|
الأقليات الدينية والثقافة السائدة
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5332 - 2016 / 11 / 3 - 17:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأقليات الدينية والثقافة السائدة طلعت رضوان يختلف الموقف من (الأقليات الدينية) من وطن إلى وطن، ومن نظام اجتماعى وسياسى إلى نظام آخر. وهذا الاختلاف يرجع إلى طبيعة الثقافة السائدة فى كل مجتمع، بمعنى هل هى تنظر لمواطنيها وفق التعريف العلمى لمفهوم (المواطنة)؟ أم تنظرإليهم من منظورالانتماء الدينى. فإذا كان النظام الحاكم، ومجمل الثقافة السائدة مع مفهوم (المواطنة) فإنّ من ينتمون إلى (أقلية دينية) لايشعرون بأية فروق اجتماعية، حيث تــُـطبـّـق عليهم مبادىء العدالة مثلهم مثل (الأغلبية الدينية) والعكس صحيح فى حالة انحيازالنظام الحاكم والثقافة السائدة للأغلبية الدينية، وهوما يترتب عليه ظاهرة (الاحتقان الدينى) بين أبناء الوطن الواحد بسبب الانتماء الدينى. لذلك فإنّ المفكرين والفلاسفة و(كل) العقلاء أجمعوا على أنّ ((الدين ملكية شخصية)) أى أنّ الدين انتماء (ذاتى) بينما (الوضوع) هوالوطن الذى يضم جميع أبنائه فى أعطافه، لافرق بين هذا وذاك بسبب معتقداته الدينية اوالمذهبية أوالفلسفية. وبناءً على ذلك يجب أنْ يسبق الولاء للوطن على الولاء للدين، ولعلّ هذا ما وعاه خالد محمد خالد فى الفترة السابقة على يوليو1952 حيث كتب ((وُجد الوطن فى التاريخ قبل الدين ، وكل ولاء للدين لايسبقه ولاء للوطن، فهو ولاء زائف)) (روزاليوسف 30/10/1951) وبسبب هذا المناخ الثقافى قبل يوليو52، فإنّ اليهود المصريين لم يشعروا بأية (غربة) ولا بأى (اغتراب) واندمجوا فى نسيج المجتمع المصرى، واكتسبوا كل خصائص الشخصية المصرية. 000 اليهود المصريون والشخصية القومية يُثيرتاريخ اليهود المصريين الكثيرمن اللبس، فتختلط لغة العلم بالأيديولوجيا السياسية. وهذا الخلط تزايد بعد يوليو52خاصة بعد هجرة اليهود من مصر. ورغم أنّ العدد الأكبرتوجّه إلى أوروبا والعدد الأقل إلى إسرائيل، فإنّ الأيديولوجيين اعتبروا أنّ (كل) اليهود المصريين خونة وأعداء لمصر. لذلك أعتقد أنّ لغة العلم هى القادرة على إبرازالحقيقة المُجرّدة للفصل بين اليهود الذين عشقوا مصر، مثلهم مثل أى مصرى، وبين من سمحتْ ضمائرهم بالذهاب إلى إسرائيل. كما أنّ لغة العلم هى الوحيدة التى فرّقتْ بين وضع اليهود فى مصر، وبين وضعهم فى مجتمعات أخرى، وفى هذا السياق كتب أ. محمد حسن خليفة فى حديثه عن حارة اليهود فى القاهرة أوفى بعض المدن المصرية أنّ الكثيرين من الباحثين لم يهتموا بتوضيح الفارق بين الجيتوالأوروبى والحى اليهودى أوالحارة اليهودية فى المدن المصرية، من حيث أولا: أنها لم تكن حارة مغلقة على أهلها تـُحيط بها أسوارتمنع من الدخول أوالخروج من وإلى المجتمع (المصرى) الكبير. كما أنها فى كثيرمن الأحياء لم تكن حارة يهودية خالصة بل عاش فيها مسلمون ومسيحيون بجواراليهود. والأهم أنّ الرغبة فى العزلة لم تكن مُتوفرة فى اليهودى المصرى، فنجده يعيش فى أحياء خارج الحارة اليهودية. ولم يكن مُلزمًا بالحياة داخل هذه الحارة. وأضاف ((إنّ تاريخ يهود مصرليس تاريخ حارات يهودية بل هوتاريخ جماعة مصرية دينها اليهودية ومُندمجة فى المجتمع المسلم والمسيحى ومُختلطة به وليست مُنعزلة عنه)) (من مقدمته لكتاب "تاريخ يهود مصرفى الفترة العثمانية"- تحريريعقوب لاندوا– ترجمة جمال أحمد الرفاعى وأحمد عبداللطيف حماد– المجلس الأعلى للثقافة عدد 199عام 2000ص21، 22) ونظرًا لهذه اللغة العلمية فإنه ذكرالحقيقة التى تتغافل عنها الثقافة المصرية السائدة فكتب إنّ ((الصراع بين المُـتدينين والعلمانيين (الإسرائليين) على أشده ومُهدّد لمستقبل إسرائيل كدولة)) أما المُترجمان فكتبا فى المقدمة ((إنّ هذا العمل يؤكد على أنّ يهود مصركانوا جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصرى، يتفاعلون معه ويؤثرن فيه ويتأثرون به. وعلاوة على اندماج اليهود الاقتصادى والاجتماعى فى مجتمعهم (المصرى) فقد شارك بعض اليهود فى الحركة الوطنية المصرية لمناهضة الاحتلال البريطانى، بل شكلوا بعض المنظمات المناهضة لنشرالفكرة الصهيونية فى مصر. إنّ الطائفة اليهودية المصرية كانت جزءًا لايتجزأ من نسيج المجتمع المصرى والتى رحل معظم أبنائها عن مصرخلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين)) وأثناء الحرب العالمية الأولى، حدث أنْ هاجراليهود الذين كانوا فى فلسطين إلى مصر، وكان ذلك من بين أسباب تزايد عدد اليهود فى مصر. وكانت ((حركة الهجرة اليهودية من فلسطين إلى مصرنتيجة لقيام السلطات العثمانية فى فلسطين بترحيلهم)) (من 25- 50) ومن بين المعلومات المهمة والموثقة فى هذا الكتاب أنه فى عام 1984كان عدد اليهود فى القاهرة يُقدّرببضع عشرات أغلبهم من المسنين الذين عانوا الكثير. والآثاراليهودية فى القاهرة شاهد على وجود طائفة كانت– فى أيام ازدهارها– تـُقدّربعشرات الآلاف (ص 403) 000 وذكرد. محمد أبوالغارأنه وفق تعداد عام1927 كان عدد اليهود المصريين أكثرمن نصف مليون، وفى عام1947وصل العدد لأكثرمن 640 ألف يهودى مصرى (يهود مصر: من الازدهارإلى الشتات- دارالهلال- عام 2004- ص31، 77) وذكرما حدث عندما تقابل الأديب إبراهيم أصلان مع (جاك حسون) اليهودى المصرى الشيوعى، الذى سأل أصلان (إنت منين؟) فقال: من الكيت كات. فقال حسون: أنا من (خلوة الغلبان) وأضاف أنّ والده طلب منه عندما يموت أنْ ينثرحفنة من تراب مصرعلى قبره. والتقى د. أبوالغارمع أحد المُسنين اسمه (محمود عبدالظاهر) فقال له: إنّ حارة اليهود لم تكن حارة بالمعنى الحرفى. فهى فى الحقيقة حى كامل فيه شوارع وحوارى كثيرة متصلة ببعضها البعض... ويسكن فى وسط الحوارى الكثيرمن المسلمين والمسيحيين. وفى الإسكندرية عاش اليهود المصريين فى مختلف الأحياء (حسب وضعهم الاجتماعى والاقتصادى) أما الفقراء منهم فكانوا يسكنون فى (سوق السمك) وأنّ المهندس اليهودى (لوريا) هوالذى صمم مسجد رمضان الشهيربالإبراهيمية. ومن خلال اللقاءات المتعددة التى أجراها