|
حرب المزابل والنفايات السياسية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1418 - 2006 / 1 / 2 - 11:58
المحور:
كتابات ساخرة
سأخالف، عمدا، قرار مجلس الشعب رغم أنه "يمثلني" خير تمثيل، وسأطلق لقب السيد على نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، وعذرا على خرق "إرادة الشعب السوري"، وممثليه لهذه المرة الأخيرة فقط. فلقد ارتكب السيد خدام خطأً فادحاً، وكبيراً، في تصريحه المدوي، الذي ختم به العام، الذي كان مليئا بالانفجارات، برغم حالة الصفاء المطلق، والأجواء الرومانسية الهادئة والحالمة، والديكور الخلاب والأثير في القصر الأوناسيسي الباريسي الأسطوري. وسننطلق من الخطأ الثاني الذي ارتكبه خدام، وهو في هذا الانقلاب، والتحول الجذري، في موقفه تجاه سلطة كان هو أحد أركانها، ومفاصلها الرئيسيين، ولا يختلف كثيرا عن ممارساتها في كثير من الجوانب. وهذا يعكس الطبيعة الحقيقية لجوهر السياسي الذي يبقى صامتا عقودا، تمهيدا لانقضاض ماحق في اللحظة المناسبة التي يبدو أنها دنت حسب رأي السيد أبي جمال على الأقل، وهذا أمر مألوف في التاريخ السياسي، ولا غرابة فيه.
وما عناني في تصريح السيد خدام كله، هو ذاك الجزء المتعلق بغذاء المعترين، المنتوفين المشحرين من السوريين، وهو الخطأ الأول والأكبر الذي ارتكبه السيد خدام في تلك الإشارة الإنسانية التي صحت في نفسه وضميره، فجأة، تجاه فقراء السوريين الذي أكد السيد خدام بأنهم يبحثون عن الطعام والغذاء في القمامة. وفي هذا مغالطة كبرى أيضا، حيث أن القمامة، وكما ورد تعريفها، في موسوعة المزابل الصادرة عن إدارة الطنابر والتركتورات، هي ما يفيض عن الناس من غذاء، وحاجيات، ومخلفات أخرى، وهذا الفائض، في الحقيقة، غير متوفر، عند معظم الجماهير المناضلة الذين يعانون من الفاقة، والقلة، والعوز في ظل أنظمة الإفقار، والتعتير، ولذلك يمكن القول ان لا وجود لقمامة تستحق الذكر، يمكن التعويل عليها في أية مشاريع استثمارية لإطعام الفقراء والمحتاجين، وهل هناك أصلا تموين كاف ليخلف أية قمامة؟ ومحظوظ ابن محظوظ كل من يرى شيئا سالما حتى في القمامة، يمكن أن يقتات عليه. أما قمامة الأغنياء، وهم قلة قليلة، فهي لا تكفي لسد حاجة تلك النسبة العالية من فقراء السوريين، ومع ذلك يمكن أن تشكل مصدر رزق، وغذاء، لبعض وليس كل الجائعين.
وفي الحقيقة في هذا إجحاف كبير، ونميمة، ودسيسة على هؤلاء الفقراء وتفتيح للعيون عليهم، وعلى مصادر رزق، ولهط، ونهب، كانت غائبة عن عيون المافيويين الذين آلوا على أنفسهم أن يحرموا هذا الشعب المسكين حتى من الهواء، والأوكسجين، وكافحوا وناضلوا سنينا طويلة لجعله في الحضيض، وهو النجاح الوحيد الذي حققوه عبر تاريخهم النضالي الاشتراكي المديد. فلقد كان أولئك المتعوسين، وحتى يوم أول من أمس، يتدبرون أنفسهم، ويحصلّون رزقهم من المزابل الوطنية الجماهيرية الشعبية، ومخلفات الطبقة الارستقراطية الثورية، والآن، يا سيادة نائب الرئيس "سابقا"، وبعد هذه الوشاية على المساكين، من أين سيأكل هؤلاء الجوعي المتهالكين حيث أن أنظار المافيات المتوحشة، وجحافلها البطولية، وطوابير مصاصي الدماء النهمين ستتجه كلها إلى المزابل لمقاسمة الناس هذه الرفاهية، وممارسة عمليات التشبيح، والتشليح، والبلطجة عليهم وتحصيل أية مبالغ، وريوع مالية من هذا الباب الاستثماري الجديد. وستقام على المزابل الكثير من المشاريع، وتفرض الخوات، والأتاوات، ويُعيّن الموظفون المحظيون، والمدعومون كمشرفين مؤبدين على المزابل لابتزاز الناس الجائعين، وفرض الضرائب عليهم، كون هذه المزابل ثروات وطنية من حق الحكومات الثورية فقط التصرف بها، والإشراف عليها. ولا يستبعد أبدا أن تفرض ضريبة رفاهية من قبل الحكومة المناضلة الرشيدة على كل من يتجرأ، ويتناول الطعام، ويتعدى على أية مزبلة، أو حاوية قمامة تابعة للحكومة، أو يدخل حرم القمامات الوطنية، وستفتح بذلك، أيضا، بابا جديدا للموظفين المرتشين المساكين.
