|
قانون (جاستا)...رسالة سياسية
هفال كتاني
الحوار المتمدن-العدد: 5304 - 2016 / 10 / 4 - 23:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قانون (جاستا)... رسالة سياسية من يطالع الجرائد العربية هذه الايام، وأغلبها كما هو معروف ممول من قبل السعودية، يتحسس سريعاً حالة الهيجان التي تنتاب كتاب الأعمدة والرأي فيها مدفوعين بالطبع بتوجه رسمي من قبل المملكة لإدانة قانون (العدالة ضد رعاة الارهاب) المعروف اختصاراً ب (جاستا)، والذي تمت المصادقة عليه مؤخراً لدى السلطات التشريعية الامريكية. ولمن لا يعرف، فأن القانون - أو بالاحرى الأسباب الموجبة لصدوره - ليست بالجديدة، ولعلها تعود الى أيامٍ معدودة من بعد احداث 11 سبتمبر من عام 2001، وحينها تشكل توجه شعبي- ونخبوي مدعوم بكتابات عديدة قديمة وحديثة تدين السعودية – من دون بقية خلق الله - بجرائم الارهاب، وتطالب من ضمن ما تطالب به فك آواصر العلاقة التأريخية الفريدة بين الولايات المتحدة ومملكة آل سعود، وصولاً لتحميلها تبعات العمليات الارهابية (أينما حدثت)!. لكن والذي حصل ان الادارة الامريكية وحاشية الصقور الملتفين حولها في حينه اقنعوا الرئيس بوش الابن بالتوجه اعلاه، واقصد معاقبة السعودية، لكن بشكل غير مباشر ومن ضمن خطة اوسع لأعادة تشكيل الشرق الاوسط عبر آليات الفوضى التي سميت تلاعباً ب(الفوضى الخلاقة). القصد ان اسباب صدور هذا القانون ليست بالحديثة او وليدة تغيير آني في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الاوسط، أو هي بأختصار – كما تحاول الصحف السعودية تصويره - نتيجة ضعف وارتباك سياسات الرئيس اوباما التي كثر الحديث عنها. ولمن لا يعرف ايضاً، فأن السلطات الامريكية رسمت لأهالي ضحايا سبتمبر ومنذ البدء طريقاً قانونياً سهلٌ ومضمون نسبياً لمطالبات التعويض من مؤسسات مالية وتأمينية امريكية عديدة، وذلك ضمن آليات التأمين المتعارف عليها في المجتمعات الغربية. لكن وكما يبدو، أن ثائرة ذاك التوجه لأدانة السعودية لم تهدء قط، وكأن الامر لا علاقة له بالتعويض المادي، ومن بعد فأن احداث المنطقة المأساوية لم تزدهم الا قناعة بوقوف جهات سعودية وراء ما اصطلح عليه ب (جذور الارهاب). أما عن قانونية القانون نفسه، ايضاً ومنذ البدء لم يسلم هذا القانون من التمحيص والنقد القانونيين منذ بدايات تشكله بصيغة مسودة مشروع قانون معروض على اللجان القانونية ومراكز البحوث المتصلة بالسلطات التشريعية، وأهم انتقاد وجه اليه بحق هو خرقه الواضح لواحد من اهم مبادئ القانون الدولي والمعروف بالحصانة السيادية، وبأعتباره نسفاً خطيراً لأحد أعمدة العلاقات الدولية القائمة على مبدأ الدولة الفيستفالية، وأخيراً تم تنبيه المشرعين الامريكيين بردود عكسية سلبية على الولايات المتحدة الامريكية نفسها اذا ما تمسك الغير به بالمقابل، والمعلوم ان بركة الولايات المتحدة عكرة كفاية لهواة الصيد في الماء العكر. واخيراً عن قيمة القانون من حيث التنفيذ، فتكاد الدراسات القانونية داخل امريكا نفسها تجزم بأستحالة "إثبات الصلة الرسمية التي لا تدعو للشك بين العملية الارهابية والدولة الراعية لها"، وهذا هو مطلب القانون، وبدونه – اي بدون اثبات الصلة - يبقى القانون مجرد مشروعاً مالياً مربحاً ولسنوات مديدة لمكاتب المحاماة الامريكية لجهتي المدعيين والمدعيين عليهم سواء بسواء، اي وبأختصار ومن ناحية قيمته التنفيذية فهو قانون ميت قبل ان يولد....لا اكثر ولا اقل. ماذا بقي اذاً ؟ ولماذا تبدو السعودية منزعجة حد القلق من هذا القانون ؟ لعل الاسباب هي بعض مما يلي: اولاً: المؤسسة التنفيذية الامريكية ممثلة بشخص الرئيس أوباما لم تتحرك بالقدر الكافي لأيقاف المشروع ووأده منذ البداية، والكل يعلم صلاحيات الرئيس الامريكي، وانه لو اراد لمنع المشروع بأي تخريج قانوني كان، والحال انه عبر (بأعتدال) عن اتجاه امريكي رافض للمشروع بأعتبار حسابات تبعاته السلبية الأنية على العلاقات الدولية، والسعودييون يستطيعون قراءة ما بين سطور هذا (الاعتدال في الرفض)، ومصدر الخيبة في انهم كانوا يأملون اصطفافاً من الرئيس معهم وبكل ثقله وليس مجرد رفضٍ وبأعتدال، وهو ديدن جميع القرارات الغربية على كل حال، اذ نادراً ما تجد موافقة من الجميع على القرارات من هذا الحجم. ثانياً: في الوقت الذي يسمح القانون (بعموميته) مقاضاة اية دولة كانت تثبت صلتها بالإرهاب دون ان تسمي السعودية بالطبع، اي نظرياً يمكن مقاضاة اية دولة من مثل ايران او قطر او كوريا الشمالية، فأن المعني بالقانون (بخصوصيته) هي السعودية ليس إلا، وملفات الدعاوي حاضرة ومكتوبة وهي بأنتظار التسجيل، والمدعيين يعلنونها انهم يقصدون في دعواهم السعودية وليس سواهم، وان منفذي الهجوم الارهابي في سبتمبر كانوا غالبيتهم من السعودية، اما البقية فقد كانوا مندفعين بفتاوي شيوخها. ومن ثم فقد ثقل على السعوديين ان يكونوا هم بالتحديد – دون غيرهم - هدف قانون مثير للجدل، كيفما تعاملت معه اصابك رشاش ماءه القذر. صحيحٌ انه قد لا ترجو منه فصل في الدعاوي لصالح المدعيين، لكن ماذا عن الصورة الدولية للمملكة؟ وماذا عن تماهي صور شيوخ الارهاب مع صور الامراء السعوديين في الوجدان الامريكي؟ وماذا إن تساءل غداً مسلم عاقل معتدل (تسلم الدنيا من يده ولسانه) عن مدى صلاحية خدمة الحرمين وقبلته من قبل مطعون في سلامته وسلمه في الناس بيده ولسانه؟ وماذا عن المطلب القديم - الجديد الداعي ب(الولاية الاسلامية الدولية) على الحرمين؟. ثالثاً: السعوديون يسألون: فما عدا مما بدا ؟؟ والذي بدا في حينه، أي وقت وقوع احداث سبتمبر، هو إحتواء رسمي داخل امريكا وخارجها للتحليلات والجهود التي حاولت ان تصل الارهاب الدولي بالمؤسسة الرسمية السعودية، وبدا وكأن السعودييون قد نجحوا في نشر صورة ضبابية عن اصول الجناة، وكنت لا تعلم لماذا يتم تسميتهم بالمسلمين المتطرفين وليس بالسعوديين الارهابيين، مع ان التسميتين صحيحة، وركن السعودييون الى ما بدا لهم انه جواب وافي على سؤال وطلب الامريكيين لهم بضرورة اصلاح الداخل السعودي، اذ اوضحوا للأمرييكان - وهذا كان جوابهم - بأنهم لا يوافقون البتة على افعال الارهاب، وأنهم يؤمنون بالدولة والنظام الدولي وقوانينه، وأنهم كعائلة حاكمة ثرية (بتوفيق من الله)، لا تشتري بضاعة المتطرفين ب (سنت) واحد، بل انهم مع فكرة الانتخابات من حيث المبدأ، واعطاء المرأة حقوقها، وان الاميرات يسقن العربات خارج المملكة، لكن .... - هناك توازن دقيق قائم عليه عملية الحكم في المملكة، وعليكم أيها الأمرييكان ان تتفهموه.. - وان المتشددين متنفذين ولا غرو، وعليكم ان تمنحونا الوقت (الكافي) للأستئصال... - وان المتشددين متمكنون من اثارة الشارع والعامة ولا سوء في التقدير، وعليكم بالحُلم... - وان للمتشددين اموال وشبكات في الداخل والخارج ولا عجب، وعليكم بالتعاون الاستخباري معنا للإحتواء... لكن يبدو ان الامريكيين لم يرغبوا في تفهم الواقع السعودي، وقد يقال بأن ما مُنح من الوقت لهو زمنٌ كافيٍ، اما الحلُم فهي خاصية غير امريكية، واخيراً فالتعاون هو الاخر كفيل بالنتائج السريعة والملموسة. اذاً، على السعوديين تغيير طلبهم، لكن كيف والاسباب الاربع اعلاه باقية كما هي....وهذا هو مصدر قلق السعوديين الثالث. رابعاً: هو النفط... تلك النعمة – النقمة، وأهلها وبائعيها يسألون: هل ان بضاعتهم على وشك ان تبور وترد اليهم؟ وهل للإحتياطي النفطي في حقول امريكا (المستكشف منه او المتوقع والتقليدي منه اوالصخري) أية علاقة بفقدان الاهمية الاستراتيجية لدول المنطقة؟ وان كان ذلك صحيحاً ولو بعد حين...فماذا نحن فاعلون؟، وأول الغيث هي قطرة هذا القانون ومن ثم فقد تنهمر الخطوب والقادم أسوء. خامساً: هي العولمة...تلك الشمطاء التي لا تؤتمن، وزوجها الإعلام المنفلت ذاك اللئيم الذي لا يعرف الحدود، فأن تصديت للقانون بأكثر مما يَجبه الحُرص وقعت في شرك الاتهام، وان سَكَتْ بأكثر مما يجبه التغاضي وقعت في شرك الاهمال وفوات الفرص....لله هذا ماقصده العراقيون ب: بلاع موووس!. أسباب عديدة لقلق الصحافة السعودية من هذا القانون، وكلها غير قانوني، إنما الرسالة سياسية بأمتياز..ونتركها للسياسيين.
#هفال_كتاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رد بعض المصطلحات الى معانيها في مصر
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|