أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدر الدين شنن - معنى الحرية إلى المهجرين














المزيد.....

معنى الحرية إلى المهجرين


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 5315 - 2016 / 10 / 16 - 16:16
المحور: الادب والفن
    


اعتاد نبيل صباح كل يوم ، تناول فنجان من القهوة . ومع الرشفات البطيئة المتوالية ، في جلسته وحيداً في الغربة .. كان يبتسم .. ويتذكر أحياناً .. لما كان وأخوه يشاركان والديهما قهوة الصباح .. وسط الضحكات التي تثيرها أفعال أخيه الصغير الطائشة .

ويسرح به الخيال إلى تلك الأيام . ويحزنه أنه افتقد أباه مرتين .. مرة حين قضى سنوات عديدة خلف القضبان .. عاشها كأنه يتيماً .. بلا أب . ثم افتقده مرة أخرى .. يقضيها الآن .. في المنفى ، الذي حجزه عن عائلته أكثر من حاجز القضبان الحديدية .

وفي بعض الأيام يتذكر مع القهوة .. جوابه على سؤال المعلمة في الصف :
- هل عرفت معنى الحرية يا نبيل ؟ ..
ويذكر أنه أجاب بثقة وبراءة :
- الحرية هي أن يعود أبي وأمي إلى البيت .. وأن تعود كتب أبي أيضاً .. وأن يعود لزيارتنا أصدقاء أبي .. الذين يحبون الحرية مثله .

وعادت أمه بعد أشهر .. وعاد هو وأخوه معها إلى البيت .
لكن أباه لم يعد إلاّ بعد سنوات طويلة .. وهو على حافة الموت . وكانت عودته قصيرة .. أقل من عامين .. ثم رحل تحت ضغوط كثيرة إلى الخارج . وصار نبيل وأخوه يواجهان ، مرة أخرى ظروفاً قاسية .. مثل الأيتام بلا أب .

في أيام أخر يتذكر كيف .. وجد نفسه .. غي غمرة القتل والتدمير حوله .. يسلك دروب الهجرة والغربة . وغربته تذكره بغربة أبيه .. وبافتراقه القسري المرعب عن أخيه وأمه .. وأهله ,, وأصدقائه .. ومدينته .. التي ولد وترعرع ودرس وكبر فيها .

ولمقاومة شعور الغربة الموجع ، لجأ إلى آلية التواصل الاجتماعي . وراح عبر هذه الآلية ، يقاوم وحدته ، ويجتاز عذاب ومسافة الابتعاد والفقد ، ويحاول أن يمتص الشوق للأعزاء .. ويحلم بلقاء أخيه وأبيه وأمه ، لقاء يجمعهم في مكان واحد ، ووقت دائم واحد .

ويعود بين وقت وآخر إلى ما يكتبه من خواطر .. وأفكار .. ويتداوله مع زملاء له عبر آلية التواصل ، فيجد أنه يقع بين السخرية من أشخاص الحدث .. وبين غموض اللحظة .. بتنوعاتها .. وتلا وينها .
ويجد أن مشاعره التي عبر عنها ، لمعلمة الصف ، لما سألته عن معنى الحرية ، رغم السنين الكثيرة التي مر بها .. هي نفسها . لكن مفاهيمه عن الحياة .. كبرت .. وتنوعت .. واختلفت تفاصيلها .. عن مفاهيمه لما كان طفلاً في السابعة

وفكر مراراً .. لو سأله أحدهم الآن في غربته البائسة الطويلة .. عن معنى الحرية ماذا سيقول :
- هل سيقول .. أن يعود جميع أفراد الأسرة إلى البيت .. ويهزأ من هذه الفكرة .. ويقول في نفسه .. أي بيت سيعودون إليه .. بعد أن دمر بيتهم .. والمأوى المسمى بيتاً قد تصدع .. وآخر بيت نزحت أمه إليه .. اختلط ركامه بركان البيوت المجاورة .
- هل سيقول .. أن يعود أصدقاء أبيه لزيارتهم .. الذين يحبون الحرية مثله .. وهم لا يملكون بيتاً لزيارتهم فيه .. وهؤلاء الأصدقاء ، هم أيضاً بعد تشتتهم لا يملكون بيتاً معروفاً .. للسؤال والبحث عنهم .
- هل سيقول أن تعود كتب أبيه .. ولم يعد هناك كتباً .. ولم يعد هناك جدار تخصص رفوفه لوضعها عليها . والمؤسف أكثر ، أن معظم مضامينها ، لم تعد تجيب على السؤال الكبير المعلق ، الذ يحوم فوق سماء تخترقها .. وتشوهها .. قذائف الحرب البشعة . ولم يعد لديها القدرة على ملء خواء العقول .. والضمائر .. والأفكار المغدورة . وفي أيام كثيرة يتوقف عن شرب قهوته .. ويفكر في الوطن . ويكاد يستسلم لفكرة استحالة عودة الحياة فيه إلى ما كانت عليه .

