|
أبو نؤاس بتمامه : حياته ، شعره من نشأته حتى وفاته
كريم مرزة الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 5331 - 2016 / 11 / 2 - 21:45
المحور:
الادب والفن
أبو نؤاس بتمامه : حياته ، شعره من نشأته حتى وفاته (خمس حلقات) (أواخر 139 هـ - 199 هـ / 757 م - 815 م) كريم مرزة الأسدي
1 - أبو نواس بين الله والناس ...!! الحلقة الأولى 1 - المقدمة : أبو نؤاس واختلاف الناس حوله : يختلف الناس كثيراً حول تقييمهم لعباقرة الدنيا خلال حياتهم ، بين من يرفعهم إلى أعالي السماء ، وبين من يهبط بهم إلى حضيض الوهاد ، لتداخل الحياة المعيشية العادية للفرد العبقري كإنسان له سلبياته وإيجابياته ، وأحاسيسه وانفعالاته ... مع القدرة الفنية أو الفكرية الهائلة التي يتمتع بها ، ويريد هذا الناس أن يوفّق هذا المخلوق بين سلوكه المعيشي الحياتي العادي وأقواله المتطلعة إلى آفاق متحضرة متجددة ، أقول يريدونه كبقية خلق الله العاديين ، وعليه أن ينسلخ من أعراض العبقرية ، ويتخلص من مضافها ويُبقي عليها ، وهذا المنال بعيد المآل ، ولا ريب أنّ أبا نؤاس أحد كبار عباقرة العرب - بل العالم - على امتداد تاريخهم الأدبي ، غطّت شهرته الآفاق، ففرض نفسه على امتداد المكان ، وعمق الزمان ، وأصبح ملح الأدب ، وظرف الكلام ، تجده على كل لسان ، لأنه اخترق قوانين الحياة ، وأعراف العباد، طبعاً لا تطبعاً ، ظاهرة لا يكررها الزمان ، إلا ما ندر ، فلا جرم أنْ يقع هذا النواسي في تلك المأسي : ما جِئتُ ذَنباً بِهِ اِستَوجَبتُ سَخطَكُمُ **** أَستَغفِرُ اللَهَ إِلّا شِدَّةُ النَظَرِ يا أَهلَ بَغدادَ أَلقى ذا بِحَضرَتِكُم ***فَكَيفَ لَو كُنتُ بَينَ التُركِ وَالخَزَرِ سَحَّت عَلَيَّ سَماءُ الحُزنِ بَعدَكُمُ ***وَأَحدَقَت بي بُحورُ الشَوقِ وَالفِكَرِ ومن مثله لا تفوته الحكمة، ولا الحنكة ،ولا سبل الخروج من المعمعة التي وضعه القدر فيها ، ليمتص كلّ قيل الناس وقالهم ، ويعبرهم متحدياً بصمت قاتل، وتأمل عاقل : خلِّ جنبيكَ لرامِ **** وامض عنه بســــلامِ متْ بداءِ الصمتِ خيرٌ** لك مــن داء الكلامِ والبس الناسَ على الصـ **حة منهم والسقام 2 - التحقق من ميلاده وعمره ووفاته، وتاريخ بعض شعره لدلالته عليها : ومشكلتنا مع أبي نؤاس - إضافة إلى اختلاف الناس حوله - اختلف المؤرخون حتى في تاريخ ميلاده ووفاته وعمره ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، يذكر الخطيب البغدادي في (تاريخه) : " أن أبا نواس ولد بالأهواز بالقرب من الحبل المقطوع سنة ست وثلاثين ومائة ومات ببغداد في سنة خمس وتسعين ومائة وكان عمره تسع وخمسين سنة ودفن في مقابر الشونيزية في تل اليهود . " (1) ، وفي (ملحق كتاب الأغاني - أخبار أبي نؤاس) إليك مانصه : " واختلف في مولد أبي نواس فقيل كان مولده في سنة ست وثلاثين ومائة وقيل سنة خمس وأربعين وقيل سنة ثمان وأربعين وقيل سنة تسع وأربعين ، واختلف في موته فقيل توفي سنة خمس وتسعين ومائة وقيل سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وتسعين وقيل سنة ثمان وتسعين وقيل سنة تسع وتسعين وقيل مات قبل دخول المأمون بغداد بثمان سنين وكان عمره تسعا وخمسين سنة ." (2) ، وفي (تاريخ أبي الفداء) ، أحداث سنة خمس وتسعين ومائة " وفي هذه السنة توفي أبو نواس الحسن بن هانئ الشاعر وكان عمره تسعاً وخمسين " (3) ، وفي ( أبو نؤاس - حياته وشعره) " توفي في العقد العاشر من المائة الثانية للهجرة ، وله من العمر 59 سنة " (4) . وابن المعتز في (طبقات شعرائه ) ، يدون الولادة (139 هـ / 757 م) ، ووفاته (195 هـ أو 198 هـ / 813 م) (5) فذلكة الأقوال ، مما سبق نكاد نقتنع أنه قضى في هذه الحياة ، ما يقارب (59 عاما) ، و لمّا كان الرجل قد مدح الإمام الرضا (ع) ، ، بقوله : من لم يكن علويا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخرُ فأنتم الملأ الأعلى وعندكمُ **** علـــم الكتاب و ما تأتي السورُ وقوله : قيل لي أنت أوحد الناس طرا *** في فنون من المقال البديهِ فلماذا تركت مدح ابن موسى *** والخصال التي تجمعن فيهِ قلت لا أهتدي لمــــدح إمامٍ ***كــــــــان جبريل خادمــا لأبيـهٍ هذا الشعر على أغلب الظن قد نظمه أواخر حياته حين تاب توبة خلوص ، مما يدلنا عليها .شعر زهده الرائع - كما سنذكر - أي بعد مقتل الأمين (198 هـ / 813 م) واكتئابه واعتكافه ، واضطراب نفسه ، إذ فقد سنده من ( أمينه) ، و (الفضل بن ربيعه) ، وما كان له في عهدهما والسيدة ( زبيدة) معهما أن يمدح الإمام في تلك الأيام، ولا كما تذكر بعض الروايات أن هذا الشعر قاله ارتجالاً بحضرة الإمام في مجلس الخليفة الرشيد ، وتلكأ في إنشاد شعرمدح للرشيد ، كان قد نظمه أساساً لمدحه ، والرشيد مع هذا يغرقه بخمسين ألف دينار ، جاري (راتب) أربعمائة عام لموظف عادي في تلك الأيام ، ويرفض أبو نؤاس المبلغ طمعاً لدخول الجنة في أيام تهتكه وخلاعته ومجونه وخمرته وعبثه ، روايات لايقبلها عقل عاقل , ولا منطق لسليم !! (6)، نعم بعد مقتل الأمين وتوبته وشعر زهده ، قال هذا الشعر في مدح الإمام ، ولا ننفيه قطعاً ، ثم أبو نواس مدح وزراء الخليفة من آل برمك مواليه المخلصين أيام عزهم ، وخاف من الرشيد مرتعباً بعد نكبتهم ، وهرب إلى دمشق ومصر ، ولم يكن قد قابل الخليفة مطلقا ، وبعد عودته من مصر ، مدح الرشيد بثلاث قصائد ، في مقابلات رسمية ، فكيف يسمح هذا الخليفة الرهيب الذي قضى على حركتي أدريس ويحيى ولدي عبد الله المحص بالكاد (176 هـ) ، وسم الإمام الكاظم (ع) في سنة (183 هـ) بعد أن سجنه من حبس لحبس - وهو والد الرضا - ؟ من يصدق أن يقال مثل هذا الشعر بين يدي الرشيد ، ويتلكأ الشاعر في مدحه للخليفة نفسه ، وفوق كل هذا يعطيه الرشيد الشديد خمسين ألف دينار جائزة ؟ ولا يقيس القارئ الكريم شخصية وظروف هذا الهارون بابنه المأمون ، ولا دعبل الموقف العقائدي ، بأبي نؤاس الموقف الأبيقوري قبل توبته ، ودعبل أيضاً لم ينشد قصيدته التائية الشهيرة في مدح آل البيت أمام مأمونه ، إلا أن طلبها الخليفة العبد الله بعظمة لسانه ! ، ولكن لما حاول المأمون جاهداً التقرب من الإمام الرضا ، لامتصاص نقمة العلويين وأشياعهم ، وأبان اضطراب الساحة البغدادية بعد خلع أخيه ومقتله ، ووقع الشاعر النؤاسي في قبضة ( اسماعيل بن نوبخت ) الشيعي العريق ، قال الأبيات السالفة في مدح الإمام الرضا ، وعلى أغلب ظني ، أنَّ من قال له لماذا تركت مدح ابن موسى ؟ هو هذا الاسماعيل النوبختي ، فتوفي الشاعرأواسط سنة ( 199 هـ/ 815 م) ، وكان عمره ما يقارب تسعة وخمسين عاماً ، فتكون ولادته ( 139هـ / 757 م) ، وهذا التاريخ يتماشى مع ما ذكره معظم المؤرخين عن عمره ، وإلاّ كيف نوفّق بين تاريخي ميلاده ووفاته ، وبين عمره المنصوص غالباً ، ثم من علاقاته مع مسلم الصريع - ولادة (130 هـ) - , وتلميذ الأخير دعبل الخزاعي - ولادة (148هـ ) - في شرخ شبابهم ، كما دونها مؤرخو الأدب ، لم نلمس من أبي نؤاس احترام هذا الفارق الزمني الكبير أبان فتوته للمسلم بن الوليد ، على عكس دعبل وإجلاله لأستاذه الصريع !!، والنقطة الثالثة ، بعد خلع الأمين ومقتله ، وكون المأمون في خراسان بعيداً عن بغداد لأكثر من خمس سنوات بعد توليه الخلافة ، ضاعت الأمور في بغداد بين ثورات ابن طباطبا وحليقه أبي السرايا ، وبين ثورات العباسيين وتولية ابن شكلة (إبراهيم ين المهدي ) الخلافة ، هذا كله يجعلنا نطمئن لما ثبتناه محققين ! إذن ولادة أبي نؤاس أواخر 139 هـ ، ووفاته 199 هـ / 757 م - 815 م، وكفى أخباراً وروايات ! ، ويستحق منا هذا العبقري الخالد هذه التحقيقات والاجتهادات . 3 - الاسم ... الكنية... النشأة ...: يذكر ابن عساكر في (تاريخ دمشقه) هو : " الحسن بن هانئ بن صباح بن عبد الله بن الجراح بن وهيب ويقال الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح أبو علي الحكمي المعروف بأبي نواس الشاعر مولى الجراح بن عبد الله الحكمي " (7)، كما تقرأ قدم المؤرخ القدير نسبه العربي الأصيل ، ثم أردف قوله بـ ( يقال ...) ، ، وإلى مثل هذا ذهب الخطيب البغدادي في (تاريخه) ، وكذلك ِ تذهب المراجع الأخرى - راجع الهامش (8) - بين العرباء والولاء ، ويصر الدكتور شوقي ضيف أنه من أصل فارسي ، أمّا أنا لاأدري ، ولا أريد أنْ أدري ، إلا أنه عربي كبير جزماً ، وعبقرينا نفسه غير مبالٍ ، إذ يُروى لما سأله الخصيب بمصرعن نسبه " فقال : أغناني أدبي عن نسبي ، فأمسك عنه " . فكان الرجل يخفي نسبه كي يتلافى حسّاده وقاذفيه ، ليكون أكبر منهم ومن عالمهم، وأصدق ما قيل في نسبه ، قول الرقاشي : وَاضِـــعُ نـِســبَتــَه حَيـــث اشتهى *** فـــإذَا مــا راَبــهُ ريــبٌ رَحـَـلْ مهما يكن نسبه الرجل ، فهو من قمم الشعر العربي على مدى تاريخه الأدبي ، ويعد أبرزشعراء العصرالعباسي الأول . يكنى بأبي علي وأبي نؤاس والنؤاسي . ولد في الأحواز إحدى قرى خوزستان جنوب غرب بلاد فارس ( 139هـ / 757م ) لأب دمشقي من جند مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية ،، أمّا أمه ففارسية واسمها جُلبان ، ولم يكن أبواه معروفي الأصل والفصل ، وإنما فقراء ، بالكاد تتوفر لديهما لقمة العيش ، وبعد هزيمة مروان الحمار في معركة الزاب الأعلى، إنتقلت أسرة الشاعر إلى البصرة، والطفل أبو نواس في الثانية من عمرهِ، أو السادسة، وما أن كبر قليلاً حتى عهد به أبوه إلى القرّاء لتعلم قراءة القرآن الكريم ، وما لبث أن مات هذا الأب، فأسلمته أمه إلى الكتاب، ثم إلى عطار يعمل عنده أجيراً، يبري عيدان الطيب ، فوازن بين الكسب المعيشي ، والطلب العلمي ، والبصرة وما أدراك ما البصرة في تلك الأيام ، كان لها المركز الأول في العالمين العربي والإسلامي من حيث الشعر والأدب والعلم والفكر والثقافة واللغة والنحو والفلسفة ، شاركتها توأمها الكوفة ، ثم فاقت على الأخيرة ، ثم نافستها بغداد حاضرة الدنيا من بعد . نشأ الفتى ، وترعرع بين الأصمعي وبشار والفراهيدي وسيبويه وأبي زيد الأنصاري ، وأبي عبيدة وخلف الأحمر ، وتتلمذ على يد الأخيرين بشكل خاص ، وحصل على ثقافة واسعة منذ عقده الأول ولكن أستاذه خلفاً الأحمر لم يسمح له بنظم الشعر إلا أنْ حفظ جملة صالحة من أشعار العرب ، ثم طالبه بنسيانها (9). والبصرة لم تكن مركزاً للعلم والفكر والأدب فقط ، بل مجالاً للخلاعة واللهو والعبث والمجون ، والخمرة والفتيان ، والجنون فنون ، فسار معها حيث تسير على الموجتين : جريتُ مع الصبا طلق الجموح ***وهان علي مأثور القبيح!! رأيت ألذ عافية الليالي****** قــران العـود بالنغم الفصيح ومسمعة إذا ما شئت غنت***** متى كان الخيام بذي طلوح تزود من شباب ليس يبقى*وصلْ بعرى الغبوق عرى الصبوح وخذها من مشعشعة كميتٍ ****** تنزل درة الرجل الشحيح تخيرها لكســــرى رائداه ***** لــــها حظان من طعم وريـح ألم ترني أبحت اللهو عيني *** وعض مراشف الظبي المليح وأيقن رائدي أن سوف تنأى ****مسافة بين جثماني وروحي 4 - والبة بن الحباب الأسدي المتهتك الخليع يحمل أبا نؤاس من البصرة ويقدم به الكوفة !! : لذلك كلّه تعارف في بصرته على الخليع والبة بن الحباب الأسدي الكوفي أحد الشعراء اللامعين في ميدان الخلاعة والتهتك،وصحبه إلى الكوفة ، يروي لنا الخطيب البغدادي في (تاريخه) " ولي يحيى خراج الأهواز فأخرج معه والبة بن الحباب وكان يأنس به فوجهه إلى البصرة ليشتري له بها حوائج وكان فيما يشتري له بخورا فصار إلى سوق العطارين فاشترى منها عودا هنديا وكان أبو نواس يبري العود وهو غلام فاحتج إليه في بري ذلك العود وتنقيته فلما رآه والبة كاد أن يذهب عقله عليه فلم يزل يخدعه حتى صار إليه فحمله إلى الأهواز وقدم به إلى الكوفة بعد منصرفهم فشاهد معه أدباء الكوفة في ذلك الوقت فتأدب بأدبهم" (10) ، فأدبه هذا (الحباب) ! وخرّجه ، وعرّفه على الخليعين مطيع بن إياس ، وحماد عجرد ، وانتقل به إلى بادية بني أسد ، فمكث بين هؤلاء سنة كاملة ، فأخذ اللغة من منابعها الأصلية ، فتهكمه بهم من بعد ليس من باب الشعوبية والحقد ، وإنما من باب الانبهار من حضارة بغداد وجواريها وخماراتها ومجونها ، حيث أراد أن يعيش ، فرمى أعاريب بداوتهم بالجهل ، وعدم التفتح على الحياة الصاخبة ، اقرأ معي : يبكي على طلل الماضين من أسد *** لا در درك قل لي من بنو أسد ومـن تميم ومن قيس ولفهما *****ليس الأعاريب عند الله من أحدِ سنأتي على الأبيات عند الحديث عن التجديد . 