د. أبوالغارمع كثيرمن اليهود كان تعقيبه ((وأعتقد أنّ جانبـًـا كبيرًا من اليهود كانوا يحبون مصر، لأنها أعطتهم الأمان والحب والتقديروتحقيق مكانة فى المجتمع. ورغم أنهم كانوا يساعدون أقرانهم الذين عـُـذبوا وطـُـردوا من أوروبا، ويتعاطفون معهم، فإنهم كانوا ضد إقامة وطن (قومى) لليهود فى فلسطين، وأنه لايمكن أنْ تستمرمكانتهم المتميزة فى مصر، مع إنشاء دولة إسرائيل. وكانوا يعتبرون مصرمكانهم المفضل (من ص17- 22) وأعتقد أنّ أهم ما ذكره د. أبوالغار، هوأنه تأكد من التشابهات العديدة بين اليهود المصريين، وبين المسيحيين والمسلمين فيما يخص الاحتفالات فى الموالد المرتبطة بالدين، ويعبرونها ضمن الفولكلورالمرتبط بالدين، فكانوا يحتفلون مع الشيعة فى عاشوراء، ويحتفلون مع المسلمين بليلة الإسراء والمعراج والنصف من شعبان.. إلخ لذلك ((كان هناك تشابه كبيربين الاحتفالات الدينية وطرق العبادة بين اليهود المصريين والمسلمين والمسيحيين)) (ص28) وأكثرمن ذلك كتب عن اعتقاده بأنّ اليهود المصريين لم يكونوا يؤمنون بالصهيونية، بل كان بعضهم ضدها، لأنه كان يعى بوضوح أنّ الصهيونية وتغلغلها فى فلسطين وإمتداد نشاطها إلى مصر، يُـشكل بداية النهاية للوجود اليهودى المصرى.. ولذلك لم يكن اليهود المصريون يريدون المخاطرة بشىء فى علم الغيب، فى حين أنهم فى مصرفى وضع متميزمقارنة باليهود فى مختلف أنحاء العالم (ص30) وكتب ((...ولم تحاول المجموعة الصغيرة من الصهيونيين فى مصر، مجرد المحاولة فى إغراء اليهود المصريين بالهجرة إلى فلسطين. ومعروف أنّ أربعة آلاف يهودى فقط غادروا مصرإلى فلسطين خلال ثلاثين عامًـا من 1917- 1947، ومعظمهم لم يكونوا مصريين، بل مغاربة ويمنيين، وكانت إقامتهم فى مصرمؤقتة. وهذا يعنى أنه حتى عشية إنشاء الدولة اليهودية لم يهاجرأحد من اليهود المصريين إلى إسرائيل. وكل الظواهروالمعلومات المتاحة تشيرإلى أنّ المصريين جميعـًـا (حكومة وشعبـًـا) لم يكونوا يـُـعيرون الحركة الصهيونية أهمية)) (ص62) وذكرأنّ اليهود المصريين وكل الأقليات كانوا يجدون ملاذا فى حزب الوفد، يؤكدون فيه وطنيتهم. وكان التيارالماركسى أكثرعقلانية وتفهما للأمر، فانضم إليه كثيرمن اليهود المصريين. وفيما بين الحربيْن العالميتيْن نشرألبيرموصيرى (الصحفى المصرى) خطابـًـا مفتوحـًـا على صفحات جريدته، طلب فيه من الحاخام الأكبر(ناحوم أفندى) أنْ يشرح لليهود أنه من الممكن أنْ يكونوا مصريين وطنيين مخلصين لمصر، التى وُلدوا وعاشوا فيها، وفى الوقت نفسه يتمسكون بالقومية اليهودية، هوالأمرالذى رفضه الحاخام وظل على عدائه للصهيونية حتى مات عام1960. وفى أثناء أحداث عام1945 والمظاهرات المُـنـدّدة بوعد بلفور، كتب الحاخام رسالة مُوجـّـهة إلى رؤساء الصهيونية العالمية، قال فيها ((عليكم بالبحث عن مكان آخرلليهود غيرفلسطين)) وقال ((إنّ اليهود المصريين جزء من النسيج المصرى)) (ص103، 105) وفى أثناء ثورة1919 ضد الاستعمارالإنجليزى انضم اليهود المصريين إلى المسيحيين والمسلمين فى وحدة واحدة. وكان زعماء الجالية اليهودية مثل يوسف قطاوى ويوسف شيكوريل من كبار المؤدين للثورة بصفتهم وطنيين مصريين (ص185) وفى لقاء د. أبوالغارمع يوسف درويش اليهودى المصرى الماركسى الذى أعتقل أكثرمن مرة فى العهد الملكى وفى العهد الناصرى، والذى أعلن رفضه القاطع لاحتلال فلسطين ووقف ضد تسكين اليهود فى فلسطين، فى هذا اللقاء قال درويش: أنه كان وفديـًـا مُـلتزمًـا (فى بداية حياته) وعن الصهيونية قال: لم توجد ظاهرة صهيونية فى مصر، وإنما كان هناك ناد صغيرفى شارع مراد بمصرالجديدة اسمه (نادى الصهاينة) وذكرأنّ بعض اليهود كوّنوا (جمعية اليهود ضد الصهيونية) وقال: لقد كنتُ ضد الصهيونية قبل قيام إسرائيل، لأننى كنتُ من أنصارالسلام. وأنا الآن ضد إسرائيل ومع إقامة دولة علمانية. وفى عام 1956 أغلقتْ الحكومة المصرية مكتبه للمحاماة، وتم فتحه مرة أخرى بعد أنْ وقـّـع عشرة آلاف عامل ومائتان وسبعون محاميـًـا على عريضة إلى عبدالناصر، طالبوه فيها بفتح مكتب يوسف درويش (من225- 227) وفى الكتاب لقاءات أخرى مع اليهود المصريين الماركسيين أمثال (ألبيرأرييه) و(شحاته هارون) (من ص227- 234) وذكرثروت عكاشة فى مذكراته (وقت أنْ كان ملحقــًـا عسكريـًـا فى باريس) أنّ هنرى كورييل (أحد زعماء حركة حدتواليسارية) أمـدّه بمعلومات وافية عن قوات وتسليح جيوش فرنسا وإنجلترا (بعد تأميم قناة السويس وقبل العدوان الثلاثى ضد مصر) وطلب منه أنْ يتولى إبلاغ عبدالناصربهذه المعلومات، حتى تكون مصرمستعدة. وذكرخالد محيى الدين أنه تم إبعاد هنرى كورييل عن مصر. فانتقل إلى باريس، ولكنه ظلّ مهتمًـا دومًـا بالشئون المصرية. كما ساند بفاعلية ثورة الجزائر(والآن أتكلم- مركزالأهرام للترجمة والنشر- عام1992- ص346) ومما سبق يتضح أنّ اليهود المصريين كانوا يكنون الولاء لمصر. وأنّ هذا الولاء جاء نتيجة تسلل الثقافة القومية المصرية داخل وجدانهم، فامتزج الدين بتلك الثقافة التى تأسستْ على الولاء للوطن بغض النظرعن المعتقد الدينى. *** المسيحيون والمسكوت عنه فى الثقافة السائدة أعنقد أنّ أهم مؤسستيْن منذ نهاية القرن التاسع عشر، هما التعليم والإعلام. وأنّ هاتيْن المؤسستيْن إما أنّ يرفعا من شأن الوطن، أوالنزول به إلى مرحلة الحضيض، إما التقدم أوالتخلف، وذلك يتوقف على منظومة الثقافة السائدة فى أى مجتمع. ورغم العنف الذى مارسه طلاب جامعة الأزهربعد 30يونيو2013، الذى وصل لدرجة تدمير قاعات الدراسة، والاعتداء على الأساتذة إلى آخرما نشرته الميديا من كل صورالخراب، بخلاف الشعارات البذيئة المُعاقب عليها قانونـًا والفاعلون ينتمون للتعليم الأزهرى، فإنّ الثقافة المصرية السائدة تجاهلتْ جذورالظاهرة، بالبحث فى المناهج المُقرّرة على التلاميذ. وعندما قرأتُ بعض الكتب المُقرّرة على تلاميذ المعاهد الأزهرية المُنتشرة فى كل محافظات مصر، اكتشفتُ أنها تدورحول عدة محاور (1) تعميق الاغتراب الوجودى (2) البشرينقسمون إلى أحراروعبيد (3) التمييزبين المسلمين والمسيحيين (4) دونية المرأة حتى المسلمة (5) معاداة العلم (6) تعظيم الخرافة. وفيما يلى بعض الأمثلة من كتاب (الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع)– طبعة العام الدراسى 1997/98 وطبعة عام 2002/ 2003. وطبعة2014/2015. الكتاب يستند إلى فقه الإمام الشافعى (767- 819 م) أى مضى على وفاته أكثرمن 1200 سنة. وإذا كانت الموضوعات التى تناولها (باستثناء العبادات) فرضها واقع موغل فى أزمنة قديمة. وتعبرعن بيئة وثقافة مجتمع رعوى مختلف عن المجتمع الزراعى مثل مجتمعنا، فإنّ السؤال المسكوت عنه هو: ما جدوى هذا التعليم؟ وهل يُساعد فى صناعة النهضة والتقدم وترسيخ قيم الحرية والعدالة من خلال التعريف العلمى لمفهوم (المواطنة) أم العكس؟ البشر ينقسمون إلى أحراروعبيد: فى الجزء الثانى المُـقرّرعلى تلاميذ الصف الثانى الثانوى (أدبى وعلمى) يتعلم التلميذ أنه فى حالة استلام العبد فيُشترط ذكرنوعه (يقصد المؤلف جنسيته) لأنه قال بعد هذه الجملة مباشرة ((فإنْ اختلف صنف النوع كرومى وجب ذكره وذكرلونه وسنه وقده طولا إلخ ويُعتمد قول الرقيق (= العبد) فى الاحتلام وفى السن إنْ كان بالغـًا، وإلاّفقول سيده إنْ كان وُلد فى الإسلام، وإلاّفقول النخاسين- أى الدلالين- وذكرذكورته أوأنوثته. ويُشترط فى ماشيته من بقروإبل وغيرها ماذكرفى الرقيق (= العبد) إلاّذكراللون والقد فلا يُشترط ذكرهما)) (ص141) وهكذا يتم تكريس منظومة العبودية فى عقل التلاميذ، ليس هذا فقط وإنما أيضًا يتم تكريس إنّ هذا الإنسان الذى ظلمته منظومة اجتماعية معينة يتساوى مع الماشية. تقسيم البشرإلى مسلمين وكفار(غيرمسلمين على الإطلاق) فى فصل بعنوان (حكم استعمال أوانى الكفاروأشباههم) كتب المؤلف أنه يجوزاستعمال أوانى المشركين إنْ كانوا لايتعبّدون باستعمال النجاسة كأهل الكتاب، فهى كآنية المسلمين (ج 1 ص42) ومن الأسئلة المفروضة على التلميذ وعليه أنْ (يحفظ) إجابتها كى يضمن النجاح سؤال ((هل هناك فرق بين الكافرالأصلى والمرتد؟ علـّـل ماتقول)) (ص172، 213) وإذا كان الإعلام يقوم بحملة (شجب) بعد كل اعتداء على كنائس المصريين، فإنّ من يُحرّضون على هدم الكنائس والمُنفذون اقتنعوا بما درسوه فى المعاهد الأزهرية. ففى فصل (مُبطلات الصلاة) يتعلم التلميذ الآتى ((تـُكره الصلاة فى الأسواق وفى الحمّام وفى المزبلة وفى الكنيسة وهومعبد النصارى وفى معبد اليهود ونحوهما من أماكن الكفر)) وهكذا يتعلم التلميذ أنّ الكنيسة مثلها مثل المزبلة. وأنّ الكنائس ومعابد اليهود من ((أماكن الكفر)) أى أنّ المسيحيين واليهود كفار. ولايكتفى واضع الكتاب بهذا وإنما يختتم هذه الفقرة قائلا ((قال صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبورأنبيائهم مساجد)) (ص232) وفى فصل (صلاة الاستسقاء) يتعلم التلميذ أنه لامانع من حضور(أهل الذمة) لأنّ فضل الله واسع و(لكن) يُكره إخراجهم للاستسقاء لأنهم ربما كانوا سبب القحط. قال الشافعى: ولا أكره من إخراج صبيانهم ما أكره من إخراج كبارهم، لأنّ ذنوبهم أقل. لكن يُكره لكفرهم. قال النووى: وهذا يقتضى كفرأطفال الكبار. وقد اختلف العلماء فيهم إذا ماتوا. فقال الأكثرون إنهم فى النار)) (ص 297، 298) وهذا التعليم يزرع فى عقول التلاميذ أنّ المصريين (المسيحيين) ليس لهم الحق فى موارد الوطن الطبيعية. وليس لهم حق الإقامة فى مصرفيقول لهم (يُمنع الذمى من أخذ المعدن والركاز (= الموارد الطبيعية) بدارالإسلام. كما يُمنع من الإحياء بها، لأنّ الدارللمسلمين وهودخيل فيها) (ص355) وفى فصل بعنوان (الوقف) يتعلم التلاميذ أنّ الوقف لايكون فى محظور. فما هذا المحظور؟ يقول لهم الكتاب المدرسى أنّ المحظورهوأى شىء مُحرّم مثل عمارة الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار. أوكتب التوراة أوالإنجيل أوالسلاح لقطاع الطرق لأنه إعانة على معصية)) (ص309) ويشرح المؤلف للتلميذ أنواع القتل فيقول ((يمكن انقسام القتل إلى الأحكام الخمسة : واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح. فالأول قتل المرتد إذا لم يتب. والحربى إذا لم يُسلم أويُعط الجزية (ص171) هكذا يتم تحريض التلاميذ على قتل أى إنسان يراه الأصوليون المسلمون (مرتدًا) عن الدين الإسلامى. كما يتم غزوعقول التلاميذ بكراهية المُختلف دينيًا، وأنّ هذا المُختلف عليه أنْ يؤدى (الجزية) للمسلمين. ويتعلم التلميذ فى فصل (شروط وجوب القصاص) أنْ لايكون المقتول أنقص من القاتل بكفرأورق. فإنْ كان (أنقص) بأنْ قتل مسلم كافرًا فلا قصاص حينئذ وهكذا يتعلم التلميذ (المسلم) قتل كل مختلف مع دينه. وأنّ عصمة القتيل تكون ((بإيمان أوأمان كعقد ذمة أوعهد لقوله تعالى ((قاتلوا الذين لايؤمنون بالله)) ويُهدرالحربى ولوصبى وامرأة وعبد لقوله تعالى ((فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)) ومرتد فى حق معصوم لخبر((من بدّل دينه فاقتلوه)) ولاقصاص بين عبد مسلم وحرذمى، لأنّ المسلم لايُقتل بالذمى والحرلايُقتل بالعبد)) وأنه يجوزقتل عدد كبيرمن الناس مقابل فرد واحد فيقول النص ((تـُقتل الجماعة وإنْ كثروا بالواحد لما روى مالك أنّ عمر(رضى الله عنه) قتل نفرًا- خمسة أو سبعة- برجل قتلوه غيلة أى حيلة وقال عمر(رضى الله عنه) لوتمالأ أى اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعًا)) ولم ينكرعليه أحد فصارذلك اجماعًا. ثم يشرح للتلاميذ طريقة قطع الأطراف وأسلوب أخذ القصاص فيقول لهم (يُقطع الرجل بالمرأة وعكسه. والذمى بالمسلم والعبد بالحرولاعكس فيهما) (من ص176- 178) ويتعلم التلاميذ أنّ حد السرقة (قطع اليد) لايُطبّق فى حالة سرقة ((مزماروصنم وصليب وطنبور، لأنّ التوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه فصارشبهة كإراقة الخمر)) ويتعلم التلاميذ أنّ من حقهم سرقة حصيرالمساجد والقناديل والمفروشات، والسبب ((لأنّ ذلك لمصلحة المسلمين فله حق فى بيت المال. وخرج بالمعدة حـُـصرالزينة فيُقطع بها (أى تـُقطع اليد) كما قال ابن المقرى (ص240، 241) والأخطرمن ذلك يتعلم التلاميذ أنه لاتجوزإقامة حد السرقة على سرقة المال العام ولاعلى الاختلاس فيقول