|
الجزء الأول من الرواية: هاء 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5328 - 2016 / 10 / 30 - 05:34
المحور:
الادب والفن
" المعذرة، يجب أن أعود إلى الشقة حالاً " قلتُ لصاحبنا العراقيّ الملول، فيما كنتُ أستدير أوباً. خاطبني " رفيق " من وراء ظهري، بصوتٍ بدا واضحاً فيه صدى الإنزعاج: " لا عليك، نحن جيران وسنتابع حديثنا في مرة أخرى ". شققتُ الطريقَ نفسه، الممتدّ بإزاء شارع محمد الخامس، إلى أن تناهيتُ إلى مجلس تلك الفتيات عند الساحة الصغيرة. إحداهن، وكانت هيَ من حيّت قبل قليل " رفيقَ " بقبلاتها، رفعت رأسها بإتجاهي مُبتسمةً بإغراء. فعلت ذلك، لأنني كنتُ أقترب منها ببطء. فما لبثت أن رافقتني، مواكبةً خطواتي التي أضحت أقلّ تمهّلاً. مررنا بالمحلات التجارية، المتلاصقة على ضفّة الشارع الرئيس الهادر كنهر جامح، عابرين أيضاً نظراتِ بعض روّاد المقاهي، الفضولية. مومسات غيليز، يُعرفن للفور من ملبسهن وزينتهن، الغالب عليهما الإثارة. فلو أنّ الأمر كان على منقلبٍ آخر، فإنما يرجعُ إلى علمهن بنيّة السلطات التشدد مع ممارسات الدعارة بمناسبة زيارة ملكية طارئة. الناس هنا، أكثر تسامحاً مع هذه الظاهرة من المدن الإسلامية الأخرى. إنهم عموماً قساة لو تعلق الأمرُ بمسلك منحرف يمسّ سمعتهم، ولكنها قسوة غير مسلّحة بحال. ربما ينظرون إلى المرأة الساقطة من منظار المهنة لا الشريعة. فالدعارة غير الزنا؛ مثلما الحال مع إعتبارهم الحشيشَ غير محرّم، كونه لم يُجمع مع الخمرة في أية آية قرآنية. على أنّ تشدد أفراد من الشرطة مع المومسات ( خارج أوقات الزيارات الملكية! )، مردّه على الأرجح الحصول على المال لا تطبيق القانون. وهذا أمرٌ يُطمئن الكثير من الأجانب، سواء أكانوا سياحاً أو مقيمين. وأتذكّر حادثة من هذا القبيل، لها دلالتها ولا شك. رأيتني ذات ليلة خارجاً من محطة القطارات مع امرأتي. كنا ليلتئذٍ عائدين من الرباط، التي دفعنا فيها بأوراق زواجنا لوزارة الخارجية كون أحدنا أجنبياً. فلما أبتعدنا خطوات قليلة عن مدخل المحطة بإتجاه موقف سيارات الأجرة، فوجئنا بشرطيين يعترضانا ليطلبا أوراقنا الرسمية. ما أن أنتبه أحدهما إلى بطن " الشريفة " البارز ( كانت آنذاك حبلى بشهرها الخامس )، إلا وابتسمَ معتذراً ثم أومأ لزميله أن يتبعه. شيعتهما امرأتي عند ذلك بنظراتها، قائلة بنبرة ساخرة: " لقد كانا يمنيان نفسيهما برشوة، بما أنّ مظهرك أوهمهما أنك كَاوري! ". وإنها المرأة نفسها، مَن كانت وراء رغبتي بإصطحاب المومس إلى الشقة مُنتهزاً سانحة وجود شقيقتي في العمل. لقد أردتُ عبرَ هذه النزوة أن أنجو من شرك الرغبة الجنسية، المنصوب لي ثمة في ترّاس جناح الخانم. هذه الأخيرة، كانت وقتئذٍ محط تفكيري طالما أن إشارات عدّة، مُشجّعة، وصلتني منها شفاهاً أو كتابة. قصائدها النثرية، الأشبه بالخواطر، كنتُ قد تعهّدتُ تنقيحها بدلاً عن ذلك الشاعر؛ المسؤول عن الحلقة الأدبية في رواق الفنون. ثمة على الترّاس، كنتُ أهوّم مع الخواطر الشعرية مصحوباً بعبق أعواد الندّ، التي دأبت " الشريفة " على إشعالها كل مساء. على أنه كفلها الفادح الفتنة، من كنتُ أهرب منه في حقيقة الحال. لم تكن المرافقة قد وقفتْ بعدُ كموديل للوحتي، فتتجرّد أمامي بعُري كفلها الجدير بإشعال حرب طروادية جديدة. نزوة مماثلة، وإن كانت لسبب آخر، ستداهمني ثمة في موسكو بعدَ قرابة العامين. وإنه ليحمرّ وجهي خزياً، فيما أستعيدُ الآن هذه الحادثة على الورق. كنتُ قد أنتقلتُ من مناخ متطرّف بحرّه، إلى آخر أكثر تطرفاً ببرده. وإن الرغبة الجنسية، في كلا الحالتين، لتغدو من الإلحاح على المرء