|
أرض خضراء مثل أبواب السنة
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1411 - 2005 / 12 / 26 - 08:45
المحور:
الادب والفن
مجموعة شعرية
الأرض الليلية ذات الأنهار المزدوجة
الى عبد الوهاب البياتي يدان تقطعان شجرة هرمة التقيت بهما في قصيدتك . ضمّني الى ظلالك المنفية تنقصني نجومك التي هي أعياد العالم وزينته .
***
هنا ، في هذه القبور المجهولة حيث نار الانسان مطفأة تحت الرماد الفقير ستبقى شعلتان تضيئان درب الأبدية كما تحليق حرّ فوق ليل العالم كما شمس حقيقة ترسم الآلئ فوق سديم الأيام الميتة . شعلتان قويتان عينا الشاعر .
***
اليد اللامرئية التي تسيل كما قطرة الذهب فوق الشجرة : الله .
***
سنخترع موتاً جديداً وننام فيه مثل نوم النحلة موت نتحدث اليه ويصغي لكلماتنا المفتوحة لأبواب الصيف سنقرأ خطوطه اللامكتوبة ونمشي بين أروقته المضيئة بصمتها الذي يزاوج الثلج . أصابعنا الموشومة تكبر تحت القناديل المنشورة لليل .
***
ما أجملكِ يا مكيدة .
***
شجرتان تنغرزان في يد الانسان : الملاك والشيطان .
***
زرعوا مقبرة وحين نضجت ثمارها تخلوا عن موتهم .
***
بلا جمرة صديقة يذهب الانسان الى بيت الهاوية .
***
في حلباتنا ثمة عظمة استثنائية ينقصها الفعل .
***
طيور الألم الساهرة في الريح . تعقد صلحها مع أعدائنا .
***
الثمرة قبر الانسان الشجرة عرسه .
***
ألسنا بحاجة الى نار أساسية تتفوق على ثلوجنا ؟
***
هنا في هذا الظلام . في الدرجات التي ينمو فيها الطحلب تتقدم جمرة وتوسع الأرض الليلية ذات الأنهار المزدوجة وكما يسيل البكاء من الأشجار المهمومة . يلمع سيف الرغبات ويضيء الهاوية التي تتلبسنا .
***
القنديل السجين يفتح الطريق لأولئك الذين ينقصهم الجنون .
***
هل يضيء الموت وساوسنا حين نمشي في طرقات العدم ؟
***
هذه النجمة الكبيرة جاءت لتبيض فوق شجرة الدولة .
***
الظلام ينسدل على العتبة ونحن داخل السجن نحاول أن نرمم أحلامنا الميتة وأرواحنا التي علاها الغبار ، غبار الحروب التي لم ننتصر فيها أبداً .
***
السجناء وحدهم أصدقاء الحرية .
***
ليست الشهب وحدها رسائل الشاعر الى الأرض .
***
خصومنا بأشجارهم التي أثمرت خرقوا الهدنات .
***
طيور النورس التي تملأ مياهنا في الشتاء . آمنة ومحدقة في الأعماق طيور النورس التي لا أعشاش لها سوى رسائلنا الممهورة بالدموع غائبة منذ تسلط الطاغية . ظلال الحرب الآسرة والكلمات الكائنة تحت جهشاتنا الطويلة .
***
احذر هؤلاء الذين تئنُ في أصواتهم الأسرار .
***
العين لا ذاكرة لها الذاكرة لليد .
***
مظلمون عبروا الى الضفة الأخرى ، يحملون فوق رؤوسهم طيور مستقبل مضيء .
***
أمام المدّرج الروماني في {عمّان} تقول لي المستشرقة الروسية العجوز : {انهم الرومان ، في كل مكان يشع مجدهم } . أتذكر ماضيّ والحروب التي خضتها طوال 12 عاماً ، وأنظر أمامي باعتزاز لكنني لا أرى شيئاً ، سوى حاضر مهدم يغيبه المنفى .
***
الجنرالات القتلة جاءوا بمعاولهم ومجارفهم لا ليحفروا قبورهم بل ليشيدوا أكاذيبهم .
***
يبذرون بذورهم في أرض الوهم . حزمة حزمة يحصدون المحاصيل .
***
يا موت أحصينا الأشجار كلها ولم نجد ثمرة نقدمها اليك .