لهم ((لايُقطع مختلس لحديث ((ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع)) وهذا الحديث صحّحه الترمذى (ص242) كان شعبنا يتسامح مع الإنسان الذى يتكاسل فى تأدية فريضة الصلاة، بالتفرقة بين من يؤمن بالصلاة كركن من أركان الإسلام وبين من يُجاهربرأى مختلف، فكانت الكلمة الطيبة تأتى بالنتيجة المطلوبة، فإذا بهذا الإنسان يبدأ فى الانتظام فى الصلاة. ولكن الكتاب المدرسى الأزهرى يرى غيرذلك فيقول للتلاميذ ((إنّ تارك الصلاة كسلا يُـقتل حدًا على الصحيح)) وإذا كان تارك الصلاة كسلا سوف يُقتل على يد أى أصولى فمن باب أولى قتل المرتد فيقول الكتاب ((المرتد إذا تاب تـُقبل توبته ويسقط القتل. أما إذا أصرّيـُـقتل كفرًا لاحدًا)) (ص249) وعن العداء للعلم يقول النص ((لايصح بيع كتب الكفروالتنجيم والشعوذة والفلسفة)) (ج1- ص108) والوصية ((لاتكون فى معصية مثل كتابة التوراة والإنجيل وقراءتهما وكتابة كتب الفلسفة وسائرالعلوم المُحرّمة)) (390، 391) وهكذا يوجّه المؤلف عقول التلاميذ ويُصنـّـف لهم الكتب، فهى إما كتب (إيمان) أوكتب (كفر) كما أنه ساوى بين كتب (الكفر) من وجهة نظره وكتب الفلسفة فى نفس الجملة. كما ساوى بينها وبين الشعوذة. كما أنه يرى أنّ المعصية تكون فى (سائرالعلوم المُحرّمة) دون ذكرلهذه (العلوم المُحرّمة) وإذا كان قد اعتبرالفلسفة من كتب الكفرفمن البديهى أنْ تكون علوم الكيميا والفيزيا إلخ من بين (العلوم المُحرّمة) هذه نماذج فليلة من مقررات المعاهد الأزهرية بفضل تحويل الأزهرمن جامع لجامعة بالقرار 103لسنة1961فأخرج الطبيب والصحفى (المسلم) إلخ فسيطروا على النقابات والآن يسعون لحرق مصر كلها. والمسكوت عنه فى أمرالمعاهد الأزهرية أنّ عدد التلاميذ خلال عام 94/95وصل إلى مليون وستين ألف تلميذ حسب إحصاء الجهازالمركزى للتعبئة العامة والإحصاء (علاء قاعود- نحو إصلاح علوم الدين- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام 2000ص68، 73) وهذا الرقم يمكن ضربه ×10وهم أصدقاء وجيران التلميذ الواحد . إنّ الطلبة الذين يسعون لحرق مصربعد 30يونيو2013، لم يأتوا من كوكب افتراضى، وإنما خرجوا من أرض المعاهد الأزهرية التى بثــّـتْ فيهم كراهية المُختلف الذى يجب قتله. وحرّضتهم على تبنى آلية من آليات عصورالبطش والظلام أى آلية غزوالشعوب المُسالمة فقال النص أنّ من بين المُستحقين للصدقة الشخص الذى يقوم فى ((سبيل الله وهوغازٍذكر، متطوّع بالجهاد فيُعطى ولوغنيًا إعانة له على الغزو)) (ج1ص364) فهل نلوم الطلبة ونلوم كل أصولى يُدافع عن آلية غزوالشعوب واحتلال أراضيها ونهب مواردها؟ أم نلوم التعليم الذى صبّ هذه الأفكارالمُنافية لأبسط القواعد الإنسانية فى عقولهم؟ وهل أطمع فى أنْ يقرأ أحد من المسئولين دراستى هذه فيتم إعادة النظرفى التعليم الأزهرى؟ وأنْ يتم دمج المعاهد الأزهرية ضمن منظومة التعليم المدنى تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، وهوما نادى به عميد الثقافة المصرية (طه حسين) ولم ينصتْ أحد إليه. كذلك ضم كليات جامعة الأزهرإلى الجامعات القومية (القاهرة- الاسكندرية إلخ) لأنّ التعليم الأزهرى يرتكب جريمة ضد أبناء أمتنا المصرية (مسلمين ومسيحيين) إنّ الاستمرارفى التعليم الأزهرى يعنى هزيمة مصرالعصرية، التى أسّس تاريخها القديم ثقافة التسامح واحترام العلوم والفنون. فهل تقبل الثقافة السائدة التحدى؟ هل تقبل مجابهة الواقع ومراجعة الذات؟ هل تقبل بأنْ يضع مناهج التعليم لأولادنا الليبراليون؟ هل تسمح لمن يحملون فى وجدانهم وفى عقولهم مصابيح النوروالتنوير، بأنْ يؤدوا دورهم لهزيمة جيوش الظلام؟ هل يمكن أنْ يأتى يوم على مصرتكون فيه مناهج التعليم مشغولة بمستقبل أكثرإنسانية وليس الارتداد إلى كهوف الماضى؟ هل مكتوب علينا التراجع فى انتظارلحظة الانقراض؟ أم نتشبث بإرادة التغيير؟ وهل سيأتى يوم نكون فيه مثل الشعوب المُتحضرة ، فنعيش المستقبل فى حاضرنا؟ أعتقد أنّ البداية هى الاقتناع بأنّ النهضة لن تتحقق إلاّ إذا آمنا بالعلم وبذواتنا القومية: أى عندما تكون لنا روح: مصرية عصرية. *** مخطط العداء للنوبيين تداولتْ وسائل الإعلام المُـختلفة (منذ فترة) تصريحات المُـطربة المصرية (شيرين عبدالوهاب) التى وصفتْ كلبها بأنه ((كلب نوبى)) وتزامن هذا التصريح مع تصريح آخرللمطربة اللبنانية (هيفاء وهبى) التى وصفتْ قردها بأنه ((قرد نوبى)) فهل هى مُـصادفة أنْ يتزامن التصريحان فى وقت واحد؟ وإذا ربطنا تلك التصريحات المُـعادية لأبسط قواعد السلوك الحضارى، بما حدث خلال السنوات الماضية من عداء سافرضد أبناء شعبنا النوبيين، وإتهامهم (بالباطل) وأنهم يدعون للانفصال عن مصر، فإنّ العقل الحرلابد أنْ يتوقف أمام مُـخطط مُمنهج لتشويه صورة النوبيين، خاصة وأنّ الكاتب الذى نال شهرة كبيرة (علاء الأسوانى) ساهم فى هذا التشويه عندما كتب فى كتابه الذى أخذ اسم (رواية عمارة يعقوبيان) أنّ من عوّد الصحفى المريض بداء الحب المثلى (الشهيرفى الترجمة العربية بالشذوذ الجنسى) الخادم (النوبى) والسؤال المسكوت عنه فى الثقافة المصرية السائدة، لماذا لجأ علاء الأسوانى إلى تحديد الهوية الوطنية لشخصية إدريس (النوبى) دون أى مبرردرامى، فتعمّد أنْ يكون أول شخص تسبب فى تعلق حاتم بالانحراف الجنسى نوبى الهوية. فلماذا هذا التعمد فى الاختيار؟ وماوظيفته الدرامية؟ ومادلالة ذلك على المستوييْن الواقعى والفنى؟ وعند البحث عن إجابة لهذه الأسئلة، نجد أنّ كل الصفحات التى تناولتْ حياة حاتم تخلوتمامًا من أى توظيف درامى لاختيارشخصية إدريس النوبى ليكون هوالبداية لانحراف حاتم الجنسى، وبالتالى فإنّ السؤال المشروع هو: لماذا لم يكتف الكاتب بإطلاق اسم الشخصية دون تحديد هويته الوطنية؟ لماذا لم يُـفكرفى رد فعل النوبيين وهم يقرأون هذا الاتهام، أليس هذا الاتهام إهانة لهم وتجريحًا لمشاعرهم؟ ولماذا لم يُفكرفى أثرذلك على القارىء العادى، فيُصدّق أنّ النوبيين (المعروف عنهم التزمت الدينى والأخلاقى) بهم هذه العادة المرذولة دينيًا وأخلاقيًا. ونبذها شعبنا وفق التراث الحضارى المصرى، اللصيق بالثقافة القومية النوبية. 