أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن الطوخي - استشعار الخطر في رواية- رجل يجلس على المقهى - للأديب/ أحمد عبد الجبار - مصر















المزيد.....

استشعار الخطر في رواية- رجل يجلس على المقهى - للأديب/ أحمد عبد الجبار - مصر


محسن الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 5315 - 2016 / 10 / 16 - 01:15
المحور: الادب والفن
    


صدرت الرواية عن مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية بعنوان: " رجل يجلس على المقهي, يشرب الشاي, ويدخن الشيشة, وينتظر فكرة ", ورغم صدور الرواية عام 2009 إلا أنها لم تلق العناية الواجبة حتى من مجايلي الكاتب الذين يشاركونه عضوية بعض الجماعات الأدبية, تلك الجماعات الأدبية التي أشار إلى بعضها الأديب محمود الورداني في مقدمته للرواية, وهي مقدمة تستحق أن يفرد لها مقال خاص. على أن مالفت نظري فيها تجاهله لجماعة أصيل الأدبية التى كان كاتب الرواية واحد من أعضائها المؤسسين طوال عقد الثمانينيات, ومطلع التسعينيات.
منحتني رواية الرجل الذى يجلس على المقهى, يشرب الشاي, ويدخن " الشيشة" متعة من نوع خاص, فقد حلقت بى من فكرة إلى أخرى فوق رشاقة العبارات, وغرابة الصور الذهنية التى تذكرك بأعمال جارسيا.
يقول الكاتب في التصدير مقتبساً عن " أوفيد ":
" .. وإذا أردت أن تستمتع عيناك بالنور وأنت آمن ... فاتركنى أنشره لك على الأرض "
والنور هو المعرفة. فكأنما قصد عبد الجبار أن يسلط بروايته نوراً على المشهد العام الذى يعيشه مجتمع فقد البوصلة.
فنحن فى الرواية بازاء شخصية محورية نراها من خلال عيني وإدراك صديق. وندرك من السياق أنها شخصية مرفوضة, يتضح ذلك فى سخرية الأصدقاء, وإهمال عمال المقاهي, والحبيبة التى لم تؤمن بفكرته.
هو شخص آمن بلا مبررات بأنه إنما اختير من قبل القدر للقيام بعبء جسيم وفريد. وهو استقبال الفكرة. أما الشروط التى وضعها لاستقبال فكرته, فهى شروط ماركيزية تشكل عالم الرواية شديد الخصوصية. إذ هى ملزمة للمتلقى. يخضع لها بالضرورة ليتسنى له تلقى دفقة النور وهو آمن. فان قبل المتلقي تلك الشروط الصارمة عن رضى, فسوف تمنح له الرواية نفسها. وإلا فسوف يخرج خالي الوفاض.
والفكرة - كاسم للجنس - هى المحور الذى تدور حوله حياة الشخصية. وتخبرنا الرواية مبدئياً أنه – الشخص المحورى – لم يخلص قط لشيء .. لكنه عندما " حاول " جدياً أن يخلص للفكرة, فالطريقة التى اتبعها يجب أن تكون غاية فى الغرابة. أن يجلس على المقهى, يشرب شاياً, ويدخن الشيشة, وينتظر.
ومهما كانت درجة استقبالك لتلك الطريقة, فيجب عليك أن تتقبلها طبقاً لشروط النص. وإحدى طرق تقبلك لها أن تعتبرها بقعة من بقع النور التى فرشها عبد الجبار. إذ هى ترغمك على استحضار المفارقة بين شروط الحصول على فكرة. ( أن تسعى اليها, وتلتمس الأسباب, وتستعد بالهيئة المناسبة ) .. وبين عالم افتراضي يصنعه لك يسوغ أساليب لا يقبلها المنطق. إذ هو فعل عبثي يذكرك "بفلادمير" و "استرابون" اللذين جلسا يثرثران فى الستينيات فى انتظار جودو.
وقد كنت أظن أن جمود الشخصية وعدم تطورها يمثل أحد عيوب التطور الدرامي. إلى أن نبهنى المدخل الذى سلكته عبر أوفيد إلى أن انتظار الفكرة قد لحقه التطور بما يخدم دراما النص. ففيما بعد سوف يضاف إلى طقوس الانتظار ضرورة أن تأتي الفكرة من خلفه, وتلمس كتفه, ثم تقول : أنا الفكرة. ثم فى تطور لاحق تنسحب الفكرة نفسها من المشهد, وتهيمن تيمة الانتظار نفسها.
أما جمود الشخصية فهو بقعة أخرى من بقع النور يفرشها عبد الجبار ليعبر بها عن واقع راوح فى مكانه لعقود من الزمن بينما يفور سطحه بأفكار التطور والحداثة, فبينما ينطلق العصر بسرعة الصاروخ, يتأمله الواقع مكتفياً بدبيب السلحفاة. وسواء قصد عبد الجبار ذلك أو لم يقصد, فأنا أؤمن بأن الرواية تكتب نفسها, وتعبر عن أغراضها بمعزل عن مقاصد الكاتب.
فاذا عدنا إلى الرواية, فسوف نكتشف أن انتظار الفكرة هو المعادل للهروب من واقع شديد المرارة, إلى واقع افتراضي مصنوع بعناية, تنتخب له القواعد المناسبة التى تحول الهزيمة والإخفاق – من خلال دور ذي قيمة - إلى نجاح. حيث انتظار الفكرة هو سلوك ينطوي على نوع من السمو يشبه إلى حد ما انتظار الرسل للوحي. الأمر الذى يجعل الناس فى عز الحر والاختناق ينتبهون لثوان معدودة لحضوره الجميل, ويبتسمون فرحين لأسباب غامضة.
ثم هو فى الوقت نفسه يعتمد أسلوباً مناقضاً لأساليب أصحاب الرسالات الذين يبادرون بالإبلاغ. فيعتمد أسلوب المراوغة إزاء الآخرين, وينكر حقيقة انتظاره لأى فكرة, كأنما يتشرنق داخل فكرته. بل يجيب أحياناً باعتداد: "ومن أنا ياصديقى حتى أحمل فكرة ".
وعناصر الواقع المرير الذى تحياه الشخصية تحشدها الرواية من خلال السرد.
- فهو يعاني من صعوبات العيش حيث لا عمل له, وعندما يعثر على عمل لا تكفي القروش القليلة ضرورات الحياه.
- وهو لا يجد نفسه فى العمل الذى يمارسه بلا إبداع, فكل ماعليه أن يقف يراقب الماكينة, يراقي المنتج وهو يخرج.
- وهو فاقد للثقة فى قدراته حتى ليخشى أن يكون ضعيفاً جنسياً. والجنس هنا مرادف للفعل بشكل عام.
- وهو مولع بالسيدات المسنات السمينات, وهو ولع مرضي له جذوره فى علم النفس التحليلي.

