جلال حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5301 - 2016 / 10 / 1 - 15:02
المحور:
الادب والفن
الرجل الأنيق وأغنية لسه فاكر
جلال حسن
مرة، جلست في مقهى أم كلثوم في منطقة الميدان، وهذه المقهى مشهورة باسم الفنانة وروادها، ومن يجلس فيها يشم رائحة الماضي تعبق بجمال تلك الفترة الزاهرة بالفن، ويسرح بخيال مع موسيقى وصوت وصور السيدة المعلقة على الجدران التي رسم بعضها بزيت وأخرى فوتوغرافية مع مشاهير السياسيين والفنانين والأدباء والمعجبين وجميعهم مضوا الى حتفهم وتواروا تحت التراب،
وصادف في هذه المرة حين جلست وأشعلت سيكارة على تحريك استكان شاي، دخل رجل وقور على مشارف الستين من عمره يحمل حقيبة جلدية ويرتدي ملابس أنيقة ويلبس نظارتين طبيتين.
وما أن جلس إمامي على الأريكة المقابلة حتى بدأ شريط صوت أغنية (لسه فاكر) يدور ويصدح بألحان الموسيقار رياض السنباطي وكلمات عبد الفتاح مصطفى،
فجأة، أرتبك وتضايق الرجل الأنيق وراح يبحث عن شئ ما في جيوبه، وأطرق رأسه الى الأسفل، حاولت قدر الإمكان عدم النظر اليه، لكن دموع الرجل أثارتْ انتباهي، بكاء ودموع تذرف ولم تتوقف، وصار يتنهد وينوح بهدوء وهو يحاول خجلا أن يضع كفه على جبهته لكي يخفي دموعه بمنديل صغير،
كان الموقف حزيناً مؤثراً للغاية، ولا أدري أن بكيت مثله على سيل دموعه أم لا، وقد أخذتني أسئلة كثيرة في بكائه، تساءلت مع نفسي هل فتحتْ هذه الأغنية جرحا في قلبه، وأعادتْ شريط ذكريات حزينة من الفقد والخسارات؟ وربما رحيل زوجة أو حبيبة أو عزيز أو نظرة ألم على عمر ضاع بالأوجاع والإحباط. وأسئلة أخرى لا جواب لها
انتهت الأغنية، مسح الرجل ما تبقى من دموع وأرجع المنديل الى جيبه، دفع ثمن الشاي من دون ان يشربه وخرج مسرعا الى الشارع.
بقيت أنظر الى مكان الرجل المبلل بالبكاء، أحدق في نقطة لا أرى ما فيها، رفعت رأسي على صورة لأم كلثوم معلقة على الجدار تظهر حفلة في زمن الستينيات مع جوقة موسيقيين وبالقرب منها كرسي فارغ، كنت أعرف أن الكرسي الفارع وضعته أم كلثوم احتراماً لرحيل الملحن محمد القصبجي. نظرت الى صورة ثانية لكن خانني التعبير عن وصفها.
خرجت من المقهى ودموع الرجل الأنيق لا تفارق مخيلتي، وتبادر الى ذهني سؤال: هل يمكن تحنيط الدموع؟
الدموع يمكن أن ترسم وتصور، لكن لا تحنط ولا تنحت، أنها تعبير صارخ يكشف عن أشياء كثيرة، وفي صدقها تخجل العيون من المناديل.
-------------------------------
جلال حسن
30/10/2016
#جلال_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