000 إنّ العداء لخصوصية النوبيين الثقافية، هوجزء من العداء لخصوصية أى شعب. وهذا العداء آفة من آفات الثقافة السائدة. وفى دراسات علم الأجناس مدرسة (ضعيفة التأثيروالانتشار) ترى أنّ كل الشعوب تتشابه فى خصائصها الثقافية. ومدرسة ثانية (الأكثرتأثيرًا وانتشارًا) ترى أنّ كل شعب ينفرد بخصائص ثقافية تـُميزه عن غيره من الشعوب. ومن داخل تلك المدرسة برزعدد كبيرمن العلماء مثل (مارشال ساليز) الذى كتب ((هناك الكثيرمن الخلط نشأ فى الخطاب الأكاديمى والسياسى، حين لايتم التمييزبين الثقافة بمعناها الإنسانى والثقافة بمعناها الأنثروبولوجى، باعتبارها نهجًا كاملا ومتميزًا لحياة أى شعب. إنّ ثقافة أى بلد تعكس تاريخه وأخلاقياته)) وكتب (كلود ليفى شتراوس) أنّ ((الإسهام الحقيقى لأية ثقافة لايتكوّن من قائمة من الاختراعات التى أنتجتها، بل من اختلافها عن غيرها. فالأساس بالعرفان والاحترام لدى كل فرد فى أية ثقافة تجاه الآخرين لايقوم إلاّعلى اقتناع بأنّ الثقافات الأخرى تختلف عن ثقافته فى جوانب عديدة حتى وإنْ كان فهمه لها غيرمكتمل، ومن ثم فإنّ فكرة (الحضارة العالمية) لاتــُـقبل إلاّباعتبارها جزءًا من عملية شديدة التعقيد، ولن تكون هناك حضارة عالمية بالمعنى المطلق الذى درج البعض على استخدامه، لأنّ الحضارة تعنى تعايش الثقافات بكل تنوعها. والحقيقة أنّ أية حضارة عالمية لايمكن أنْ تـُمثل إلاّتحالفـًا عالميًا بين الثقافات تحتفظ فيه كل منها بأصالتها)) من هذا المُنطلق الواعى بأهمية الاختلافات الثقافية بين شعب وآخر، دافع مؤيدوهذه المدرسة عن حقوق الأقليات العرقية داخل مجتمع أغلبيته من أعراق أخرى، كالأكراد فى العراق وسوريا وتركيا، والأمازيج فى شمال إفريقيا إلخ. لذا كان العلماء المُدافعون عن الخصوصية الثقافية لكل شعب مع ضرورة أنْ تؤخذ رغبات الأقليات الثقافية فى التأكيد على هويتها الثقافية والتعبيرعنها سياسيًا بصورة من صورالحكم الذاتى مأخذ الجد. ليس هذا فقط وإنما لابد أنْ يتمتــّـع أعضاء الأقليات الثقافية بنفس الحقوق والحريات الأساسية، ونفس الحصانات الدستورية التى يتمتـّع بها سائرالمواطنين. مع العمل على دعم التسامح والتعايش وتشجيع التنوع الثقافى. ورغم أنّ النوبيين مصريون بالثقافة والعمق التاريخى والجغرافى، إلاّ أنّ لهم لغة خاصة بهم يود المخلصون منهم الحفاظ عليها، فتنقلب الثقافة المصرية السائدة عليهم وتتهمهم بأنهم يرغبون فى الانفصال عن مصر، مع اتهامات أخرى مثل العمالة لأمريكا. وهى تهم باطلة بحكم معرفتى بعدد كبيرمن النوبيين الشرفاء الفخورين بانتمائهم لمصر، مع تمسكهم بلغتهم ومجمل تراثهم الذى توارثوه عن جدودهم. وكان (ألفا أوما كونارى) رئيس جمهورية مالى عام93 صائب النظرعندما كتب إنّ ((إنكارالخصائص الثقافية لشعب من الشعوب يُعد نفيًا لكرامته)) وفى أوروبا فإنّ المنظمات الدولية المُدافعة عن حقوق الأقليات، تستفيد من نصوص قديمة مثل النص الصادرعام 1555(سلام أوجسبورج) عن حماية الأقليات الدينية. ومعاهدة (ويستفاليا) عام 1648والاتفاقية البولندية الروسية عام 1767وأخرى عام 1775 لضمان حقوق المُنشقين ببولندا. كما أنّ معاهدة فينا عام 1815منحتْ الأقليات الدينية حرية العقيدة والحقوق المدنية. ومن أشد القضايا ذات الحساسية فى قضية التنوع الثقافى، قضية اللغة. فلغة أى شعب هى السمة الثقافية التى تـُميّـزه عن غيره. وكل لغة فى العالم تمثل أسلوبًا فريدًا فى رؤية التجربة الإنسانية. لذا فإنّ قضية اللغة هى فى مقدمة الحقوق التى تــُـطالب بها الأقليات الثقافية. فمن حقهم تدريس لغتهم فى المدارس (كما تفعل أمريكا وبعض الدول الأوروبية) وكذا من حقهم أنْ تكون لهم وسائل إعلام خاصة بهم. ولكن هذا التنوع المطلوب ثقافيًا والمؤيد إنسانيًا يخضع لأشد أنواع القهرمن أنظمة الاستبداد. ومن هنا كانت مأساة الأكراد والأمازيج، وهى ذات المأساة التى يعيشها شعب الأحوازفى إيران. إنّ سكوت الأنظمة العربية لمايحدث لشعب الأحوازكشف حجم الرياء والكذب وهم يتشدقون ويتظاهرون بالدفاع عن الشعب الفلسطينى، لأنّ ما فعلته إيران منذ عام 1925وحتى ركوب خمينى وأتباعه الحكم مع شعب الأحوازهوبالضبط مافعلته الصهيونية مع الشعب الفلسطينى. (لمزيد من التفاصيل: انظر د. أحمد أبو مطر- الخطر الإيرانى- وهم أم حقيقة- ص 90، 91) إنّ التنوع الثقافى عبـّـرعنه المفكر(كونوركروزا) فكتب ((مع أننا نشترك فى إنسانية واحدة، فإنّ هذا لن يجعل منا أعضاء قبيلة عالمية واحدة، فتنوع الجنس البشرى هوالذى يضرب بجذوره فى هذه الإنسانية المشتركة)) وكتب (كارلوس فوينتيس) أنّ ((من عجائب كوكبنا تعدد تجاربه وذاكرته ورغباته. وأية محاولة لفرض سياسة موحدة على هذا التنوع ستكون بداية النهاية)) وإذا كانت الأنظمة الشمولية ترفض أنْ تستخدم كل أقلية ثقافية لغتها، فإنّ دراسة ميدانية أثبتتْ أنّ 104بلدًا فيها لغتيْن رسميتيْن. وفى 15بلد يستخدمون ثلاث لغات أوأكثر. وانتهتْ الدراسة إلى أنه ((كلما بكــّـرنا بتعليم الصغارباللغات الأخرى فى عالمنا متعدد الثقافات كانت النتائج طيبة)) وتوصى لجنة اليونسكو الدولية لتنمية التعليم بتنمية تعددية اللغات من أصغرسن مع تدريس لغات وثقافات وأديان عديدة)) (لمزيد من التفاصيل: تنظر: التوع الثقافى الخلاق- المجلس الأعلى للثقافة- المشروع القومى للترجمة- عدد27- عام1997) ونظرًا لذاك الوعى بأهمية التنوع الثقافى، نظم نادى اليونسكوفى فرنسا فصلاعن مصر القديمة. وحضرتلاميذ المدارس الابتدائية دروسًا لمدة ثلاثة أسابيع فى متحف اللوفر، ليتعلموا فنون وعمارة وتكنولوجيات مصرالقديمة، وحياتها اليومية وطقوسها الدينية، فقرّرالتلاميذ زيارة مصرلمدة أسبوع على نفقتهم الخاصة. 