ولا تفوتنا الإشارة فى هذا المقام إلى أن الشخصية لا اسم لها. وغياب الاسم ليس حيلة من حيل القص. وإنما هو حالة. فالرواية تخبرنا بسمات هذا الاسم الذى نجهله. فهو غير مميز على الاطلاق. لا صفة, ولا سجع أو نغم أو مهنة أو اسم بلد. إلى الجد السابع أسماء متشابهة مع كل الأسماء. فالواقع المرير لا يضغط عليه مادياً فقط. إنما معنوياً أيضاً. فيهمشه, ويلغى فرديته, ويدمجه فى مجموعة المهمشين إلى سابع جد بلا أي وجود حقيقى مميز.
نظرة فى شكل الرواية .
لو تأملنا الشكل البنائى للرواية سوف نكتشف أن الفصل الأول – الذى لم يعطه عبد الجبار عنوانا – والفصل الأخير بعنوان " المقهى مغلق " يشكلان معاً قصة قصيرة مكتملة الأركان. وفيما بين الفصلين يخوض المتلقى فى مجموعة من التفاصيل والتجارب المتنوعة التى تلقى مزيداً من الضوء على الشخصية دون أن تسهم فى تطور الأحداث. لكنها تأخذنا فى رحلة ممتعة, عبارة عن تنويعات على الفكرة, وعلى تيمة الانتظار. وكلها بصوت الراوي غير المحايد. فهو يقدم الشخصية أو يحكي عنها بغير قليل من السخرية والنقد اللاذع. وخلال هذه الصفحات نلتقى بعالم عبد الجبار وعقله ورؤيته للحياة. فهو يتحدث بأسلوب رشيق عن العمل والحب, والخوف, والمرض, والحاجة, والجنس, والأصدقاء, والغرور, والفشل, والصبر, والمراوغة. كما يتحدث عن رواد المقاهي, وطلبة الجامعات, وعاملات المحلات, وغير ذلك من التجارب والشخصيات المتنوعة.
فربما ابتدع عبد الجبار شكلاً جديداً من اشكال القص. صنع من قصته القصيرة غلافا ضم بين دفتيه بوح نفسه, ومكنون صدره. أفكاره وتأملاته. ومع تنوع الأفكار والموضوعات فقد حافظ على النسق العام ووحدة الموضوع. عدا فصل وحيد هو الفصل المسمى ( الأم ), فهو الفصل الوحيد الخارج عن السياق.
وتنتهى أحداث الرواية بالذروة المتوقعة, أذ ينبذ الشخص الفكرة عندما تأتيه بالفعل بينما يتسكع فى شارع صفيه زغلول, وتقول له بوضوح أنها الفكرة. وحتى عندما تتوسل إليه, وتقبض على راحته متشبثة بها, فإنه يسحب يده ببساطة تاركاً إياها تبكى مقهورة. وعندما تسأله الفكرة: ألست تنتظرنى ؟. يرد باستنكار شديد: أنا ؟ . فلم يكن ساعتها على المقهى يشرب شاياً, ويدخن الشيشة .. قمة العبثية . لكنها العبثية المشروعة التى تنشر لك الضوء كى تستمتع به عيناك. لكنك هنا لست آمن .. إذ عليك أن تستشعر الخطر.
محسن الطوخي/ مصر






#محسن_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البساطة قرين الفن في القصة القصيرة بعنوان - دميتي - للأديبة ...
- توسيع الدلالة في القصة القصيرة جداً, - أحلامي -, للأديب الفل ...
- إضمار الفكرة فى تضاعيف الصورة, فى نص - الأسيرة -, للأديب الع ...
- سطوة النص في المجموعة القصصية.. - قرى الملول - للأديب اللبنا ...
- جوهر التآزر الإنسانى فى القصة القصيرة -عروس النهر-. للأديب ا ...
- مخاتلة الحلم في القصة القصيرة جداً بعنوان - شواطىء - للأديب ...
- حضور الغياب في القصة القصيرة - الطائرة الورقية-. للأديب العر ...
- ملامح المنهج العلمي في القصة القصيرة - السبيل - للأديب المصر ...
- رحلة الحياة والموت فى نص محطات متعاقبة للأديب العراقي/ رعد ا ...
- فراشةِ البَوْح. نص يُطوِّع الزمان والمكان. للأديب الفلسطينى/ ...
- سياحة فى الدروب الوعرة لنص - الأدب القبيح- للأديب التونسى/ أ ...


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن الطوخي - استشعار الخطر في رواية- رجل يجلس على المقهى - للأديب/ أحمد عبد الجبار - مصر