وفي الحقيقة، ليس في هذا الكلام أية مبالغة، إذا علمنا الحدود القراقوشية القصوى للقرارات التي تصدر كل يوم، والخوات والأتاوات التي تفرض، والتي هدفها الوحيد إبقاء هذا المواطن البائس المسكين في حالة من انعدام الوزن، والتعتير، وإفقاره، وتطبيق أشرس، وأقسى القوانين عليه.
هذا، ومن المؤمل أن تدرج شركة المزابل القابضة في البورصة المزمع افتتاحها، قريبا، وتدخل في المضاربة كاستثمار رابح، وواعد نظرا للعدد الكبير من الناس المرتادين لهذا القطاع الحيوي الهام، والجديد، تنافس حتى البنوك، وشركات النفط، والخليوي. كما أنه من المتوقع أن ترتفع فورا أسهم، وأسعار الطنابر، والطرانزينات، والبغال، كونها الناقل الرسمي والمعتمد للزبالة حتى الآن في الصرح الاشتراكي العظيم، وستنهال العقود طويلة الأجل على الطنبرجية بعد أن كادت هذا المهنة أن تنقرض، تماما، كالديناصورات، والأحلام.
وعلى الفور أيضا، قام مجلس الشعب، في حفلة نادرة، وغير مسبوقة، من التشنيع وعلى الأثير، بالإشارة إلى كل "القمامات" التاريخية التي تكومت حول الرجل، وخلّفها خلال تاريخه النضالي البطولي الحافل برمي "القمامات" هنا وهناك، ونبش المجلس الموقر له كل مزابله الحديث منها والقديم، بما فيها نفاياته النووية التي كانت منومة لوقت طويل، والتي لم يسمع بها المجلس الكريم، ولا الأمن الساهر، والمؤتمن على راحة المواطنين، ولمحاسن الصدف، حتى يوم أمس، حين بدأ بنفض الغبار عن تاريخ السيد الذي شغل ثاني أكبر منصب في التسلسل الهرمي السلطوي السوري. وتم عقب ذلك، العثور، وبالصدفة، على مزبلة للنفايات النووية في صحراء تدمر،ولكن تبين لاحقا أنها من مخلفات البرنامج النووي، وليس كما يشاع عن قيام الرفيق المناضل خدام بجلبها، وقبض عمولات، على دفنها في الأراضي السورية، وهو عمل وطني يجب أن يثاب الرجل عليه، وليس التشهير فيه. إلا أنه لم يتم البت، إلى الآن، بمشروع أي قرار يتعلق بالتصديق على برتوكول برنامج انتاج القمامة، والمزابل بشكل تجاري، برغم معارضة الولايات المتحدة، وأوروبا لأية عملية "تزبيل" للموضوع. إلا أن ناطقا رسميا، باسم بلدية عنجر، صرح بأن رائحة المزابل "الجماعية"، والقمامات" المحلية"، قد بدأت تفوح في الأجواء، وقد وعد بطرح مناقصات عالمية، وبشكل فوري، لترحيل كل هذه القمامات نهائيا.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنشق السوري الكبير
-
تعقيبا على تعقيب
-
مرايا السوريين
-
البرلمان العربي: سراب السراب
-
شجرة الحرية
-
الحجاج نويل
-
الأجندة العربية والأجندة الأمريكية
-
صلوات لاستسقاء الديمقراطية
-
نقطة نظام
-
عندما تطفئ الشموع
-
لِمَ الإحراج يا سيادة الرئيس نجاد؟
-
نبوءة علي الديك
-
مدرسة الحوار المتمدن
-
نهاية رجل شجاع
-
مُصحف سيادة الرئيس
-
عودة الوعي للسوريين
-
قناة الشام الفضائية
-
الحوار المتمدن ومحنة الأمل الكبير
-
فرصة الأخوان التاريخية
-
الاستبداد هو الاستبداد
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|