000 وما أعرفه عن المُبدعين المصريين من أبناء النوبة أنهم يُدافعون عن التراث الثقافى للمصريين النوبيين، مثل حقهم فى تعلم اللغة النوبية وتدريسها فى المدارس. وإنشاء محطة إذاعة لنشرالوعى بمجمل التراث النوبى إلخ. وهذا حق طبيعى لايستطيع أنْ ينكره إلاّكل أحادى مُنغلق لايرى إلاّنفسه وثقافته ولغته، ويريد أنْ يفرض نفسه وتراثه ولغته على الآخرين. لذلك فإننى مع هؤلاء المثقفين المصريين أبناء النوبة فى الدفاع عن تراثهم ولغتهم، بل وضرورة أنْ يكون التعليم بهذه اللغة، لأنّ هذا هوالضمان لإستمرارها ومقاومة اندثارها. يشمل الدفاع عن الخصوصية الثقافية الدفاع عن الفلكلور، وعن كل ما أبدعته الأجيال السابقة عبرآلاف السنين، من موسيقا وأغانى الحب ومواويل الأفراح والأحزان والحِكم والأمثال الشعبية، ومجمل أنساق القيم التى تشمل النظرة للكون وللحياة وللموت وللمرأة وتعميد الطفل والاحتفال بالأسبوع الأول لمولده وطقوس الوفاة إلخ. أى النظرة التى تشمل فلسفة الإنسان فى بيئة مُعينة وزمن مُحدد وابن تراث قومى أبدعه جدوده. نظرة فلسفية تضم أكبرالقضايا مثل أصل الوجود إلى أصغرنسق قيمى مثل طقوس استقبال الضيف. الدفاع عن الخصوصية الثقافية هوالرافعة التى تحمى التواصل الحضارى لأى شعب. وهوجهازالمناعة الذى يصد جرثومة الانقطاع. ولعلّ نظرة مُتأنية على التركيبة السكانية للمجتمع الأمريكى تؤكد ما أذهب إليه. فهومجتمع مُكوّن من شعوب مختلفة نزحتْ من بلادها الأصلية، وهاجرتْ وعاشتْ فيما يُعرف باسم (الولايات المتحدة الأمريكية) شعوب من أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، أى من معظم قارات العالم. إذن نحن إزاء ثقافات قومية مُتعدّدة ومع ذلك عاشوا وانصهروا داخل كيان اجتماعى وسياسى واحد، أى أنهم حققوا (التنوع الثقافى فى إطارالوطن الأم) أو(التعدد الثقافى فى إطارمنظومة اجتماعية وسياسية لآليات الحكم) وإذا كان هذا الواقع الأمريكى من البديهيات، فإنّ المسكوت عنه فى الثقافة المصرية السائدة أنّ هذا التنوع الثقافى فى إطارالوطن الأم لن يتحقق إلاّمن خلال الدفاع عن الخصوصية الثقافية فنجد أنّ كل (أقلية) عرقية داخل المجتمع الأمريكى، تحرص على أنْ يتعلم أولادها فى المدارس بلغتهم الأم، أى أنّ المنظومة الاجتماعية والسياسية سمحتْ بوجود مدارس يتعلم فيها أبناء المواطن الأمريكى من أصل ألمانى باللغة الألمانية. وأنْ يتعلم أبناء المواطن الأمريكى من أصل إسبانى باللغة الإسبانية إلخ. هذه المنظومة الاجتماعية السياسية هى التى حققتْ انتشارالفن الإسبانى واللاتينى والأفريقى إلخ من موسيقا وغناء وفن تشكيلى. وأدب أفريقى كتبه أمريكيون يُدافعون عن التراث الثقافى الأفريقى. هذا التنوع هوالذى حقق الثراء الثقافى من خلال منظومة اجتماعية وسياسية لاتعرف (ولاتعترف) بالتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ليس بغض النظرعن الدين أواللون فقط، وإنما بغض النظرعن الخصوصية الثقافية. ولم يقل أحد أنّ هذا التنوع الثقافى يعنى (الانفصال) عن الوطن الأم، أويلغى حقوق المواطنة عن (كل) أبناء الشعب الأمريكى بغض النظرعن أصولهم العرقية. وما يُدافع عنه المثقفون أبناء النوبة هودفاع عن الخصوصية، التى لاتعنى الانفصال عن الوطن الأم (مصر) وهودفاع ينطبق على المصريين أبناء سيوه وأبناء سيناء إلخ. هذا الدفاع عن الخصوصية الثقافية يُحقق عدم الاندثارالثقافى، ولكنه لايعنى انفصال سيوه أوسيناء عن مصر. ولعلّ إصرارالأمازيج فى الجزائرعلى الدفاع عن خصوصيتهم الثقافية، أنْ يكون مثالاثانيًا، حيث أنّ هذا الإصرارتكلل بالنجاح عندما وافقتْ السلطات الجزائرية على أنْ يكون للأمازيج إذاعة خاصة بهم تتكلم باللغة الأمازيجية. وأنْ يتعلم الأبناء فى المدارس بتلك اللغة، لغة الجدود. ولعلّ دفاع الشعب الكردى عن خصوصيته الثقافية أنْ يكون مثالاثالثـًا، إذْ لولاهذا الدفاع لما قرأنا الأدب الكردى رفيع المستوى. 000 إنّ الهجوم على النوبيين تكرّركثيرًا (جريدة العربى الناصرية 29/1/2006- نموذجًا) وهذا الهجوم ذكــّـرنى بواقعة حدثتْ معى . إذْ بعد صدوركتابى (أبعاد الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر) كتب مُحررصفحة (دنيا الكتب) فى صحيفة العربى الناصرية أننى أنعى فى مقدمة كتابى (ماطرأ على الشخصية المصرية من انحداررهيب فى سماتها مثل قيام الغزاة باستبدال التقويم القمرى بالتقويم الشمسى)) وأضاف ((والغزاة المقصودون هم العرب بالطبع. وليس ذلك بعجيب على رضوان إذْ أنه معروف بدفاعه الصلد عن الوطنيين النوبيين وحقهم فى إنشاء دولتهم المُستقلة)) ثم اختتم كلمته بجملة من قاموس المشايخ حيث قال ((ولله الأمرمن قبل ومن بعد)) (26/9/99) ويبدوأنّ هناك علاقة أصيلة بين الخطاب الدينى وبين غياب لغة العلم، لأنّ الكاتب لم يحترم عقل القارىء وحقه فى إثبات المصدرالذى نقل عنه كلامى. وهذا الكاتب جزء من الثقافة السائدة التى تلجأ إلى تشويه كل من يُدافع عن الخصوصية الثقافية لشعبنا. وبدأ تشويهه لشخصى عندما عرض كتابى المذكورتحت عنوان (أوجاع طلعت رضوان) فكتبتُ فى ردى عليه ((مع أنّ عنوان سيادته يبتعد عن لغة العلم فإننى أشكره، لأننى أتمنى أنْ يكون الدفاع عن هويتنا المصرية محل إهتمام كل المصريين أومصدرًا ل (أوجاعهم) وفق صياغة سيادته. أما دفاعى عن التقويم الشمسى الذى أغضبه وأبعده عن لغة العلم، فهويتأسّس على أنه أحد الاكتشافات المهمة التى أبدعها جدودنا فى مجال علم الفلك. وجاء فى مُعجم الحضارة المصرية نقلا عن خبراء التقويم، أنّ التقويم المصرى ((هوالتقويم الوحيد الذى عمل بذكاء فى التاريخ البشرى كله)) وكان المصريون فى البداية يعتمدون التقويم القمرى، وبعد اكتشافهم للزراعة، لاحظوا أنّ التقويم القمرى لايصلح لمواعيد الزراعة. وإذا كان التقويم الشمسى محل استهجان الكاتب، فهل يمكن لأى فلاح مصرى أنْ يزرع ويحصد وفق التقويم القمرى؟ وبقفزة هائلة انتقل الكاتب من استهجان الدفاع عن تقويمنا الشمسى إلى أنْ نسبَ إلىّ دفاعى عن إنشاء دولة مستقلة للنوبيين. وإننى إذْ أعتقد بحق النوبيين فى التمسك بلغتهم وخصائصهم الثقافية، فى إطارالقومية المصرية والوطن المصرى، فإننى لم أكتب حرفــًا واحدًا عن حق النوبيين فى إنشاء دولة مستقلة، لافى كتابى المذكور، ولافي أية دراسة أخرى. ولذلك فإننى أطالب سيادته بذكرمصدرعبارته)) (صحيفة العربى الناصرية 3/10/99ص12) وطبعًا سيادته لم يفعل، منذ عام 99 وحتى الآن لأنه لايملك أى دليل على صدق كلامه، وإنْ كان يملك موهبة التشويه والتشهير. وإلى من لايعرف ولديه الاستعداد لأنْ يعرف، أنقل إليه النحت الجميل الذى أبدعه أحد الآباء الروحيين للشعب الهندى (المهاتما غاندى) الذى لخـّـص فيه معنى الخصوصية الثقافية إذْ قال ((إننى أرغب فى أنْ تهب على بيتى جميع ثقافات العالم من غيرقيود. ولكننى أرفض أنْ تقتلعنى من جذورى إحدى هذه الثقافات)) ولأنّ غاندى لم يكن أحادى الفكر، وإنما كان يمتلك حسًا إنسانيًا ووجدانـًا مُتعددًا أضاف ((ليس فى إمكان أية ثقافة أنْ تعيش إذا حاولتْ حذف الثقافات الأخرى)) *** مأساة البهائيين المصريين شاء قانون المصادفة أنْ أقرأ مقرركلية الآداب جامعة الإسكندرية سنة أولى عن مـــــادة حقوق الإنسان، حيث جاء فى البند ثانيًا مايلى: حرية العقيدة منوطة بالأديان السماويــة الثلاثة: و(بالتالى) ((عدم جوازتوثيق عقود زواج البهائيين لأنّ البهائية ليست من الأديان السماويـة وتتعارض معها)) وبعد ذلك يشرح أستاذ المادة الأسباب فيقول ((استقرالقضاء الإدارى علـــى أنّ حال البهائية لايجوزالقياس بينها وبين الأديان الأخرى التى اعتبرالإسلام معتنقيها من أهل الذمة يُـتركون على ماهم عليه وتستحق عليهم الجزية)) وهكذا فى أول درس مـــن دروس حقوق الإنسان يتعلم الطالب أنّ المصريين (المسيحيين) ليسوا مواطنين، وإنما هم ((من أهـل الذمة وتستحق عليهم الجزية)) أى أنّ الأستاذ الجامعى ينافس الأصوليين فى هدم الولاء الوطنى.. أما موقف الأستاذ الجامعى من البهائية، فهوكما يلى: ((ولايجوزالحجاج بحرية العقيـــــدة وحرية ممارسة الشعائرالتى كفلها الدستورللقول بوجوب الاعتراف بالبهائية)) إلى أنْ يقول ((يجب للإعتداد بالعقيدة وآثارها وللسماح بإقامة شعائرها أنْ تكون منبثقة عن الأديان المعترف بها وهى اليهودية والمسيحية والإسلام وألاّتكون مخالفة للنظام العام والآداب، أى لايجوزالردة فى الإسلام، لأنّ المرتد يبطل عمله ولايقرعلى ردته ويهدردمه)) وهكذا لايكتفى الأستــاذ الدكتوربإعلان موقفه الرافض لحق البهائيين فى إعتناق مايؤمنون به، وإنما يُعلن أيضًـا أنّ البهائية ضد ((الآداب)) وهذا هوالدرس الثانى. أما الدرس الثالث فهوتربية الطلاب على قتل المختلف دينيًا، بالنص على أنّ ((المرتد يُهدردمه)) ثم يستطرد الأستاذ الدكتورقائلا ((ومتى تثبت مخالفة البهائية للنظام العام، امتنع مباشرة أى تصرف لأتباعها، بوصفهم بهائيين أوترتيب أى حق على هذه التصرفات، لأنّ الباطل لاينتــــج إلاّباطلا. لهذا فإنّ زواج البهائى أيًا كان أصل ملّته يكون باطلا بطلانًا مطلقًا، ولايجوزتوثيقه. وهذا هوالدرس الرابع الذى يتعلّمه الطلاب فى مادة (حقوق الإنسان) حرمان البهائيين من حـق أساسى من حقوق الإنسان التى نصّتْ عليها المواثيق الدولية، أى حق الإنسان فى اعتناق مايشاء من أديان ومذاهب، وحقه فى توثيق زواجــه ومايترتّب على ذلك التوثيق من حقوق للأبناء. يُعلل الأستاذ الدكتورموقفه من البهائية، بــــأن يُذكّرالطلبة بالقانون الصادرعام 1960 بشأن حل المحافل البهائية ووقف نشاطها ..إلخ. وفى مادة حقوق الإنسان يتعلّم الطلبة أيضًا مايلى ((بطلان زواج المرتدة، عدم توريـــث المرتدة، عدم استحقاقها للمعاش)) ثم يستطرد شارحًا ((ولما كانت القوانين الوضعية فى مصر، خلتْ من أية نصوص تشريعية تحكم الحالة القانونية للمرتد عن دين الإسلام، كما أنّ أعــراف المجتمع المصرى لاتهتم بحالة المرتد إلاّفى نطاق قواعد الأخلاق، لذا يتعيّن الرجوع فى شأنها إلى مبادىء الشريعة الإسلامية التى تقضى بأنّ المسلم الذى يرتد عن دين الإسلام، سواء إلـــــى دين سماوى آخرأوإلى غيردين، لايقرعلى ردته)) فى هذه الفقرة يعترف الأستاذ الدكتور((أنّ أعراف المجتمع المصرى لاتهتم بحالة المرتد إلاّفى نطاق قواعد الأخلاق)) وقواعد الأخـــــلاق كمايُعرّفها علم الاجتماع هى أنّ معيارتقييم الإنسان هوتعامله مع أبناء وطنه، فإذا كان شريفــًـا فى تعاملاته مع الآخرين، فهومواطن صالح، والعكس صحيح، وذلك بغض النظرعــــن معتقداته الشخصية فى الأديان. وأعتقد أنّ هذه الفقرة كتبها الأستاذ الدكتورمن مخزون الوعى الجمعى لشعبنا المصرى، الذى ورث عن أجدادنا المصريين القدماء قيمة التعددية وقيمة التسامح الفلسفى، التسامح القائم على احترام معتقدات الآخرين، ولكن الأستاذ الدكتوريتجاوزهـــــــــذا المعنى الحضارى، ويصرعلى تكفيرالمختلف دينيًا ويصفه بالمرتد. ويتعلّم الطلبة أنّ محكمة النقض ((قضت ببطلان زواج المرتدة عن دين الإسلام إذا تزوّجتْ بعد ردّتها بغيرمسلم ووجوب التفريق بينهما. وقضتْ محكمة القضاء الإدارى بعدم جوازتغييراسم المرتد وديانته فى بيانات البطاقة الشخصية قديمًا وحديثًــًـا)) وهكذا يتم توجيــه عقل الشباب وتدميروجدانهم الفطرى باقناعهم بأنّ تشتيت الأسرة (التفريق بين الزوجين) شىء طبيعى، وأنه لامبررللنظرإلى أية اعتبارات إنسانية أواجتماعية، ولامراعاة لخصوصيــــــة الإنسان، ناهيك عن الموقف المتعامى عن الأولاد بعد التفريق بين الأب والأم. ويتعلّم الطلبة أنه إذا ((كان قانون الإرث لم يتناول المرتد إلاّ أنّ العمل فى كل مايتعلق بإرث المرتد وأحكامه يكون طبقــًـا لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة. ذلك أنّ المرتدة عن الإسلام يُعتبرزواجها بالموروث باطلا ولاتستحق معاشًا عند وفاته)) أى أنّ سيادة أستاذ مادة حقوق الإنسان لم يكتــــف بتفريق الزوجين، فيُضيف عقوبة أخرى بجانب تشريد الأسرة، وهى حرمان الزوجة من معاش زوجها. وشاء قانون المصادفة معى أنْ أقرأ ورقة ((امتحان حقوق الإنسان لنهاية الفصل الدراســــى الأول للعام الجامعى 2006 / 2007 كلية الآداب جامعة الإسكندرية يوم السبت 6/1/2007)) وجاء فى السؤال الثانى ما يلى: أصدرتْ المحكمة الإدارية العليا حكمها أثناء المحاضرات عـــن وضع البهائية فى مصر، يؤكد إتجاه القضاء الإدارى القديم الذى درسته. أذكرمن واقع فهمك للمحاضرات حكم القانون فيها والمبادىء التى وضعها القضاء الإدارى فى هذا الشأن. ثـــم استعرض الآثارالمترتبة على حكم القانون فيها، ذاكرًا أمثلة من واقع الحماية القضائية، مختتمًا إجابتك بتحديد متى وأين نشأتْ وأهدافها من واقع فهمك للمحاضرات)) بالطبع على الطلبة– كى ينجحوا فى الامتحان– أنْ يكتبوا مادرسوه. وأنه لايجوزالقياس بين البهائى والمسيحى، لأنّ الأخيرمن أهل الذمة وعليه أداء الجزية. وأنّ البهائى مرتد، والمرتد يُهدردمه والتفريق بين الزوجين وعدم استحقاق المعاش وعدم تغييراسم المرتد وديانته فى بيانات البطاقة الشخصية. وبالطبع (كذلك) فإنّ أحدًا من الطلبة لايرغب فى الرسوب فى مادة (حقوق الإنسان) وبالتالى يترسّخ فى وجدان وعقل الطلبة (19سنة) أنّ المختلف دينيًا أوعقيديًا ليست له أية حقوق، بل أكثرمن ذلك فإنّ دمه مهدر. وإذا كانت هذه المفاهيم المعادية لأبسط حقوق البشر، يتم تدريسها فى مادة (حقوق الإنسان) فما المفاهيم التى يتم تدريسها فى مادة نقيضة اسمها (الحقوق غيرالمشروعة للإنسان)؟ وهكذا نرى أنّ مادة (حقوق الإنسان) ضد الإنسان. إذْ ما الفرق بين الأستاذ الجامعى والأصولى المعادى لكل البشروالمقتنع بأنّ طريق الجنة مفروش بجثث المختلفين معه دينيًا؟ وإلى أية حفرة مظلمة يأخذنا التعليم فى مصر؟ وإلى متى سوف يستمرالتعليم والإعلام والثقافة السائدة فى مغازلــــة الأصوليين؟ وهل يمكن أنْ يتبنى الليبراليون مطلبًا واحدًا ويدافعون عنه، وهوإلغاء خانة الديانة من كل المحررات الرسمية، رحمة بكل من يعانون من ثقافة وافدة لاتعرف الرحمة؟ الكارثة أنّ الأستاذ الدكتورالجامعى يتطابق تتطابق المثلثات مع الأصوليين الرافضين الاعتراف بحق الإنسان فى أنْ يؤمن بما يشاء، إذْ أعلن أحد السادة أعضاء مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين أنه يجب قتل البهائيين. وعندما استضافه أ. وائل الأبراشى فى برنامج الحقيقة عصريوم الأحد 21/5/2006 سأله: أنتَ قلتَ يجب قتل البهائيين، فهل لازلت عند رأيك؟ قال الأصولى الإخوانى: ((نعم يجب قتلهم)) وكانت حجته أنّ ((البهائيين مرتدون)) وهى ذات الحجة التى شحن الأستاذ الدكتورالجامعى بها عقول أولادنا فى جامعة الاسكندرية، فى مقرر (حقوق الإنسان) والأصح أنه مقرر(ضد حقوق الإنسان) *** المصادر: • تاريخ يهود مصرفى الفترة العثمانية- تحريريعقوب لاندو- ترجمة جمال أحمد الرفاعى وأحمد عبدالمطلب- تقديم محمد حسن خليفة- المجلس الأعلى للثقافة- عدد199- عام 2000. • يهود مصر: من الازدهارإلى الشتات محمد أبوالغار- دارالهلال- عام2004. • والآن أتكلم- خالد محيى الدين- مركزالأهرام للترجمة والنشر- عام 1992. • التنوع الثقافى الخلاق- مجموعة دراسات- المجلس الأعلى للثافة- المشروع القومى للترجمة رقم27- عام1997. • الخطرالإيرانى: وهم أم حقيقة- مجموعة دراسات- إعداد الشاعرأحمد أبومطر- شركة الأمل للطباعة- عام2010. • حزب الله: الوجه الآخر- مجموعة دراسات- إعداد الشاعر- أحمد أبومطر- دارالكرمل للنشر-عام2008. النتائج: أعتقد أنه يتبيـّـن من دراستى أنّ من ينطبق عليهم تعبير(الأقليات) يتسع ليشمل كل من يشعربالغربة والاغتراب عن وطنه. خاصة كل من يـُـدافع عن الخصوصية الثقافية لشعبه، مثل أبناء القومية المصرية، وأبناء النوبة. وهوما ينطبق على الأمازيج والأكراد..إلخ. وأعتقد أنّ المرأة (المصرية المسلمة) تشعربالغربة والإغتراب عندما تــُـفرض عليها بعض العادات والقيم السلوكية الوافدة من مجتمعات هى النقيض للمجتمع الزراعى/ النهرى، خاصة عندما يقول لها الكتاب المدرسى والجامعى أنها ((عورة)) وأعتقد أنّ المتدينين من أبناء شعبنا الذين رضعوا من الثقافة القومية المصرية التى تأسستْ على التعديية ونبذتْ الأحادية، وبالتالى نبذتْ كل أشكال العنف المادى والمعنوى، يشعرون بالغربة والاغتراب، وهم يسمعون كل يوم أخبارالقتل على أساس دينى أومذهبى أو- حتى- فلسفى. وأعتقد أنّ أبناء التيارالعلمانى والتيارالليبرالى، يشعرون بالغربة والاغتراب، وهم يرون التردى فى شتى مناحى حياتنا، لادراكهم أنّ مصرغنية بمواردها البشرية والطبيعية. التوصيات: • كتابة دستورجديد يليق بمصر، بحيث يتواكب مع معطيات العصرالحديث، وأنْ يختفى منه النص على (ديانة الدولة) لأنّ الدولة (شخصية اعتبارية) وهى- كما فى يعرف كل القانونيين- ليس لها دين ولاتتعامل بالدين. • إلغاء خانة الديانة من كل المحررات الرسمية. • دمج المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهرفى التعليم (القومى) • تدريس مادة (الأخلاق) كبديل لحصة الدين، بحيث تشمل نماذج من القرآن ومن الأناجيل التى تحض على حب البشر، والترابط الأسرى..وتدريس نماذج من حكم الحكماء المصريين أمثال الحكيم (آنى)..إلخ على أنْ يضع تلك المادة المفكرون وليس الشيوخ. وذلك من أجل أنْ يجلس الطفل المسلم بجوارالطفل المسيحى. ولوتحقق ذلك (بعد عشرين سنة) فلن يشعرالمسيحيون بـأنهم (أقلية دينية) • تدريس مادة (الأديان المقارنة) لطلبة الجامعات. • تدريس اللغة المصرية القديمة (مادة اجبارية) فى كل مراحل التعليم الأولى والجامعى، بما يتناسب مع المراحل العمرية للتلاميذ والطلاب.
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف كسر الولاء للدين مصطفى كامل
-
هل البديهيات تحتاج إلى توضيح ؟
-
هل يستطيع البشر التخلص من الغيبيات ؟
-
هل الدين - أى دين - قابل للتجديد ؟
-
الأدب الروائى ومقاومة الأصولية الإسلامية
-
أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة
-
هل اختار (الله) شعبه أم العكس ؟
-
تناقضات الديانة العبرية (2)
-
هل توجد أدلة مادية على ما جاء فى العهد القديم ؟
-
هل للعرب مساهمة فى العلوم الطبيعية ؟
-
الصراع بين العلم والخرافة
-
هل تعلم العرب شيئًا من (التفكير العلمى) ؟
-
هل عاش توفيق الحكيم فى البرج العاجى ؟
-
المثقف المُتأدلج والمثقف الحر
-
هل يمتلك المثقف إرادته وهولصيق بالسلطة؟
-
هل المصريون عرب ؟ سؤال متناقض
-
مصارعة الثيران ومصارعة الإنسان للإنسان
-
الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952 (1)
-
دور الفن التشكيلى فى النهضة الفكرية
-
أدب السيرة الذاتية فى الحضارة المصرية
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|