أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - النهاية














المزيد.....

النهاية


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5326 - 2016 / 10 / 28 - 04:46
المحور: الادب والفن
    


النهاية

كتلة قذارة آدمية تتنقل في شوارع المدينة التي كانت إلى ما قبل سنوات قليلة قمة في النظافة والرقي.
-" سبحان مغيّر الأحوال، هل عرفته؟ " نطقها أحد المارة ضارباً كفاً بكف منبهاً مرافقه، مشيراً باتجاه الرجل، كهل انحنى، تكوّم هيكله في بذّة فاضت عليه، وتقطّعت في مواضع كثيرة، لترسم خارطة عالم البؤس والشقاء، إن أمعن أحدهم النظر فيها قد تدلّه بقعة صغيرة جداً أنها من القماش الفاخر المصنوع للنخبة، سوادها خالطته كل ألوان القذارة، فغدا لوناً بلا انتماء...
الحذاء ، أو بقايا الحذاء لا أحد يستطيع أن يميز هل الرجل هو من ينتعله أم أن الحذاء هو من ينتعل الرجل ...!
صياد بارع ذاك الذي يتمكّن من رؤية وجهه الذي أصبح أفقه عمودياً باتجاه الأرض، وجه تجمدت قسماته، عينان غارتا بمحجرين واسعين كانا يوماً ما مسكناً يضيق على ساكنيه، جبين مغضّن، وجد الغبار والتراب في أخاديده مرتعاً خصباً فأقام، أنف استطال ، وشفتان غادرتهما الحدود فأطبقتا على بعضهما حدّ الالتحام، وجنتان كساهما الشعر كحقول الشعير، وشعلة باهتة شعثة كللت رأساً انحنى ...!
عندما نقلت جوارحي هذه الصورة إلى تلافيف عقلي حيث عمليات التحليل والتفسير والمحاكمة ، اختصم ضميري و قلبي، القلب أشفق :
-" لماذا تجور الدنيا على ناسها ؟ ولماذا تكون أحكامها قاسية؟ لماذا لا ترحمهم بالموت بعد أن قضت عليهم بالجنون ؟ ألا تكتفي بعقاب الآخرة ؟ وخصوصاً إن كان خطأ الإنسان بحق نفسه ؟ يعني ليس بحق غيره ؟". نهرني ضميري :
-" اسكت ، وكيف للإنسان أن ينتهك أمانة الله ؟ أليست النفس وديعة الله عنده؟ هل من حقه أن يعتدي عليها ؟ هل من حقه أن يلوثّ جوارحه التي ستشهد عليه يوم الحساب ؟ ألا يمكن أن يكون عقاب الدنيا تخفيفاً له من عقاب الآخرة ؟ و فرصة للاستغفار والتوبة ؟ هناك ذنوب تستوجب عقوبات دنيوية، تكون مرحمة مدّخرة للآخرة ، وعبرة لمن يشهد في الدنيا ".

عندما ينفث التنين نيران حقده، يحيل المكان القابع فيه إلى جمر و نار ، الغريب أنه هو نفسه لا يحترق! بل يتجدد، يكبر وينمو، تؤازره الريح التي أبرم معها صفقة سرية، تحمل أنفاسه النتنة إلى الأماكن البعيدة التي لا يصلها لهيبه، فتحيلها قاعاً صفصفاً، وفي أحسن الأحوال رماداً وخراباً، يعسكر فيها أباليس الأنس بالترافق مع الشياطين، وكان نصيب هذه المدينة أنها أصبحت مسكناً لهؤلاء، مع قلة من المساكين الذين حُكِم عليهم بأن يكونوا تحت سطوة أولئك .....
أهل المدينة قد لا يعرفون بعضهم جميعاً، لكن المؤكد أن الجميع يعرفون وجهاءها...
كان أحد أبرز الشخصيات في تلك المدينة، قوامه الفارع، وسامته اللافتة ، أناقته المتميزة، رائحة عطره النفّاذ، مقتنياته الشخصية الباهظة، كلها مظاهر تشكّل نتاجاً واضحاً لعلاقة مميزة بينه وبين الدنيا، الدنيا التي صادقته وأمعنت بتدليله و إغراقه بمتاعها ومتعها، أحبّها وأخلص لها إخلاصاً عجيباً، جعله ينغمس في شهواتها، متلذّذاً بكل ما فيها، واستغرقته الغفلة، ثراء فاحش، سطوة وسلطة، سهر وعربدة و ليل ماجن، ومرابع نساء وخمر وميسر، وطفلة وحيدة ظنّها إحدى العطايا وسيتبعها باقي الذرّيّة ، فهو لا يعرف إلّا الكثرة، ولديه الكثير من كل شيء، لكنه لا يجيد الإحصاء، ولا الحسابات، أمطرته الحياة بهطلها، فتشابهت عليه النساء والقصور و المزارع، خاف عليه المخلصون، لكنه لم يلتفت لصوت ناصح ولا نذير.
الدنيا تاجرة ماهرة، تعطي بالبداية لتكسب الزبون وتجرّ رجله، ثم تبدأ لعبتها الشهيرة، الكسب والقبض حتى يعلن الشريك إفلاسه، مقدماً لها كلّ ما ملّكته، حتى شرفه وعرضه...!