5 -أثر مدرسة الكوفة،وعصبة خليعيها ومتهتكيها ومُجّانها في التعجيل ببروز ظاهرة أبي نؤاس : الكوفة الحمراء عاصمة الثورات والانتفاضات والمعارضة السياسية والعقائدية في العصرين الأموي والعباسي ، كم " كان الدم يصبغها ثم لا يكاد يجف حتى يسفك دم آخر" على أراضيها - على حد تعبير الدكتور طه حسين في (مع متنبيه) - ، و كم قمعت وما خنعت ، لذلك أطلق عليها الدكتور يوسف خليف ( الطائر الحبيس ) في كتابه ( حياة الشعر في الكوفة) ، هذا الكوفة مدينة أبي حنيفة في ( مدرسة قياسه) ، والكسائي في (قراءته ونحوه) ، والرؤاسي في (صرفه) ، وابن الكلبي في (نسابته) ، وابن العربي في (لغته) ، وابن قتيبة في ( أمامته وسياسته ، وشعره وشعرائه ) ، وأبي العتاهية في ( زهده) ، ومسلم الصريع في (بديعه) ، وجابر بن حيان في (كيميائه) ، وابن هاشم في (تصوفه) ، ودعبل الخزاغي قي (موقفه) ، وأبي دلامة في ( ظرفه ونوادره )... ، نعم تأثر بكل هؤلاء الكوفيين وأكثر مما لا يتسع المجال لذكرهم ، وأثر فيهم ، ولكن ليست هذه وجهة كلامنا ، وإنما مع الطيور التي على أشكالها تقع ، فمن الضرورة بمكان أن نتفهم بيئة الكوفة أيام ذاك الزمان من وجهها الخلاعي التهتكي الماجن العابث ، لما له من أثر على التعجيل ببروز ظاهرة أبي نؤاس المتميزة في تاريخ الأدب العربي والعالمي ، ولا أقول على خلق الظاهرة ، لأن أبا نؤاس مخلوق طبعاً للقيام بهذا الدور الإبداعي الجريء والخطير ، ولو لم يتوفر هذا المحيط ، لخلق لنفسه مثله ، تعال معي يا قارئي الكريم لهذه المشاهد ، وإن كانت تخدش الحياء ، فالدراسة الأكاديمية عندما تتطلع إلى الحقيقة ، تضع الحياء الكاتم جنب الرياء الظالم، لذلك تتعقل لتتعلم سرّ الإبداع ، وتتفهم مدرسة الحياة ، ربما غيري يقحم الشواهد والروايات دون تقديم و تعليل ، أوأخذ ورد ، ولا أرى بأساً من الإفاضة ، لما فيها من الإفادة ، مهما يكن إليك مشاهد وشواهد من أفعال وأشعار شلّة والبة بن الحباب ، وحماد عجرد ، وسلم الخاسر ، وفضل القراشي ، ومعهم هذا النؤاسي القافز على أكتافهم في حلبات سباقهم !! 6 - مشاهد وشواهد من أفعال وأشعار شلّة الخلاعة والتهتك : يقدم لنا الرقيق القيرواني في (سروره و ووصف خموره) ما تيسر له من أخبار أبي نؤاس مع حبّابه وأحبابه قائلاً : والبة بن الحباب الأسدي هو الذي ربّى أبا نواس وأدَّبه وعلَّمه الفتوة وقول الشعر، وكان والبة ظريفاً، شاعراً ماجناً، يقال إنه كشف يوماً عن فقْحةِ أبي نواس فأعجبه حُسنها، فضرط عليه أبو نواس، فقال له والبة: ما هذا؟ فقال: أما سمعت المثل: جزاءُ من قبَّل الاست ضرطة، فزاد عجباً، وعَلِم أنه سيخرج ماجناً، ووالبة هو القائل : مزجت له مشعشعة شمولاً ***معتقةً كرقراق الشراب فخلت على ترائبها نجوماً ***مطوفةً على ذهبٍ مذابِ ومن شلة أبي نؤاس فضل القراشي، وكان شاعراً ماجناً خليعاً يهاجي نؤاسينا ، ومن أقوال هذا الفضل : ألا لا تعذلاني قد ***** وهبت للذتي نسبي إذا ما الماء أمكنني *** وصفو سلافة العنب صبيت الفضة البيضا**ء فوق قُراضة الذهب فأَسبُك منهما طرباً *** فزرني تلفِ ذا طربِ ومن عصابته في الكوفة سلم الخاسر، وكان شاعراً ماجناً، وسميَّ الخاسر لأنه باع مصحفاً ورثه عن أبيه واشترى بثمنه طنبوراً، وهو القائل : أمزج الراحَ براح **** واسقني قبـل الصباح ليس من شأني فدعني**شربُ ذا الماء القراح وهذا حمَّاد عجرد وكان خليعاً ماجِناً متهماً في دينه، وفيه يقول الشاعر: نعم الفتى، لو كان يعرف ربَّهُ *****ويقيمُ وقت صلاته حمَّادُ هدلت مشافرَهُ الدِّنانُ وأنفه ***** مثل القدوم يسُنُّها الحـدَّادُ وابيضَّ من شرب المدامة وجهُهُ**فبياضُه يوم الحساب سوادُ وكان حماد العجرد يهاجي بشارالأعمى البصير ، وبنفس الوقت يؤدب ولد الربيع الحاجب، فقال بشار مخاطباً ربيعه ، ومحرّضاً على حمّاده !!: يا أبا الفضل لا تنم ** وقع الذئبُ في الغنم إن حماد عَجْردٍ *** شيخ سوءٍ كما اعتلم بين فخذيه حربةٌ****في غلافٍ من الأدم فهو إن راءَ غفلةً ***مجمج الميم بالقلم فلما بلغت الأبيات الربيع صرف حماداً عن تأديب ولده ..!! ماذا يرتجى من الذي يتطبع مع والبة والحمّادين الثلاثة والخاسر والفضل المار ذكره ، والبشار المشهور فسقه ، ومن لفّ لفهم ، وطبعه فوق ذلك يغلب تطبعه ؟ المرتجى خاتمة هذه الحلقة ، وما سيصكُّ سمعك من شعر بقى على لسان الدهر ، والدهر يعيبه ، ويخلّده ، ما أعجب هذا الإنسان الغامض ...!! نظر رجل إلى أبي نواس وهو بقُطْرُبُّل وفي يده كأسٌ وبين يديه عنب وزبيب، فقال له: ما هذا يا أبا علي، قال : الأب والابن والروح القدس، وهو القائل: إن تكونا كرهتما لذة العيـْ ** شِ حذار العِقاب يوم العقاب فدعاني وما ألذ وأهوى***وادفعاني في نحر يوم الحساب وروى أحمد بن صالح قال: رأيت أبا نواس يوماً وقد كنس مسجداً ورشَّه ونفض ترابه فقلت له: ما هذا، قال: يرتفع إلى السماء خبر ظريف! (11) ، ونتركك مع الظريف على أمل اللقاء مع اللطيف بعد عودته لبصرة واصل والأصمعي والجاحظ والفراهيدي وسيبويه وبشار وابي الشمقمق الوجودي الخفيف ...شكراً لصبركم الجميل !
الحلقة الثانية عودته البصرية و رحلته البغدادية
تشويق للحلقة الثانية :
أين الجواب ,وأين رد رسائلي *** قالت ستنظر ردها من قابلِ فمددت كفي ثم قلت تصدقوا ****** قالت نعم بحجارة وجنادلِ ان كنت مسكينا فجاوز بابنا **** وارجع فمالك عندنا من نائلِ يا ناهر المسكين عند سؤاله **** الله عاتب في انتهار الســائل ************************************************** يا قمراً أيصرتُ في مأتمٍ *** يندبُ شجواً بين أترابٍ يبكي فيذري الدرّ من نرجسٍ *** ويلطم الوردَ بعنّابِ لا تبكِ ميتاً حلَّ في حفرةٍ **** وابكِ قتيلاً لكِ بالبابِ
7 - عودة العبقري إلى بصرته : من بعد رحلته الكوفية يعود الفتى المتطلع إلى شرخ الشباب ، أبو نؤاس ، إلى بصرته ، وقد اكتسب من التجارب ما تغنيه لتحديد ملامح حياته الشعرية والاجتماعية والسلوكية ، فأصبح مشغولاً بهموم مضادة لتطلعات الأعراب ، ومسار عيشهم الضنك ، ليس من باب الشعوبية - على أغلب ظني - ، وإنما هو صاحب مزاج يتطابق مع شلّة الخلاعة والتهتك ، وفي عصر يغري إليها ، ويزهو بها ، فتهافت على اقتناص اللذائذ الجنسية والجسدية قبل فواتها ! فتطلع إلى الجواري ، يراسلهن ، ويتوسل إليهن ، ناصبا الشراك لجذبهن : أين الجواب ,وأين رد رسائلي *** قالت ستنظر ردها من قابلِ فمددت كفي ثم قلت تصدقوا ****** قالت نعم بحجارة وجنادلِ ان كنت مسكينا فجاوز بابنا **** وارجع فمالك عندنا من نائلِ يا ناهر المسكين عند سؤاله **** الله عاتب في انتهار الســائل ثم تعلق قلبه الولهان بجارية أديبة لعلية قوم بصرته وأكابرهم تدعى(جنان) ، أجهد نفسه للنيل منها ، والوصول إليها ، وناجى ربّه بصدق الشاب العاشق الولهان ، ولا يمكن أن يأتي الشعر الآتي تصنعاً وتكلفاً ، وعليك أن تتفهم نفسية الشاعر الملهم ، وما يختزن من طاقة جنسية رهيبة ، يذكر عالم النفس الشهير فرويد في كتابه ( موجز التحليل النفسي) ، أن الفنانين ، يمتلكون طاقة جنسية هائلة ، يمكن أن يتحول فائض هذه الطاقة إلى عمل إبداعي كالشعر،الرسم ، النحت، أوالعزف ... ، اقرأ ما دار في خلده لحظات الهيجان العشقي : أَيـــــــا مُــلــيــنَ الــحَــديــدِ لِــعَــبــدِهِ داوُودِ أَلِـــــن فُــــؤادَ جِــنــانٍ لِــعـاشِـــقٍ مَــعـمـودِ قَـد صـارَتِ الـنَفسُ مِنهُ بَينَ الحَشــا وَالوَريدِ جِنانُ جـــودي وَإِن عَززَكِ الهَوى أَن تَجودي أَلا اِقـتُـلـيـنـي فَــفــي ذاكَ راحَــــةٌ لِـلـعَـمـيدِ أَمـا رَحِـمتِ اِشـتِياقي أَمـا رَحِـــــمتِ سُهودي أَمـــا رَأَيـــتِ بُـكـائـي فــي كُــــلِّ يَــومٍ جَـديـدِ إنه ابتهال لرب العالمين ، ومن دعاء تيسيير الأمور " اللهم يا مسهل الشديد ويا ملين الحديد ويا منجز الوعيد ..." ، ولجأ الشاعر المجدد المعاصر بدر شاكر السياب إلى مثل هذه المناجاة أبان مرضه وغربته " يا ربّ أيوب قد أعيا به الداءُ ...يا منجيا فلك نوح مزّق السّدفا ..." " يا راعيَ النمال في الرمالْ .." ... ، ولكن النواسي أتى للدعاء والصلاة لغير ما ذهب إليه السياب ، ولو أن الأخير لم يكن أقل شراهة جنسية من شاعر بحثنا ، فهذا طبع الفنانين الذين يسرحون بالخيال الخصب ، مزودين بالطاقة الفائضة كما ذكرنا ، ولكن فيهم من يكتم ، وفيهم من ينوّه ، ومنهم من يصرح قولاً ، ومنهم من يصرح قولا وعملاً . ومن الصنف الأخير الجريء نادر في تاريخ الأمم ، ومن هؤلاء النادرين جدّاً هذا الهاني بن الحسن المؤنس المؤانس !! . ولكن أبا نواس لم يتمتع بمؤانسة (جنانه) ، ولا حتى رؤيتها إلاّ بلمحات خاطفة ، ومن هذه المصادفات الصعبة ، رآها تلطم بمأتم ، فقال فيها هذه الأبيات الرائعة : يا قمراً أيصرتُ في مأتمٍ *** يندبُ شجواً بين أترابٍ يبكي فيذري الدرّ من نرجسٍ *** ويلطم الوردَ بعنّابِ لا تبكِ ميتاً حلَّ في حفرةٍ **** وابكِ قتيلاً لكِ بالبابِ وما كان أمر هذه الجارية بيدها ، بل بيد سيدها الذي جعل دونها الأهوال والحجّاب ، وينوّه شاعرنا بذلك في الأبيات نفسها : أبرزهُ المأتم لي كارهاً *** برغم بوابٍ وحجّابِ ولمّا بلغ أبو نؤاس الثلاثين من عمره الزاهي أبان بدايات خلافة الرشيد ، وأصبح له باع طويل في الشعر والأدب واللغة ، وطارت شهرته ، وتضلع بالفقه والحديث ، وعلوم القرأن ، قال ابن المعتز في (طبقاته) : " كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ." (12) ، ويقال أنه مال في بصرته أيام فتوته وبعد عودته لللاعتزال ، وجادل واصل بن عطاء شيخ المعتزلة جدالاً حاداً ، وأشار إليه في بيته : قل لمن يدّعي في العلم فلسفةً *** عرفث شيئاً وعابت عنك أشياءُ يقول الأستاذ خليل شيبوب: " وليس كالعبقرية لتوحي مثل هذا المعنى الرائع الذي طابقه فيه شكسبير بعد قرون حين قال في رواية هاملت : إنّ تحت السماء أموراً لا تدركها فلسفتنا ..." (13) . وهذا البيت من قصيدة خمرية شائعة صارخة يقول في بعض أبياتها : دع عنك لومي فإن اللوم إغراء *** وداوني بالتي كانت هي الداء صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ***لو مسها حجر مسته ســراء من كف ذات حر في زي ذي ذكر*** لها محبان لوطي وزنـــــــاء قامنت بإبريقها،و الليل معتكـــر**فلاح من وجهها في البيت لألاء فأرسلت من فم الإبريق صافية ****كأنما أخذها بالعين إعفــــــاء رقت عن الماء حتى ما يلائمها ****لطاقة،وجفا عن شكلها الماء فلو مزجت بها نورا لماجزهــا ***حتى تولــد أنوار و أضــــــــوء دارت على فتية دان الزمان لهم ****فـما يصيــــبهمُ إلا بما شاؤوا لتلك أبكي ، ولا أبكي لمنزلــــــة *** كانت تحل بها هند و أسمــاء ونعمم الكلام ، فهو يوجه كلامه للائمه من الفقهاء ، ويحاججهم بمنطق الحياة ولذائذها من خمرة وجنس وشذوذ ، ثم يغمز من قناة الأطلال وهند وأسماء ، الرجل قلب الطاولة بجرأة مجدداً - كما سنأتي - وليس من باب الشعوبية ، كما يذهب الواهمون الغافلون ، لا أعرف من له القدرة والاستطاعة على مطاولة ومقارعة قمة من قمم الشعر العربي بلاغة ولغة ونحواً وصرفاً وفلسفة ومعنى وروحاً وعبقرية ، وحملت الأمانة من يومها المارد الجبار ، قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام حتى يومنا الخانع المنهار ، ويبقى سؤال على الماشي ، هل هنالك من أمة متحضرة راقية تفبل أن ترمي عبقرياً بوزن أبي نؤاس علينا لنحتضنه بالأعناق ؟ !! سؤال يبقى و سيبقى دون جواب ... والسبب ببساطة ، الأمم الواعية تتعلق حتى بالسراب ...!! 8 - أبو نؤاس يشدّ الرحال إلى بغداد ما بين (179هـ - 187 هـ/ 796 - 804 م) : شدّ الرحال شاعرالخلاعة و الخيال ، والعلم والمجون والجمال إلى بغداد في الشطر الأول (حوالي 179 هـ ) من حكم الرشيد الحاج الغاز في عهده المجيد ، وكانت بغداد حاضرة الدنيا بسياسييها و علمائها وشعرائها وفقهائها وزهّادها ومتصوفيها وجواريها ومُجّانها وخليعيها وخمّاريها و ومثيري صخبها ، ولما كان الشاب المنطلق قدم من خلفية أمه (جُلبان) ، الأرملة العائشة بين الجواري والغلمان ، ومن ذلك الوالبة الحباب ، وحماد عجرد التعبان ، لماذا لا يرقص ويصيح في بغداد : انما العيش سماع وفدام وندام فاذا فاتك هذا فعلى الدنيا سلام وإذا أراد الراح بالراح ، فعليه بالخلود بعيداً قريباً إلى ديري حنة و الأكيراح : دع الساتين من وردٍ وتفاحِ *** واعدل هديت إلى ذات الأكيراحِ ويردد أحياناً : يا دير حنّة من ذات الأكيراحِ **منْ يصحِ عنك فأني لستُ بالصاح حاول الشاعر اللذيذ أن ينفذ إلى قصر خلافة الرشيد العتيد من خلال البرامكة ، وبشخصية فضلها ، فقدم قصيدة للخليفة - من غير مقابلته - يستعطفه فيها على عدم قتل هذا (الفضل) غيرةً منه بسبب كرمه الشديد الذي طاول كرم الخليفة الرشيد ، كما ينوّه الزمخشري في (كشافه) ، أو بحق الفضل بن الربيع كما يذكر العباسي في (معاهد تنصيصه) (14) ، من السريع : قولا لهارون إمام الهدى**عند احتفال المجلس الحاشدِ أنت على ما بك من قدرة ** فلست مثل الفضل بالواجدِ ليس على اللّه بمستنكرٍ*****أن يجمع العالم في واحـــدِ مقتضى حال الاستعطاف يشير إلى أن عجز البيت الأخير يعني الخليفة ، لا الفضل كما يبدو ظاهراً ، فما كرم الفضل إلاّ من فضل الرشيد. لم تساعده هذه الأبيات للنفوذ إلى مجلس الخليفة الرشيد الرشيد ، على عكس ما بالغت فيه كتب الأدب التي تراكمت من بعد في عصور الفترة المظلمة بدوافع التخيل والتوًهم وقضاء الوقت بالحكايات والقصص المثيرة ، أوالتماهي بالمعرفة غير الصحيحة ...، فلا الرشيد كان مستعداً لمجالسة ومنادمة ماجناً خليعاً متهتكاً ، ومتقلباً مرّة يدّعي اليمانية ، ويهجو النزارية ، وطوراً يمدح النزارية ، ويصب جحيمه على اليمانية ، وتارة يقذف القبائل العربية العريقة - وأكرر ليس بدافع الشعوبية - وأحياناً يتبنى المثنوية ، والرشيد الغاز الحاج المتقلب الهوى أيضاً لصالح حكمه وملكه ، لا يتحمل هذا النؤاسي ، نعم استدعى دعبلاً وقربه ، وأراد أن يقتص من مسلم الصريع ، فقابله ، فهمّ بقتله وعفى عنه ، وقرّب أمثال أبي العتاهية ومروان بن أبي حفصة ، وغيرهما ، أمّا أبو نؤاس فتركه للبرامكة ، والحق يقال ، ولا الشاعر العبقري كان مستعدا للتنازل عن أبيقوريته ، وحريته ، وملذاته , ومجونه وفلسفته في الحياة مرضاة للخليفة ما دام البرامكة قد أغرقوه بالهبات والعطايا ، قد واصل الشاعر مديحه لهم حتى سنة 187 هـ ، وهو عام نكبتهم ، فقال يُهنئ جعفر بن يحيى - وقيل الفضل - بدار جديدة انتقل إليها : أربع البلى أن الخشوع لبادِ *****عليك ، وأني لـــــم أخنكِ ودادي فمعذرة مني إليك بأن ترى ***** رهينة أرواح وصــــــوت غوادي ولا أدرأ الضراء عنك بحيله ******* فما أنــا منها قائلٌ بســــعادي فإن كنت مهجور القناة فما رمتْ**يد الهجرعن قوس المنون فؤادي فإن كنت قد بدلت بؤساً بنعمة******* فقــــد بدلت عيني قدي برقاد وختمها بقوله سلامٌ على الدنيا إذا ما فقدتم ***** بني برمك من رائحين وغــادي تطيّر بنو برمك عند سماع هذا المقطع الرهيب ، وما مضى أسبوع حتى نكبهم الهارون الرشيد ببأسه الشديد !! يعقب ابن رشيق القيرواني عليها قائلاً : " فتطير منها البرمكي، واشمأز حتى كلح وظهرت الوجمة عليه، ثم قال: نعيت إلينا أنفسنا يا أبا نواس، فما كانت إلا مديدة حتى أوقع بهم الرشيد وصحت الطيرة.. وزعم قوم أن أبا نواس قصد التشاؤم لهم لشيء كان في نفسه من جعفر، ولا أظن ذلك صحيحاً؛ لأن القصيدة من جيد شعره الذي لا أشك أنه يحتفل له، اللهم إلا أن يصنع ذلك حيلة منه، وستراً على ما قصد إليه بذلك . " (15) لا يتبادرلذهن القارئ الكريم أن هذا الشرخ بين العبقريين ، عبقري السياسة وعبقري الشعريقلل من منزلتيهما ...كلاّ بل يعززهما لاختلاف نهجيهما وحريتهما , ولو أن الأول حدد من حرية الثاني بحبسه مرارا،والعفو عنه بشفاعة البرامكة، وهو أمر يخضع للسنن الشرعية ، والأعراف الاجتماعية ، وقوانين الحياة الوضعية ، ولكن لم يسجّل لنا ديوانه قصائد مدح بحق الرشيد حتى النكبة البرمكية، وإليك فلسفة شاعرنا وأنت على البعد ، والمعنى على قرب : سقى الله أياماً ولا هجر بيننا**** وعودُ الصبا يهتز فــي ورق خضر وسقياً لأيام مضت وهي غضةٌ ** ألا ليتها عادت ودامتْ إلى الحشـــرِ غدوت على اللذات منهتك الستر**وأفضت بنات السرِّ مني إلى الجهرِ وهان عليَّ الناسَ فيما أريدهُ*****بما جئتُ فاستغنيتُ عن طلب العذرِ رأيتُ الليالي مرصداتٍ لمدتي*******فبـــادرتُ لذاتي مبـــادرةُ الدهر رضيتُ من الدنيا بكأسٍ وشادنٍ********تحيّر في تفضيلهِ فطن الفكر صحيح مريض الجفن مدنٍ مباعدٌ ***يميتُ ويحيى بالوصالِ وبالهجرِ فإذن هو منهتك الستر باللذات جهرا، ولا يبالي بالناس ولا الخليفة ، ولا يطلب عذرا ، ويرى الليالي تترصد أنفاسه ، فيغالب الدهرا ، وهذا لعمري من أشجع المواقف الإنسانية ، وإن كنتُ ليس من أنصارها ولا أصحابها ، بل أدعو لفضيلة عرفنا ، ومن هنا أتفهم تماماً قول الدكتور زكي مبارك في حق أبي نؤاسه : " وكان أبو نواس في موقفه الحرج من أشجع الشجعان ، فالدعوة إلى الفضيلة يستطيعها كل مخلوق ، والتخلق بأخلاق الشرفاء لا يحتاج إلا إلى قسط ضئيل من الرياء ، أما الدعوة إلى المجون فتحتاج إلى جرأة فاتكة لا يتسلح بها إلا من أمدته الحياة بمدد من القوة النفسية ." (16) بقى الرجل في بغداد متبغدداً بين الجواري والخمارات والغلمان وشعراء التهتك والخلاعة والمجون ، يقنص اللذات اقتناصاً حتى لا تفوته فائتة ، بل يطاردها سيان أكانت في أعالي السماء ، أم تحت تخوم الأرض : هل عندك اليوم من خمر فنشربها ***أم هل سبيل الى تقبيل عينيكِ فلست أبغي سوى عينيك منزلة *** *ان لم تجودي لنا عفوا بخديكِ علاما يلومه اللائمون ، وسلوكه طبع لا تطبع ، ويمتلك من الجرأة الرهيبة ، والصراحة التامة أن يشهر بما تختلج فيه نفسه من أحاسيس و سرائر ، لا يشغل باله هؤلاء المتطفلون القاصرون ، والدنيا مشغولة به ، إلى جهنم وبئس المصير ، ولا أدري لمن هذا الأخير !! وكان محظوظاً من يحظي بإلتفاتة منه، والأكثر حظاً من ينتزع منه ابتسامة شخصية لصالحه سوى المخصوصين والمخصوصات من ذوي أو ذوات الشان والبان ،والقد والقدر : لاتبك ليلي ولاتطرب الي هند **واشرب علي الورد من حمراء كالوردِ كأسا اذا انحدرت في حلق شاربها**** اجدته حمرتها في العين والخدِ فالخمر ياقوته والكأس لؤلؤة ***** في كف جارية ممشـــــــوقة القدِ تسقيك من يدها خمرا ومن فمها **** خمرا فمالك مـــن سكرين من بد وهذا لا ينفي أريحيته وظرفه وأدبه وأناقته ولباقته،وبساطته وتواضعه ، ولكن للشهرة ثمن ، وللكثرة زمن !!،وصفه ابن منظور فقال : كان حسن الروح رقيق اللون حلو الشمائل ناعم الجسم شعرة منسدل على وجهه وقفاه وكان ألثغا يجعل الراء غيناً وكان نحيفاً في حلقه بحَّقه وكان رقيق الطبع ظريف النكتة خفيف الظل لا يبالي ما يقول وما يفعل وكان يحتقر الأغنياء الذين يستعبدون النَاس بأموالهم فإذا ضمه وإياهم مجلس تكر عليهم ، (17) ، ومن هؤلاء الأغنياء ، أصحاب الجواري والإماء ، فيروي لنا الرواة عن إحدى الجواري ، وعليك بالتالي : كان لـ (النطافي) - وهو أحد تجار بغداد - جارية تًدعى (بنان) عُرفت بجمالها؛ حتى أن تجار سوق النخاسة ظلوا يساومون (النطافي) في بيعها فيرفض، لأنه سمع أنّ الخليفة هارون الرشيد يرغب في شرائها، وما أن علم بذلك النؤاسي الهائم بعشقها حتى راح يهجوها بقصيدة شنيعة ، افترى عليها الشائنات ، وما أن ذاعت أبيات الشاعر الولهان في شوارع بغداد، إلاّ وهبط سعر الجارية المسكينة إلى أدنى مستوى ، وزهد فيها التجار ، وصعب الأمر على الخليفة فهو لا يستطيع شراءها بعد أن وصفها ووصف مَن يشتريها بأقذع الأوصاف ، وهي التي كانت آية من آيات الجمال الفتان ، بل قيل إنها رضخت لعملية فحص من قبل بعض النساء قبل بيعها؛ فما وجدن فيها عيباً إلاّ انحناء في خنصر إحدى أصابع قدميها ، وإن خامرك شكٌ مما ذكرنا ، فلتصافح عيناك أبيات النؤاسي مما دوّنّا : أموت ولا تدري وأنت قتلتني*** ولو كنت تدري كنت، لا شك ، ترحمُ أهابـك أن أشكـو إليك صبابتـي *** فــلا أنا أبــديــها ولا أنت تــعــلـمُ لسانــي و قلبـي يكتمان هواكـمُ ***ولكـــن دمعــي بالهــوى يتكلـــــمُ وإن لم يبح دمعي بمكنون حبكم*** تكــلـم جسمــي بالنحول يترجــــمُ (18) أمّا من حيث علاقته بخلانه وأخوانه من الشعراء والأدباء ، فنستعين بما رواه الرقيق القيرواني في (سروره وأوصاف خموره ) قائلاً : " قال أبو جعفر الحنفي: دعاني يوماً بعض إخواني فوجدت عنده العباس بن الأحنف وأبا نواس فما زالا لا يتذكران ويتناشدان إلى ان قام العباس، فقلت لأبي نواس : كيف رأيك في العباس؟ قال: هو أرق من الوهم وأحسُّ من الفهم، ثم عاد وقام أبو نواس فسألت العباس عن رأيه فيه، فقال: أبو نواس أقر للعيون من إنجاز وعدٍ بعد يأسٍ، فلما أخذ الشراب منا مأخذه قال أبو نواس : إذا آخيت ذا مجــدٍ *** فلا تعـــدل بعباس فنعم المرء إن نازعـ*ـت يوماً ذروة الكاس فقال العباس : إذا نازعت صفو الكاس يوماً *** أخا ثقة فمثل أبي نواس فتى يرضى الخليل ويصطفيه *** إذا ما خَلَّة نزلت بنـاس ثم تناول أبو نواس قدحه فقال : أيا عباس خذ كأسك إني آخذ كاسي فأخذه وقال : نعم يا واحد الناس على العينين والراس فقال أبو نواس : فقد طاب لنا المجلسُ بالنسرين والآس فقال العباس : وأقوامٌ بها ليلٌ *** كرامٌ غير أنكاسِ فكنا في أطيب يوم بهما، قد شغلانا عن السماع بما يدور بينهما " (19) هذه ملامح من حياته في بغداد حتى نكبة البرامكة ، أي أصبح عمره ما يقارب ثمان وأربعين سنة هجرية ، وبعدها مباشرة هرب إلى دمشق ، ومنها إلى مصر خوفاً من الرشيد ، إذ كانت علاقة الشاعر مع البراكمة حميمة لعطاياهم وهباتهم له ، وموقفهم منه خلال أزماته عند حبسه من قبل الرشيد لتهتكه ومجونه ، فإلى الحلقة القادمة ، وإنَّ غداً لناظره قريب !!
