أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمجيد تومرت - -غنيمة- المرأة الحلزون














المزيد.....

-غنيمة- المرأة الحلزون


لمجيد تومرت

الحوار المتمدن-العدد: 1416 - 2005 / 12 / 31 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
في طريقه إلى المدرسة الجديدة التي نقل إليها تعسفا و دون رغبة منه، استرعى انتباهه كائن غريب يتحرك بعيدا أمامه ببطء شديد في نفس الاتجاه الذي يسير إليه. كان الكائن ، في هالته شبه الدائرية ودبيبه الحثيث ،يشبه حلزونا أسطوريا ضخما . دفعه الفضول وحب الاستطلاع إلى الرفع من إيقاع سيره للحاق بهذا الشكل الهلامي حتى تتضح تفاصيل صورته أكثر...كانت دهشته عظيمة حين اكتشف أن هذا الشيء الضخم، رزمة كبيرة..هالتها وحجمها يضاعف حامله مرات ومرات..و حين تعمد إسقاط محفظته كي يتمكن من التقاط الصورة من زاوية أفضل وأقرب، كانت دهشته أعظم...فقد كان الذي يحمل هذا العبء الثقيل امرأة عجوز تكاد الرزمة تخفي هيكلها...كان جسدها النحيل يشكل زاوية قائمة ،ضلعها العمودي نصف جسدها السفلي ، ونصف جسدها الفوقي ضلع الزاوية الأفقي ..يبدو أنها أحست بفضوله وحركاته الاستطلاعية ..فقد لمح في عينيها بريقا من التقزز والاشمئزاز والامتعاض، حين أدارت رأسها نحوه و أطلت به عليه ، بعد أن أشاحت عنه بعض ذيول الرزمة بيد رفيعة.
تزحزحت مقتربة من الطوار ..و بحركة عجيبة و بدقة متناهية، وضعت العجوز الرزمة الضخمة، المشدودة بعناية تامة إلى صدرها الهزيل، على حاشية الرصيف...دون أن تسقط من على ظهرها..ودون أن تفقد التوازن...هب إلى مساعدتها على التو ..، لكنها اتقته بيدها وكأنها تعفيه من عونها، كانت في تلك اللحظة قد أتمت إنزال رحلها بسلام. أحس ،في نظراتها إليه هذه المرة ،بنوع من الرضا عنه ..بدت له ملامح وجهها أكثر إشراقا ،يجللها حزن دفين...لاشك أن خلف هذا الوجه الصغير، الدارسة أطلاله، مأساة وحكاية عجيبة..القسمات و النتوءات تؤشر على شباب وجمال ضاع ألقهما في عذابات السنين ...خصلات شعر جللها البياض فزاد المرأة وقارا وهيبة..لن يدركهما إلا من شعر بعبء ما تحملت وما تحمل هذه المرأة من أثقال...
قبل أن يتركها ويتابع طريقه إلى العمل، نبست إليه بصوت خفيض لا يكاد يسمع قائلة:- "لا تحمل همي يا ولدي..لهلا يوخر بيك زمان...قادرة نهز خيمتي وهمومي قدر ما كبرت ..و نحط رحيلي وقت ما نبغي وفين بغيت ...سير ياولدي..لا تتعجب ..سترك الله..الوقت توخر بيك .. كيما توخر بغنيمة البوبوشة ..." التقطت كل جوارحه الحكمة بإصغاء شديد مرهف..وتابع طريقه إلى العمل، قبل أن تبطأ به الدقائق المتبقية..وقد أكبر في المرأة كدها وكبرياءها . ظلت صورتها وحكمتها موشومة في الذاكرة .
طلب الأستاذ من التلاميذ ضمن الأسئلة الاختبارية التي ذيل بها النص، أن يصوغوا من خيالهم نهاية للقصة. و أثناء تصحيحه للأوراق في اليوم الموالي ، استوقفته نهاية كتبتها أنجب تلميذاته ..." وبعد خمس سنوات ..في مساء ماطر ..كانت" غنيمة" تحاول العبور إلى الرصيف الآخر من الشارع الرئيسي . وكنا نراقب المشهد عن بعد، مختبئين تحت شرفات العمارات حتى لا تبتل ثيابنا ومحافظنا،
وكانت حركة المرور قد وصلت إلى أوجها ..يبدو أن المرأة قد أعياها الانتظار وحملها الثقيل.. فغامرت بالعبور..فكانت الفاجعة المروعة ، شاحنة طائشة تصدم العجوز وترديها جثة هامدة ..و تفصل الجسد عن الرزمة .. مات الحلزون حين تسرع ... وشاع خبر موت" غنيمة" في المدينة ..تأسف من تأسف..وحزن من حزن. وفي اليوم الموالي ، كان النعش والدفن الهزيل... وبعد أيام ، ما عاد أحد يذكرها ...وبعد خمس سنوات بطيئة ، يذكرنا أستاذ اللغة العربية بحكمة "غنيمة"، المرأة الحلزون ،التي ما كنا ندركها حين كنا أطفالا تستهوينا مضايقتها والتسلي بها في الدرب و في الطريق إلى مدرسة الحي الابتدائية "...
قرأ الأستاذ هذه النهاية على التلاميذ في حصة تصحيح الاختبار، عرف أن الحدث فيها لم يكن متخيلا ،بل أعجبته الصياغة و أعجبه الموقف الذي عبرت عنه تلميذته ..أدرك الأستاذ مرة أخرى أنه لم يخطئ حين كتب القصة.. وحين اختارها لتكون موضوعا لاختبار وتقويم كفايات التلاميذ لإنتاج نص سردي مستمد من الواقع .



#لمجيد_تومرت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصة -كؤوس- للقاص المغربي محمد فري
- هل أنت حقا ،بلا ذاكرة..؟ / الى بن جرير و أستاذي الجليل -محمد ...
- نهوض الشجرة.
- مدخل عام الى مفهوم القراءة الأدبية
- لم تسقطي من كف الذاكرة
- الزنزانة الرحم /مهداة الى المعفى عنهم من الرفاق
- قراءة في نص ( لم تمت ... لكنك غفوت) للكاتب الفلسطيني مهند صل ...


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمجيد تومرت - -غنيمة- المرأة الحلزون