|
الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5341 - 2016 / 11 / 12 - 13:26
المحور:
الادب والفن
الأميرة، سارت ومرافقتها بطريقة إستعراضية عبرَ الممشى المزهر، المتصل بين مدخل جناح " سوسن خانم " الرئيس وبابه الداخليّ. كنتُ أتبعهما بخطى بطيئة ومترددة، غافلاً عن ألغاز هذا الممشى، المنتمي مجازياً لماضيي أو أحلامي: " هل يمكن للخانم أن تدرك كيفية وصولي إلى القصر الريفيّ في الليلة نفسها، التي أعتذرتُ فبها عن إصطحابها في طريق العودة من دار الأوبرا؟ "، رحتُ أهجس بأفكار كهذه. ما لم أكن لأدركه، ببراءة تفكيري المتناهي حدّ السذاجة، أنّ إسرائي إلى ذلك الفردوس كان بتدبيرٍ من مخدومتي بالذات؛ والتي شبهتُها فيما سَلَف بحيّة الإغواء. " الشريفة "، هيَ من جازَ لها أن تجلوَ في وقتٍ آخر معميّةَ الأمر، وكنتُ وقتذاك أعيش معها تحتَ سقفٍ واحد. عليّ كان عندئذٍ أن أستعيدَ وقائع ليلة العرض المسرحيّ، حينَ أنتبهتُ خلال الإستراحة إلى أنّ إحداهن كانت تجلس في اللوج المقابل، منطوية في صفّ خلفيّ وكما لو أنها تخفي شخصيتها. لم يكن بإمكانها جلبَ إنتباهي، لولا أنها كانت توجّه إلى ناحية مجلسنا منظاراً صغيراً كذلك الشائع الإستعمال في المسارح الكبرى. حبكة تأخّر حوذيّ الكوتشي، كانت قد أدّت غايتها بخروج الأميرة في الوقت المأمول لكي تلتقطني من قارعة الطريق. ولكن، ما لم يكن مقنعاً في هذا التصوّر، هوَ أن تتنازل إمرأة بمقام " للّا عفيفة " لأداء دَورٍ لا يليق بتاتاً بمركزها ناهيك عن شخصيتها؟ " أنا لم أقل، أنّ الأميرة مثّلت دوراً كهذا "، ردّت عليّ " الشريفة " آنذاك. ثمّ أردفت قائلة: " بل هيَ الخانم من تعمّدت إرسال الحوذيّ إلى مقر إقامتها، موقنةً بأنه لا بدّ وأن ينغمس ثمة في شرب الحشيش مع صديقه البوّاب. لقد كانت تعلم أيضاً أن الأميرة، بحكم كونها أرفع شخصية من البلاط موجودة في المسرح ليلتئذٍ، ستمضي بعيد إنتهاء العرض إلى أفراد الفرقتين الفرنسيتين لأداء واجب المجاملة " " لو سلّمنا جدلاً، أنّ الأمرَ جرى كما قلتِ. فمن المنطقيّ، والحالة تلك، أن يكون ثمّ مأربٌ للخانم بوضعي في طريق الأميرة؟ " " طبعاً، وماذا كنتَ تظن! إنها امرأة داهية، تقدّر سبلَ تحقيق مصلتحها.. وأعني أعمالها لا عواطفها. فهيَ غرست في وهم الآخرين، أنها تسعى لعدم تمكين شقيقتك شيرين من الإقتران بالمسيو غوستاف. فيما أنّ الأمرَ كان على خلافه تماماً، وقد أستعملتني منذ البداية كوسيلة في هذا الشأن. ولا أستطيع سوى القول، بأن دوري كان محدداً في إقناع شيرين بالعمل لدى المسيو "، قالتها ثمّ لزمت الصمتَ. وأعتقد أنّ إرخاءها عينيها، إنما كان لشفقتها من رؤية تضرّج وجهي بالخجل والخزي. ثم أستأنفت الكلام، في محاولة لصرف تفكيري عما يخصّ شقيقتي: " الخانم، أستعملتني قبلاً كصلة وصل مع الأميرة. أجل، تعيّن عليّ أن أكون جارية للّا عفيفة حيناً من الزمن. ولكن هذه طردتني، آنَ معرفتها بأنّ والدتي سعت إلى بابها مستجديةً معونة مالية منها. وإذاً، فإنك تدرك الآن لِمَ أستعاضت الخانمُ العشيقةَ بالمعشوق! ". علمنا، أنّ " للّا عفيفة " واصلت دراستها الجامعية في باريس. وقد أمكن لها ذلك، كونها ليست من الأقارب المباشرين