فأخوه الصغير قد تجاوز الأربعين . وأبوه اقترب من الثمانين . وأمه على حافة السبعين . فإن حدثت هذه العودة بمعجزة .. في إطار المكان .. فلن تعود بإطار الزمان .

ويفكر بمعان عدة للحرية . ويبعد فوراً .. بعد معانته المذلة .. فكرة أن تكون الغربة حاضنة للحرية . وينتهي بعد سرد وقائع مريرة في الذاكرة ، تؤكد جميعها ، أن الذي افترس استقرار الحياة .. وحق الحياة .. ودمر .. وشرد .. وأغلق أبواب الحرية هو الإرهاب ، وتعصبه ، و وحشيته ، وتخلفه .
وينبغي قبل كل شيء التخلص من الإرهاب ، وهذا يتطلب التخلص من الغربة .. ومفاهيمها .. وخداعها ..
وهذا ما بات يشجعه على تقبل التفاؤل ، كلما سمع خبراً مبشراً عن الوطن .. وعلى أن يعطي معنى أوسع للحرية . وذلك بعد أن صار يسبح في بحار التجربة .. والكلمة .. والمفهوم .. ويستطيع أن يركب أمواجاً تبلغ الكثير من الشطآن التي يحلم بها .

ويتذكر تغمره الحسرة القلعة الرابضة الشامخة وسط المدينة .. وعلاقته معها منذ الطفولة .. ثم لما كبر وفتح له المجال ليطلع على أركانها وأعمدة عظمتها وسر خلودها .. وعلى بصمات صمود وبطولات سكانها ضد الغزاة . ومع توالي الأيام .. ومعاناة وفشل الغربة في تجسيد الحلم .. لم يعد يمكن فصل الحرية عن الوطن .. والحياة بكل أشكالها فيه . وبات مصراً إن سؤل عن معنى الحرية ، أن تكون إجابته ضمن إطار الوطن .. وكبيرة القيمة كما قيمته .

ربما .. ربما حسب انعكاسات مجريات الظروف ، يقول هذا المعنى أو ذاك للحرية . أو لا يقول شيئاً .. وقد يغير حدث ثقيل شديد الوجع مناخ السؤال والجواب . ويتكلم كردة فعل .. بسخرية عن حرب أثارت حماسة الطموحين إلى حياة أفضل في بداياتها .. لكنها صارت تثير الأسى والحزن والرعب في مجرياتها . بيد أنه .. مهما دفعته رشفات قهوة الصباح الشبيهة بالطقس .. للتفكير .. والتذكر في مراحل حياته وتداعياتها البعيدة والقريبة .. لكنه يظل يحفظ في مركز ذاكرته .. كيف كان يجلس بين الكبار .. الذين يستقبلهم أبوه .. وينصت إلى ما يقولون . إن ما كان لافتاً ومحبباً لعقله الطفولي الصغير .. هو ما كان يردده المتحدثون .. وهو :
الوطن .. الحرية .. التحرك .. المستقبل .




#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متاهة السياسة الدولية الجديدة وتداعياتها
- حلب تتحرر .. وتتوحد .. وتجدد
- اتفاق لافروف كيري يحتضر إلى شهداء جبل ثردة
- حين تحل التسويات الدولية محل الشعب
- متغيرات السياسة الحتمية في الحرب
- سوريا واللعبة الدولية المتجددة
- سوريا بين لعبة دولية انتهت وأخرى قادمة
- رمز طائفي قاتل لهجوم إرهابي فاشل
- آن أوان تجديد رؤى القوى الوطنية
- حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم
- افتضاح الهوى الإسرائيلي القاتل عند آل سعود
- - بواية النبي - المجهول
- ما بعد المعارضة
- من أجل عالم بلا إرهاب
- العيد في الحرب .. تحد وكرامة
- الرفيق ..
- حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
- الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
- الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
- جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدر الدين شنن - معنى الحرية إلى المهجرين