أنه لا يستطيع الرقاد إلا وفتاة بجانبه. إلا أنها لم تكن أيّ فتاة، تلك التي رأيتها في مخزن تجاريّ مُلحق بأحد المساكن الطلابية. وكنتُ قد أنتقلت إلى شقة من حجرتين، مُشاركاً أحدهم في الإيجار. آنذاك، كان مضى قرابة العام على حلولي في عاصمة البلاشفة السابقة، أنهيتُ خلالها دورة اللغة الروسية. معاناتي مع التقتير، بدأت على خلفية الخلاف مع " سوسن خانم ". إذ سبقَ وأخلفت وعدها باللحاق بي إلى موسكو، بغية الإستثمار هناك، متحججة كل مرة بعقبات تحول دون ذلك. أصبح همي محصوراً بإقتصاد نفقاتي، طالما أنني كنتُ موعوداً هذه المرة من أحد المهربين بفيزا مزوّرة تتيح لي التسلل مجدداً إلى السويد. شريكي في الشقة، وهو خريج دراسات عليا تحوّل إلى الأعمال التجارية، كان له الفضل بتعريفي على عدد من أصدقائه في السكن الطلابيّ المجاور وجلّهم من مواطنينا الكرد. على أثر إنهيار النظام الشيوعي، أضحى حلم كلّ شخص ثمة أن يتحوّل إلى مليونير ولو بالعملة الروسية ( كانت ورقة المائة الدولار وقتئذٍ تساوي ثمانين ألف روبل! ). في أحد الأيام، وكان الوقتُ خريفاً، توجّهتُ إلى السكن الطلابيّ لزيارة أحد أولئك المعارف. الجوّ، كان معتدلاً إبّان الغروب. ولكن السماء كان يغشاها غيومٌ برتقالية ذات ظلال سوداء، وكما لو أنّ حريقاً قد أندلعَ في ملكوت الله. فيما كنتُ أدلف خِلَل مدخل المبنى، خطرَ لي التزوّد بزجاجة فودكا كمساهمة في ذخيرة السهرة. عند عتبة المخزن التجاريّ ( كان فيما مضى صالة رقص مخصصة للطلبة )، تجمّعَ رهطٌ من الشبان الصوماليين، الذين جعلوا من هذه البلاد معبراً إلى السويد بشكل خاص. أنتبهتُ إلى صمتهم الطارئ، وكما لو أنّ على رؤوسهم الطيرُ الأبابيل. كانت عيونهم، في المقابل، تضجّ بشتى الإنفعالات وهيَ تتابع حركة إحدى العاملات في المخزن. بدَوري، تسمّرتُ بمكاني مُراقباً تلك الفتاة عن كثب وهيَ تتنقّل بردفين ثرين لا بدّ أنهما نتاجُ سلالاتٍ من الجمال السلافيّ، المتغذي بلحم وشحم ودم الخنانيص مذ زمن السفود، الغابر، وإلى زمن الغاز، الحاليّ. إلى ذلك، كانت ملامح الفتاة من الملاحة، أنني ما فتئتُ أعتقد بكونها أجمل ما رأته عيني من جنسها. في الركن الآخر من المخزن، كان ثمة فتاة أصغر سناً تتأملني بإهتمام. مع تحوّل نظري إليها، أنتبهتُ إلى شبهها الشديد بالأخرى ذات المؤخرة المُعَجِّزة. إنهما شقيقتان حقاً، وكان عليّ أن أعرف ذلك بعد مساومة مبتسرة. حصل الأمرُ سريعاً، بما أنّ وقت إغلاق المخزن كان قد أذن. وكنتُ قد ألمحتُ لكبرى الشقيقتين برغبتي في لقائها خارجاً، فلم يصدر عنها سوى غمغمة غير مفهومة. عليّ كان أن أقلق عند ذلك، بعدما سبقَ ورأيتُ غيري من الأجانب المتواجدين في المخزن يُبدي رغبة مماثلة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الأول من الرواية: هاء
-
الجزء الأول من الرواية: دال 3
-
الجزء الأول من الرواية: دال 2
-
الجزء الأول من الرواية: دال
-
الجزء الأول من الرواية: ج / 3
-
الجزء الأول من الرواية: ج / 2
-
الجزء الأول من الرواية: ج / 1
-
الجزء الأول من الرواية: ب / 3
-
الجزء الأول من الرواية: ب / 2
-
الجزء الأول من الرواية: ب / 1
-
الجزء الأول من الرواية: أ / 3
-
الجزء الأول من الرواية: أ / 2
-
الجزء الأول من الرواية: أ / 1
-
الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
-
غرناطة الثانية
-
الرواية: ملحق
-
خاتمة بقلم المحقق: 6
-
خاتمة بقلم المحقق: 5
المزيد.....
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
-
-بوشكين-.. كلمة العام 2024
-
ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|