|
الهدف ووسيلة تحقيق الهدف ليسوا بالضرورة مرتبطان.
مينا عدلي يونان
الحوار المتمدن-العدد: 5306 - 2016 / 10 / 6 - 00:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هم علمونا ان لكل هدف طريق مفضّل للوصول اليه، ولكن هذا خطأ.
قد تقول العمل الجاد والالتزام والاجتهاد والمثابرة وطاعة الأوامر تحقق هدف الترقي في العمل وزيادة الدخل، ولكنك مخطئ، لان الكثيرين سلكوا هذا الطريق ولم يحققوا شئ وبقوا مكانهم، وغيرهم حققوا نفس الهدف ولكن بدون ان يضيعوا حياتهم في هذا الطريق. هل كان أينشتاين الذي قال "لا يمكن ان تحل مشكلة ما بنفس العقلية والتوجه الفكري الذي خلقها في البداية."؟
تقريبا في كل مرة اذهب الي الچيم اري هذة المرأة ميسي ، امرأة سمينة تركض ثلاث مرات في الأسبوع علي جهاز الركض لمدة ساعة كاملة في محاولات مستميتة للنحفان ولكنها لم تخس رطلا واحدا خلال الثلاثة أعوام الماضية. في حين ان كيفين الذي يقاربها عمرا او قد يكون اكبر منها، بالرغم من عدم التزامه باي تمرين في الجيم، وتغييره لنظامه الرياضي كل أسبوع، فقد العشرات من الكيلوغرامات حتى ان من لم يتابع تطوره قد لا يدرك انه نفس الشخص الذي كان سمينا للغاية العام الماضي. (علميا ان أردت ان تفقد وزنك يجب ان تفاجئ جسمك باستمرار بعادات غير مألوفة له، فليست صعوبة التمرين او طول مدته، بل تغييره باستمرا هو الذي يصنع فارقا صحيا ملحوظا)
قديما حكوا لنا قصة كلب الصيد الذي كان دائماً يصل الي الفريسة قبل اي احد اخر، وعندما سألوا صاحبه عن السبب قال لأنه دربه الا يحيد ببصره عن الهدف حتى يصل اليه.
المشكلة اننا لسنا كلاب يدربها صاحبها لتحقق هدفا هو في الحقيقة لمصلحته هو. ولسنا ثيران تدور في ساقية ابدية لا تستطيع ان تنظر يسارا او يميناً.
أفكار مثل ضع عينك على الهدف ولا تحيد عنه، او كلمة الرجل شرف له، او عقد الزواج عقد أبدي، او المثابرة على العمل ستحقق أحلامك المادية، او تراب الوطن أغلى من الدم، او دين الميلاد لا يمكن تغييره، كلها شعارات جوفاء لا تصب في مصلحة المجتهد بل مصلحة شخص آخر او نظام تحكمي يريد إخضاعك.
الأذكياء والناجحين في حياتهم باجتهادهم الحقيقي وليس مصادفة يدركون ان الوسائل متغيرة لان الحياة ليست جامدة، فالذي يصلح هنا قد لا يصلح هناك، والوسيلة التي نجحت قديما قد لا تنجح مرة اخرى. وحتى الهدف نفسه قد يتغير بسهولة. فان كان هدفي هو الاجتهاد للترقي في العمل، ولكني وجدت ان البيروقراطية والمحسوبية تمنعني فيجب ان أغير هدفي وابحث عن هدف جديد؛ وضيقة جديدة، مشروع شخصي، الخ.
عندما كنت صغيرا كنت أطن انني أستطيع ان أغير وطني الي الأفضل من خلال ان أكون مواطنا صالحا أمينا شريفا، وان الإصلاح العام يبدأ من الفرد، وكان يصل بي إيماني الي درجة جمع القمامة من الشارع كي اساهم في نظافته، ولكن مرت سنين ولم تنظف البلد، فان كان هدفي هو نظافة البلد ووسيلتي هي التقاط القمامة التي أراها في طريقي، فقد فشلت، ليس في عدم تحقيق الهدف ولكن في عدم تغيير الوسيلة او الهدف نفسه، لذلك أبدلت هدف إصلاح البلد بتغيير البلد تماما وهو ما صَل في مصلحتي الشخصية وحسب لي انجازا.
كذلك فعلت في ملة اجدادي عندما رفض عقلي تقبيل أيادي وأرجل البشر الأحياء والأموات، والاعتقاد بافكار وفلسفات تفصلني عن الاله الواحد أبو الكل ومنبع القوة والحياة، في البداية حاولت الإصلاح، والمناقشة والتوضيح، ثم حاولت البقاء على ما انا عليه ولكن بإيماني وقناعتي الشخصية، ولكني لم أنجز فعلا وأحقق هدفي انا بكل قوته الا عندما تركت تماما وبحثت عن طريق اخر يشبعني وليس مجرد طريق اختاره الآخرون لي.
ولكن، تغيير الهدف والوسيلة ليس الصورة كاملة، فالحياة ليست أهدافا تحقق بل هناك متع كثيرة نفقدها عندما لا نقدر الطرق التي نسلك فيها، هناك متعة في جمع القمامة من الشارع بالرغم انه لن ينظف أبدا، هناك متعة في مساعدة المحتاجين بالرغم من انهم سيظلون هكذا الي الأبد، هناك متعة في المواظبة علي الشعائر والأعياد الدينية حتى لو لم تؤمن بها. هي متعة كيميائية بحتة لا تعلي من شانك كإنسان، تماما كمتعة الاكل او الجنس،وكشعور الكلب الذي احضر الفريسة لصاحبه.
نحن بحاجة الي هذا النوع من المتعة، لذلك اجعله هدفا مستقلا وليس مجرد وسيلة لتحقيق هدف اخر، وإلا لن تحقق هدفك، ولن تستمتع بالوسيلة. تماما مثل هؤلاء الذين ياكلون خيارا وجزرا ويركضون ساعة يوميا علي أمل فقدان الوزن، في حين ان الركض لو هدفا في حد ذاته فأفعله، وقمع الجسد والصوم لو اهداف في حد ذاته فأفعلها، وقتها ستكون انت المنتصر. ولكن احذر من ان تعذب نفسك في طرقا لا تحبها ظنا منك انها ستحقق أهدافك. احذر من ان تصلي وتتعبد ظنا منك انك ترضي الاله وتتقي جحيمه. احذر من ان تذاكر فقط لتنجح في الامتحان، او تجتهد في عملك فقط من اجل ترقية.
ان لم تحب ما تفعله فخير لك الا تفعله
عِش حياتك غير أهدافك ولا تخف من اكتشاف طرقا جديدة
#مينا_عدلي_يونان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غموض بمسار الطائرة الأذربيجانية وسبب عبورها بحر قزوين قبل تح
...
-
-ثقب جسم الطائرة الأذربيجانية دليل دامغ على صاروخ أرض جو-..
...
-
سوريا.. أحمد الشرع -الجولاني- يشعل ضجة بمزاعم حمل -مسدس- بظه
...
-
حفل تنصيب ترامب و-طوفان من الاهتمام-
-
ملياردير روسي يعلن مكافأة ضخمة لمن يسقط طائرة -إف – 16-
-
مؤسسة روسية تجري دراسة لمواصفات -شوكولاتة دبي-
-
انقطاع الاتصال مع إدارة مستشفى كمال عدوان بعد محاصرته من قبل
...
-
موزمبيق.. مئات القتلى والفارين من السجون وسط احتجاجات على ال
...
-
إسرائيل تعتقل طبيبا أردنيا خلال مهمة إغاثية إلى غزة
-
خبير: سيصعب على الأوروبيين تبرير دعمهم لكييف بعد تصريح ترامب
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|