|
في مغزى الانتخابات المغربية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5331 - 2016 / 11 / 2 - 15:27
المحور:
الادب والفن
في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري 2016 باحت الصناديق الانتخابية بأسرارها، ودفعت مجدّداً حزب العدالة والتنمية إلى الواجهة، فقد حصل على 125 مقعداً من مجموع 395 مقعد، هي إجمالي مقاعد البرلمان بزيادة 18 مقعداً عن الدورة البرلمانية السابقة، حيث صوّت له مليون وثمانمائة ألف مغربي، بزيادة أكثر من نصف مليون صوت عما حصل عليه في انتخابات العام 2011. وتلاه حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على 103 مقعداً بزيادة 56 مقعداً عن الدورة السابقة التي حصل فيها على 47 مقعداً. وشارك في الانتخابات 24 حزباً سياسياً وتحالفان انتخابيان. تعتبر الانتخابات الأخيرة هي الثانية بعد دستور العام 2011، وهي محطة سياسية جديدة واختبار آخر للدستور وللعملية السياسية، بعد موجة الربيع العربي، فقد راعى الدستور المستجدات والمتغيّرات التي حصلت بعد الحراك الشعبي، فقام بإجراء تكييفات قانونية وسياسية ومؤسسية، أراد لها أن تكون تعويضاً عن "الربيع العربي"، ولربما اختار هو ربيعه الخاص على الطريقة المغربية، التواصلية وليست الانقطاعية، التي مثلت فقهاً استبعد القطيعة واختار الاستمرار والتراكم. هذه الانتخابات هي الثانية التي يفوز بها حزب العدالة والتنمية، ومع أن حكمه شهد تجاذباً وشدّاً وإرخاءً وابتعاداً واقتراباً من القصر الملكي، فضلاً عن اتباعه إجراءات تقشفية أثارت استياء شعبياً، إلاّ أنه في نهاية المطاف تمكّن من الحصول على أعلى الأصوات والمقاعد. وكان الجميع مقتنعاً بشعار "الإصلاح في ظل الاستقرار"، أي جعل التغيير مرتبطاً بالكرامة، والحرّية بالأمن، وهي تجربة جديرة بالدراسة، وخصوصاً منذ حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي في أواخر التسعينات، ارتباطاً بمسألة المصالحة والعدالة الانتقالية والانفراج السياسي وأجواء الحرّيات التي أعقبته. وتقوم العملية السياسية في المغرب على ثالوث أساس، أركانه المؤسسة الملكية والوحدة الوطنية (حسب الاصطلاح المغربي وحدة تراب البلاد) والجمع بين الإسلام والحداثة على نحو تفاعلي. وهذه العناصر تعتبر من الثوابت الوطنية التي يلتقي على قاعدتها الجميع. ومنذ العام 2002 أصبح الوعي بأهمية الانتخابات وسيلة للفوز بالسلطة من جهة، ومن جهة أخرى لعرض البرامج السياسية لمختلف الفاعلين السياسيين من القوى والأحزاب والجماعات. وعكست الانتخابات الأخيرة، على الرغم من احتدام الصراع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، الأول فرع من فروع الإسلام السياسي بطبعة مغربية منفتحة أقرب إلى الطريقة التركية، والثاني من الوسط الليبرالي ومعارض شديد للإسلاميين، ولكنه قريب من القصر، حدّة المواقف وشدّة التعارضات، لدرجة النزول إلى مستوى التراشق أحياناً، عبر فضائح شخصية لعدد من السياسيين، وانزلاق إلى اتهامات خطرة بالعمالة والخيانة وغير ذلك، لكنها لم تؤثر على واقع شفافية الانتخابات ونزاهتها، وهو ما يسجل للتجربة المغربية الجديدة. ويعزو البعض فوز حزب العدالة والتنمية إلى تنظيمه وانضباطه ووجوده بالسلطة في السنوات الخمس الماضية من جهة، وإلى عزوف شعبي عن الممارسة الانتخابية لجمهور واسع وعريض من جهة ثانية، الأمر الذي مكّن الحزب وهو يتوفر على كتلة شبه مستقرة، سواء في الريف أو المدينة، لضمان الفوز المريح له. وقد تمكّن الحزب بطريقة بارعة من خوض الصراع الآيديولوجي والدعائي، وذلك بتوظيف خطابه لجهة المظلومية السياسية التي ظل متمسكاً بها، ودغدغة بعض عواطف الناس، وتمكّن من استثمار ذلك بذكاء وأساليب ناعمة، حتى وهو في قمّة السلطة السياسية، فأعاد ضخّ كل ذلك مجدداً في حملته