أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - صَرِيرُ الجُرْذَان














المزيد.....

صَرِيرُ الجُرْذَان


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5328 - 2016 / 10 / 30 - 18:19
المحور: الادب والفن
    


سأكتبُ ذات يومٍ روايةً طويلة عن طفولتي. لا سوف لن أكتبها! ستكون عميقة ومتعبة، ستعيدني طفلاً حائراً. كنتُ قد قررت ألا أتزوج يوماً، هذا يعني ألّا أعيش مع اِمرأة واحدة في بيتٍ صغير، لأنّها ستكون مُشَاكِسة، تنكّد عَيْشي في بلادِ الغُرْبَةِ، لأنّها ستعيدني طفلاً مُهَذَّباً.

تغيّرت قراراتي مع مرور الزمن، نعم عَدَّلتُ قراري سأتزوج! سأتزوج اِمرأة تحلمُ بكتابة روايةٍ عني، عن طفولتي، مراهقتي وأسراري... عن كل الأشياء التي أقرفتني، أوجعتني وغيّرت منحى حياتي. سأتزوج في وقتٍ متأخرٍ كي تكتب زوجتي لي روايتي، تعيدني بها إلى طفولتي، تقذفني من خلال منجنيق رحم كلماتها إلى حتفي نظيفاً من أفكاري والصور المُخزَّنة في ذاكرتي، رواية تميتني مرتاحاً، خالي الذهن من القبح. سأتزوج اِمرأة قادرة على الكتابة، اِمرأة سيقول البحّاثة عنها ذات يومٍ أنَّها انتمت لروائيات لم يتجاوز عدد أعمالهن في المئة سنة الأخيرة، بالأحرى في تاريخ بلدها بأكمله خمسمائة رواية.

سأساعدها في كتابة الرواية عني، سألتقطُ لها صورةً بالأبيض والأسود في غرفة المكتب، صورةً فيها تبتسمُ وعلى ذراعها الأيمن قطة صغيرة، وعلى الأيسر نبيها الصغير أبراهام، القطة تحرس النبي من جرذان الشرق، النبي ينظر إليها وإلى ابتسامةِ أمه، تنظر أمه إلى عينيه وإلى الرواية التي أنجزتها لي وعني، تستريح الرواية على سطح المكتب مفتوحة على الصفحة 969، الصفحة تحكي عن مراحيض الشرق وتعبها.

سأضم صورتها إلى ألبوم صور فلاسفة وكتّاب أوروبا. ما مرَّ روائي على الغرب إلا وحمل على ذراعه قطة، رمزاً للتَمَيُّز والتمايز، إشارةً للعناد والمعاندة، مؤشراً للتَّفَرُّد والفرادة، علامةً على التَّمَرُّد والثورة... وحده الروائي الألماني غونتر غراس من حمل الجرذ على كتفه، في بطنه وبين تلافيف مخه.

سأرجوها أن تكتب عن المطبخ الضيق جداً، المعتم جداً، البارد جداً، عن مطبخ بلا نوافذ، مطبخ مثقوب في زاويته اليمنى العليا، عن رفوفه البيتونية الثلاثة، عن الوابور بشخيره الصاخب، عن الطنجرة الكبيرة يغلي فيها الماء، عن صابونة الغار، عن ليفة اليَقْطِين التي حفّت الجسد كحجر الرحى، عن منشفة الحمام الكبيرة التي استخدمها كل أفراد الأسرة، عن مصفاة تصريف المياه القصديرية المفتوحة دائماً، عن الموعد المقدّس لغسيل الجسد في المطبخ، عن ضوء الشمعة أو ضوء الكاز، عن اللسعات الباردة التي تغتصب المطبخ مارةً من شقوق ما يشبه الباب، عن المفتاح الكبير لقفل باب المطبخ، عن البرد والحلم بالجلوس قرب صوبا المازوت المنطفأة في النهارات الطويلة، عن عنبر البرغل المصنوع من الصفيح المعدني، عن قطارميز الزيتون الأخضر، عن بضعة صحون مُوَزَّعة على الرفوف، عن الجرذان التي تتجرأ على الخروج من أنابيبها، عن المرحاض ببابه الخشبي الأخضر أسفل مطلع الدرج، عن جرذانه، عن حُفَر الصرف الصحي في ذلك المرحاض وأمام البيت...

سأرجوها أن تكتب لاحقاً عن المنزل الجديد والأم الثانية، المطبخ الجديد، الحمام الجديد، المرحاض الجديد، صنابير المياه، مربعات البورسلان، خيطان القُنَّب، عن تسرب المياه من الحنفيات، عن إغلاق الصنابير بالشراطيط، عن ليفة اليَقْطِين الحمراء، عن العري وعن الجرذان الهاربة إلى كل مكان.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقصة هارب
- حدائق للهاربين
- ثقافة التَّهَارُب
- صَوت الهاربين
- قالوا إهرب يا عبود!
- مُتْعَةُ التَّهَارُب
- التَهْرِيبة الثَّوريَّة
- أوهام الهاربين
- عَدْوَى الْهُرُوب
- مصير الهاربين
- الهروب لا يُطعم خبزاً
- بعيداً عن الهاربين
- الفارُّون
- من فضاء الهروب
- بَكْتيريا اللُّجُوء
- اللُّجُوء إلى جَنَّة الغرب
- حدث في قطار آخن -53-
- حدث في قطار آخن -52-
- حدث في قطار آخن -51-
- حدث في قطار آخن -50-


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - صَرِيرُ الجُرْذَان