|
هل يمكن الحديث عن إستحالة بناء ملكية برلمانية في تأويل الخطاب الملكي بمرجعية نجاعة الإدارات العمومية؟
محمد الشاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5328 - 2016 / 10 / 30 - 04:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل يمكن الحديث عن إستحالة بناء ملكية برلمانية في تأويل الخطاب الملكي بمرجعية نجاعة الإدارات العمومية؟
محمد الشاوي (*) الخطاب التأديبي الذي وجهه ملك البلاد للإدارات العمومية وللوزارات الوصية عليها، وذلك إبان افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، حيث أبان الخطاب وبالملموس أن الملك يتلقى شكاوي وتظلمات من طرف المواطنين المغاربة الذين لجأوا إليه باعتباره هو رئيس الدولة الفعلي "الكل في الكل" وهو الضامن الوحيد لحقوقهم. وهم في الآن نفسه جزء من "حزب المقاطعين" الذين لم يشاركوا في إنتخابات السابع من أكتوبر، أو ربما هم من كان يكتب على الأوراق الملغاة بأن الإنتخابات "مهزلة"..!! والضامن الفعلي لحقوقهم هو الملك .
لكن ألا يمكن أن يكون هؤلاء المتضررين فئة من المشاركين في الإنتخابات البرلمانية؟
ربما من الممكن، لكن ما استخلصته من تحليلي للخطاب الملكي أنه في ظل المؤسسة البرلمانية وما تقوم به من أعمال منوطة إلى جهد البرلمانيين والوزراء الذين يتقلصون مناصب سامية في ظل المؤسسات الكبرى التي يديرونها رفقة مساعديهم من مسؤولي القطاعات العمومية وعلى رأسها: الصحة والعدل والتعليم والإسكان ... فإن هذه القطاعات الكبرى مازالت تعاني من سوء التدبير وزبونية التسيير..!!
وهذا يبين لنا أن قوة المؤسسة الملكية تزداد شيئا فشيئا، بالنظر إلى رحابة صدر الملك ومدى عزمه على حل ملفات وقضايا عالقة، وأخرى ترتبط بالمواطنين الذين فشلوا في إيجاد حل لمشاكلهم مع المؤسسات العمومية.
لكن ما فائدة هذه المؤسسات إذا لم تقم بدورها الذي على أساسه تأخذ شرعيتها لدى عامة المواطنين؟ وهل فعلا وصلنا إلى نضج مدني وسياسي لركوب الملكية البرلمانية؟
أليس من الضروري والمؤكد أن نضع النقط على الحروف ونقر بفشل تدبير المؤسسات العمومية في وضع بيروقراطية تؤسس لعمل تشاركي منظم يعتبر فيه المواطن المغربي مواطنا يتمتع بكافة حقوقه، ومسؤولا عن إختياراته التي يكفلها القانون التعاقدي الناظم لهذه المؤسسات، وليس في كونه "رعية" من رعايا الوطن، مع العلم أنه بميلاد مفهوم المواطنة إندثر مفهوم " الرعية " من تاريخ الفكر السياسي الغربي، الشيئ الذي لم يتحقق فعليا في مجتمعاتنا العربية حيث بقيت سجينة العشائرية والعصبية والتطرف الديني، مع الأسف رغم جهود المشاريع الفكرية التي شيدها المفكرون والدارسون للعقل العربي ولبنية الدولة في هذه المجتمعات، وخير دليل على هذا مشروع المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري رحمه الله.
يقول نص الخطاب : "(..) إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا. وقد ارتأيت أن أتوجه إليكم اليوم، ومن خلالكم لكل الهيآت المعنية، وإلى عموم المواطنين، في موضوع بالغ الأهمية، وهو جوهر عمل المؤسسات. وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة، سواء تعلق الأمر بالمصالح المركزية، والإدارات الترابية، أو بالمجالس المنتخبة، والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية(...) ولكن مع كامل الأسف، يلاحظ أن البعض يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن، لتدبير الشأن العام في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة، وذلك لحسابات انتخابية."
إن لتدخل المصالح الذاتية وكذا كل ما يرتبط بفئة حزبية أو أخرى اجتماعية لها امتياز معين وصلت إليه بفضل المواطن، فإن هذا الفضل الإختياري والديمقراطي يزول بزوال فترة الإنتخابات، لكي تعطي الإمتيازات على حساب المواطن البسيط.