للعرش. ثمة، أنطلقت الفتاة السمراء الجميلة على سجيّتها، مع إحتفاظها بشخصية محبة للثقافة والفنون. إلا أن تعرفها على أحد الشبان الفرنسيين، شاءَ أن يعطفَ مجرى مستقبلها، فما لبثَ أن أعادها إلى قوقعة حياتها الأولى. كانت قد أدهشت قنصل سفارة بلدها في باريس، لما سعت للحصول على أوراق تساعدها في الزواج من صديقها. فلما أعلِمَ القصرُ بالأمر، تمّ الضغط على الفرنسيين لإعادتها إلى الرباط. فلم يتأخر بها المقام هناك، لتجبر هذه المرة على الإقتران بموظف كبير من خارج السلالة المالكة. فضلاً عن أنّ الرجل لم يكن يتميّز بشخصية محببة، فإنه كان يكبر امرأته كثيراً في السنّ. في المقابل، دأبت " للّا عفيفة " على التمسك بشخصيتها المستقلة وأفكارها المتحررة، كما كانت تشارك في الحياة الإجتماعية والثقافية على حدّ سواء. بين حينٍ وآخر، كانت تقوم بزيارات لباريس تطول أو تقصر. " تلك الوصيفة المنكودة الحظ، التي ذكرت لكَ الوالدة ما كان من حكايتها في القصر الريفيّ، هيَ من كشفت سرّ علاقة الأميرة بصديقها القديم؛ فدفعت الثمن غالياً مثلما علمتَ "، واصلت قرينتي قصَّ ما تعرفه عن " للّا عفيفة ". هذه الأخيرة، كانت على صلة بصديقها الفرنسيّ من خلال الرسائل بشكل خاص. ويبدو أنّ كانت تستطيع في تلك الخطابات بث مشاعرها، أفضل مما تفعله مكالماتها الهاتفية مع الرجل أو حتى لقاءاتهما السرية ثمة في عاصمة النور. ويقال أيضاً، أنها في سبيل محبوبها أجهضت نفسها مرتين على الأثر بحيث أنها أضحت عاجزة عن الإنجاب. إلا أنّ الأقاويل، لم توفّر حتى هذا الجانب من حياة " للّا عفيفة ". إذ أشيعَ أنّ لديها ابنة من ذلك الفرنسيّ، وأنّ ذلك هو سبب زياراتها المتواترة إلى باريس. على الأرجح، وهوَ ربما رأي كل من عرفها عن قرب، فإنّ الأميرة لا يمكن أن تكون وفية لذكرى حبها الأول، وفي الآن نفسه، تنطلق في حياة إباحية فاضحة. من الممكن أنها كانت ما تني تراسل الرجل ( وهوَ ما فضحته تلك الوصيفة لو كان الخبر صحيحاً؟ )، وأنها كانت تلتقي معه في باريس. على أنّ مقتها للجنس الأخر غير خافٍ، ولا أدلّ على ذلك من ميلها المثليّ. وقد يكون هذا المقتُ على خلفية إقترانها برجل لا تحبه، أو ردّ فعل على تخلي حبيبها عنها آنَ تعرضها للضغط من لَدُن سلطات بلادها كي تعود إلى الوطن: كلّ ذلك جائز، وقد وجدتني أفكّر فيه؛ ولكن بعد إنقطاع صلتي بصاحبة الشأن.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء
-
الجزء الأول من الرواية: زاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: زاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: زاء
-
الجزء الأول من الرواية: واو 3
-
الجزء الأول من الرواية: واو 2
-
الجزء الأول من الرواية: واو
-
الجزء الأول من الرواية: هاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: هاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: هاء
-
الجزء الأول من الرواية: دال 3
-
الجزء الأول من الرواية: دال 2
-
الجزء الأول من الرواية: دال
-
الجزء الأول من الرواية: ج / 3
-
الجزء الأول من الرواية: ج / 2
-
الجزء الأول من الرواية: ج / 1
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|