|
الوعي الشقي .... وشقاء ثقافة السياسي المتأسلم .
سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1412 - 2005 / 12 / 27 - 15:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو كان على ان اعطي تعريفا موجزا لثقافة السياسي المتأسلم ، لقت انها عودة تهكمية للوعي الشقي ، ذلك ان الوعي الشقي ، هو قبل كل شيء وعي بالازدواجية والتناقض . وبما انه وعي ممزق منفصل منقسم على نفسه ، فانه ينحل الى تناقضات لا متناهية . وهذا الانقسام المؤلم الذي يقوم على جدلية الخطيئة والالم ، والعذاب والاختيار ، سرعان ما يجد تبريره – كما هو الشأن عند التيارات السياسية المتأسلمة – في تعال وخارج منطلقين ، في ارهاب لا متناه يعكس هو الاخر هذا الانفصال بشكل نهائي . انه تعال مطلق يلقي بالزمن في غياب مزدوج : فهو يدفنه في الماضي مثلما يرمي به نحو المستقبل . ذلك ان ( الوعد بحياة ابدية عندما يصالح ، على المستوى الفكر ، بين الايمان واليأس ، فانه يجعل الشقي غريبا عن ذاته ، خارجا عن الزمن ، والحال ان الحنين الى الارض المفقودة قد اوهم ) الوعي الشقي للسياسي المتأسلم بنهاية الشقاء وانقضاء ذلك المنفي ، واختفاء تلك الفوارق التي لا تطاق ، والتي تجعل الشقي يعيش التاريخ " مندفعا نحو الامام مشدودا الى خلف " على حد تعبير كبير كيفارد ، واعني في انفصال مطلق عن الوجود التاريخي . ان مفهوم الشقاء عند الاسلام السياسي ، يتولد عن ثنائية أمة معذبة / افكار مهمشة ، فهذه الامة تردد كما يتعود اصحاب الاسلام السياسي ، نحن المسلمون ، حكم علينا ان نكون خير امه ، وان شقاءنا يمكن في اختيارنا ، واختيارنا هو انفصالنا لا مطلق وقيام دولة الاسلام نهاية لهذا الشقاء . ( ليس من شك ان هذه النزعة الوجودية التي تقول بانفصال الوعي ستطابق جدل سارتر اشد المطابقة ) . فهذه التيارات السياسية المتأسلمة ارادت لنفسها ان تكون فوق التاريخ لا يمكنة ان يخترق الغياب المزدوج ( غياب الذكرى والامل ) الا عن طريق قلب ساخر للوعي الشقي . حيث تنقلب منفى السياسي المتأسلم . الى منفى الاخر ، ويصبح امتلاك الحكم الموعود اختلاسا للاخر ، ويكون تأسيس الدولة الاسلامية قضاء عالي شعوب الامة الاسلامية العربية منها وغير العربية ، وما التفجيرات التي تقوم بها تنظيمات اسلامية ، والتي يتزعمها روحيا ( اسامة بن لادن " خير شاهد على ما ذهبت علية . فايقاع اكبر من الضحايا عبر عمليات اجرامية ، ليست بعبثية بل مقصودة ، لبث الرعب في القطاع الاوسع في الشعوب العربية والاسلامية ، والحادث الاخير الذي تبناه الزرقاوي في تفجيرات فنادق عمان ، اذ لم يراعي أي حرمه للانسان واباح دماء الناس ، وقتلهم دون ذنب ارتكبوه ، وقبل هذا وذاك ، في العراق ، والسعودية ، ومصر ن والقائمة تنتظر . هذا التأكيد الحاد على الوجود التاريخي ، يقابله الاصرار على كبت تاريخ الاخر واغفاله ، وليس من شك ان التاريخ يتغير ، ولن يبقى صنما يعبد بطريقة وثنية ، كما تفعل التيارات السياسية المتأسلمة ، التي ما زالت تعيش " مندفعة الى الامام مجرورة الى الخلف " ولكنها تصب شقاءها هذه المرة في جسم الاخر . افلا يمكن لدولة ان تتحقق على طريقة هؤلاء بهذه العودة الساخره للتاريخ ؟ لقد اقترفت هذه العودة بعنف مسيطر زاده ما لقيه العربي والمسلم على يد الغرب في الحربين العالميتين الاولى والثانية ، ولحقه من استعمار لاوطانه . وقد دفع هذا الحد للتشفي من قبل قطاع جماهيري ليس بالقليل اقتناعا منهم ان عمليات الابادة ، وان كان فيها بعض الضحايا ، فانها في نهاية المطاف تضر مصالح الغرب . هذا التشفي والاسترشاد بالوعي الشقي الذي يقودة تيارات اساسية متأسلمة ، ليس الا الوجه المشوه للخطيئة والاثم ، وبحق لن نسلك في تحليلنا هذا المسلك : ذلك ان المقال السجالي ضربة قوية ضد الكلام المذنب . لذا فهو لا يتحقق الا في متعه غير آثمة وعند عقل مذنب ، أي في عملية نقد حاسمه تقضى على المعرفة التي تتولد عن الوعي الشقي. فمن اليوم هو يا ترى العربي المسلم التائه ؟ ومن اليتيم ؟ ومن ينضم للتنظيمات الارهابية ؟ ان الانسان الفاقد للامل والذي تساوى عنده الايمان بالعدم . اذا ارجعنا الاسلام السياسي الى مواقفه الاساسية ، وجدناه يقترح احد اختيارين : الاسلام السياسي يخاطبنا ( نحن القراء ) : اما ان نكون متفقين معه ، وفي هذه الحالة ترفع عنا كل شبهة ، او نكون غير متفقين ، وفي هذا الحال نجاهر بالعداء لهذا التيار ، حتى ننال العقاب من خلال التفجيرات في الاسواق الشعبية ، والفنادق ، واماكن التسوق . كيف يمكننا اذن ان نخرج من هذه الحيرة ؟ اذا خضنا في الحديث عن دولة الاسلام ، واخذنا نتحدث عن بعض التطورات او الملاحظات لكيفية اقامة دولة الاسلام . ونبدي بعض التحفظ على مشروعية هذه الدولة المزمع اقامتها على الجثث . وصراخ الثكالى ! ففي هذا الحال سنعرض انفسنا للتهمه اننا اعداء الاسلام ، واننا كفرة ، وضد الدين الاسلامي بالاضافة الى نعوت اخرى من هذا القبيل ؟ فالمتأسلم السياسي يتسلح بهذه السلسلة من الصفات السلبية كي يصف اعداءه بسهولة عجيبة . واذا كنت من اصحاب التيارات السياسية التي ترفض نهج القتل والارهاب فيسألك اصحاب القتل المجاني ، كيف استطعتم ان تتناسوا الابادة التي تعرضت لها الامتين العربية والاسلامية على يد الغرب ؟ واذا ابدت ، مجرد ابداء بعض الملاحظات حول الطابع الارهابي المتسلط لتلك التنظيمات فان المتأسلم السياسي سينكر كل هذا ويسرد عليك ، ان دولة الاسلام لا يمكن ان تقوم الا بهذه الطريقة ! ومجمل القول فان التنظيمات الارهابية تجد بتبريرها للسياسي المتأسلم فقط ، بل انه يكون على استعداد لان يرفض جميع النظريات الممكنة بمجرد ما يشم فيها أي رائحة رفض لفكرته وقناعاته ! وكما ان هناك مستوى اخلاقي يتمزق عنده وجودنا في تساؤل مؤلم ، وهو مستوى لا يتطلب جوابا واحد ، اذا ان كل جواب يرجعنا الى ظلمات وجودنا . وهذا الحد الذي يوضع عنده ذلك التساؤل حد متفجر . يبذل سارتر في كتابة( القديس جوني ) كل ما في رحمه للخروج من الوعي الشقي . وانا اشير هنا للكيفية التي يتحدث بها عن الخير والشر فيهزأ منها . ونحن نعلم ان الوعي الشقي ضلال للوجود بحيث ينظر الى ذاتة على انه منفصم مجروح متناقض . وسيلته في ذلك التكفير واتحاذ القدوة ( وهذا ما يدعي اخلاقا ) ورعب في التفاني في القتل ، في مطلق كثيف . انها كثافة قارصة البرودة ترغم الشقي في نهاية المطاف على ان يحفر قبرة – اخلاقة – وهو يشم رائحة الدفن الكريهة فالوعي الشقي يقول : ان الموت قد اعطى لي كخطيئة واحيانا كرحمة وهذا يعني الشيء نفسه .
#سليم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الاصلاح ...ديمومة القطع مع تراث ثقافة القبور
-
قبل الأوان بكثير
-
. وهم البصر ....المرأة الفلسطينية حلم الرغبة .
-
رؤى بعض المثقفين العرب ....كوميديا سوداء .
-
قراءة ماركسية للفكر السياسي النظري الفلسطيني .
-
الاصولية تجذر مداميكها بالتعاون مع الانظمة الراهنة
-
سرك حماس في غزة
-
الدراما العربية تستشف هي الاخري ازمات التاريخ العربي
-
ناجي العلي.. قمر المنفى
-
المشروع النهضوي العربي- التحدي التاريخي
-
قراءة في الاسلام السياسي - مسلسل الطريق الوعر
-
تصريحات محمود عباس كوميدية
-
حفل راقص امريكي ايراني
-
انبهـــــار الثقافـــــة العربيـــة فـي اشكالاتهـــا
-
انجاد مرشح الفقراء ........ حصر الاصوات .....
-
لمــاذا اليســـار الان ؟ قتـــل جـورج حـاوي خطوة علـى الطريـ
...
-
الحلقة الثانية في قراءة المشهد الثقافي الفلسطيني
-
قراءة في المشهد الثقافي الفلسطيني
-
الثقافة الفلسطينية -أنا- منغلقة على ذاتها، وفضاءا مفتوحا على
...
-
الماركسية في فلسطين فراغ سياسي، وطور زمني يحذر من التجدد
المزيد.....
-
نصر الله: عملية طوفان الأقصى ساهمت في تخفيف الاحتقان المذهبي
...
-
المسلمون الشيعة يحيون ذكرى عاشوراء في مرقد الامام الحسين في
...
-
الشرطة الإسرائيلية تقمع احتجاج اليهود المتشددين ضد التجنيد ا
...
-
اشتباكات بين الشرطة واليهود المتشددين بعد اعتزام الجيش الإسر
...
-
الإفتاء المصرية: لو صليت الفجر على الساعة 11 ظهرا فصلاتك صحي
...
-
صدامات بين الشرطة الإسرائيلية ويهود من الحريديم
-
صدامات بين قوات الأمن الإسرائيلية ويهود من الحريديم بسبب الت
...
-
-حرب الشاشات تندلع في القاهرة-.. بعد واقعة شارع فيصل شاشات ع
...
-
أول خلاف لنائب ترامب؟ وصف بريطانيا بأنها دولة إسلامية نووية
...
-
الشرطة العمانية تعلن مقتل 3 من منفذي الهجوم المسلح على المسج
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|