نواف خلف السنجاري
الحوار المتمدن-العدد: 1415 - 2005 / 12 / 30 - 08:25
المحور:
الادب والفن
كان يكتب ثم يمزّق الورق ..وإحساسه بأتساع الفجوة بين أفكاره وبين مساحة الورقة بات يشعره بالغثيان والغربة !لقد وصل إلى حالة تمتزج فيها الابتسامة مع الامتعاض والفرح مع الحزن العميق ،وعلى الرغم من علاقاته الكثيرة
الاّ أن مشاعر الوحدة والعزلة طغت دائما على مشاعر الألفة والتفاهم لديه .
لم يكن يعلم متى تحوّل إحساسه بالغربة إلى ورم خبيث ينتشر في جسمه وينهشه شيئا فشيئا ،والمضحك حقا والمثير للسخرية انه يعيش وسط أهله وأصدقاءه وفي داره ومحاطا بأحبائه … لكن لماذا هذه الهوّة السحيقة التي يحسب أنها تفصله عنهم ؟وما بال هذه الغربة اللعينة التي تهاجم رأسه وتحاصره ولا تدع له مجالا للراحة والسكينة ؟لقد أصبح غريبا حتى عن ذاكرته وأصبحت أحلامه كأنها روايات لأناس غريبين عنه ولا تربطه بهم أية صلة !وها هي كلماته التي يكتبها بشوق ولهفة ، تبدو له غريبة وغير مفهومة ،كأنها مكتوبة بلغة لا يفهمها أو يميّز حروفها ..لا فرق عنده بين جميع الأشياء ..شعوره بالوحدة يكاد أن يخنقه ..دائما هناك سؤال وحيد يرن كناقوس عملاق في أعماق نفسه .."من يعوّضني عن سنين عمري الضائعة "؟!
انه يفتقد حتى اللون الحقيقي للأشياء ..ويشعر بأن المسافات تكبر بينه وبين طموحاته ،حتى كادت تصبح بحجم المحيطات !لقد تحوّل فجأة من إنسان إلى كتلة من التناقضات والأفكار المتضاربة ..وبدأ يهمل كل مصالحه من أملاك وتجارة وسيارات وأرصدة في البنوك يكفي إشعالها في تنور لأطعام محلّة بكاملها !واصبح هوسه الوحيد هو القلم والورقة .
كان يردّد مع نفسه دائما :"لابد أن اكتب رواية تتغلب بقيمتها الأدبية على كل ما سبقها ..!لابد أن أدخل إلى أدمغة الناس وأحرّك مشاعرهم وأحسّن أفكارهم وأرسم لهم خطوط أيمانهم وطريق سعادتهم ! لابد أن يتحوّل اسمي إلى (تولستوي) آخر!"
لقد تحوّل هوسه بالكتابة إلى نوع من الجنون والإهمال المستمر لمتطلبات حياته الخاصة ،وبدأت ملامحه تتقلّص تدريجيا وصحته بدأت تسوء بشكل خطير ..إلى أن توقف كل شيء ينبض بالحياة داخله ..ومات شهيد الكتابة !ولكن إنجازه الكبير كان يتوهّج أمام ملامح وجهه المشبّعة بالموت ..إنها ورقة فارغة لا أكثر!!
#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