الحلقة الثالثة هجرته المصرية
تشويق للدخول إلى ( الحلقة الثالثة) : إليك مقاطع من قصيدته الرائية الأولى بروعة مطلعها ، وحسن ختامها ، وما بينهما من حسن التخلص ، والتشبيه البليغ ، وقبل هذا وذاك عبقرية القصيد في بحرها الطويل : أجارة َ بَيْتَيْنَا أبوكِ غَيورُ،**** وميْسُـــورُ ما يُرْجَى لديْكِ عسِيرُ و إن كنتِ لا خِلماً ولا أنتِ زوْجة ٌ** فلا برحَتْ دوني عليكِ ستُورُ وجاوَرْتُ قوْماً لا تزاوُرَ بينهمْ ****ولا وَصْلَ إلاّ أن يكونَ نُشُورُ فما أنا بالمشْغُوفِ شَرْبَة َ لازِبٍ ****ولا كلّ ســــلطانٍ عليّ قَديرُ وإنّي لِطَرْفِ العينِ بالعينِ زَاجِرٌ*** فقد كدْتُ لا يخْفى عليّ ضميرُ تقولُ التي عن بيتها خفّ مرْكبي :****عزيزٌ علينا أن نَرَاكَ تَسيرُ أما دونَ مصْرٍ للغنَى مُتَطَلّبٌ؟ ***** بلى إنّ أسْبـــاب الغِنَى لكثيرُ فقلتُ لها: واستعجلَتْها بَوَادِرٌ ***جرتْ ، فجرى فــي جرْيهِنّ عبيرُ ذريني أكَثّرْ حاسديكِ برِحْلَةٍ ****** إلى بـلَـدٍ فيـه الخصيـبُ أميــرُ إذا لم تَـزُرْ أرْضَ الخصِيبِ ركابُنا ** فـأيّ فتـى،بعـدَ الخصيبِ، تَزُورُ 9 -أبو نواس بسبب عراقته العربية لا شعوبيته ، هاجر إلى دمشق ومصر ، لا لبلاد فارس بعد نكبة البرامكة !!: مما يغلّب ظني أنّ أبا نوس من جذور عربية يمانية ، وليس من عروق فارسية - من حيث الأب - ، وبالتالي ليس بشعوبي ، ولا يحمل أنفاس الشعوبية ، المقيتة في مضمونها ، والعادلة في تسميتها ، وإنما خرج عن المطالع الطللية ، والتهكم بأعراب بني أسد وتميم وقيس ، بسبب التمدن الحضاري ، وحياة التبغدد التي سادت في عصره ، وكان هو أحد رموزها خلاعة وتهتكاً ومجونا ، وغنجاً ودلاعاً ، أين الأعراب من هؤلاء الشباب !!، أقول الذي يغلّب ظني ، إضافة لعقليته المتفتحة ، وشاعريته الفذة ، وعمق فكره ، فالرجل من أب دمشقي ، ومن جند مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وثبت الخطيب البغدادي ، وابن عساكر في (تاريخيهما) جذوره العربية في أحد أوجه رواياتيهما ، وكان أبو عبيدة يقول : " ذهبت اليمن بجيد الشعر في قديمه و حديثه ، بامرئ القيس في الأوائل, وأبي نواس في المحدثين " ، وكان يقال " شعراء اليمن ثلاثة ، امرؤ القيس ، وحسان بن ثابت ، وأبو نؤاس " (20) ، وله قصيدة يمدح فيها قبيلة قحطان اليمانية، وهي أصل العرب العاربة ، ويهجو قبيلة عدنان النزارية ، وهي منبع العرب المستعربة ، ويستثني قريشاً منها ، لأن النبي (ص) من أصلابها ، وهذه القصيدة حبسه الرشيد عليها كثيراً : اقرأ رجاء : ليست بدارٍعفت وغيرهــــا** ضـربان من قطرها وحاصبـها فافخر بقحطان غير مكتئب** فحــاتم الجـــــود مـن مناقبــها ولا ترى فارســــاً كفارسها** ان زلـــت الهمام عـن مناكبتها عمرو وقيــس والاشـــران وزيـــد الخيـــل أسـد لدى ملاعبها أحب قريشا لحب أحمــدها*** واعرف لها اجزل من مواهبها ان قريشـــا اذا انتسبــــت***كان لهـــا الشطــر من مناسبـها ولمّا نُكب البرامكة ، لم يولِّ وجهه شطر بلاد فارس ، لأنّ ببساطة ليس له أي ارتباط ولائي أو عرقي أو فكري أو ثقافي أو لغوي معهم ، هل قرأتم له بيتاً باللغة الفارسية ، هل سمعتم أنّ الإيرانيين مجدّوا به قديماً وحديثاً كما مجدوا بالفردوسي والشيرازيين و ناصر خسروا وعمر الخيام شارب المدام !!، ومن المضحك والسخرية قي العهد البائد أبان التمايز العنصري ، أرادوا تهديم تمثاله في بغداد ، ورفع اسمه من شارعه الشهير بحجة التبعية الفارسية ، إنّها سخرية ، وقد تدخل العقلاء لرفع البلاء ، هذه الفقرة تحتاج منا التأمل والتفكير ، لكي نحترم تاريخنا ونجلّ عباقرتنا. 10- لماذا يُجرّالعراقيون بغباء إلى صراع التبعيتين الفارسية والعثمانية ، وهم أصل السيادة والخلافة ؟!! لماذا يُجرُّ العراقيون - على وجه الخصوص - بعامتهم وأفذاذهم وعباقرتهم إلى مثل هذا الشرخ الاجتماعي ، الطائفي والقومي ، الاستعلائي الخطير ؟ أتفهم جيداً كل هذا البلاء المبرم الكبير توارثناها ظلماً وجوراً منذا بدايات العصر العباسي ، وبروز ظاهرة الشعوبية ، وتغلغل نفوذ الجواري حتى وصلن إلى عرش الخلافة كأزواج وأمهات أولاد ، وما هؤلاء الأولاد إلا الخلفاء أنفسهم ، والوزراء ، والقادة ، فسيطر الفرس ، ومن بعدهم الترك ، وأخذ هذا الصراع يستفحل ليتحول إلى حروب دموية خطيرة بين العثمانيين والصفويين ، وجرّوا العراقيين أصحاب السيادة والخلافة الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل ، ثم سحب أنفسهم ، وبقى العراقيون يجترون ويجترون هذا الموروث الدموي الغبي إلى يومنا هذا ، ومن سخرية الأقدار ، ومهازل التاريخ أن يطعن الرمز الأدبي الأول في تاريخنا ، وأعني المتنبي العظيم العربي القح ، بنسبه في مجلس أبي العشائر (338 هـ / 949 م ) ، وُيرمى إلى الفرس ، لكونه من كوفة العراق ، فينظم قصيدة من أروع الشعر العربي ، ويقول الدكتور طه حسين : عندي هذه الأبيات من أجمل ما قال المتنبي من الشعر : أنا ابن من بعضه يفوق أبا الـ ** باحث والنجل بعض من نجله وإنما يذكر الجــــــدود لهم ******* من نفروه وأنفدوا حيله أنا الذي بين الإله به الأقـــــ ***** ـــدار والمرء حيثما جعله جوهرةٌ تفرح الشراف بــــها *****وغصةٌ لا تسيغها السفله سيظهر الجهل بي وأعرفــــه **** والدّرُّ درٌّ برغم من جهله
إن الكذاب الذي أكـــــاد به ******* أهون عندي من الذي نقله وربما أشهد الطعام معي **** مــــن لا يساوي الخبز الذي أكله تستطيع أن تتمتع بالقصيدة وشرحها في (معجز أحمد ) لأبي العلاء المعري (21) ، مهما يكن سأشارك عميد الأدب العربي ، الدكتور طه حسين في إبداء رأيه بهذه المشكلة العويصة التي أوقعنا بها القدر ، والسياسيون ، عديمو البصر والبصيرة ، والقادة الدينيون والاجتماعيون ممن يقع على ذمتهم هذا الشرخ الدامي ، يقول دكتورنا العميد في معرض دفاعه عن المتنبي الرمز الأدبي الأول : " وأكثر المعاصرين من الشعوب العربية في الشرق الأدنى ، لا يحفظون أنسابهم ، ولا يستطيعون أن يرقوا بها إلى عدنان أو قحطان ، أفنجحد تحدّرهم من العنصر العربي الصريح ؟ ! وما هذا العنصر العربي الصريح ؟ وكيف السبيل إلى تحقيقه واستخلاصه من العناصر المختلفة التي لا تحصى ، والتي اتصلت به وأثرت فيه على تتابع الأحداث ومر العصور ؟ ولكن ماذا؟ أراني استطرد وأسرف في الاستطراد ، وأكاذ أثير مسألة الأجناس التي يثيرها بعض الساسة المعاصرين ، ويندفعون معها إلى كثير من الحمق ، وإلى كثير من الظلم أيضاً ..." (22) ، لا يمكن لهذه الطامة الكبرى ، ومثلها الطائفية ، والمناطقية ، والأثنية ، والقبلية ، لا يمكن التغلب عليها إلا بتكاتف كل عقلاء الأمة ورموزها ومثقفيها وأدبائها وشعرائها وعلمائها لتكريس روح الوطنية المقدسة ، والإنسانية النبيلة ، والتضحية بالمنافع الأنانية الرخيصة المكتسبة من سياسة (فرّق تسد) ، نحن ننادي ، ولكن هل من سميع مجيب ؟ !! أنا في شكٍّ من ذلك !! ما دام الدرهم والدينار سيدي الموقف ، ولا من رمز وطني غيور تجتمع حوله الأمة . أو تفرزه ضرورة المرحلة وحتمية التاريخ ، ونحن بالأنتظار لدفع مسيرة الأزدهار ، ومن ثم الاعتماد على العقل الجمعي السليم القادر على التحكم بمسيرته . 