|
السرقة الادبية والفنية تعد جزءا حيا من الثقافة (2)
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 5334 - 2016 / 11 / 5 - 22:21
المحور:
الادب والفن
من المؤكد ان عصر الهرولة الذي نعيشه قد أثّر على الحياة الفنية بشكل عام، ما جعل العمل الفني المتفرد الجميل يتراجع لضيق وقت المؤلفين وسعيهم لتسديد فواتير الحياة المكلفة، ومن ثمة تزايد الاستنساخ الذي اصبح مسيطرا على الموسيقى والكتابة والسينما والتلفزيون. هناك آفة اخرى رهيبة تحطم الابتكار هي إستمرارية الاذاعة وقنوات التلفزة 24/24، ما يعني ان هذه المحطات تريد تعبئة الوقت بأرخص كلفة، لأن إنسان العصر الحديث لا ينام الليل، غير متأن في كل اعماله، لا وقت لديه للإستمتاع بما حوله، ومن ثمة لا يبالي كثيرا بما يسمع او يشاهد، مازالت العجلة والارق وتسديد الفواتير المرهقة هم اسياد العصر، وقد عبّرت السينما عن ذلك، ففي مشهد جمع بين الممثلة المخضرمة مريم فخر الدين وعادل إمام في فيلم "النوم في العسل"، سألها الاخير وكان يلعب دور ضابط شرطة اتى لتحقيق داخل شقة مومسات، عن سبب هياج احد الزبائن لدرجة تحطيم الاثاث، فقالت له بطريقة لبقة ان الامر حدث لأن الرجل مصاب بضعف في الانتصاب، وإندهش عادل إمام حين رأى الزبون شابا في اواخر عشرينات عمره، فسأله عن السبب، واجاب الشاب بأن الامر "شوية ضغوط مخلياني مش عارف اظبط المسائل"، ثم إلتفت إمام إلى مريم وقال لها: "الحكاية دي بتحصل عندكم دايما؟" فقالت له: "كتير. مابقاش فيه لذة زي زمان.. حتى في الحاجة دي". سطو بالاكراه حسب رأيي الشخصي، إنتقل معظم الانتاج الفني إلى عصر الاستنساخ لأن التفرد اصبح نادراً، والذي يتأمل افلام المبدع شارلي شابلن يدرك تماما أنه مبتكر معظم مفردات الكوميديا السينمائية، وأشهرها إلقاء الناس التورتات على وجوه بعضهم بعضا، وظهور البطل بثياب انيقة، وعندما تتراجع الكاميرا للخلف يتبين ان الاناقة فوقية فقط لأن الرجل اتي إلى الحفل بثيابه الداخلية من تحت، ولقطة ردة الفعل على وجه المستمع بينما المتحدث خارج الكادر، إضافة إلى كسر حدة الموقف الدرامي بلحظة كوميدية مفاجئة، والجمع بين الكوميديا والتراجيديا في المشهد نفسه، وكانت سلسلة "مستر بين" في عصر السينما الناطقة، إستنساخا تاما لما قدمه شابلن في عصرها الصامت، كما سار بيني هيل على المنوال نفسه، مع إستعمال الايحاء الجنسي. إتكأت سلسلة افلام "جميس بوند" في بداياتها على سيناريو ومشاهد فيلم "عشرون ألف فرسخ تحت الماء"، خصوصا الرجل الشرير الذي يحلم بالسيطرة على العالم أو تدميره، والالات الحربية المتطورة علميا ولا يعرفها عامة الناس. وكان فيلم "الطيور" للمبدع هتشكوك هو منبع جميع افلام الحيوانات التي تهاجم البشر، كما ان لغة الكاميرا البطيئة المتحركة في ممرات مظلمة وصمت مطبق يقطع الانفاس، هي احد ما إبتكره ايضا هتشكوك، ولم يستطع غيره سوى اضافة لمسات تقنية على هذه المفردة السينمائية، كما خلق الممثل كريستوفر لي مفردات شخصية دراكولا سينمائيا ولم يستطع احد تقديم جديد عليها. في السينما العربية، إستنسخ إسماعيل ياسين شخصية "Popeye" الكرتونية، وإقتبس أنور وجدي إسلوب الفيلم الاميركي الاستعراضي في اربعينات القرن العشرين وانتج بعض الروائع وأشهرها "غزل البنات"، وقدم فؤاد المهندس سلسلة افلام "مستر إكس" وهي إستنساخ كاريكاتوري لأفلام جيمس بوند. حققت السينما العربية اول سرقة فنية تستحق الدخول إلى "غينس بوك" حين سرق المخرج السينمائي السعودي علي حسن الامير قصة الروائية السورية سمر يزبك "طفلة السماء"، وحولها إلى فيلم سينمائي بدون علم الكاتبة، ولم يكتف بذلك بل وضع إسمها على كُتيب الفيلم كمشاركة في كتابة السيناريو، الامر الذي يصنفه قانونا تحت بند سرقة بالاكراه. يعيش التلفزيون عصر الاستنساخ بإمتياز عظيم، فما ان ينجح احد البرامج حتى تستنسخه جميع الشبكات في انحاء العالم، وأشهرها "من يريد ان يكون مليونير"، الذي استنسخته عدة شبكات تلفزيونية باسماء اخرى، وانتجته شبكات اخرى كما هو تماما لكن بمقدم تلفزيوني آخر ولغة مختلفة. استنسخت شبكات تلفزيونية