|
ثالثاً : الأيديولوجيا الدينية
رمضان عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 5333 - 2016 / 11 / 4 - 01:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الدين يوفر العزاء والراحة ، ويغذي روح الجماعة ، ويرضي حنيننا لمعرفة سبب وجودنا . وهو العزاء في الأوقات الصعبة ، وفي كونه يرسم نهاية بعيدة جدا للبشرية ، غيبية تترك أثرها على العقل الجمعي والأخلاقي . وأحد مظاهر الدين هو الحب العنيف المتركز على الشخصية الماوراء طبيعية ، مثل : "الله " ، " أُولاهيم " ، أو غير ذلك والتي نجد لها مسميات مختلفة باختلاف الشعوب . إنه يبث فينا المشاعر المطمئنة والدافئة عن كوننا محبوبين ومحميين من المخاطر ، ويلغي فينا الخوف من الموت بالمساعدة السماوية كجواب على الصلوات . والدين في التحليل النهائي ، هو الإيمان بأفكار تشرح علاقة الإنسان بالمجهول ، الغيب . هو مزج أسباب غيبية خيالية بالأحداث الواقعية ، هو استنساخ المجهول بدافع الخوف والجهل . فالجهل هو الأب الشرعي للخوف ، والخوف هو الأب الشرعي للأسطورة ولتشكيل المجهول . فالخوف من المجهول قد خلق لدى الإنسان في مراحل تفكيره البدائي جملة من الأفكار والتصورات عن العالم ، الكون ، ظواهر الطبيعة والمجتمع والموت ، تجمعت مُكونة منظومة فكرية ومعتقدات لها انعكاس عملي في الحياة . لقد كان نتاجا لا واعيا في زمن اللاوعي . وانطلاقا من هذه المعتقدات دأب الإنسان إلى ممارسة طقوس وعبادات من أجل استعطاف المجهول ، الغيب . والطقوس الدينية هي ممارسات وحركات عملية يعتقد من يمارسها أنها تجلب له رضى الإله الذي يعتقد به ، وحينما يمارس الإنسان هذه الطقوس يشعر بالاطمئنان والسكينة لاعتقاده بأن الإله سيجلب له السعادة ويبعد عنه الشرور . وقد تنوعت وتعددت هذه المعتقدات والطقوس والعبادات لدى شعوب العالم حسب الموقع الجغرافي ، وكيفية صراعها من أجل الحصول على الغذاء ، وكيفية تفسيرها للظواهر المحيطة بها . وهذا ما يفسر لنا تعدد الديانات لدى شعوب المعمورة . إن الطقوس تختلف من دين إلى آخر ، فهي تتوزع بين الدعاء والصلاة ، وقراءة النصوص الدينية في أوقات معينة ، والسهر ليلا ، إلى تقديم القرابين وتقديس الأماكن من مبانِ أو جبال أو وديان أو كهوف أو مغاور أو أشجار أو آبار تدور حولها روايات وقصص وأساطير ، وزيارة كل ما له تاريخ ديني ، مثل أضرحة الأولياء والأنبياء والرسل . وقد تصل الطقوس إلى ذبح أحد البشر وتقديمه كقربان إلى أحد الآلهة ، أو إلقاء عروس في النهر كما هي عادة مصر القديمة . من هنا كان الدين معتقدا لإنسان العصور الأولى والذي أنتجه الخوف والعجز عن مواجهة الطبيعة ، والخائف يقف دائما في موقف ضعف ورجاء للمجهول الذي يقدسه لكي لا تنزل به المصائب الطبيعية أو الاجتماعية . وإذا ألمت به مصيبة خاصة أو عامة ينتابه شعور بالتقصير فيزيد من الرجاءات والدعوات للمعبود لكي يزيل هذا الكرب ، وبهذا يقنع نفسه بأنها ستكون ساترا له من مصائب في المستقبل 0 فالدين هو العزاء النفسي للخائف من ماذا بعد ؟ هو الرفض للحاضر السيئ ، والأمل في الجنان المزهرة بعد الموت كتعويض عن الأنين والألم في الدنيا الحاضرة . ولما كان الشعور بسوء الحياة هو شعور شبه دائم لدى الإنسان لما يواجهه فيها من ظلم وحروب وفقدان أحبة بالموت وصراع بين البشر ، لهذا تراه في طموح دائم نحو الأفضل ضمن إمكانياته الفكرية . والدين يرشده إلى أن الأفضل ليس في هذه الدنيا ، بل بعد الموت ، في الجنان الموعودة في السموات العلى، والتي سيكون له نصيب فيها بقدر زيادة الرصيد من الطاعة وكسب رضى الآلهة . والدين له جاذبية عند البسطاء من الناس لاحتوائه على كثير من قصص الأقوام الغابرين سيقت كدروس وعبر لترهيب العصاة ، ووصايا أخلاقية وأوامر ، ومن أطاعها كان له الثواب والحياة الأبدية في الجنة . إن السعي لكسب رضى الآلهة يدفع المؤمن إلى السكينة والهدوء والقناعة والصبر على المكاره والرضى بقدر الله خيره وشره ، أملا أن يجد التعويض ونيل النعيم الأًخروي . والمجتمع البشري بعد أن تخطى مرحلة المشاعية في الحصول على الغذاء ، أصبح واحة لعذابات الجموع الغفيرة من العبيد والأقنان والفلاحين والعمال ، فكان الدين هو الملجأ والعزاء النفسي لهم ، ويرشدهم إلى الطريق لكسب ما تعدهم به السماء . ولكن الدين كمنظومة فكرية واعتقاديه ليس لها اعتراض على التقسيمة الطبقية في أي مجتمع ، فنجد الكثير من النصوص الدينية ليس لها اعتراض على الفقر أو الغنى ، أو الملكية . كما لا نجد اعتراضا من النصوص الدينية على نوعية نظام الحكم ، ملك ، والي ، خليفة ، رئيس ، ما دام من نفس الدين الذي يدين به شعبه . إن الدين لا يقوم على ترغيب المؤمنين بالجنان والحياة الأبدية فقط ، بل يقوم بترهيب الناس ويتوعدهم بنار وقودها الناس والحجارة ، ويزرع فيهم الخوف من سوء المصير بعد الموت ، ولاتقاء هذا المصير السيئ يجب طاعة الوصايا الدينية ، وطاعة أُولي الأمر ، فإن طاعة أولي الأمر من طاعة الله . وبهذا نجد الخليفة العباسي المنصور يقول : " إنما أنا سلطان الله في أرضه ، أسوسكم بتوفيقه وتسديده , أطيعوني ما أطعت الله فيكم " . وهذا يعني أن من خالفني ، فهو يخالف أوامر الله لأني ولي أمركم في هذه الدنيا ، فمن أطاعني ، أطاع الله ، ومن عصاني ، إنما يعصى أوامر الله . وبهذا فقد وجدت أنظمة الحكم الملكية والديكتاتورية في الدين ضالتها المنشودة والتقت مصالحهما في السيطرة على الجموع الغفيرة من الناس ، عن طريق تعظيم عنصر الخوف . ولكن لماذا هذا التزاوج بين الدين والدولة ؟ ذلك أن كلاهما يرتبط وجوده بأن يكون فوق المجموع ، ومسيطر على المجموع . فالدين يُخضع المجموع بالخوف والترهيب من الآلهة في الحياة ومن عقابها بعد الموت . ووسيلته زرع الأمل والترغيب في حياة فاضلة بعد الموت في الجنة . وهذا الاعتقاد يخلق مجموعة من المطيعين لأولي الأمر والمسالمين والقانعين والمؤمنين بالقضاء والقدر خيره وشره ، وأن الحياة مَعبرْ ، ولا تطمع في مال غيرك ، " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "(سورة النساء – 32 ) ، فهذا حسد ، وعليك بالأعمال الصالحة وطاعة الوصايا الدينية لأنها هي الطريق إلى الجنة . أما الدولة ، فتقوم مصالحها على السيطرة على الشعب ، الجموع الغفيرة من الناس ، وذلك بزرع المفاهيم التي تجعل وجودها بهذا الشكل دائم ، وقمع التمرد عليها بكل الوسائل . فالعنف مرتبط مع الدولة منذ ظهورها في التاريخ . فقد قامت إما لإدارة الحروب ، أو لإخضاع الجموع من الناس لسلطتها . وفي هذا يقول مكيافيللي في نصيحته للحاكم انه يجب عليه "حماية الدين ولو كان هو نفسه لا يؤمن به لأن الدين يعاونه على حكم الجماهير وعلى تثبيت سلطانه." قال نابليون : " الدين شيء ممتاز لإبقاء العامة من الناس هادئين " . وبينما نجد أن البسطاء والعامة يعتبرون الدين حقيقة مطلقة نجد أن الحكماء يعتبرون الدين زيف ويصلح لخداع العامة ، والحكام يعتبرون الدين مفيد لحكم العامة ، بينما العلماء يعتبرون الدين ستارا يحيد بالناس عن الرؤية العلمية ، في حين نجد الفلاسفة يعتبرون الدين مخدر طويل المدى . من هنا نرى أن الدين يرتبط وجوده بوجود الظلم الاجتماعي والجهل ، وهو الصرخة والرجاء التي يطلقها المضطهد موجها إياها لعالم الغيب . إن هذه الصرخة هي التعبير عن عدم الرضى عن ما هو موجود من ظلم واستعباد ، وعدم تكافؤ فرص ، إنه احتجاج على وضع تغيب فيه العدالة الاجتماعية ، ويسود فيه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان . في زمن العاصفة تلجأ السفن إلى أقرب مرفأ . وأينما يكون الظلم والفقر يلجأ الناس إلى الدين ، إلى رجوات الغيب ، والدين يوحي لهم بالأمل والجنان والراحة والمتعة بكل ما هم محرومون منه . وهنا لا بد من السؤال : هل للحلول التي يطرحها الدين لها مردود واقعي في الحياة ؟ بالطبع لا ، فوعود الغيب بعد زمن طويل في عالم الغيب . إن جهل الإنسان بالحلول الواقعية ، أي إمكانية إزالة الظلم بالنضال والثورة والتمرد وتحقيق الأحلام في الواقع ، جعله يسير في الطريق الخطأ ، أي اللجوء إلى الحلول الوهمية التي يوحيها له الدين . ولكن ما دامت هناك طبقات اجتماعية وفوارق اقتصادية صارخة ، ويعيش البعض على حساب الآخرين ، هنا سيكون ظلم ، وأن تلجأ جموع غفيرة من الناس إلى الدين ، وأن يؤمنوا أن هذا هو قدرهم الذي قدره الله لهم ، وهو عزاؤهم في الدنيا والآخرة ، ولا ملجأ منه إلا إليه . والمسار الطبيعي للمظلوم اجتماعيا أن يلجأ للاحتجاج والتظاهر والإضرابات والثورة ومقاومة الظلم بكل قوة ، أما أن يلجأ للغيب ، للدين ، فهذا يعني أنه في حالة استسلام ، تخدير ،أو جهل صارخ بوضعه الاجتماعي ، ولماذا هو هكذا ؟ وليس في حالة وعي ومعرفة ، ولا يعرف ماذا يتصرف ، لأنه لا يعي ما هو مفقود له كإنسان . ولما كان الناس ليسوا على نفس المستوى من التعلم والمعرفة والوعي ، وهناك مصلحة للبعض أن تكون جموع غفيرة من الناس جهلاء ، خصوصا القابضين على السلطة والدخل الوطني ، فانه ستبقى جموع من الناس تلجأ الى الدين الذي يمنحهم الأمل والصبر والقناعة والإيمان بالقدر خيره وشره .
#رمضان_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثانيا : الأيديولوجيا الماركسية
-
أيديولوجيات باقية -- 1 - الأيديولوجيا البرجوازية
-
المسلم بين التوحش والأنسنة !!
-
ماذا تعني الانتخابات ؟
-
لانتخابات على الأبواب !!! احذروا : الشعب صاحي وجوعان !!!
-
من يصنع التاريخ ؟
-
حماس ولعبة التحالفات
-
القيَّمْ بين الدين والعولمة
-
أوراق فسبوكية
-
ما هي الحقيقة ؟
-
لماذا لا ثورة ضد حماس ؟
-
هل أصبحت حماس برجماتية ؟
-
أهم صفات الانسان
-
فكرة السلف الواحد للبشرية
-
علمية الماركسية تنبع من منهجيتها
-
الوحي في الأديان الكتابية
-
ما هي الفلسفة ؟
-
الوعي نتاج اجتماعي
-
الخروف رقم - 6 - - قصة قصيرة
-
الأُصول المعتقدية لداعش !!!
المزيد.....
-
غزة: لماذا تختار الفصائل الفلسطينية أماكن مختلفة لتسليم الره
...
-
نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة شقيق الرفيق السعودي لعمالكي عضو
...
-
الحزب الشيوعي العراقي: تضامنا مع الشيوعيين السوريين ضد القر
...
-
موسكو: ألمانيا تحاول التملّص من الاعتراف بحصار لينينغراد إبا
...
-
مظاهرات بألمانيا السبت وغدا ضد اليمين المتطرف
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|