11 - وصول الشاعر إلى مصر، سبب تولية الخصيب عليها، وقصيدة شاعرنا الرائية في حقّ خصيبه: توجه شاعرنا إلى دمشق مفلساً ، فلم يبق لديه في بغداد برامكة ترعاه ، ولا رشيد يرضاه ، ومنها شدّ رحاله إلى فسطاط مصر ، وهي عاصمة المصر ، حيث واليهاعلى الخراج من قبل الرشيد أبو نصر الخصيب بن عبد الحميد الضحاك الجرجاني وذلك سنة (187 هـ / 803 م) ، وكان له به معرفة من قبل ، ومن الجدير ذكره أنّ مدينة أبي الخصيب قرب البصرة قد مصرها هذا الخصيب ، ومن ثم أصبحت عاصمة لقائد ثورة الزنج علي بن محمد ، وأطلق عليها (المختارة) ، بين عامي ( 255 ه - 270 هـ / 869 - 884 م) ، يذكر ابن خلكان في ( وفيات أعيانه) سبب تولية هذا الخصيب خادمه ولاية مصر قائلاً :" كان سبب توليته أن الرشيد قرأ يوما في المصحف فانتهى إلى قوله تعالى: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي، الآية فقال: لعنه الله ما كان أرقعه، ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولاها الخصيب وكان على وضوئه. ولأبي نواس فيه قصيدتاه الرائيتان ، وكان قد قصده بهما إلى مصر وهو أميرها، وما أحسن قوله في إحداهما : تقول التي من بيتها خف مركبي**عزيز علينا أن نراك تسير أما دون مصر للغنى متطلب *** بلى إن أسباب الغنى لكثير فقلت لها واستعجلتها بوادر *جرت فجرى من جريهن عبير دعيني أكثر حاسديك برحلة ***إلى بلد فيه الخصيب أمير وهي طويلة وأجازه عليها جائزة سنية " (23) والحقيقة أنّ أبا نواس طلب - من بعد - بالصريح لا التلميح ، العطايا والهبات من هذا الخصيب المخصب : أنتَ الخصيبُ وهذه مصر ***** فتدفَّقــا فكلاهما بحر لا تقعدا بي عن مدى أملي ***** شيئا فما لكما به عذرُ ويحقّ لي إذ صرت بينكما ***** ألا يحلّ بساحتي فقرُ إني لآمل يا خصيب على ***** يدك اليســارة آخر الدهر وكذاك نعم السوق أنت لمن*** كســدت عليه تجارة الشعرِ فأغدق الخصيب على وافده الشاعر حتى أتخمه ، ولا تفوتك الصورة البلاغية في التشبيه البليغ الذي جمع بين الخصيب في كرمه، ومصر في ثروتها وبين البحر بكنوزه وتدفق موجه لقد طار البيت الأول: (أنت الخصيب ... ) ، وحفظه القاصي والداني ، من مشرق دنيا العرب حتى مغربها ومن بعد بحوالي قرن ونصف من الزمان تحديداً سنة (348 هـ / 959 م)، يفرّ المتنبي إلى مصر الكنانة ، وكان عليها كافورها الأخشيدي ، لا خصيبها الجرجاني ، وأيضاً جاهر المتنبي صراحة من العبد الأخشيدي -على حد توصيفه ،وأنا لا أقرّه على هذا التوصيف غير الإنساني- أن يرجع والياً : وغير كثير أن يزورك راجل *** فيرجع ملكًا للعراقيين واليا إذا كسب الناس المعالي بالندى**فإنك تعطي في نداك المعاليا وغير كثير أن يزورك راجل **** فيرجع ملكا للعـراقين واليا بل يزيد المتنبي إلحاحاً حتى استجداء الفضلة : أبا المسك هل في الكأس فضل أناله *** فإني أغنِّي منذ حين وتشربُ وما كان هذا الكافور بغافل لتسليم ولاية لشاعر طموح حتى النخاع ، بل ادّعى النبوة - كما يقال - وسجن على دعواه ما بين ( 323 - 324 هـ) على يد لؤلؤ أمير حمص من قبل الأخشيد ، ولما خيّب آماله الكافور الأخشيدي ، أصبح متنبينا بعد خيبة أمله حاله حال : أقمت بأرض مصر فلا ورائي*** تخب بي الركاب ولا أمامي وملني الفراش وكــان جنبي ***** يمـــل لقاءه في كل عام قليل عائدي ســــقم فؤادي **** كثير حاسدي صعب مرامي بقى المتنبي يتحين الفرصة للهروب من مصر حتى وجدها سانحة ليلة عيد الأضحى (350 هـ / 961 م) ، وهرب بعد أن ترك للكافور ( عيدٌ بأيّة حال عدت ياعيدُ) ، و ( لا تشتري العبد ...) . أبو نواس غير المتنبي ، عصره غير عصره وتطلعاته غير تطلعاته ، وشخصيته غير شخصيته ،وفلسفته في الحياة غير فلسفته ، والهاء تعودعلى التعاقب للشاعرين . نعود لأبي نواس ، وكيف هلّ على الخصيب ، يروى العباسي في ( معاهد تنصيصه) بدايات إطلالة الشاعر على الخصيب قائلا : إن أبا نواس لما قدم على الخصيب صادف في مجلسه جماعة من الشعراء ينشدون مدائح لهم فيه، فلمَّا فرغوا قال الخصيب: ألا تنشدنا يا أبا علي، فقال: أنشدك أيُّها الأَمير قصيدة هي بمنزلة عصا موسى تَلْقَفُ ما يأفكون، فأنشد هذه القصيدة فاهتزَّ لها وأمر لها بجائزة سنية. ويستطرد العباسي : ماج النَّاس في مصر بسبب السعر، فبلغ الخصيب وهو يشرب مع أبي نواس، فقال الأخير : دعني أسكِّنهم، فقال: ذلك إليك، فخرج أبو نواس حتَّى وافى المسجد الجامع فصعد على المنبر، واعتمد على عضادتيه، وحول وجهه للناس، وعليه ثياب مشهرات، فقال منَحْتُكُمْ يا أهل مصر نَصيحَتي***** ألا فخُذُوا مــن ناصحٍ بنصيبِ ولا تثبوا وثب السّفاه فتركَبوا**على ظهر عاري الظهر غير ركوبي فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم **** فإنَّ عصا موسى بكفِّ خصيب قال: فتفرَّق الناس ولم يجتمعوا بعده وحدث مطيعٌ خادم البرامكة قال: كنت واقفاً على رأس الرشيد إذْ دخل أبو نواس، فقال: أنشدني قولك في الخصيب : فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم *** فإنَّ عصا موسى بكف خصيب فأنشده، فقال الرشيد: ألا قلت فباقي عصا موسى بكف خصيب، فقال أبو نواس: هذا أحسن والله، ولكنَّه لم يقع لي. (24) وفي قصيدة أخرى ، يمدح فيها خصيبه ، يقول : لم تدرِ جارتنا ولا تدري ***** أن الملامـــة إنما تغري واستبعدت مصرا وما بعُدت *** أرض يحلّ بها أبو نصر ِ ولقد وصلت بك الرجاء ولي**مندوحة لو شئتُ عن مصر ِ وفي قصيدة مدح رابعة ، يطلع علينا بقوله : ذكر الكرخ نازح الأوطان ِ****** فصبا صبـوة ولات أوان ِ يا ابنتي أبشري بميرة مصر *** وتمني واسرفي في الأماني أنا في ذمة الخصيب مقيم *** حيث لا تعتدي صروف الزمان ِ كيف أخشى عليّ غول الليالي ***ومكاني من الخصيب مكاني قد علقنا من الخصيب جبالا ******* آمنتنا ط،وارق الحدثان يقول سهر العامري في معرض بحثه ( أبو نواس في مصر) : يظهر فيها أن الشاعر قد ظفر ببغيته، ووصل الى غايته التي تجشم من أجلها عناء سفر طويل، وذلك حين حصل من بيعه للخصيب على ثروة عظيمة، عد هو حملها حمل جبال، فزف البشرى لابنته في بغداد، وهو مازال في مصر بعدُ، ويبدو لي أن هذه القصيدة كانت آخر قصيدة مدح قالها في مصر للخصيب، ففيها يطلب هو الأذن منه بالعودة الى بغداد بعد أن هزه الشوق الى أوجه هناك (25) ويروي لنا ابن الأثير في (مثله السائر) :أن أبا نواس لما دخل مصر مادحا للخصيب جلس يوما في رهط من الأدباء وتذكروا منازه بغداد فأنشد مرتجلا ذكر الكرخ نازح الأوطان *** فصبا صبوة ولات أوان ثم أتم ذلك قصيدا مدح به الخصيب فلما عاد إلى بغداد دخل عليه العباس ابن الأحنف وقال أنشدني شيئا من شعرك بمصر فأنشده (ذكر الكرخ نازح الأوطان ) ، فلما استتم الأبيات قال له لقد ظلمك من ناواك وتخلف عنك من جاراك وحرام على أحد يتفوه بقول الشعر بعدك (26) ، حاسديكِ برِحْلَة ٍ***** إلى بلَــــــــدٍ فيـه الخصيبُ أميرُ إذا لم تَزُرْ أرْضَ الخصِيبِ ركابُنا*** فأيّ فتى ً ، بعدَ الخصيبِ ،تزور فتًى يشْتري حسْنَ الثناءِ بمالِهِ ****** ويعْلَمُ أنّ الدّائِرَاتِ تَـــــــدُورُ فما جازَهُ جُودُ ، ولا حَلّ دونَه **** ولكنْ يصيــــرُ الجودُ حيثُ يصيرُ جوادٌ إذا الأيْدي كفَفْنَ عن النّدى *** ومن دونِ عَوْراتِ النساءِ غَيُورُ وإني جديرُ ، إذ بلغْتُكَ بالمُنى ****** وأنْتَ بمــــــــا أمّلْتُ منكَ جديرُ فإنْ تُولِني منك الجَمِيلَ ، فأهْلُهُ ******* وإلاّ فإنّي عـــــــاذرٌ وشَكُورُ
مهما يكن،قد عارض قصيدة أبي نواس الرائية ، أحمد ابن دَرَّاج القَسْطَليُّ بقصيدة طنَّانة، منها : ألم تعلمي أن الثوَاء هو الثَّوَى*** وأنَّ بُيُوت العـاجزين قُبُورُ تخوفني طولَ السفار وإنَّه ***** لـتقبيل كفّ العامريّ سفيرُ لئن ودعت منِّي غيوراً فإنَّني**على عزمتي من شجوها لغيورُ لقد أيقنت أن المنى طوع همَّتي*** وأنِّي بعَطْفِ العامريّ جديرُوإليك مقاطع من قصيدته الرائية الأولى بروعة مطلعها ، وحسن ختامها ، وما بينهما من حسن التخلص ، والتشبيه البليغ ، وقبل هذا وذاك عبقرية القصيد في بحرها الطويل : أجارة َ بَيْتَيْنَا أبوكِ غَيورُ،**** وميْسُـــورُ ما يُرْجَى لديْكِ عسِيرُ و إن كنتِ لا خِلماً ولا أنتِ زوْجة ٌ** فلا برحَتْ دوني عليكِ ستُورُ وجاوَرْتُ قوْماً لا تزاوُرَ بينهمْ ****ولا وَصْلَ إلاّ أن يكونَ نُشُورُ فما أنا بالمشْغُوفِ شَرْبَة َ لازِبٍ **** ولا كلّ ســــلطانٍ عليّ قَديرُ وإنّي لِطَرْفِ العينِ بالعينِ زَاجِرٌ**** فقد كدْتُ لا يخْفى عليّ ضميرُ تقولُ التي عن بيتها خفّ مرْكبي :**** عزيزٌ علينا أن نَرَاكَ تَسيرُ أما دونَ مصْرٍ للغنَى مُتَطَلّبٌ؟ ******بلى إنّ أسْبـــاب الغِنَى لكثيرُ فقلتُ لها: واستعجلَتْها بَوَادِرٌ **** جرتْ ، فجرى في جرْيهِنّ عبيرُ ذريني أكَثّرْ بهذا نكون قد أحطنا بجو لة أبي نواس المصرية الخصيبية التي أخصبته تخلصاً من سطوة الرشيد ، وغضبه على البرامكة ، وماديا إذ جعلتع في بحبوحة من العيش الرغيد ، وشهرة حيث طارت شهرته من بلاد الأندلس حتى بلاد الهند والسند ، وآفاقاً متجددة لتفهم مجتمعات جديدة ، ولكل جديد لذة ، ووجدت جديد الموت غير لذيذ ، وإلى الله المآل ، والسلام ومع السلام الاحترام .
