|
نتائج بديهية لحرب ما
أسامة حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5315 - 2016 / 10 / 16 - 01:14
المحور:
الادب والفن
( 1 )
مابين المحو والخط ، والخط والحرف ، والحرف والكلمة ، والكلمة والحرب ، ألف حكاية وقتيل .... (2)
ينتقل الموت من بلد إلى آخر ، والأوراق الذابلة مسحوقة بأقدام المارة المنهكين ، ليس ثمة ما يشير إلى أن ريحاً سرت في هذه البقعة ، ولكن الخوف كان يتسلل من نفَسٍ إلى آخر ، فالخوف يحمله الغبار ، الغبار وحدوات الأحصنة ، الحرب هي القتل والحياة ؛ والسوق والسرير ؛ والجارية وأحلام السلطان . ( 3 )
إذاً هو السأم ، السأم من كل شيء ؛ من العمائم المحشوة بالمخدرات ، من البطون المليئة بالأحقاد وجسوم الموالي ، من الأكاسيد والأحماض ورائحة المأساة ، من تاريخ المأساة ، ومأساة التاريخ . تقول المرأة العمياء : " في زماننا الأول ، كنا نرتقي سلالم نحو السماوات ، ونغسل أيامنا بنبيذ فردوسي ، وحظوظنا التي اعتراها الصدأ والحمَّى ، كانت صافية كالحليب " ( 4 )
هي فتاة تعمل في محل لبيع المزهريات والورود ؛ جميلة وفاتنة ، وملابسها دائماً برائحة القرنفل ، سألتها : أريد مزهرية لقرص عباد الشمس ، " بكل أسف يا سيدي ، نحن لا نتعامل مع الناجين من الحرب " جميلة وفاتنة ، ولا أحدٌ يراها سواي .
( 5 )
البنايات الشاهقة تبدو كأنها أشباحٌ ومنحدرات ؛ السماوات العلا مليئةٌ بالأعين المتلصصة ، وفي آخر سنةٍ من الحرب كانت الأرض وجهاً في لوحةٍ لسلفادور دالي محشوراً في زاوية ومظللاً بغيومٍ رَمَاديَّة .
( 6 )
لي صديقٌ كثيراً ما تشاركنا انتزاع القصائد من وُحُوْلِ العالم ، لأننا نؤمن كأبعدَ ما يكون الإيمان بأن القصيدة تشبه ثمرة التين ؛ مُوَشَّاةً بصليب الاستواء والتساقطات . نَتَسَارَرُ عن إلهام المكان ، وعن حرارة الخلق في مُخيَّلَة الشاعر ، لكنَّ الدروبَ تتباعد ، عند الحديث : عن وردة الروح - التي أزعم أنها تُخفِي عَوْسَجِيَّة الموت - وعن مطاردة الصورة كغزالٍ مُشْتَهَى .
( 7 )
ثمة قصائد لشعراء مجهولين ، مركونة على الأرصفة ، ثمة مناشر بائسة عليها سراويل ، وأعضاء بشرية منطرحة على أسوار الشرفات ، لوحات زيتية على الجدران تحكي تواريخ وأحاجي زمان ما ، والرأس الذي سقط من الشرفة ، تاه في أحجية مليئة بالغيوم والأصداء . ثمة قصاصات وأتربة قادمة من صحراء ؛ تحيل النفس رملية كلاشيء ، وهزيع أمطار من سماء مُثْخَنَةٍ وحانقة . بين السماء والصحراء وشائج ، وصفقات للسلاح ، ووُحى تستحق الاهتمام ، فالسماء مكتوبة بالرمل – الحياة بالمقلوب هي أكثر بهاءًا ، لأنها جديدة ، والذي في متناول الريح ، هو أيضاً في مَعِيَّة النسيان . ( 8 )
ستخرجون يوماً إلى الشوارع الموحلة ، تظللكم همومكم الرمادية ، جميعكم يخبئ في جيبه مدفعاً ، وفي جيبه الآخر صنوبرة وقصيدة ، والمسافة بينكم وبينكم سوف تجترح المعجزة ؛ حيث أن وجوهكم ستتعارف ، كأرواحٍ معلقة على مشاجب متجاورة ، وأحلامكم الخضراء سيغتالها النسيان ، ستغتالها اللصوصية ، ستمضون إذا إلى قبوركم المنزوية ، على وجوهكم سؤالات ودهشة . ( 9 )
الحشرجة الأخيرة لهذا العالم مليئة بالربو والضغائن ؛ أعمدة النور في الشوارع المتطاولة ذات أظافر طويلة وموحلة ، فلنبصق إذاً على هذا العالم ، فلنحشر هذا العالم في زجاجة ، فلنمنح مزيداً من الوقت للرأسماليين الوُدَعَاء لكي يهنأوا بسلامهم الروحي ، فلنسرق مزيداً من الوقت من الفلاحين الملاعين لكي لا يحيلوا فؤوسهم مدرعات ومقاليع ، فالسماء غائمة وبعيدة والأرض وطن للسحرة والأطفال للفلاحين الملاعين للشعراء الآبقين والخارجين من رحمة الله .