عديدة حلقات جيري سبرنغر رائد البرنامج الذي يخاطب المجتمع السفلي، كما إستنسخت البرامج الحوارية التي تحمل إسم مقدمها على خطى "أوبرا" وصارت موضة خصوصا بعد منتصف الليل، يتحدث فيها الجميع عن خبراتهم في الحياة، لأن الناس لا تنام! قدم المطربون القدامى كافة اغنيات في افلامهم داخل سيناريو سينمائي يتناسب مع معنى الاغنية، وعلى الصعيد العربي من منّا لا يتذكر المطربة الاسطورية ليلى مراد وهي تغني "ماليش أمل" و"أبجد هوّز" في "غزل البنات"، واوبريت "بساط الريح" واغنية "قالت لي بكرة" وغيرهما للفنان فريد الاطرش، أو "استعراض الشاطىء" وباقي اغنيات "ابي فوق الشجرة" التي قدمها عبد الحليم حافظ وكتب السيناريو المخرج الكبير حسين كمال، وغيرها من اغان على بكرات الخلود. كان سيناريو كل اغنية لا يشبه غيرها بتاتا، ثم إستفحل الامر حديثا بعيدا عن الفيلم وأطلقوا عليه "كليب"، وهو عمل مستنسخ يسيطر عليه الابهار التقني والالحان المستنسخة الكهربائية إن جاز التعبير، وقد لا يمت سيناريو الكليب بأدنى صلة لمعاني الاغنية، بل بتفاصيل جسد المطربة أو الخدع البصرية التي تشغل المشاهد عن تفاهة الكلمات والمعاني، ووصلت درجة الاستنساخ مداها حتى في اغلفة اغاني السي دي وتسريحات شعر الفنانين. إقتباسات موسيقية موسيقيو العالم كافة مارسو الاقتباس لكن بدرجات متفاوتة، أرقاها من إقتبس مجرد جملة موسيقية احبها، وإبتكر من وحيها لحنا آخر، وادناها من سرق لحنا ولم يضف عليه أي شيء. مارس عبد الوهاب الاقتباس الموسيقي وإتهمته اليونسكو بسرقة ثلاث عشرة أغنية من ألحان غربية، كما مارس الامر نفسه الاخوان رحباني وأشهر سرقاتهم لحن لمندلسون اخذوه مثلما هو ووضعوا له كلمات أغنية هي "لينا" كما غنت فيروز من ألحان زوجها ألحانا مسروقة مثل "انا وياك" و"ليلة عيد" و"كانوا". كما اقتبس الرحابنة الحانا من القداس البيزنطي وأشهرها لحن دخول المخاتير في مسرحية "ميس الريم". في الموسيقى الغربية اخذ باخ الكثير من تيماته ومواضيع سيمفونياته من مؤلفين موسيقيين سابقين له ومعاصرين أهمهم فرسكو بالدي الايطالي وبوكستيهوده الألماني. كما إقتبس موتسارت وهو من أعظم الموسيقيين الكثير من الالحان، مثل الفوجا المزدوجة الشهيرة (كيريا لاليسون) من قداس الجناز لهندل. من أوراتوريو "المسيح" لهندل نقل بيتهوفن من كورال هالليلويا تيمة الفوجا ووضعها في "انيوس ديي" من قداسه الاحتفالي، كما إقتبس بداية سمفونيته الثالثة كما هي من افتتاحية اوبرا "باستيان وباستيانا" التي ألفها موتسارت وعمره ثلاث عشرة سنة، واستعمل بيتهوفن الضربات الاربع الشهيرة في السمفونية الخامسة "القدر" من رقصة "تارنتيلا" الايطالية من القرن السادس عشر، وخيمت روح تلك الرقصة على الكثير من تيمات سمفونيته الخامسة. تشايكوفسكي اخذ لحنا من اوبرا "كارمن" ووضعه كلحن ثانوي في الحركة الاولى من كونشرتو "الكمان والاوركسترا"، وكان اللحن الثانوي في الحركة الاولى من سمفونيته السادسة من اوبرا "فاوست" لجونو.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السرقة الادبية والفنية تعد جزءا حيا من الثقافة (1)
-
الذات الإلهية لم تطلب من احد الدفاع عنها
-
الاغتيال العقائدي والاغتيال السياسي
-
الهوية وقانون الحريات والعلمانية
-
المواطنة المتساوية وانفصام الشخصية
-
البوركيني وثقافة الملابس
-
عالم كيمياء وفقيه كلام
-
البابا فرنسيس يؤسس اخلاقيات تخالف الموروثات الابراهيمية
-
أتنادون باالخلافة وتبخلون على خليفة رسولكم بجزيرتين؟!
-
في معضلة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم
-
يعيش يعيش حكم المرشد
-
هل أفلست الاديان شكلا ومضمونا؟
-
افراط البطش الذي يتجاهل القرآن والاحاديث
-
تعدي مؤسسة على صلاحيات الله المطلقة
-
-موال الهوى-: رواية تعبق بثقافات البحر المتوسط
-
المسلمون المتنورون والصم المسيحيون
-
ختان العقل ووأد الروح واستهجان الاستنارة
-
تحت خط الفقر العلمي
-
التمييز والعنصرية والتقية ومصادر التمويل
-
الازدواجية الاخلاقية في الضمير الجهادي
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|