فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 5334 - 2016 / 11 / 5 - 16:01
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ان القراءة السياسية على ارض الواقع للاستراتيجية الامريكية لمحاربة التطرف والارهاب تؤشر الى حقيقة انها استراتيجية رمادية اي انها مزدوجة في التعامل مع الاسلام السياسي المتطرف ومع الحركات الارهابية وتؤكد التجربة التاريخية ان هذا الموقف الرمادي يهدف الى احتوائهم بدلاً من محاربتهم , كما انه يتجلى هذا الموقف ايضاً في انها اي امريكا تحارب الارهاب في العراق المتمثل بداعش وتدعمه وتساندة في سورية المتمثل بجبهة النصرة وكأنه توجد علاقة حب تأريخية بينهما جذورها تمتد الى نهاية السبعينات من القرن الماضي عندما دعمت ال CIA القاعدة في افغانستان لمواجهة التدخل السوفياتي آنذاك وهذا يؤشر الى ان الاهداف الامريكية واستراتيجيتها في منطقة الشرق الاوسط هي وراء علاقة الحب القائمة بينهما .
محاربة امريكا لداعش في العراق جاء متأخر والمعطيات تؤكد ذلك :
1- بعد سقوط مدينة الموصل في 10/ حزيران 2014 صرح الرئيس الامريكي ان فترة الحرب ضد داعش سوف تطول ثم عاد وقال قد تمتد الى ثلاث سنوات ( هذا ما نقلته وكالات الانباء) . وكرر هذا القول في لقائة مع السيد حيدر العبادي في واشنطن في اواخر/ نيسان2015 بان الحرب ستطول وكان متردد من مطاليب السيد رئيس الوزراء ومنها التسليح العسكري وهو ضرورة لخوض الجيش العراقي المعارك لتحرير المدن من داعش .موقف الرئيس الامريكي كان غامض من تسليح الجيش العراقي علماً ان امريكا لم تسلم حينها طائرات f16. رغم وجود عقد اتفاق مسبق للشراء مع وزارة الدفاع العراقية , وعلى أثر هذا الموقف تأخر تحرير مدن تكريت والفلوجة والرمادي وحتى الموصل لأن الجيش العراقي كان يحتاج الى غطاء جوي الذي يمتلكة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية .
هنا يطرح سؤال : هل يعقل ان حرب تقودها دولة عظمى مثل الولايات المتحدة ان يصمد امامها تنظيم ارهابي لا يملك السلاح المتطور والعتاد والطيران والجيش النظامي القادر على محاربة الجيش الامريكي وحلفائه لبضعة اسابيع اذا بدأت الحرب اذن ماهي المعطيات التي استند عليها الرئيس الامريكي ليقول انها حرب طويلة الامد؟
والسؤال الآخر : هل ان داعش يمتلك امكانيات قوة عظمى وبهذه الحالة ان الجيش الامريكي بحاجة لوقت ليستكمل استعداداته لمواجهة هذه القوة العظمى؟ ام ان امريكا لديها اهداف اخرى غير معلنه وهي بحاجة الى وقت لأنضاجها ؟
2- كان الرئيس الامريكي على علم ومن خلال رصد الطياريين والاقمار الاصطناعية الامريكية ان داعش وجبهة النصرة يهربان النفط من سورية الى تركيا , لزيادة مصادر تمويلهما ولبناء قوتهما العسكرية ولم تعطي القيادة العسكرية الامريكية الأوامر بقصف مئات الشاحنات التي يهرب بها النفط وفي نفس الوقت تدخل شاحنات من الحدود التركية محملة بالسلاح مع دخول مقاتلين, هذه حقيقة بات يعرفها الجميع وهذه المعطيات تؤكد على ازدواجية الاستراتيجيات الامريكية من محاربة الارهاب .
3- ولاحقاً سمحت الولايات المتحدة الامريكية لداعش لتهريب النفط من الموصل الى تركيا عبر سورية حيث كانت مئات الشاحنات تعبر الحدود السورية الى تركيا محملة بالنفط المهرب , ولم يتعرض لها طيران التحالف , وبهذا ساعدت الولايات المتحدة في عملية تهريب ثروات البلدين وفي المساهمة في تمويل داعش وجبهة النصرة وهذا شكل من اشكال الدعم الامريكي لهذه الحركات الارهابية .
4- ما قالة لافروف وزير الخارجية الروسي ( ان موسكو لم تعد مندهشة من رفض امريكا اعتبار تنظيم جبهة النصرة عدوا يجب استهدافة . وأكد الوزير ان طائرات التحالف الدولي لم تضرب جبهة النصرة أبداً خلال الغارات التي بدأتها عام 2013 وأكد ان محاولات الحفاظ على تنظيم النصرة كقوة لتكون الاكثر استعداداً للقتال , لأستخدامها لاحقاً لأسقاط حكومة بشار الاسد وهذا مثير للحزن . وأكد لافروف انه خلال مشاوراته مع نظيرة الامريكي جون كيري كان يلفت انتباهه الى ان التحالف الدولي يتمهل لدى ضرب مواقع تنظيم داعش .) (1)
سؤال : ماهو سر هذه المواقف الرمادية للولايات المتحدة من داعش وجبهة النصرة حيث اضطرت لاحقاً بعد علاقة الحب الطويلة معهما الى مقاتلة داعش في العراق وهي بنفس الوقت مستمرة لدعم جبهة النصرة في سورية ؟
أرى ان السر يكمن في قواعد اللعبة الامريكية :
وتؤكدة الحقائق التالية :
1- في العراق خطورة الموقف تجلى بعد سقوط مدينة الموصل وتقدم داعش الى الرمادي وتكريت ومدن اخرى ووصولها الى مشارف بغداد , لكن داعش حينها وقفت عند الحدود المرسومة لها . ارى من وجهة نظري انه كان بامكان داعش التقدم من تكريت الى سامراء لكنها لم تتقدم وبلا شك ستكون هنالك مقاومة قوية لها من قبل الجيش والشرطة في المنطقة وابناء المدينة وضواحيها , وقد يفشل تقدمها وتندحر . لكنها لم تحاول التقدم على سامراء . ارى من وجهة نظري ان السبب يكمن في قواعد اللعبة الامريكية. ( وذلك نظراً لوجود مراقد دينية في سامراء لها قدسية عند المسلمين والشيعة بالذات) هذا سيكون ليس في صالح امريكا اذا اصبحت هذه المراقد تحت سيطرة داعش اولاً وثانياً تخشى امريكا من استفزاز ايران وثالثاً ارى ان امريكا تهدف الى تواجد داعش في مناطق جغرافية محددة رسمت لها قد تكون لها علاقة بانضاح مستلزمات تحقيق بعض اهدافها ومنها حالة التقسيم اللاحق للبلد الى دويلات ثلاث الذي تخطط له امريكا من خلال اقامة اقاليم ( دويلات ) تقام على اساس طائفي واثني.
