|
الديمقراطية والكهنوت الديني
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 5336 - 2016 / 11 / 7 - 23:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يمر العراق بمرحلة الديمقراطية الانتقالية، تلك التي تستوجب تهيئة كافة متطلبات ومستلزمات الانتقال الى الديمقراطية. اهم تلك المستلزمات واكثرها ضرورة هي خلق الوعي الشعبي الديمقراطي، الذي يستوعب ويفهم ضرورة التحولات الديمقراطية والاجتماعية واهميتها للتطور والتقدم والصفاء الاجتماعي للشعب، فبدون وعي ديمقراطي سياسي واجتماعي وقانوني حقوقي شعبي يبقى البلد عالقا في مرحلة الديمقراطية الانتقالية ولن يستطيع تجاوزها، ذلك لتناقض الجوهر مع المظهر. فالشعوب المتخلفة لن تستطيع انجاز اي شكل من اشكال البناء السياسي او الحقوقي او الاجتماعي المتقدم. ورغم وجود كافة المؤسسات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ، الا ان كل هذا الكم لا يتعدى زخرف الوجود الشكلي للبناء، فبعد مرور ثلاثة عشر سنة على اسقاط النظام، انحدر العراق اكثر واكثر في اعماق غير مسبوقة من الفساد والارهاب والصراعات الطائفية ولم يستطع، ليس تجاوز المرحلة الانتقالية فحسب، انما تراجع عنها حتى بدى وكانه يعيش في مرحلة حكم ما قبل تأسيس الدولة، حيث تسيطر القبائل والمرجعيات الدينية على الشؤون السياسية والاجتماعية وتفرض اعرافها وتقاليدها واعتباراتها على المجتمع. نعتقد ان السبب الرئيس في هذا التخلف الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، هو في سيطرة احزاب لا تصلح لبناء اسس الديمقراطية بشقيها السياسي و الحقوقي ناهيك عن شكلها الاجتماعي ، ونقصد بها الاحزاب التي يمتلك اصحابها سطوة المال والدعم الاجنبي وينقصهم الالتزام الاخلاقي والاخلاص الوطني. ولنا تصنيفها هذه الى اثنين: احزاب قد تأسست من اجل غاية واحدة فقط هي الاستحواذ على الثروة وتهريبها واستثمارها خارج البلاد وهي احزاب لا تختلف عن الشركات الوهمية المتشرة في العراق والتي تحظى بالصفقات الكبيرة وهي في الواقع ليس سوى يافطة عنوان. لقد كانت هذه الاحزاب من متطلبات العملية السياسية حيث ان النظام السابق لم يبق على اي نوع من الحياة السياسية سوى حزب البعث الصدامي، وعندما اتى الامريكيون شجعوا وعملوا على تأسيس هذه التجمعات ( احزاب ومنظمات) ومنحوا اصحابها مواقع قيادية في العملية السياسية. اما الصنف الثاني فهي الاحزاب الدينية، وهي اضافة الى فسادها المالي والاخلاقي، فان لها رؤية منهجية متناقضة مع المنهج الديمقراطيي، ولا تتقبل من الديمقراطية الا ما اباحه لها الشرع الاسلامي والمصلحة الطائفية والمذهبية. واذا كانت احزاب (قطاع خاص) تلك التي يملكها افراد همهم الوصول الى البرلمان او السلطة للحصول على الثروات يمكن ابعاد مرشحيها في مواسم الانتخابات وذلك بفضح فساد ذمم مرشحيها وعدم كفائتهم، فان من الصعب التغلب على مرشحي الاحزاب الدينية المدعومة من الكهنوت ذلك لسيطرته على العقل الشعبي العام واخضاعه لارداته وامتثال الجماهير لأوامره. يشتد انصياع الناس للكهنوت الديني عند اشتداد الصراعات الطائفية التي تقسم الشعب الى معسكرات متحاربة ومتخاصمة تجد في الاحزاب الدينية ممثلا وحاميا ومدافعا عنها وعن عقيدتها الدينية. ان من اهم