( 10 )
أعرف الله تماما ً مثلما أعرف جدتي ؛ لم أرها مطلقاً ولو في صورة ، محظوظون : من لم يعاصروا زمان اكتشاف التصوير . ( 11 )
كثيرون من يعوزهم الظل ، فالشجرة ليست دائماً شجرة ؛ الشجرة ربما قصيدة ، أو تعويذة ، أو قصة حياة .
( 12 )
لأن نظارتي تكسو العالم بالزجاج ، وتحاصر شوفيَ بالعالم ، فقد كنت أكره دائماً الأماكن المزدحمة ، لأنها تصيبني بالغثيان والتداخلات . لأن الصدى مرآة للصوت ، والصوتَ حدوةٌ لحصان الحق ، فإنه من الطبيعي ، إلى آخر حدود البراءة والغفلة ، ألا يسمع الجنرال صوت جريان النهر ، فهو شخص دائم التواجد في أحراش من بنادق ومرتزقة . ( 13 ) مكتبة صغيرة وبائسة ، في منزل صغير وبائس ، على الأرفف كتب متربة ، وأعشاب مرتوية بالنسيان ، على الجدران أناشيد فتوحات ، وصور لسبايا شقراوات ، ينتقل العجوز على كرسي متحرك إلى نافذة تطل على موسيقيين بآلات كئيبة ومصابة بالزكام – أعوادٍ محشوة بالخوف ، وجيتارات مملوءة بالديناميت واليورانيوم ، يفرك العجوز أيامه بيديه ، يوم ، إثنين ، ثلاثة ، لا شيء لا شيء سوى حصوات يبذرها على الأرض بيديه ، تنبت خيبات ومدائن ودروب وعرة يرى الغبار في كل شيء ، وعلى كل شيء – في القلب ، في العنق ، وعلى مُسَوَّدات الذاكرة ، على الأرصفة المليئة بالعشاق والباعة الجائلين ، على النباتات المشبعة بالسرطان والمؤامرات ، ملايين من البشر يساقون إلى حتوفهم تشيعهم الموسيقى والكلاب البوليسية السوداء ، أصوات ونباتات وأطفال : كلها – كلها في يديه / أجنة وشظايا وتواريخ سوداء . ( 14 )
كنت أتوهَّم ، وأنا أتقافز مثل كانجارو ، أنني أتحاشى الأشلاء والأنفاس الحارة والأخيرة الطالعة من صدور مثقوبة بالرصاصات عبرت الشارع في خفة الطيف ، ثم ألقي القبض عليَّ في حارة جانبية وأنا أدندن أغنية لبوب مارلي : " you are the buffalo soldier "
( 15 )
وقتما حاصرتني الجريمة من جميع النواحي ، صار بمقدوري أن أرى : الحياةَ التي تَنِزُّ من ساق مبتورة ، والريح التي تذكرت للتوِّ ، موعداً غرامياً مع شجرة خصرها مشتعل وقامتها منحنية ..
#أسامة_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشارات قصيرة إلى الماء
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|