الحلقة الرابعة
4 - أبو نؤاس يعود إلى بغداد بعد نكبة برامكته ، ورحلته المصرية، فيمدّ للرشيد يد المدح الرسمية
12 - مقدمة لما قبل الهجرة إلى مصر ومديحه : لم يشر لنا الديوان على أن أبا نؤاس مدح الرشيد منذ قدومه بغداد حتى نكبة البرامكمة في سنة 187 هـ، وإنما حصر مدحه بالبرامكة أولياء نعمته ، ومن خطل التفكير ، وقصر الرؤية ، وعدم البصيرة أن نردد الأقاويل والرويات المنحولة التي تربط بقوة وشائج علاقة ظرافة وطرافة بين الرشيد الصارم الشديد والنؤاسي المتهتك الخليع ، وذكر أبو نواس هذا المدح المنحصر بآل برمك ، ونعني يحيى وولديه، في رواية ينقلها أبو هفان في ( أخبار أبي نواس ) ، " قال أبو هفان: دخل أبو نوّاس على يحيى بن خالد فقال له يحيى أنشدني بعض ما قلت، فأنشده : إني أنا الرجل الحكيم بطبعه *** ويزيد في عامي حكاية من حكى أتتبع الظرفاء أكتب عنهمو ***** كيمــا أحدث من أحب فيضحكا فقال يحيى إن زندك ليرى بأول قدحة فقال أبو نواس في معنى قول يحيى ارتجالا: أما وزند أبي عليٍ إنّه *** **زند إذا استوريت سهّل قدحكا إن الإله لعلمه بعباده ***** قد صاغ جدك للسماح ومزحكا تأبى الصنائع همتي وقريحتي*** من أهلها وتعاف إلا مدحكا " (27) لا يمكن للشاعر أن يتجرأ بقول مثل هذا البيت الأخير ، لو كان مدح الخليفة ، هذه زلّة كبيرة ، لا يمكن أن يغفرها الرشيد ، لو كان قد مدحه من قبل ، ولا هذا اليحيى البرمكي ، كان سيقبلها واضعا نفسه فوق مقام الخلافة ، وكان للشعر دور كبير في المجتمع ، وللقصر الخلاقي عيون وعيون ، شغلهم الشاغل مثل هذه الهنات . نعم كما ذكرنا سالفا عندما هاجر أبو نؤاس البصرة ، وأقام في بغداد سنة 179 هـ ، لم يستطع الوصول إلى قصر الخلافة ، لذلك لم يمدح الخليفة حتى نكبة البرامكة (187 هـ) سوى مرّة واحدة ، أراد أن يرفع من شأن الفضل بن الربيع ( وقيل ابن يحيى) ، فخاطب الرشيد قائلاً : أنت على ما بك من قدرةٍ*** فلست مثل الفضل بالواجد ليس على الله بمستكثرٍ *** أن يجمع العــــالم في واحدِ طبعاً البيت الأخير ، يقصد فيه الشاعر الرشيد ، ولكن الهدف الأساسي الدفاع عن (الفضل) المفضل مادياً ورعاية لديه !! مهما يكن من أمر تنعّم النؤاسي في فسطاط مصر ، ونال ما نال من هبات وجوائز ، ورجع غانماً سالماً إلى بغداد ، والبرامكة أسياد نعمته السابقة ، قد نكبهم الرشيد ، وأصبح الخليفة مستبداً مرهوباً ويروى أنّ مغنيه غنّت قصيدة لعمربن ابي ربيعة أمام هارون بإيعاز من حاقدين على البرامكة ، مطلعها : ليــت هنــدا أنجزتنــا مـا تعـد **** وشـــفت أنفســنا ممــا تجــد واســــتبدت مـــرة واحـــدة ***** إنمــا العــاجز مــن لا يســتبد فلما سمعها الرشيد وعى الرسالة ، واخذ يرددها متوعداً حتى نكبهم ، فالرجل الرشيد أصبح هو الأول والأخير لمهام الخلافة ، وإصدار قراراتها ، ووزيره الفضل بن الربيع يساعده ، وأخذ هذا الربيع يحاول التقريب بين الشاعر الماجن الشهير ، والخليفة الحاج الغازي الخطير، سنأتي عليها بعد هذه الرواية العجيبة الغريبة. 13 - رواية للعاصمي عن أبي نؤاس والرشيد من نسج خيال ألف ليلة وليلة : يروي العاصمي في (سمط نجومه) : أدخل الفضل بن يحيى أبا نواس إلى عند الرشيد،فقال له الرشيد: أنت القائل: من مجزوء الرمل : عتقت في الدن حتى ***هي في رقة ديني أحسبك زنديقا. قال: يا أمير المؤمنين، قد قلت ما يشهد لي بخلاف ذلك، قال: وما هو؟ فقال: من السريع : أية نـــار قدح القادح *** ** وأي جد بلغ المازح؟ لله در الشيب من واعظ *** وناصح لو قبل الناصح فاغد فما في الحق أغلوطة ** ورح لما أنت له رائح من يتق الله فذاك الذي****سيق إليه المتجر الرابـح لا يختلي الحوراء من خدرها**إلا امرؤ ميزانه راجح فاسم بعينيك إلى نسوة ****مهورهن العمل الصـالح فقال الرشيد: لا أعتبر بهذا الكلام، يا غلام، اضرب عنقه، فقال أبو نواس: يا أمير المؤمنين، أتقتلني شهوة لقتلي؟ قال: بل استحقاقا، قال: فإن الله تعالى يحاسب، ثم يعفو أو يعاقب؛ فبماذا استحققت عند أمير المؤمنين القتل؟! قال بقولك: من الطويل : ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر**** ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر قال: يا أمير المؤمنين، فهل علمت أنه سقاني أو شربت؟! قال: أظن، قال: أفتقتلني على الظن، وبعض الظن إثم؟ قال: وقد قلت - أيضا - ما تستحق به القتل غير هذا، قال: وما هو؟! قال: قولك في التعطيل: من الكامل : ما جاءنا أحد يخبر أنه *** في جنة من مات أو في نار قال: أفجاء أحد يا أمير المؤمنين؟! قال: لا، قال: أفتقتلني على الصدق؟! قال: أو لست القائل: من البسيط : يا أحمد المرتجى في كل نائبة *** قم سيدي نعص جبار السموات قال أبو نواس: أفقام أحمد يا أمير المؤمنين، وصار القول فعلا. قال: لا أعلم، قال: أفتقتلني على ما لا تعلم؟! قال: فدع هذا كله، قد اعترفت في مواضع كثيرة من شعرك بما يوجب عليك القتل، قال: قد علم الله تعالى هذا من قبل علم أمير المؤمنين، فأخبر عني أني أقول ما لا أفعل؛ يشير إلى الآية في الشعراء: " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " " الشعراء: 226 " ، فقال الفضل: يا سيدي؛ إنه ليؤمن بالبعث، وإنه يحمله المجون على ذكر ما لم يعتقده ثم إن أبا نواس أنشد الخليفة يقول مدحا: من الطويل : لقد طال في رسم الديار بكائي *** وقد طال تردادي بها وعنائي كأني مريـــــــع في الديار طريدة *** أراها أمامي مرة وورائي فلما بدا لي اليأس عديت ناقتي ... عن الدار واستولى علي عزائي إلى بيت حان لا تهر كلابـــــه *****علي ولا ينكرن طول ثوائي وكأس كمصباح السماء شربتها ***** على قبلة أو موعد بلقاء أتت دونها الأيام حتى كأنها ***** تساقط نورا من فتوق سماء ترى ضوءها من ظاهر البيت ساطعا *** عليك ولو غطيته بغطاء تبارك من ساس الأمور بقدرة **** وفضل هـــارونا على الخلفاء نراك بخير ما انطوينا على التقى *** وما ساس دنيانا أبو الأمناء إمام يخاف الله حتى كــــــأنه ***** يؤمل رؤيــــــاه صباح مساء أشم طوال الساعدين كأنمـــــــا **** ينـــــــــاط نجادا سيفه بلواء قال: فخلع عليه الرشيد، ووصله بعشرة آلاف درهم، والفضل بمثلها، فنظر إلى جارية تختلف كأنها لؤلؤة، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا ميت في ليلتي هذه، فإذا مت، فمر أن أدفن في بطن هذه الجارية، فقال له الرشيدة خذها لا بارك الله لك فيها...(28) نكتفي بهذا مما أورده العصامي ، جزماً هذه الرواية موضوعة على غرار قصص ألف ليلة وليلة ، لا يعقلها عاقل أن يطيل خليفة مثل هارون الرشيد الحاج الغاز مع شاعر ماجن على المكشوف ، ويدور مع الشاعر أنّى دار لإلقاء الحجة عليه ، ومن يصدق أن أبا نؤاس - وهو الشاعر المتهتك - أن يلاسن الخليفة ، ويحاججه ، ويفحمه ، ويتدخل الفضل لحسم الموضوع ، ويخرج الشاعر قصيدته ، ويمدح الرشيد ، وتنقلب الأمور بالتمام ، فمن عقوبة قطع الرأس حتى الجائزة السنية ، ومعها جارية كالشمس ، ثم القصيدة الهمزية التي مدح بها الرشيد ، نظمها الشاعر بعد نكبة البرامكة ، فمن أين جاء هذا الفضل بن يحيى ؟!! نقلنا نحن الجزء الأكبر من الرواية ، لما فيها من شعر جميل لأبي نؤاس ، والتحليل ، والمقارنة ، والسرد الخيالي الجميل . 14 - ثلاث قصائد في مدح الرشيد : بعد أن توّسط الفضل بن الربيع بين الشاعر وخليفته الرشيد سنة 187 هـ أبان عودته إلى بغداد ملذاته ، وكان الرشيد المتجبر المستبد المرهوب يحشّد جيوشه ليحارب الروم وقائدهم البيزنطي الشهير نقفور ، وعند انتصار الرشيد المبهر ، وإذلال نقفورهم ، كل الأمور وظفت لمعركة الانتصار ، ولا ريب كان الشعر من أهم الأسلحة ، وكان أبو نؤاس من أبرز شعراء عصره ، فمدح الرشيد بقصيدة رائعة منها : خلق الزمان وشرتي لم تخلق *** ورميت في غرض الزمان بأفوق تقع السهام وراءه وكأنـــــه ***** أثــــر الخوالف طالب لم يلحق وأرى قواي تكاءدتها ريثة ***** فإذا بطشت بطشت رخو المرفق ولقد غدوت بدستبان معلم **** صخب الجلاجل في الوظيف منسق حر صنعناه لتحسن كفــــه **** عمــــل الرفيقة واستلاب الأخرق واستمر في وصف البازي إلى أن قال : هذا أمـــير المؤمنين انتاشني ***** والنفس بيـــن محنجر ومخنق نفسي فداؤك يوم دابق منهما ***** لولا عواطف حلــــمه لم أطلق حرمت من لحمي عليك محللاً **** وجمعت مـــن شتى إلى متفرق فاقذف برحلك في جناب خليقة ***** سباق غايـــــــات بها لم يسبق وأخفت أهل الشرك حتى إنه ******* لتخــافك النطف التي لم تخلق (29) وبالرغم مما قيل على أنّ البيت الأخير فيه تجاوز على مشيئة الذات الإلهية ، ولكن - والحق يقال - يعتبر قفزة شعرية هائلة في سعة الخيال بالنسبة لعصره ومدى معرفة في ماهية النطف وتركيبها وفسلجتها. والقصيدة الثانية هي الهمزية التي مر ذكرها في رواية العاصمي ، وزعم خياله أن الفضل بن يحيى البرمكي أدخل أبا نؤاس على الرشيد ، ودار ما دار بينهما ، وزجّ بالقصيدة الهمزية ، والحقيقة القصيدة الهمزية نظمها شاعرنا بعد نكبة البرامكة بعامين ) ، وتحديداً كما يذكر الطبري في أحداث سنة 189 هـ بـ (تاريخه) ، وعند تنصيب ابنه القاسم ولياً للعهد بعد الأمين والمأمون ، وأطلق عليه المؤتمن ، ويذكر البيتين التاليين منها : تبارك من ساس الأمور بقدرة **** وفضل هـــارونا على الخلفاء نراك بخير ما انطوينا على التقى *** وما ساس دنيانا أبو الأمناء (30) القصيدة الثالثة نظمها شاعرنا سنة 190 هـ ، وذلك عندما اتّخذ الرشيد قلنسوة ، مكتوب عليها (غاز حاج)، ومطلعها : حيّ الديار إذ الزمان زمان **** وإذ الشباك لنا حرى ومعانُ ويأتي بعد عدّة مقاطع على مدح الرشيد ، وتبيان مدى عدله : إلى أبي الأمناء هارون الذي *** يحيا بصوب سمائه الحيوان في كل عام غزوة ووفــــادة ***** تنبت بيـن نواهما الأقران هارون ألفنا إئتلاف مودة ***** ماتت لها الأحقاد والأضغان متبرج المعروف عريض الندا*** حصر بلا منـــه فم ولســـان ومع كل هذا المديح الرسمي للخليفة الرشيد في المناسبات العامة ، حيث لم يجعله الخليفة من جلسائه ، لم تأخذه لومة لائم في إيداع الشاعر الكبير في السجن إذيذكر ابن عساكر في (تاريخ دمشقه) :وقد اتهم الشاعر ابونواس بالفساد والزندقة ودخل هذا السجن، ولم يطق الحياة فيه في عهد الرشيد فأرسل استعطافا الي الرشيد حتي يفك سجنه.. يقول في رسالته تلك بعفوك بل بجودك عذت بل *** بفضلك يا امير المؤمينا فاني لم اخنك بظهر غيب *** ولاحدثت نفسي ان اخـونا (31) نبرر للرشيد فعلته مع أبي نؤاس ، وفق مقاييس الدين والعصر ، بما ذكره ابن عساكر في (تاريخ دمشقه) بسند عن أحد الرواة من أصحاب الشاعر - مع بعض التصرف اعتماداً على تاريخ بغداد للخطيب - : كان أبو نواس يشرب عند عبيد بن النمضر فبات ليلته ثم قال لا بد لي من (عسى) فقوموا بنا فاتيناها ودخلنا حانة خمارقد كان يعرفه ومعه غلام قد كان افسده على ابويه وغيبه عنهما ونحن في موضع اطيب موضع فذكرنا الجنة وطيبها والمعاصي وما يحول منها وهو ساكت فقال : يا ناظرا في الدين ما الأمرُ ***** لا قدر صح ولا جبرُ ما صح عندي من جميع الذي ** تذكر إلا الموت والقبرُ فامتعضنا من قوله واطلنا توبيخه فأعلمنا أنا نتخوف صحبه فقال ويلكم والله أني لاعلم ما تقولون ولكن المجون يفرط علي وارجو أن اتوب فيرحمني الله عز وجل ثم قال : أية نـــار قدح القادح *** وأي جد بلغ المازح؟ (32) ويذكر الأبيات التي أوردناها في رواية العاصمي ، ويعصمنا الله من كل مكروه ، وإليه ترجع الأمور ، ونحن بإذنه سنرجع إليكم مع الحلقة الخامسة ، شكرا لكم .
