|
سكر متذبذب الحضور
سماح عادل
الحوار المتمدن-العدد: 5324 - 2016 / 10 / 25 - 10:03
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة بعد تحضير الطعام فكرت أن تطمئن على ما لديها من السكر.. كيس ونصف.. كانت تحتفظ في بداية الشهر بستة أكياس، وها هو الشهر اقترب من منتصفه.. فقد منحتها أمها بطاقة التموين الخاصة بها، لأنها كانت لا تهتم بالأمر وامتنعت عن استخراج بطاقة تموين لها لأنها تعرف أنها لعبة نهب حكومية، لكن مع اختفاء بعض السلع الهامة، ووجودها فقط في المنافذ الخاصة بوزارة التموين، اضطرت أن تلجأ لبطاقة أمها والتي توفر لها خبز نظيف بخمس ثمنه.
لم تكن تتوقع أن يختفي السكر تماما، توقعت أن يزيد سعره كما حدث مع الأرز منذ شهور، وقالت في نفسها أنها ستتحمل وتقلل من استهلاكه، لكن ما حدث خالف توقعاتها فقد اختفى السكر، وأصبحت تقرأ العجائب في الأخبار عند تصفحها "فيس بوك". "القبض على تاجر بحوزته 10 أكياس سكر بتهمة الاتجار". "القبض على عربة بها أطنان من السكر ثم الإفراج عنها بعد تدخل أحد نواب البرلمان لأنها تخص قريب له" - ماما انا عايز لعصير ليمون. قال لها ابنها الأصغر ذلك، فكرت أن تلهيه بأي شيء آخر،لأنها خططت لاستهلاك مخزونها من السكر"كيس ونصف" في تحلية الشاي فقط لها ولزوجها، ذلك لأنها لن تستطيع تحليته بعسل النحل الذي وصل سعر الكيلو منه الى مائة جنيه، لأنها لا تحب طعمه، كما أنها لن تقوم بهذه الفعلة الشنيعة وتنفق مئة جنيه على تحليه مشروبها فقط، بالإضافة إلى أنها تعرف أن من يصنعون عسل النحل يطمعون النحل ماء محلى بالسكر، فابن خالتها لديه منحل، وكان في الماضي يقوم بشراء كميات من سكر التموين المدعم، الذي كان ثمنه منذ بضع سنوات فقط جنيه وربع، ليغذي به النحل، ويصبح العسل الذي ينتجه عبارة عن سكر له لون عسلي، لكنها شعرت بالذنب لأنها كانت تنتهز فرصة قبول أطفالها شرب عصير الليمون، ليعطي أجسادهم فائدة، ويكون بديلا للحلويات التي تمتلئ بالألوان الصناعية التي تسبب أمراضا خطيرة. ملأت وعاء كبير بالماء كما تفعل دوما، سكبت به نصف كيس السكر وهي تراه يذوب ويتلاشى، لم تشارك طفليها في وعاء عصير الليمون، أرادت أن يشربوه حتى آخره، قامت تنشر الغسيل وأدارت قنوات التلفاز بحثا عن الأخبار. - وإحنا صغيرين بابا كان بيجيب لنا الأرواح اللي بيتباع عند البقال ويحلي لينا بيه الشاي.. رغم إنه كان أستاذ جامعة..علشان ساعتها كنا في ظروف حرب وكنا مستحملين وعايشين.. لازم الناس تعرف ده.. سكر إيه وسلع إيه ؟..