بيته، كل المتداول أنها قد تكون معتقلة بقضية أمنية أو ما يشبه، الأمر أكثر من مقلق خاصة بعد أختفاء الأم أيضا، حاول هو والبعض ممن يتعاطف معهم أن يبحثوا عن سر هذا الاختفاء المفاجئ والقسري، الذي لم يعد مستغربا مع ما يجري في المدينة من توجهات حكومية طالت الكثير من رموز وقادة المثقفين وخاصة منهم الشيوعيون واليسار عموما، كان جوابه الدائم واليقيني أن سميرة ليست شيوعية ولا تؤمن بأي مذهب سياسي إنها مثقفة وحسب.
لا عنوان
ولا حتى خيط أبيض يصلني بالنار
النار التي أحرقت كل الزوايا المظلمة
في جبل الجليد..... الذي يلبسني
لا يمكن لأحد
أن يسرق الشمس
أو يخفي الأرض من تحت أقدامنا
فقط يمكنهم أن يجمعوا الكثير من الرصاص
ليمارسوا معي
لعبة القتل الحميد.............................................
وهل في القتل خيار؟ حين يكون الطريق
بين الموت الدائم
والفناء المر
سأذهب حتى خلف جدار الموت
أبحث عن حروفي وأحلامي
وعن أوراق كتبت فيها أسم وطني
هل تعلمون من هو الوطن؟
إنه الحب الذي نرسمه على الجدران
وفوق فوهات البنادق
ليخرس الشر
ويجري النهر حيث ينتظره البحر عطشان
إنه زمن العشق المحرم
زمن الإرهاب الذي يلبس علم الوطن
وينفق من جيوب الفقراء
ويسرق النور من عيون البشر......

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات