|
كنيسة مكة
عمر سلام
(Omar Sallam)
الحوار المتمدن-العدد: 5302 - 2016 / 10 / 2 - 18:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنيسة مكة كان العرب في بداية نشوئهم كأمة اثروا وتأثروا بالحضارات المحيطة بهم وبالأديان التي خرجت من صلبهم، وباعتبارهم في مركز التطور الحضاري الذي انهارت على أعتابه وبينه عدة حضارات امتازت بالرقي والتطور العمراني والتطور الفكري بالنسبة للأزمنة التي تشكلت فيها. وهذا واضح وجلي من خلال الاثار المتبقية مثل اثار تدمر واثار الانباط وسد مأرب. الا ان كل ما يملكوه من رقي في تلك الفترة قد محي بطريقة جائرة من قبل كتبة التاريخ في القرن الثامن والتاسع الميلادي. وعلى الأخص من قبل كتبة التاريخ الإسلامي الذي صور العرب بأنهم مجرد قوم جهلة يقعون بأدنى السلم الحضاري وجاء الإسلام لينتشلهم من التيه الذي هم فيه. كما أنقذ موسى قومه من التيه الذي استمر أربعون عاما. وتصور لنا الرواية الإسلامية ان العرب قبل الإسلام كانوا وثنيين جل همهم عبادة الاصنام، وهم غارقون بالصراعات القبلة وانهم يعيشون في ظلام دامس ليس لهم أي سمة حضارية. ان كتبة التاريخ العربي قبل الإسلام وبعده قد أخفوا جل الحقائق وكتبوا تاريخ يناسب مزاجهم بعد مائتي عام من بداية التقويم العربي. (وهو التقويم الهجري المتعارف عليه إسلاميا ولي لاحقا بحث في هذا المجال). الا ان هناك بعض الحقائق لم يستطع كتبة التاريخ اخفاءها فتسربت بين نصوص الكتب والتي يلتقطها الباحث ليشكل منها منطلقا لفهم التاريخ العربي. وربما بتضافر عدة جهود سيتم إعادة صياغته من جديد. ان جزء مهم من التراث الحضاري العربي هو مجموعة الكنائس الاثرية المنتشرة في بلاد الشام والرافدين. وتم تدمير كنائس الجزيرة العربية. وفي كتاب اخبار مكة للأزرقي يذكر كنيسة مكة (وَمِنْ حَدِّ مُؤَخَّرِ حُجْرَةِ زَمْزَمَ الَّتِي تَلِي الْمَقَامَ إِلَى حَدِّ السِّقَايَةِ، وَبَيْنَهُمَا الْحَوْضُ الَّذِي عَلَيْهِ قُبَّةُ زَمْزَمَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَمِنْ حَدِّ مُؤَخَّرِ حُجْرَةِ زَمْزَمَ الَّذِي فِيهِ الْكَنِيسَةُ إِلَى حَدِّ السِّقَايَةِ، وَبَيْنَهُمَا الْحَوْضُ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ قُبَّةٌ، تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَتِسْعَةُ أَصَابِعَ، فَلَمْ يَزَلْ هَذَا بِنَاءَ الصُّفَّةِ - صُفَّةِ زَمْزَمَ - وَهُوَ بَيْتُ الشَّرَابِ - حَتَّى هَدَمَهُ عُمَرُ بْنُ فَرَجٍ الرُّخَّجِيُّ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَبَنَاهُ، فَبَنَى أَسْفَلَهُ بِحِجَارَةٍ بِيضٍ مَنْقُوشَةٍ، مُدَاخَلَةً عَلَى عَمَلِ الْأَجْنِحَةِ الرُّومِيَّةِ، وَبَنَى أَعْلَاهُ بِآجُرٍ، وَأَلْبَسَهُ رُخَامًا، وَجَعَلَ بَيْنَهُ كُوَاءً عَلَيْهَا شُبَّاكٌ مِنْ حَدِيدٍ وَأَبْوَابٌ، وَجَعَلَهَا مُكَنَّسَةً، وَفَوْقَ الْكَنِيسَةِ ثَلَاثُ قِبَابٍ صِغَارٍ، وَأْلَبَسَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْفُسَيْفِسَاءِ، وَجَعَلَ فِي بَطْنِهَا حَوْضًا كَبِيرًا مِنْ سَاجٍ فِي بَطْنِ الْحَوْضِ، حَوْضٌ مِنْ أَدَمٍ يُنْبَذُ فِيهِ الشَّرَابُ لِلْحَاجِّ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ ) إذا هناك كنيسة في مكة وفوقها ثلاث قباب. وربما كان العرب يبنون الكنائس عند بعض ينابيع المياه للتطهر ولإضفاء صفة قدسية عليها اذ يعتقد المؤمن ان الماء نابع من الكنيسة. كما كان في كنيسة الفيجة في ريف دمشق التي بنيت فوق نبع الفيجة الشهير. وفي وصف الازرقي عن احواض السقاية للحجاج (فِي كُلِّ حَوْضٍ مِنْهَا حَوْضٌ مِنْ أَدَمٍ يُنْبَذُ فِيهِ نَبِيذٌ لِلْحَاجِّ، وَيُصَبُّ فِي الْحِيَاضِ مَا يَجْرِي فِي قَنَاةٍ مِنْ رَصَاصٍ، وَالْقَنَاةُ فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى يَسَارِكَ تَحْتَ الْكَنِيسَةِ، عَلَيْهَا حَوْضٌ مِنْ سَاجٍ،) ويتضح من وصف الازرقي ان سقاية الحجاج هي ماء زمزم ثم يشرب النبيذ في أحد الاحواض. والنبيذ هو الخمر (الا ان الفقهاء المسلمين وضعوا له تعريفا اخر وهو نبذ التمر بالماء ليصبح الماء المحلى بالتمر). ويصف الازرقي طريقة اخراج الماء من بئر زمزم (وَذَرْعُ تَدْوِيرِ رَأْسِ الْبِئْرِ مِنْ خَارِجٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَنِصْفٌ، وَتَدْوِيرُهَا مِنْ دَاخِلٍ اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا وَنِصْفٌ، وَعَلَى الْحُجْرَةِ أَرْبَعُ أَسَاطِينَ سَاجٍ، عَلَيْهَا مِلْبَنُ سَاجٍ مُرَبَّعٌ، فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ بَكَرَةً، يُسْتَقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ، وَفِي حَدِّ مُؤَخَّرِهِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ كَنِيسَةُ سَاجٍ يَكُونُ فِيهَا الْقَيِّمُ، وَيُقَالُ إِنَّهَا مَجْلِسُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفَوْقَ الْمِلْبَنِ حُجْرَةُ سَاجٍ عَلَيْهَا قُبَّةٌ، خَارِجُهَا أَخْضَرُ، ثُمَّ غُيِّرَتْ بِالْفُسَيْفِسَاءِ، وَدَاخِلُهَا أَصْفَرُ، وَفِي حَدِّ حُجْرَةِ زَمْزَمَ أُسْطُوَانَةُ سَاجٍ مُسْتَقْبَلَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ،) يستشف من ذلك ان راهب الكنيسة هو عبد الله بن عباس حسب بعض الاقوال التي نقلها الازرقي. ويكرر ذلك في وصفه لفم البئر. (وَسَعَةُ فَمِ زَمْزَمَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَثُلُثَا ذِرَاعٍ، وَعَلَى الْبِئْرِ مِلْبَنُ سَاجٍ مُرَبَّعٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ كُرَةً يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ الرُّخَامَ عَلَى زَمْزَمَ وَعَلَى الشُّبَّاكِ وَفَرَشَ أَرْضَهَا بِالرُّخَامِ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ عَمِلَهَا الْمَهْدِيُّ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُمَرُ بْنُ فَرَجٍ الرُّخَّجِيُّ فِي خِلَافَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُعْتَصِمِ بِاللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَتْ مَكْشُوفَةً قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا قُبَّةً صَغِيرَةً عَلَى مَوْضِعِ الْبِئْرِ، وَفِي رُكْنِهَا الَّذِي يَلِي الصَّفَا عَلَى يَسَارِكَ كَنِيسَةٌ عَلَى مَوْضِعِ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، غَيَّرَهَا عُمَرُ بْنُ فَرَجٍ فَسَقَفَ زَمْزَمَ كُلَّهَا بِالسَّاجِ الْمُذَهَّبِ مِنْ دَاخِلِهَا، وَجَعَلَ عَلَيْهَا مِنْ ظَهْرِهَا الْفُسَيْفِسَاءَ، وَأَشْرَعَ لَهَا جَنَاحًا صَغِيرًا كَمَا يَدُورُ تَرْبِيعُهَا، وَجَعَلَ فِي الْجَنَاحِ كَمَا يَدُورُ سَلَاسِلُ فِيهَا قَنَادِيلُ يُسْتَصْبَحُ فِيهَا فِي الْمَوْسِمِ، وَجَعَلَ عَلَى الْقُبَّةِ الَّتِي بَيْنَ زَمْزَمَ وَبَيْنَ بَيْتِ الشَّرَابِ الْفُسَيْفِسَاءَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تُزَوَّقُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ،) فالحج كان الى كنيسة مسيحية وحسب تقاليد مسيحية يتخلل الحج شرب النبيذ وهو جزء من الطقوس المقدسة بتقديس الحجة بالنبيذ. هذا ما جعل ابرهة يبني كنيسة ليصرف الحجاج العرب اليها. فالعرب يحجون الى كنيسة ويجب صرفهم الى كنيسة أخرى. (فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ، وَبَنَى أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ الْقُلَّيْسِ بِصَنْعَاءَ إِلَى جَنْبِ غُمْدَانَ كَنِيسَةً وَأَحْكَمَهَا، وَسَمَّاهَا الْقُلَّيْسَ، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ: إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ حَاجَّ الْعَرَبِ إِلَيْهَا ")
النتيجة كان حج العرب الى الكنائس، وكنيسة مكة هي أحد أماكن الحج، وهناك حج الى بيت لحم والى القدس، والى الرصافة ...الخ فلم يكن المسيحيون يحجون الى مكان بعينه. والمسيحيون العرب لم يكونوا على مذهب واحد بل كانوا على مذاهب متعددة أشهرهم اليعقوبية عند الغساسنة والموارنة في غرب بلاد الشام و الاريوسية في الحيرة والكاثوليكية في اليمن والقبطية في مصر. وربما هناك طوائف أخرى في الجزيرة العربية غبر عنها الاحناف في تلك الفترة. فالتحنف هو التحنث وهو البر والعبادة في المسيحية او التبرر. النتيجة ان حياة العرب كانت مليئة بالنشاط الروحي والديني ولم تكن خاوية. وان بداية تأسيس الدولة العربية كانت استمرار للنشاط السياسي للدولة العربية (الغساسنة) التي قويت مع ضعف نفوذ الدولتين الرومانية والساسانية .اعتمدت على المسيحية اليعقوبية التي لاقت رواجا بين العرب . ثم توحدت مع المناذرة ليشكلوا نواة الدولة العربية . ومعاوية كانت لقاءاته بالكنائس . وكانت خطبه بالكنائس . وكان بالشام كنيسة تسمى كنيسة معاوية . وللبحث صلة
#عمر_سلام (هاشتاغ)
Omar_Sallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكة – المدينة .........بيت المقدس - دمشق
-
ثنائية - الله محمد
-
الإسلام والخديعة التاريخية الكبرى 1
-
اين تذهب أموال حجاج بيت ال سعود
-
الحج الى بيت الله أم الى بيت ال سعود
-
رحموت خير من رهبوت
-
رمضان .... من وضع طقس الصيام الحالي في الإسلام
-
قصة قصيرة عودة
-
لماذا القران.... مترجم عن السريانية -الجزء الثاني
-
لماذا القرآن.... مترجم عن السريانية ؟؟؟ الجزء الاول
-
سفر التكوين القرآني ونظرية الأربع كتبة للقرآن – الجزء الرابع
-
الصهيونية الإسلامية
-
سفر التكوين القرآني ونظرية الاربع كتبة للقران – الجزء الثالث
-
ومضة من ازمة اليسار العربي
-
سفر التكوين القراني - الجزء الثاني
-
سفر التكوين القرآني ونظرية الاربع كتبة للقران – الجزء الاول
-
القران و خلق الانسان
-
من وحي القران لكل جواد كبوة ولكل مترجم هفوة
-
من المخطئ الله ام الكاتب ام المترجم
-
الإبادة الجماعية في القران
المزيد.....
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|