الحلقة الخامسة
5 - أبو نؤاس من الأمين حتى الموت 15 - أبو نؤاس وملامح من حياته في عهد الأمين ، وعلاقة الأخير به : أ - المقدمة :أ توفي هارون الرشيد (سنة 193 هـ / 809 م ) ، وخلفه ابنه الأمين، وكان الرشيد قد أودع أبا نؤاس السجن ، لمجونه وتهتكه وخلاعته ،وذات يوم قريب من يوم تنصيبه ،قامت جارية تغني بين أيدي الأمين ، أعجبه الشعر ، فسأل عن قائله ، فقيل له : لأبي نؤاس ، فرغب باستدعائه ، فقيل له : محبوساً ، قأمر بإطلاق قيده ، وقرّبه منه ، لتلائم طبائع الرجلين ، إذ وافق شنٌ طبقه ، وفي سنة 196 هـ نشب الصراع بين المأمون والأمين ، إثر خلع الثاني ولاية العهد من الأول ، فأخذ أنصار المأمون يعيبون على الأمين بمصاحبة شاعر ماجن ، خليع ، يظهر الكفر ، وينتهك المحرمات ، وذلك في خطبهم عندما يعتلون المنابر في مساجدهم ، مما يؤدي إلى اضطرار الخليفة إلى حبس شاعره ، لإبعاد التهمة عنه ، فيتدخل الوزير الفضل بن الربيع لإطلاق سراحه ، وتعود المياه إلى مجاريها ولمّا مات الخليفة الأمين رثاه صاحبه شاعرنا برثاء موجع ، ولم يلبث بعده إلا قليلا ، وتوفي في ظروف غامضة ، لاضطراب تلك السنوات ، كما ذكرنا سالفاً . ب - كيف تعرف الأمين على شاعره ؟ : هنالك بعض الروايات تعيد معرفة أبي نؤاس مع الأمين زمن فتوة هذا الأمين ، برواية لا يقبلها العقل السليم ، ولا الفكر القويم ، تقول عندما كان الكسائي الكوفي يشرف على تربية المأمون ، والأمين ، وكان الأخير صبيح الوجه ، طلب منه أبو نؤاس أن يجد له مخرجاً لتقبيل السيد الأمين ، وإلا يهجوه ، فقال له الكسائي ، ما عليك إلا أن تغيب فترة ، ثم تأتي كأنك ما رأيتني فترة من الزمن ، وتهمّ علي تقبيلاً ، ثم تميل على الأمين وتقبله، وكان ما اتفقا عليه ، وقال أبو نؤاس في ذلك: قد أحدث الناس ظرفا *** يعلو على كل ظرفِ كانوا إذا ما تـــــلاقوا *** تصافحوا بالأكـــــفِ فاحدثوا اليوم رشف الـ** خدودِ والرشف يشفي (33) عبد الله بن طاهر ، وهو الأدرى بأسرار القصر ، ينفي الخبر ، وجزماً الرواية منحولة ، فلا كان يسمح للرعية بتقبيل الخلفاء ولا أبنائهم ، ولا الكسائي الكبير كان مستعداً للقيام بهذا الدور ، ولا أبو نؤاس من الجهل بمكان ، يلّح على طلب تافه ، لا يُزيد ولا يُنقص . مهما يكن من أمر، تعمقت العلاقة بين الشاعر وخليفته الأمين بعد موت الرشيد ، وإنّ الطيور على أشكالها تقع ، فيروي أبو هفان : " كان محمد الأمين مستهترا بأبي نواس لا يصبر عنه ساعة ينشط للشرب، وكان يطلبه بعض الأحيان فلا يكاد يوجد، فتابع الأمين الشراب عدة أيام وأرسل من يستنبطه ويبحث الحانات ويطلبه في مظانه فلم يقدر عليه، فغضب غضبا شديدا، وكان بعض ندمائه يحسد أبا نواس على موضعه من الأمين، فوجد مساغا للقول وموضعا للكلام فسبه وتنقصه وقال: يا أمير المؤمنين هذا عيار شارب شواظ ينادم السفلة والسوقة وينتاب الحانات ويركب الفواحش، يرى ذلك غنما وإن في منادمته تشنعة على أمير المؤمنين، فلما أكثر في ذلك قال له محمد: ألغ هذا الكلام عنك فوالله ما ينبغي أن يكون نديم خليفة إلا مثله في أدبه وظرفه وعلمه وكمال خصاله، وما غضبي عليه إلا تأسفا على ما يفوتني منه. " (34) كما تقرأ خليفة المسلمين يبرر بإصرار للمتهتك لحرمات المسلمين ، والخليع من كل أعرافهم ، ما دامت الخلافة لا يمسّها خطر محدق، و لا يلوح لها بشرّ داهم، فتمادى الشاعر في ارتياد حاناته ، بل الإقامة فيها ليل نهار ، وقذ يطيل المكوث فيها شهرا ، جفاه الخليفة ، ولم يعد يسأل عنه ، وفي ذات صباع شرب الخليقة الأمين ثلاثة أرطال وطابت نفسه ، فذكر أبا نواس وظرفه وطيب محادثته، وأن عنده في كل شيء نادرة، فأمر بإحضاره، فلما دخل عليه شكا عظم ما ناله من غضبه وإبعاده وسأله الصفح عنه واغتفار هفوته، فأمر فخلع عليه وأقعد في مجلسه الذي كان يقعد فيه لمنادمته ثم عاتبه على انقطاعه للشراب ، وإقامته في الحانات ، وعدم احترامه لهيبة الخلافة ، فقال: يا أمير المؤمنين، من تمام العفو ألا يذكر الذنب، قال: فأنشدني ما قلت في مقامك هناك فأنشده : وفتيان صدق قد صرفت مطيهم ***إلى بيت خمار نزلنا به ظهرا فلما حكى الزنار أن ليس مسلما *** ظننا به خيرا فصيره شــرا فقلنا: على دين المسيح بن مريم ** فأعرض مزورا وقال لنا كفرا فقلنا له ما الاسم؟ قال سموأل ***على أنني أكنى بعمر ٍولا عمرا وما شرفتني كنية عربية ******ولا أكسبتني لا سناء ولا فخرا ولكنها خفت وقلت حروفها **** وليست كأخرى إنما خلقت وقرا فقلنا له ...عجبا بظرف لسانهِ * *أجدت أبا عمرو فجود لنا الخمرا فأدبر كالمزور يقسم طرفه ***** لأوجهنا شطرا وأرجلنا شطرا فجاء بها زيتيـــــة ذهبية ****فلم نستطع دون السجود لها صبرا خرجنا على أن المقام ثلاثة ***** فطاب لنا حتى أقمنا بها شهرا عصابة سوء لا ترى الدهرمثلهم*وإن كنت منهم لا بريئا ولاصفرا إذا ما أتى وقت الصلاة تراهموا **** يحثونها حتى تفوتهم سكرا (35) فاستحسنها الأمين وقال: يا غلام. اسق القوم ولا تسق أبا نواس، قال: يا أمير المؤمنين ولم؟ قال: لأنك تصف الغلام إذا ناولك الكأس بأنه قد سقاك كأسين كأسا بعينه وكأسا بيده وتذكر أنك جمشته فهات الآن ما عسى أن تقول إذا لم يسقك فأنشد أعاذل أعتبت الإمام وأعتبا *** وأعربت عمّا في الضمير وأعربـــا وقلت لساقيها أجزها فلم يكن ***** ليأبى أمير المؤمنين وأشـــربا فجوّزها عني سلافاً ترى لها **** إلى الأفق الأعلى شعـــاعاً مطنّبا إذا عبّ منها شارب القوم خلته **** يقبّل في داجٍ مـن الليل كوكبا ترى حيثما كانت من البيت مشرقاً **وما لم تكن فيه من البيت مغربا يدور بها رطب البنان ترى له **** على مستدار الخدّ صدغاً معقربا فقال له الأمين: ويحك، لم ينج منك على حال يا غلام، اسقه ثم خلع عليه عند انصرافه وأمر له بجائزة (36) من الأبيات الرائية الأولى التي يصف بها الشاعر بائع الخمر ببراعة متناهية أمام خليفته ، وترى كيف كان يتمتع أتباع الأديان الأخرة بحرية كاملة ، وجرأة متناهية ، بل يعيبون على العرب كنيتهم ، ويستصغرون شأنهم وهم في دارهم ، في حين يقول العرب ، ودارهم مازلت في دارهم ، فكان العرب والمسلمون تتسع سماحتهم لضم الجميع - نعم المتوكل ، خلافته بين ( 232 هـ - 247 هـ ) ، اتبع سياسة التمايز ، فقلل من شأنهم ، واحتقر أمرهم ، ببعض الإجراءات التي ألزمهم بها - ثم عادت المياه ألى مجاريها ، ولشد ما يدهشي هذا النؤاسي - في قصيدته البائية - إذ يقول لساقي خمرته ، اسقنيي رحمك الله : أجزها فلم يكن ليأبى أمير المؤمنين وأشـــربا ، وهو القائل لصاحبه ذات يوم ، لمعاقرة الخمر : يأحمد المرتجى في كل نائبةٍ ***قم سيدي نعصِ جبّار السمواتِ عصيان جبّار السموات - كما يبدو لك - عند الشاعر أهون من مخالفة أمر أمير المؤمنين ، وهذا الخليفة الأمير أدرى بعصيان أبي نؤاس وتهتكه ، ولكن والحق يقال ، عندما تحاهل الخليقة شاعره الظريف ، وأهمل أمره ، لم يتذلل الشاعر النؤاسي لأميره الخليفة ، أو يتوسل به للرجوع إليه ، وإنّما الأمين نفسه تنازل عن قراره ، وأشخصه إليه ، وبرر غيابه ، وأشاد به ، وكرّمه ، فالرجل الشاعر ، كان من الذكاء الحاد ، وفرط الإحساس ، أن يتبين الود المبطن بالكراهية ، فيبتعد عن المتصنعين إكراماً لنفسه ، واحتراما لها ، اقرأ هذين البيتين الرائعين : لم ترضَ عنّي ، وإنْ قرّبتْ متّكي **** يا راضي الوجه عني ساخط الجودِ بل استترتَ بإظهار البشاشة لي *** والبشرُ مثــــــل استتار النارِ في العود ج - من قصائد مديح أبي نؤاس في أمينه الخليفة : قال يمدحه قبل توليه الخلافة ، ولا تفوتك كلمة ( الأمير) في قافية عجز المطلع ، ولا تطلق كلمة الأمير على الخليفة ، وإنما الخليفة ، أو أمير المؤمنين أو الإمام تتيه الشمـس و القمـر المنيـر****إذا قـلنـا كـأنـهـمـا الأميـر فإن يـــكُ أشبـها منه قـليلاً *** فـــقد أخطاهــــما شبهٌ كــثيرُ لأن الشمس تغرب حين تمسي **** وأن البدر ينقصه المسير و نور مـحمدٍ أبداً تمـامٌ **** على وَضَــح ِالطـريقـةِ لا يـحـورُ (37) يقول أبو هلال العسكري في (ديوان معانيه) ، تشبيه الوجه بالشمس والقمر ابتدعه المحدثون أي - والكلام لي - بدايات العصر العباسي ، وأبو نؤاس من رواده الأوائل ، والجميل الرائع أنّ أبا نؤاس جعل وجه الأمين أروع من الكوكبين الشمس والقمر ، وإنهما دونه في الجمال ، وعلل ثم تصرف المحدثون في تشبيهه، أي الوجه، بالشمس فقال ابن الرومي ، من بعده " كالشمس غابت في حمرة الشفق " ، وقال العباس بن الأحنف : قالت ظلوم وما جارت وما ظلمت*** إن الذي قاسني بالبدر قد ظلما ابدر ليــــــــــس له عينٌ مكحلةٌ *** ولا محاسن لفظ يبعث السقما (38) وقال يمدحه أيضاً : ملكتَ على طير السعادة واليمنِ ***** و حـزتُ إليـكَ الملكَ مقتبـل السن ِ لقد طـابت الدنيـا بطيب محمدٍ ***** و زيـدتْ به الأيــامُ حسناً إلى حسن ِ ولولا الأمين بن الرشيد لما انقضت **رحى الدين، والدنيا تدور على حزن ِ لقد فك أغـلال العنـاة محمــــدٌ ****** وأنزل أهل الخـــوف في كنف الأمن ِ إذا نحن أثنيـنا عليـك بصــــــالح ٍ *****فأنت كما نـثني، وفوق الذي نـثني وإن جرت الألفـاظ يوماً بمــــدحةٍ ***** لغيـرك إنســـاناً، فأنت الذي نعـني يتبين لنا من البيت الأول أن القصيدة نظمت بعد تولي الخليفة الأمين بفترة وجيزة ، والدليل قوله (و حـزتُ إليـكَ الملكَ مقتبـل السن) ، ، إذ كان سنه ثلاث وعشرين سنة هجرية ، فهو من مواليد 170 هـ ، والرشيد توفي 193 هـ ، وهو أصغر من أخيه المأمون بستة أشهر ، وفضل على مأمونه ، لأن الأخير أمه جارية فارسية ، اسمها مراجل ، أما الأمين أمه حرّة هاشمية ( زبيدة) ، والأمين الخليفة الثاني في التاريخ الإسلامي من أبوين هاشمين ، بعد الإمام الحسن ، ولو أن الرشيد كان يتمناها للمأمون لذكائه وحنكته وحكمته وجرأته ...ثم يتطرق من البيت الثاني إلى أنه كان عادلاً وصالحاً ، وقد وفر الآمن والاستقرار، وفي البيتين الخامس والسادس ، يرفع سقف المدح إلى الغاية القصوى ، أو قل : يصيّر من ممدوحه الفرد الأوحد في الدنيا ، كما فعل مع الرشيد من قبل ، إذ جعله قد جمع العالم في واحد، أما الأمين ، فهو كما يثني عليه ، أ و فوق الذي يثني، وإذا مدح آخر ، وبالغ في مدحه ، فإنما يعني الأمين ، وهنا لفتة عبقرية من الشاعر ، إذ فرض على خليفته إن يعطيه صكاً على بياض ، ليمدح من يشاء بلا جساب ولا كتاب!! ومدحه بقصيدة ثالثة رائعة مطلعها : يا دار ما فعلت بك الأيـــــامُ *** لــــــم تبـــق فيك بشاشة تستام أيام لا أغشــــي لأهلك منزلاً ****** إلا مراقبــــــــ ة عليّ ظلام ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم **وأسمت سرح اللهو حيث أساموا وبلغت ما بلغ امرؤ بشبـــــابه *****وإذا عصـــارة كل ذاك أثام وتجشمت بي هــــول كل تنوقه ***** هوجاء فيها جــــرأة إقدام تذر المطي وراءها فكـــــــــأنها ****** صف تقدمهن وهي إمام وإذا المطي بنـــــــا بلغن محمداً *** فظهورهن على الرجال حرام قربننا من خير من وطي الحصــــا **** فلها علينا حرمة وذمام رفع الحجاب لنــــــــاظري فبدا به ****ملك تقطع دونــــه الأوهام أصبحت يا ابن زبيدة ابنــــة جعفر*** أملاً لعقـــــــد حباله استحكام فبقيت للعلم الذي يهدي بــــــــــه ****وتقاعست عـــن يومك الأيام قصيدة في غاية الروعة ، تكلم عن إبداعها النقاد القدماء ، واستشهد في العديد من أبياتها المعاصرون الأدباء ، وركزوا كثيراً على البيتين التاليين : وبلغت ما بلغ امرؤ بشبـــــابه *****وإذا عصـــارة كل ذاك أثام وإذا المطي بنـــــــا بلغن محمداً ** فظهورهن على الرجال حرام لا يخفى المعنى الإنساني العميق المتأمل الحكيم في البيت الأول ، أما البيت الثاني ، فمرّد إعجابهم إلى عصرهم ، وأعني القدماء منهم ، إذ قارنوه بقول جرير : ألستم خير من ركب المطايا *** و أندى العالمبن بطون راح؟ وعندي - وهذا مالم يتطرق إليه أحد - أهم ما جاء في القصيدة هو ذكر اسم زبيدة وأبيها ، وهذا يجب أن لا يمر علينا مرور الكرام ، بل يعني أن زبيدة هي التي كانت مسيطرة على قصر الخلافة سيطرة تامة ، وهي التي حركت ابنها ،وضغطت عليه لخلع أخيه المأمون من ولاية العهد مما أدى إلى مقتل ابنها الأمين وتدمير بغداد بعد سنتين من الحروب والفتن ، ووجد الوزير الفضل بن الربيع الفرصة سانحة للتخلص من المأمون ، وبالتالي من ذي الرئاستين وزير الأخير ، وأخيه الحسن بن سهل ،القائد العسكري الشهير ، والذي أصبح من بعد وزيراً للمأمون ، والمأمون تزوج ابنته بوران في أشهر عرس بالتاريخ الإنساني، ولكل زمان دولة ورجالُ ، وزماننا هذا الرجال محالُ !!