كما أن الحديث عن ملكية برلمانية في ظل ما تقوم به هذه التجمعات والفئات "السياسية" وليس السياسية، يصف بجلاء تدني الوضع السياسي بالمغرب، ولا سيما من طرف هذه الفئة التي تحدث عنها نص الخطاب الملكي، وهي فئة تحتكر السلطة وتمارسها بدون أدنى وعي بتطور المجتمع المغربي في ظل أنشودة "الإنتقال الديمقراطي" الذي لم يعطي أكله بعد لكي نفكر في الملكية البرلمانية، كالذي يتحدث عن مابعد الحداثة وهو يعيش وسط مجتمع لم يستوعب بعد مفهوم الحداثة.
يستطرد الملك محمد السادس وصف هذا الوضع قائلا: " وهم بذلك يتجاهلون بأن المواطن هو الأهم في الانتخابات، وليس المرشح أو الحزب، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل. فإذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين، سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي، وحتى الوطني، فلماذا يتوجهون إذن للعمل السياسي؟ إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي ، يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية."
وعلى هذا الأساس كما يتضح من ملفوظ الخطاب فإن مهمة الإلتزام السياسي، التي يجب أن تترسخ في مجتمعنا، هي مهمة المسؤولية التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصلها عن الإلتزام السياسي الذي يضع المواطن فوق كل إعتبار. وهذا سيساهم في إرتقاء المواطن المغربي ضمن وضعية المواطن الحر المتمتع بالديمقراطية الكلية التي تجعله فاعلا حقيقيا في إتخاذ القرارات، وهو أيضاً الذي جعل لسياسي شأنا ومكانة داخل تدبير القطاعات العمومية. لكن لماذا لم يستوعب هؤلاء بعد المهمة المنوطة للسياسي؟
يقول نص الخطاب : " ولأن النجاعة الإدارية معيار لتقدم الأمم ، وما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسن، فإن تصنيف المغرب في هذا الميدان، سيبقى ضمن دول العالم الثالث ، إن لم أقل الرابع أو الخامس."
طبعا هذه الدول لا يمكن أن تتمتع بوعي حقيقي يرتبط بعملية تنظيم وتدبير الشأن العام لكونها لم تحقق نموذجا تقوم على أساسه عملية بناء مؤسسات الدولة.
إن هذا الأسلوب الذي وظفه الملك في وصف حقيقة المؤسسات العمومية يعطي لكل متأمل في مضمون هذا الخطاب حق التفسير والتأويل، ولا سيما أن الملك وضع يده على الداء الذي نخر وما زال ينخر الجسم العمومي لقطاعات الدولة ومؤسساتها.
وعلى سبيل الختم فإن رهان تقدم المغرب حسب هذا المعنى يقاس بمدى جودة تعامل الإدارات العمومية مع المواطن المغربي، لكون "نجاعة الإدارة هي معيار تقدم الأمم"، فإن هذا المعيار لم يتحقق بعد، وهذا يعني أننا لم نستوعب درس تطور المجتمعات الغربية وخصوصا تلك التي ورثنا عليها نظام الإدارات وتسيير شؤون الدولة تنظيميا وإجتماعيا ومؤسساتيا وسياسيا وإقتصاديا...
فضلا عن كون معيار التعليم وجودته يبقى من الثوابت التي ينبغي لكل دولة وضعها في مقدمة الأولويات، وهنا كان تنبؤ المفكر محمد عابد الجابري في إحدى حواراته التلفزية حينما سئل آنذاك عن الملك الشاب محمد السادس وقال :" أتمنى أن يكون ميجيا". وظل بعد المتتبعين للبرنامج يتساءلون في أنفسهم عن كلمة ميجي؟ بل إن بعضهم لم يفهم هذا النعت، لأن من عادة الفيلسوف أنه يوظف مفاهيم خاصة قد يستعيرها من حقول معرفية غير الفلسفة . ومراد ذلك أنه نعت تيمني بالإمبراطور ميجي وبالأسرة الميجية اليابانية التي جعلت من التعليم أساس بناء نظام الدولة السياسي، هذا النظام الذي يستقي شرعيته من وعي المواطن ومستوى تعليمه، الشيئ الذي ساعد اليابان في الوصول إلى مرتبة التصنيع والثروة الصناعية، مما جعل من أسرة الميجي تتبوأ مكانة مرموقة في تاريخ العالم.
---------------------- (*) أستاذ فلسفة وفنان تشكيلي مغربي
#محمد_الشاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الذات المشكّلة
-
إستبانة الأستاذ عبد الله العروي ورهان التاريخانية
-
قضايا في بلاغة الإقناع الفلسفي عند المهدي بن تومرت
-
في نقد الفكر التشكيلي العربي ، عوائق إبستيمولوجية في تلقي ال
...
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|