***
بيضة حدأة في ممر الليل أكثر بياضاً من الليل نفسه أكثر شبهاً بغابة من الكحل . جمرة في مشعل في عشب مثل مجد الأمراء . بيضة حدأة مكسوة بريش الفضة .
***
الريش يصارع ضد الريش بين التماثيل الخائنة .
***
واحداً بعد واحد قتلوا في الحروب أصدقاء جميلون وفقراء ولكثير منهم رغبات وأحلام عسيرة .
***
يا طغيانات أين ودائعنا يا طغيانات ؟
***
الوفرة ، يا مياه الصمت .
***
صخور من جبل فوق رأس المساء أصوات مكائن أصوات ضائعة في الشمس التي تغرب أعشاش نجوم رواد فضاء من لقالق ينصتون لأصوات غامضة أصوات تماثيل .
***
هنا جثة متعفنة كانت غطرستها مثل صلابة الصخر وكان عنادها يزن الفصول كلها . وليمة النمل ومأوى العدم .
الشمس المنبوشة .
***
رفعنا الثلج وحصدنا معهم طوال الليل . كانوا يترنحون تحت ضربات الزمن اللامرئي . عدوهم القناديل .
***
بين النور والظلمة يحلق طائر جارح : العبث .
***
اسمه اندره بروتون . يقول : {نحن مقتنعون بانتصارنا أيها الما- وراء}
***
اللذة ثمرة الموت .
***
ثمة انسان متفوق يقاتل النملة .
***
الخوف . الرعشة . الموت . شعارات طروادية .
***
الاشارة هي ما تنقصهم الآن .
***
أيها الموت يا أخي متى نستطيع التخلص من مضايقينا ؟
***
ثمة مسافة طويلة تفصلهم عن رؤية أنفسهم .
***
طرواديون بلباس الميدان يهربون من ظلالهم .
***
بعض الأشجار ثمارها السطوة وتسيجها الوداعات .
***
الواجب يدعوكم الى تسلق هذه الأشجار النابتة في النيران .
***
شجرة تين مثقلة بالثمار تنام تحت ظلالها الكثيفة الطيور . الصياد البائس اصطاد الطيور الحطاب احتطب الشجرة الظهيرة النارية التهمت الظلال وفي المكان الرمادي الكئيب ظل قلب الأرض ينبض بانتظار بذور أخرى .
***
هذه الأدراج العالية للذين تصالحهم الجمرة .
***
شمعتنا اليتيمة ناحت طوال الليل . هاتوا تعزيتكم .
***
الفعل دمعة الدمعة بركان .
***
بيت الشعر الأول طريق الهاوية .
***
مات كلب في غابة . جاءت الأمطار معزية زعلت الأشجار ، فبال الكاب على الأمطار .
***
أحقادهم القديمة صدأ الحديد ولم تصدأ جمالاتها .
***
الزمن المتضايق في جوف الظلام يطلب منا البركة .
***
قبل 14 عاماً هرب من معركة كبيرة . الآن 14 جرحاً عميقاً يلمع في ليل حياته .
***
الرابية والقبر ينتظران الشاعر والجنرال .
***
حبة قمح عمياء تبحث عن أرض محروثة . قادها عصفور الى نبع في العام التالي مات العصفور في أرض غريبة . حبوب قمح كثيرة ناحت عليه .
***
يا ليل ، نتهيأ لاستقبالك في ثيابنا البيض وخيولنا تصهل في الوادي المكسو بعشب الضغينة .
***
الماضي قبر أسعى جاهداً لأن أخرج منه .
***
كلماتهم المخصية مرايا متكسرة .
***
الشمس الطاووس . تخبئ في ظل عينيها عذابات الليل .
***
وردة الهواجس تنشر عطرها فوق رأس النائم .
***
الحب يقود الى الهوس حتى في ثمرته الناضجة .
***
الشاعر دليلكم الى الجمرة اللامرئية .
***
في بدء التكوين في بدء التكوين كان السديم ناموسية تغطي الأرض المهدمة كانت كائنات غريبة تصعد من الهاوية كانت الأمطار الجميلة واللامعة كما البازلت توهن العشب كانت الصواعق المجنونة تأكل الأشجار حتى العظم كان الله في نيرانه المحروسة الأمينة منهمكاً بعمل خارق فكان الانسان ملح الوجود وكان العقل شعلة عميقة تمزق الأسرار .