على ذات الطاولة الخضراء التي تكدست عليها انتصاراته وربحه، دارت نفس الآلة بنفس الدولاب، وخسر مجمل ثروته، وبات يستجدي من زبانية الفساد أن يمهلوه الوقت ليقضي دينه، وهو من لم يرحمهم يوماً، باع معظم ما بقي لديه من أملاك، ولكن لم يكفِه ذلك، الخسران أكبر مما ملك ...!
عندها أعلن إفلاسه، متنصّلاً من الكثير من الديون، تكتيك تعلّمه ممن سبقه، ولكن الدنيا لديها الكثير من خطط الهجوم، وتقنيات التحصيل، ولا بد لمن تاجر معها أن يدفع المستحقات كاملة، وفوقها ضريبة...!

رياح الحرب التي هبّت على البلاد، صحيح أنها لم تطل مدينته بالدمار والخراب، ولكنها طالتها بالفوضى وانعدام الأمن وغياب الأنظمة الرادعة ، فعاث فيها المفسدون، عصابات سرقة وخطف وسلب، زينة الحياة الوحيدة التي بقيت له، اختطفتها إحدى تلك العصابات، و لم تقتنع أن الخزينة فارغة، فبيت السبع دائماً عامر ولو ببقايا العظام، الفدية كبيرة، عجز عن دفعها، وانفضّ عنه من كانوا يوماً ندماءه وسمّاره، بل وأصبحوا أعداءه، كونه غدر بهم ولم يوفِّهم دَينَهم، انقضت المهلة الممنوحة وبعدها أخرى، جُنّ جنونه لكن في النهاية أُسقِط في يده، عجز عن شراء طفلته...!

في وقت أسود وصلته رسالة من المختطفين مفادها أن طفلته (تبرّعت) بأعضائها وهم قد قبضوا الثمن الذي فاق مقدار الفدية بكثير ..!
كتلة القذارة الآدمية الآن تجوب الشوارع ، تبحث في قماماتها عن كيس أسود، ضمّ أشلاء طفلة .

د. عبير خالد يحيي



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدوير الأدبي ورسم المشاهد عند الكاتب المصري الأستاذ محسن ا ...
- نذور الوطن
- نقد أدبي مقدّم لرابطة الأدباء والنقاد والمترجمين العرب من ال ...
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأبدباء والنقاد والمترجمين العرب م ...
- ومع ذلك ..لم أقتنع
- وعد غير منجز
- الاتجاهات التربوية والعبر المجتمعية في نصوص الكاتب والأديب ا ...
- ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
- قراءة في نص (تأبط شراً ) للأديب العراقي / كريم خلف جبر الغال ...
- عشرون و نيّف
- اللعب مع الكبار
- جروح لا تندمل
- حفل شواء
- سوريتي
- نضج
- قراءة في تجربة أديب الأطفال جاسم محمد صالح
- هل أبكي ..؟
- رحلة
- محكمة
- التابوهات وقلم الأديب


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - النهاية