والبلد في حالة حرب. قالت ذلك أستاذة جامعة تعرض نفسها كخبيرة سياسية في إحدى القنوات المصرية. امتنعت عن سبها بألفاظ بذيئة بصوت عالِ، لأنها عاهدت نفسها أن تمتنع عن استخدام الألفاظ البذيئة- كما كانت تفعل خلال السنوات القليلة الماضية كرد فعل على الأحداث التي تمر بها البلاد- أمام أطفالها، حتى لا تصبح هذه طريقتهم في التعبير عن سخطهم، لكن عندما التحق زوجها بهم ليشاهد التلفاز قالت له في همس: - الست دي بتقول مش مهم السكر ولا الأكل إحنا في حالة حرب.. هي الناس دي يتبقى عارفة إنهم وسخين وإنهم بيعر..... ولا بيبقوا مقتنعين إنهم نضاف وكويسين. عرفت أن السكر، أكثر من أية سلعة غذائية أساسية أخرى، كان يختفي، مثلما يفعل هذه الأيام، على مر سنوات طويلة في بلدها، حتى أنه في الزمن البعيد قام الناس بإنشاد أغاني له.. كما فعل المطرب الشعبي الشهير هذه الأيام وأصدر أغنيته عن السكر ليصرف الناس عن سخطهم ويرسخ حب الوطن في داخلهم. ولم تصدق أن هناك مؤامرة من المغرضين لتهريب السكر للخارج، رغم أنها لا تفهم ما هو سر اختفاء السكر .. وتذكرت رواية قرأتها قريبا، عرفت منها أن السكر كسلعة ارتبط ظهوره بالعبودية، في بداية نهضة الدول الغربية، وكان يتم استغلال ملايين من الناس واستعبادهم وقهرهم وحتى قتلهم لينتجوا السكر، الذي كان سلعة ثمينة في هذا الوقت. بعد أيام كرر ابنها طلبه في احتساء عصير ليمون، طلبت منه ألا يرافقها في المطبخ، انتزعت ثلاث أصابع من يدها اليسري .. استخدمتهم للتحلية..لازالت صورة المرأة اليمنية التي ماتت جوعا لأنها كانت تطعم أطفالها الثلاث الطعام القليل الموجود لديها عالقة بذهنها.. مهما حاولت تطردها تعود وتلتصق بذهنها أكثر.. لا تسخط عليها بل تطلب لها الرحمة.. تسخط على من يعرضون مثل هذه الصور ويتشاركونها على "الفيس بوك" وتظل تعلق بذهنها أيام طويلة، محملة قلبها آلاما لا تعرف كيف تتخلص منها .. تريد منهم فقط نقل الأخبار العبثية دون توثيقها بصور تفتت أجزائها إلى أشلاء. لم يلاحظ زوجها الأمر إلا عندما اختفى ذراعها الأيسر بكامله وجزء من بطنها.. أمرها ألا تفعل ذلك مرة أخرى .. فالأطفال يستطيعون العيش دون عصائر أو حلوى، لكنه لا يستطيع العيش من دونها.. أوهمته أنها لن تفعل ذلك.. نظرت لأطفالها وفكرت في عمل وعاء أكبر هذه المرة من عصيرهم المحبب، يفرحهم ويشبع نهمهم للحلوى.. تركت نفسها تذوب فيه بدلا من سكر يتذبذب في حضوره.
#سماح_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في -وحيد القرن- الحب يخلص الإنسان من حيوانيته
-
باتمنى أعيش في الحياة ...طيف
-
الرواية حلم مراوغ
-
ضعف
-
شتاء
-
موت
-
تناقض مقبول
-
حوار مع المبدع كرم صابر
-
عزلة
-
في داخلي قمر
-
أصبحت سافرة
-
بين خانتين
-
رواية رائحة كريهة صوت البرجوازي الصغير المهمش
-
...............!!!
-
يوم عادي لفتاة ليست عادية بما يكفي
-
تضامنوا معنا ضد إفقار ال مصريين تضامنوا معنا لإلغاء تجارة ال
...
-
عرض كتاب السيرة الهلالية لمحمد حسن عبد الحافظ
-
لا ألم في حوض الماء
-
بورترية لجسد محترق...أنة وجع من عفن الحياة المعاشة
-
-العالم لنا- اشكاليات تجذر حركات مناهضة العولمة النيوليبرالي
...
المزيد.....
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|