د - الخليفة الأمين يسجن شاعره ، بعد أن سجنه أبوه الرشيد من قبل : لم يتعظ أبو نؤاس من سيرته السابقة ، والحقيقة ما كان له الاستطاعة أوالقدرة على الاتعاظ ، لأنه مجبول على خلاعته طبعاً ، ولم يكتسبها تطبعاً ، بمعنى ليس بحاجة إلى أحد يعوّده عليها ، وإنّما هو الذي يبتدعها لوحده ، ويعوّد الآخرين عليها ..!! ، فسار على هواه كما فرض عليه ما يهواه ، ووجد من الخليفة سنداً قوياً له - وربما الخليفة أيضاً مثله - ، يساعده على الانطلاق . فأصبحت هذه العلاقة الغريبة بين خليفة يُعدُّ رمزا للمسلمين ، ويحمل راية الإسلام ،و بين شاعر خليع ماجن متهتك متسكع تشيع بين الناس ، ولما نشب الصراع بين الأمين والمأمون سنة (196 هـ) ، إثر خلع الأمين مأمونه من ولاية العهد ، إثر تحريض الوزير الفضل بن الربيع ، وبعض أركان الدولة ، وضمن نطاق هذا الصراع ، كان خصوم الأمين يعيبون عليه اتخاذ شاعرٍ خليعٍ نديماً له، ويخطبون بذلك على المنابر ، فيضطر الأمين إلى حبس شاعره. وكثيراً ما كان يشفع الفضل بن الربيع له لدى الخليفة فيخرجه من سجنه. وقد مدح الشاعر وزيره الفصل بقصيدة من الرجز المنهوك مطلعها : وبلدة فيها زورْ *** صعراء تخطى في صعرْ مرت إذا الذئب اقتفرْ *** بها مـــن القوم أثرْ كان له من الجزرْ*** كل جنين مـــــــا اشتكرْ
ويذكر أبو بكر الطرطوشي في ( سراج ملوكه) : " وقد كانت صحبة محمد الأمين لذلك الرجل الخليع والماجن الرقيع أبي نؤاس الشاعر وصمة عظيمة عليه، أوهن بها سلطانه ووضع عند الخاص والعام قدره، وأطلق ألسنة الخلق بالشتم والثناء القبيح على نفسه، فحاربه بذلك أخوه المأمون على الولاية ووجه طاهر بن الحسين لمحاربته ببغداد، وحاربه حتى قتله وأنفذ برأسه إلى المأمون، وكان يعمل كتبا تقرأ على المنابر من خراسان فيقف الرجل فيذم أهل العراق فيقول: أهل فسوق وخمور وماخور! ويعيب الأمين بذلك فيقول: استصحب أبا نؤاس رجلا شاعرا ماجنا كافرا، يستصحبه معه لشرب الخمور وارتكاب المآثم ونيل المحارم. وهو القائل : ألا فاسقني خمرا وقل لي : هي الخمرُ****ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهرُ وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى **فلا خير في اللذات من دونها ستر" ( 39) فتغيرت على الأمين نفوس الخلق وتنكرت له وجوه الورى، فلما بلغ ذلك حبس الخليفة شاعره ، وأنيس مجلسه ، ثم أطلقه بعد أن أخذ عليه أن لا يشرب خمرا ولا يقول فيه شعرا. فمتى أراد السلطان إصلاح رعيته وهو متماد على سيئ أخلاقه، كان كمن أراد بقاء الجسد مع فقد رأسه، أو أراد استقامة الجسم مع عدم حياته، وكمن أراد تقويم الضلع مع اعوجاج الشخص .(40) وهكذا تم الأمر بعد قطع رأس الأمين على يد هرثمة بن أعين ، وبقيادة طاهر بن الحسين الخزاعي حين دخلت جيوش المأمون بغداد سنة 198 هـ ، وأصبحت بغداد أثراً بعد عين ، وقال الشاعر البغدادي عمرو بن عبد الملك العتري الوراق عنها بعينين دامعتين : من ذا أصابك يا بغداد بالعــين ِ**** ألم تكوني زماناً قرة العين ِ ألم يكن فيك قوم كان مسكنهم ***** وكان قربهم زين من الزين ِ صاح الغراب بهم بالبين ،فافترقوا** ماذا لقين بهم من لوعة البين ِ أستودع الله قوما ما ذكرتهــم **** الا تحدر ماء العين من عيني كانوا ، ففرقهم دهر، فصدعهم ** والدهر يصدع ما بين الفريقين(41)
توفي الشاعر الشهير بظروف غامضة بعدها بسنة ( 199 هـ / 815م)، وكما ذكرت في بداية بحثي معظم الرويات ، وفذلكتها قضى حياته بين (أواخر 139 هـ ، ووفاته 199 هـ / 757 م – 815 م) ، وكفى بالله وكيلا ، وتقبل مني سلاماً جميلا....!!! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تاريخ بغداد) : الخطيب البغدادي (7 / ) - دار الكتب العلمية - بيروت - الموسوعة الشاملة . (2) ( ملحق كتاب الأغاني - أخبار أبي نؤاس) : أبو فرج الأصفهاني - ص - راجع المكتبة الشاملة . islamicdoc.org/Multimedia/fbook/10510/index.htm (3) (تاريخ أبى الفداء ) :الملك المؤيد إسماعيل بن أبي الفداء ( ) -الموسوعة الشاملة . (4) (أبز نؤاس - حياته وشعره) : بأقلام العديد من الأساتذة والدكاترة - ص - المكتبة الحديثة - بيروت . (5) (تاريخ الأدب العربي ) : حنا فاخوري - ص - م . س . (6) قد روى أبو إسحاق " إبراهيم الرفاعي" في مصنفه عن عبد الله بن محمد الرقي- وكان من حجَّاب هارون الرشيد- قال : "كان هارون يوماً جالساً ومولانا الإمام علي الرضا جالساً معه، فتذاكروا الشعراء فقال الرشيد: يا أبا عبد الله أخرج إلى الباب فانظر هل ترى من الشعراءِ أحداً؟! فخرجتُ فرأيتُ أبا نواس فعدتُ إليه وأخبرته، فقال: أدخلهُ إلينا، فأتيتُ إليه وقلتُ له: أدخل، فقال لي : إليكَ عني لقد قلتُ في الرشيد ثلاثينَ بيتاً في يومنا هذا ما مدحه بمثلها عربيٌّ ولا عجميّ، فقلت له: أدخل وانشده ما قلتَ فيه فإنه يوم غناك وهو يوم سعادتك، قال أبو نواس: فدخلتُ على الرشيد فلما سلَّمتُ عليه قال لي: هاتِ مديحنا يا خبيث، فلما رأيت مولاي الإمام علي الرضا (ع)جالساً إلى جانبه جهدتُ لأذكر مما مدحته بيتاً واحداً فلم أقدر عليه لِمَا تداخلني من هيبة مولاي وخوفي من أن أمدح الطاغية بحضرته، فقلت: فيك أو في ابن عمِّك جليسك ؟! فقال: بل في ابن عمي، فقلتُ فيه (الشعر المذكور في المتن ... قيل لي أنت ...)
فقال الرشيد: هاتِ الآن ما مدحتنا فيه، فتذكرتُ ما كنتُ عملتُ فيه أولاً فارتجَّ عليَّ مدحه فلم أذكر منه بيتاً، فقلت: فيكَ أو في ابن عمك ؟! فعلم أنه قد لحقني الحصر وكلَّ خاطري عن مدحه، فقال: قل في ابن عمي، فقلتُ فيه شَرِبَ النبوَّةَ في ذُرى بطحائها***مـــاء الرسالةِ لم يُشَبْ بمزاجِ نـــــــورٌ عـلى نورٍ تـلألأ نــوره ***مصباحهُ في ذروةِ الـمعراجِ فقال الرشيد: يا أبا عبد الله امْضِ بأبي نواس إلى متولي الخزانة وقل له أن يدفع له خمسين ألف دينار، فلما صرنا بالباب قلتُ: صِرْ بنا إلى الخزانة لتأخُذ صِلَتكَ فقد صحَّت لكَ بُشرايَ، فقال لي أبو نواس: مالي فيها حاجة، فقلتُ: لما يا أخي وهذه جائزة سنيَّة وقلَّما يُنفَق مثلها ؟ فقال لي: إليكَ عني إنما مدحتُ مولاي احتساباً وما مدحته اكتساباً، والله يا أبا عبد الله لقد دعا لي مولاي دعوات هنَّ آثَر عندي وأحبّ مما طلعت عليه الشمس. (7) (تاريخ دمشق) : ابن عساكر - 13 / - بتحقيق علي شيري - موقع الموسوعة الشاملة . (8) ترجمته في تاريخ بغداد الشعر والشعراء ص وفيات الاعيان 2 / الوافي بالوفيات سير أعلام النبلاء . (9) موقع الموسوعة الحرة - أبو نؤاس . (10) ( تاريخ بغداد ) : الخطيب البغدادي( ) - دار الكتب العلمية - بيروت - الموسوعة الشاملة . (11) (قطب السرور في اوصاف الخمور) :الرقيق القيرواني- 1 - موقع الموسوعة الشاملة. أبو نواس الحلقة الثانية
(12) ( الموسوعة الحرة ) : أبو نؤاس http://ar.wikipedia.org/wiki/ (13) ( أبو نؤاس حياته شعره) : ص - م. س . (14) راجع (الكشاف ) : الزمخشري ص - و ( معاهد التنصيص ) : العباسي - 1 / - الموسوعة الشاملة . (15) (العمدة في محاسن الشعر ...) : ابن رشيق القيرواني - 1 / - الموسوعة الشاملة . (16) (أبو نواس حياته وشعره ) : مقال بقلم الدكتور زكي مبارك ص - م . س . (17) ( أبو النواس... سيرته ... نوادره وبعض شعره ) : نوقع ستار تايمز . http://www.startimes.com/f.aspx?t=30922236 (18) صحيفة الرياض : العدد - الخميس غرة محرم 1434هـ / 15 نوفمبر 2012م . (19) ( قطب السرور في أوصاف الخمور) : الرقيق القيرواني - 1 / 45 - موفع الموسوعة الشاملة . أبو نؤا سلا الحلقة الثالثة (20) ( أبو نواس) : الموسوعة الحرة - ويكيبديا. (21) (معجز أحمد ) : أبو العلاء المعري - 1 / - الوراق - الموسوعة الشاملة . (22 ) ( مع المتنبي ) : د . طه حسين - ص ط 12 - دار المعارف . (23) (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان): أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان - تح - إحسان عباس - 1 / - ط 0 - 1900 م - دار صادر - بيروت.
(24) ( معاهدالتنصيص على شواهد التلخيص ) : العباسي - 1 - الوراق - الموسوعة الشاملة . (25) سهر العامري - أبو نواس في مصر 2 - العدد - الحوار المتمدن . ((26 )المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) أبو الفتح ضياء الدين نصرالله بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الموصلي() - المكتبة العصرية - بيروت ، 1995 - تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد . - (27) (أخبار أبي نواس) :عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي العبدي،أبو هفان - ـ المتوفى:257 هـ - 1/ - الوراق - المويوعة الشاملة - (28) (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي) : عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111هـ) - 2 / - الوراق - الموسوعة الشاملة . (29 ) (معاهد التنصيص على شواهد التلخيص) :العباسي - 1 / - الوراق - الموسوعة الشاملة . (30) ( تاريخ الرسل والملوك) : أبو جرير الطبري - ج 8 - ط 2 - دار المعارف المصرية . (31) ( تاريخ دمشق ) ابن عساكر - 13 / - الوراق - الموسوعة الشاملة .مصدر الكتاب : ملفات وورد من على ملتقى أهل الحديث (32) (تاريخ مدينة دمشق) : - ابن عساكر - ج 13 - - موقع مكتبة الشيعة (33) - ( أبو نؤاس حياته وشعره ) : مجموعة من الأساتذة - م . س. (34) (أخبار أبي نواس) : عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي العبدي، أبو هفان (المتوفى: 257هـ) - 1 / - المكتبة الشاملة. (35) م . س . (36) (جمع الجواهر في الملح والنوادر) : الحصري - 1 / - الوراق - الموسوعة الشاملة . (37) (ديوان المعاني) : أبو هلال العسكري - 1 / - الوراق الموسوعة الشاملة (38) م . ن . (39) سراج الملوك : أبو بكر الطرطوشي - ( 1 /) - الوراق - الموسوعة الشاملة. (40) م. ن .
(41) تاريخ الرسل والملوك : أبو جرير الطبري-ج8- - المصرية.
#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا ومظفر النواب وأشهر شعراء النجف
-
عروة بن أذينة : إنَّ التي زعمتْ فؤادَكَ ملّها
-
5 -6 دعبل الخزاعي الوجه الآخر للشعر العربي
-
الرصافي الكبير بين حقيقة عصره والتباس عصرنا الأغبر ( مقدمة و
...
-
1 - الصافي النجفي بين معانيه وجهاده وتشرّده
-
أشهر شعراء النجف : مختارات شعرية
-
علم البديع بين ابن المعتز والصريع (حلقتان)
-
يلعنون الطائفية ، ويحملونها حتى النخاع...!!
-
6 - رثاء الأبناء: أ - أبو ذؤيب الهذلي
-
4 - أحمد شوقي ومَنْ حوله - طرائف ومواقف
-
1 - السرقات الأدبية نالتني فتناولتها...!!
-
6 - شعراء بواحدة : مالك بن الريب
-
3 - أ - شوقي وحافظ ومن حولهما - طرائف ومواقف
-
أناتك لا تعجلْ عليَّ مُرائيا
-
(بلادي) تسرق مقالتي عن الجواهري
-
قومي رؤوسٌ كلهم.. تبّاً لساستكم وثقافتكم وإعلامكم...!!
-
لا أنتَ عيدٌ ، ولا هذي المناكيدُ
-
2 -أحمد شوقي بين أم كلثوم وعبد الوهاب وبيني
-
ألا للّهِ من نفس ٍ تسامتْ
-
2 - مسائلٌ نحويَّة لضرائرٍ شعريّة / الحلقة الثانية
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|