الانتخابية. لقد أكل حزب العدالة والتنمية من جمهور الأحزاب الأخرى، التي ضعف دورها، وخصوصاً في أوساط الطبقة الوسطى التي كان تعاطفها مع اليسار وأحزابه، ولا سيّما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، وكذلك تعاطفها مع الاتجاه الليبرالي، وحزب الاستقلال بشكل خاص، وهي أحزاب تمتد إلى مرحلة الاستقلال والتحرّر الوطني، لكن رصيدها تدهور في العقد ونصف العقد الماضي. الانتخابات الأخيرة بقدر ما رفعت من حزب العدالة والتنمية، لكنها في الوقت نفسه كرّست حزب الأصالة والمعاصرة، كحزب منافس قوي وخصم شديد، حيث حصل على المرتبة الثانية، وهكذا انتقل المغرب من الهندسة السياسية السابقة التي تقوم على ثنائية التنافس بين حزب الاستقلال القريب من القصر في حينها وحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض إلى هندسة ثنائية جديدة، تقوم على حزب العدالة والتنمية مقابل حزب الأصالة والمعاصرة. وبمراجعة مقاعد القوى السياسية نستطيع أن نلاحظ مدى التبدّل الذي حصل في الساحة المغربية، فقد حصل حزب الاستقلال على 46 مقعداً، وجاء في المرتبة الثالثة، ولكن مع فارق شاسع عن المرتبتين الأولى والثانية، وأعقبه حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حاز على 37 مقعداً (المرتبة الثالثة). أما الاتحاد الاشتراكي فقد حصل على المرتبة السادسة حيث نال 20 مقعداً بعد أن كان لديه 40 مقعداً، وهو يعدّ أكبر الخاسرين، والحركة الشعبية على 27 مقعداً (المرتبة الخامسة)، كما حصل الاتحاد الدستوري على 19 مقعداً (المرتبة السابعة)، ونال حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي) على 12 مقعداً (المرتبة الثامنة)، والحركة الديمقراطية الاجتماعية على 3 مقاعد، وفيدرالية اليسار الديمقراطي على مقعدين وحصل حزبان آخران على مقعدين لكل منهما. جمع حزب العدالة والتنمية بعض عوامل النجاح استراتيجياً وتكتيكياً من خلال: زعيم كارزمي "عبدالإله بنكيران" وطاقم قيادي متفاهم وتنظيم متماسك وعلاقة قوية بالأوساط الشعبية في الريف والمدينة، إضافة إلى وسائل دعاية ناجحة وصلات مباشرة بالناخبين، ولهذا فإن عناصر الفوز فيه كانت متوفّرة على عكس بعض تجارب الإسلام السياسي في البلدان العربية الأخرى. يمكننا القول إن الانتخابات المغربية الأخيرة كانت مناسبة لتأكيد مرحلة جديدة أساسها طيّ صفحة الماضي، وانتهاء عهد المعارضة السلبية ومقاطعة الانتخابات، والانتقال من محاولة تهديم بيت السلطة، إلى دخول هذا البيت، بل والاقتناع بذلك، فلم يعد أي حزب خارج لعبة الانتخابات، والجميع يلعب تحت سقف البيت وفي الحدود والمساحة المتاحين له، من أجل تحسين شروط اللعب، وهو ما كان يدركه الملك الحسن الثاني ووريثه الملك محمد السادس الذي فهم المزاج العام وتعاطى معه في ظروفه الجديدة، ولا يزال يعتبر البناء السياسي الديمقراطي الأساس الذي يمكن تحقيق التنمية والتطوّر من خلاله.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا والموصل والخرائط
-
وميض نظمي - الحالم الذي قتلته النزاهة!
-
جائزة نوبل والدرس الكولومبي
-
اليونيسكو و-نظرية- الهيكل
-
صفاقس وتجديد الفكر
-
الدولة العراقية والسيناريوهات المحتملة
-
تضاريس التنوع الثقافي
-
عن قانون جاستا
-
قانون -جاستا- غير القانوني
-
الطائفية فيروس خطير ضرب المجتمعات العربية
-
حوار مع عبد الحسين شعبان لصحيفة المغرب
-
عن الديمقراطية والسوق
-
-إسرائيل- الافريقية
-
قمة هانغتشو وطريق الحرير
-
إسلام ومسلمون
-
عن سلطة المثقف
-
-الترامبية-: مجابهة الإرهاب بمثله
-
رؤية أخرى لكتاب عبد الحسين شعبان (المثقف وفقه الأزمة... ما ب
...
-
ل تيسير قبّعة اسم الوردة
-
الشيزوفرينيا السياسية في العراق والمربع صفر
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|