2- ان قواعد اللعبة تهدف الى توظيف داعش وجبهة النصرة وفرضهما كأذرع ارهابية لها وتستخدمهما كعامل مؤثرومتغير في معادلة اثارة النزعات الطائفية والاثنية والثانوية لأستمرارنزيف الدم واثارة الصراعات الثانوية ولتهيئة مستلزمات تحقيق اهدافها الاستراتيجية في اسقاط النظام في سورية وتهيئة ارضية لتقسيم البلدين ولغرض اقامة قواعدها العسكرية في المنطقة .من يستطيع ان ينفي ان داعش وجبهة النصرة لا تعرفان بقواعد اللعبة هذه ؟ لا سيما انهما يتحركان بأوامر خارجية وفق مبدأ تسليم واستلام للمدن .
3- من قواعد اللعبة الامريكية ومن خلال أدواتها الارهابية تهدف امريكا الى استنزاف روسيا في سورية واجبارها على اخراج جيشها من سورية وازالة قاعدتها من طرطوس ولأبعاد اسطولها من البحر الابيض المتوسط ولأضعاف دورها المؤثر في منطقة الشرق الاوسط والعالم .
4- ما يؤكد صحة ذلك هو ما نشرته وكالات الانباء في يوم 12/ تشرين الاول 2016 عن مصدر دبلوماسي عسكري في موسكو أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اتفقتا على منح مسلحي تنظيم (داعش) الإرهابي إمكانية الخروج من مدينة الموصل العراقية قبل بداية عملية تحريرها والانسحاب الى سورية , وهذا ما اكدته هيلاري كلنتن في مناظرتها الثانية مع ترامب حيث قالت سنفتح لهم ممرات من الموصل للخروج الى سورية . في حين المطلوب هو القضاء على داعش وليس نقلها من منطقة الى اخرى .
- تجلى القرار الروسي الواضح والعلني بمواجهة قوات داعش المنسحبة من الموصل ومنعها من الدخول الى سورية من خلال قصفها بالطيران . اثار هذا الموقف الروسي الهستيريا لدى الولايات المتحدة الامريكية ووضعها في مأزق اقليمي ودولي .
هنا يطرح سؤال : هل ان داعش وجبهة النصرة يتحركان بأوامر من قبل ال CIA ؟ لا سيما ان المساعدات المالية التي قدمتها السعودية وقطر لهؤلاء الارهابيين والمساعدات اللوجستية التي قدمتها تركيا لهم , كما يعرف الجميع ان الدول الثلاث لم يجرأ اي منها لتقديم هذا الدعم لو لم يكن هنالك ضوء اخضر وموافقة امريكية . رغم ان امريكا تأخرت كثيراً في مساعدة الجيش العراقي بغطاء جوي لتحرير المدن العراقية المحتلة من قبل داعش , الا ان طائرتها وخبرائها يساهمون اليوم في عملية تحرير الموصل والقوة الاساسية في هذه المعركة الوطنية هو الجيش العراقي وقوات الشرطة ومتطوعي الحشد الشعبي من ابناء مدينة الموصل وضواحيها ومدن اخرى . ان تحرير مدينة الموصل يعتبر انتصار كبير ضد الارهاب لكن امريكا تريد توظيفة لأهدافها في المنطقة والعالم ومنها دعم مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون لأنتخابات الرئاسة الامريكي .
ورغم ان امريكا تدرك تماماً ان الحل السياسي للازمة السياسية في سورية لا بديل عنه وهو الذي ينهي العنف و يوقف نزيف الدم للشعب السوري الشقيق ويحافظ على وحدة الوطن ويهيئ لعملية تغيير ديمقراطي بيد الشعب السوري . ان هذا الحل السلمي السياسي تعتبرة امريكا هزيمة لها على الصعيد الاقليمي والدولي لأنه يضعف من وزنها الدولي السياسي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي في ظل التوازنات الدولية الجديدة تعتقد ان هذا يركنها جانباً الادارة الامريكية لا تزال تتصور انها القطب الاوحد في العالم ,اللعبة الامريكية باتت مكشوفة واصبحت الادارة الامريكية في وضع لا يحسد علية وهذا هو امتداد للتأريخ التئامري الدموي الذي دمر شعوب واوطان .
(يتبع)
1- انباء موسكو- تصريح لافروف في 21-10-2016 في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية غواتيمالا بموسكو .
5-11-2016
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