التأثيرات السلبية لسيطرة الكهنوت الديني على العقل الشعبي هي ان الدولة والوطن يتراجعان الى مراتب ثانوية، بينما يحتل الدين والمذهب والمرجعيات المقدمة ويكونان الأولي بالطاعة. وهذا التأثير لا ينحصر على طائفية او قومية بعينها، اذ كلما قوى واتسع تأثير الكهنوت الديني الاولى بالتفضيل، شملت تأثيراته السلبية غير المنتمين له اذ انهم بدورهم يلوذون بما لديهم من تعريفات مميزة، طائفية او قومية او دينية او قبلية. وهذا ما نراه في النسيج الوطني العراقي الممزق نتيجة لاضعاف روابط الانتماء الوطنية وتقوية راوبط الانتماء الطائفية والقومية، حيث ينتج لنا المواطن السني والمواطن الشيعي والمواطن الكوردي والمواطن المسيحي او الصابئي او الايزيدي بينما تنعدم الثقة بين ما يسمى مكونات الشعب، مع ان الشعب لا يمكن ان يكون مكونات، فهو تعريف قانوني لجميع الناس الخاضعين لدستور وقانون دولة ذات سيادة بغض النظر عن الانتماءات الدينية او القومية او اللغوية او العرقية. نعتقد ان اي بلد وليس العراق فقط، سيبقى في مكانه لا ينتقل خطوة واحدة الى الامام، هذا اذا لم يتراجع الى الخلف، ولن يصل الى الديمقراطية بمضامينها الاجتماعية والثقافية والمدنية وحتى السياسية، اذا لم يعد النظر في العملية السياسية المبنية على التعريف الطائفي والعشائري والقومي والديني للشعب. نعتقد ايضا بان المحاصصة ليس الا نتاجا لهذا التعريف الخاطيء للشعب والذي اتبعه الامريكيون ليؤسس لمشاكل يصعب حلها دون وسيط له حق التدخل لفض النزاعات وتكون له الكلمة المسموعة.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل هناك ما يجذب الشباب الى البشاعة
-
المسلم المجرد
-
العرب قومية ام أثنية ام مجموعة لغوية؟
-
ناهض حتّر شهيد الكلمة الحرة والموقف الشجاع
-
الدين والعقيدة والطائفة وهوية الانتماء
-
اخوان من اطاع الله اول جيش ارهابي اسسه الملك عبد العزيز آلسع
...
-
الديمقراطية الفاسدة
-
ليس هذا هو الاسلام!!
-
الاحزاب الدينية كبضاعة فاسدة
-
ثورة تموز والمتباكون على اطلال البلاط
-
الحزب الشيوعي: حزب نظري ام حزب سياسي؟
-
التيار الصدري: الرمز والهوية
-
السعودية الخاسر الاكبر
-
شماعة داعش
-
الدولار ومعيار الذهب
-
الماركسية وحمالو الاسفار
-
قتل بسيف الشريعة
-
بوابات الجحيم
-
قراءة في الدولة والدين والقومية
-
ارهاب عدو وارهاب صديق
المزيد.....
-
لون و-رمزية- شماغ الأمير تركي الفيصل بمقابلة CNN يشعلان تفاع
...
-
-لا توجد خطة-.. محلل يصف مشروع ترامب لغزة بـ-غير منطقي- ويؤك
...
-
-لم يعد بإمكاننا التحمل-.. فلسطينيون بغزة يناشدون العالم للم
...
-
السعودية.. القبض على 3 مواطنين ومقيم يمني والأمن يوضح ما ارت
...
-
ما هو حجم الدمار في جنين بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في
...
-
حزب البديل من أجل ألمانيا وماسك وشركاؤه: حلم السيطرة على الع
...
-
خبير يكشف سر الوميض الأبيض خلال الزلزال المدمر في تركيا عام
...
-
أستراليا.. إنماء أول جنين كنغر في العالم باستخدام التلقيح ال
...
-
-لا مانع من محو غزة وإسرائيل-.. استقالة موظف من وزارة ماسك ب
...
-
-نيوزويك-: لأول مرة منذ بدء القتال في أوكرانيا.. طائرة تجسس
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|