***
حيواتهم أعشاش مهجورة ، مرفوعة فوق شجرة عاطلة .
***
الدموع والرغبات والشظايا القديمة . تلمع مثل أساور في ليلي .
***
قبورنا بلا أمطار والنار شحيحة في العيون .
***
زنابير الشمس تتسكع في طرقات ظهيرتنا العليلة .
***
10 / 1994 بغداد
بدّل حياتي يا غناء ، بدّل النشيج
{ تحية الى محمد مظلوم – فاطمة}
يدي التي مددتها لأقطف ثمار حروبكم . يدي الشقراء كالليل خالية الآن إلاّ من الجروح . حياتي حقل رماد ويدي موشومة بشظايا قذائف ثقيلة . جائع ودائخ . بدّل حياتي يا غناء ، بدّل النشيج . أنا الغجري قصائدي عرباتي ولعناتهم ذهب حياتي . لا نجوم مشعة كما في ليل الغجري . ثريات من المديح تشع على أحزانه الضخمة . هل نستطيع العيش بسلام مع ذكريات طفولتنا ؟ للعزلة للفقر للعنات يقدم الغجر ذبائحهم . آهٍ يا بغداد ، يا أمّنا الثكلى . هنا قناديل جمالك العظيمة تحيا مثل الديدان . مذهبة بالقتل والرماد قناديلك الأسيرة . الآن يتنهد الخراب مع تنهداتك التي يبتلعها الظلام . الشمس فوق رأسك غابات من المسامير والربيع يحني رأسه متعباً من صراخ الملائكة . بدّل حياتي يا غناء ، بدّل النشيج . هل أنا المسيح عندما مسحت دموع الجنود القتلى فوق جبال {حاج عمران} وسط القصف المدفعي الكثيف ، جريحاً ودائخاً لا أملك سوى رماد حياتي ؟ أيها الغجري تذكر الأمجاد الزائلة وصن قصيدتك . انخيدوانا ، أيتها السلحفاة التي تنام على ضلعها الأيمن . الآن كم أنا بعيد جداً عن ولائمك الحقيرة . هل يتوجب عليّ أن أذهب لأحصد أكاذيبك حين تفوح الروائح العفنة ؟ حياتي حرة ، حرة كطريق العوسج . أمامي الآن ذئاب جائعة ، هذه الذئاب تمجد فرائسها حتى حولت القتل ركاماً متشظياً من الغدر . الآن – في هذا العواء وصحراء من الجوع حيث الفاقة بأجنحتها السود تحجب الشمس . أنظر الى تلك المجازر التي تصنعها الذئاب وظلال الموت التي تلف دروبي . آهٍ ، الجوع في جوفي كما في السماء . الجوع هو عواء الذئاب والظلام يستقبلني كقبر ضخم . لماذا أحمل معي الاثم مثل الكتب وتطاردني لعناتكم كقطعان فيلة هائجة ؟ لماذا يبتعد عن سمائي القمر مثل خطيئة ؟ بدّل حياتي يا غناء ، بدّل النشيج ، بدّل حياتي فهي أقسى من دوّي المدفع وألعن من معصية وأحقر من المال وأكثر عواء من عاصفة وأبرد من خسارة . حياتي تمضي أينما حلّت في خريف من الفقر والاستعباد . دعني أسير في طرقات غجرية لتتكدس الثمار والغيوم فوق رأسي . دعني ، دع حياتي أيها الصديق التعيس ، فقد متَّ مثلي وقد خيم علينا السديم . بعد الآن لا أسمي الذهب قمحاً ولا العواء انشاداً ولا الحب سماء ولا الضرع نبعاً ولا النار طريقاً ولا الناصرية رحماً ولا الثور إلهاً ولا العشب قلادة ولا انخيدوانا شفيعة آهٍ ، يا انخيدوانا ، لقد ذبحت حياتي ورأيت دمها يسيل فوق السفوح حيث يتوارى هناك القمر الجريح خلف الجبال المقصوفة . بلا رماد لا توجد نوارس بلا مناديل لا يوجد وداع بلا حدائق لا توجد أسلحة بلا أكفان لا يوجد جنود العام الماضي ذهبت الى قبر صديق في {راوندوز} ماذا وجدت فوق سفحه ؟ وجدت الرماد يتشظى وجماعات حماعات يسير الدود متخماً . اواه أيها العزيز ، لأجلك أشعلت قمحي وأيقظت الخنازير النائمة في مستنقعات ليلي والآن – لا شاطئ لآلامي في انطفاء سطوعك القويّ . أشجار الفضة ورياضيات الشمس المعلقة فوق السطوح ومرايا زند الصباح كلها تنطفئ أمام عيني . هل كان موتك دولاب حياتي ؟ لا رفيق لي سوى عواء متقطع يلتصق بي منذ ليلة 13 / 5 / 1986 ليلة الهجوم الايراني على جبل {كَرده مند} . ليكن للميت ريش أيام ظالمة ليكن لقبره عطر من الأمواج والأبواق الشجية . هذه الأرض الأسيرة والجريحة التي أكلت نهاراتنا . تترقب يأسك ونشيجك الذي يعري ليل العشب . حياتي الثكلى تربي ثآليلها في ليل العدم . الفتى الذي يبحث عن النساء الشاب الذي يبحث عن الذهب الكهل الذي يبحث عن التقوى كلهم حزانى من أجل قبر في {راوندوز} . هذه الدموع التي تنهمر الآن – هي ذكريات سهادات عشناها معاً . المنفى واللامنفى شعلتان تستعران والشاعر بستان مليء بأشجار محمّلة بالأصفاد . هل الشاعر يهتك الأسرار ؟ هل تروّض كلماته الجريمة ؟ رماد على قبعات الورد عينا غراب عينا غراب آلام أكثر رطوبة من النار جنود يجرجرون مدافعهم في السماء وأنت وحدك في {عَظمة ترملك} تتقدم صوب نخلة بآلاف الأذرع . الشعر والناصرية تنام بينهما الأمواج وطيور الدراج ، وتزحف الأقاليم على الأقاليم . عريان . ربيعك مثمر بالحب وشموس حواجب ووعد وشموع عليلة . هل الموت يعاش ؟ هل يمنحني بريق المجد السلطان على الألم ؟ من أنا ؟ ما اسمي ؟ لا اسم لي لا صورة فوتوغرافية لا بيت لا سماء أصعد اليها ولم أسترح في ظهيرة تحت ظلال جنائن بابل ولم أحلم أن أكون في يوم ما جنرالاً في جيش الملك سنحاريب ولم أصعد حصاناً وأسير فوق جثث القتلى ولم أرتكب حماقات أشياء كهذه لا تبهرني {حياتي محطمة ولا أمل لي بمستقبل أفضل} طالما فكرت في الماضي . في حروب طويلة وشعوب منكوبة تعبر الجبال في هجرات كبرى . في قبائل مبادة . عظامها مرفوعة في الصحراء . في ذبح الانسان لأخيه الانسان {لأن المجد ليس بدائم ولا التاج} . حاملاً نعشي أعود من طروادة مدمى . تطن في اذني جحيمات مدافع وراجمات . أبحث عن أصدقائي تحت أنقاض بيوت مهدمة . مستشفيات . شوارع مقصوفة . هذه الأغصان اليابسة أظنها عظامهم أحرقتها قذائف . هذه الحشرجات أظنها احتضاراتهم . لتذهب جميع النساء الى الجحيم . لا أحلام عندي الليلة . لا سهرات لا لطافات . ميتة . ميتة ذات كابوس . ميتة حرب طويلة منذ عام 1980 حيث رائحة البارود في الشفاه والطعام والمصافحة . الطعنات السرية والميتات السرية والخوف من الخوف والتنكيلات والاستلابات والتوابيت . هنا في هذا الرأس جميع الأفكار لها سواد الزفت هنا النهيق الذي يخدش الاذان هنا كل شيء يعوي في هذا الرأس ودهاليزه المتفحمة . كل كلام لا معنى له حين تحتجب الشمس ، شمس حياتنا كل كلام لا معنى له حين تبتسم في وجه القاتل وتحدق في وجه القتيل قائلاً : {أن الحياة جميلة كشمس من الزفت} . كل كلام لا معنى له حين تتنزه في جسد الشاعر السياط وحين نذهب الى حرب ونأكل بلا شهية . لا أحب اللص الذي يسرق المياه من بيت الشمس لا أحب الجنرال لا أحب الأسلحة الخضر لا أحب القاتل في المصيف لا أحب الليل في الوادي لا أحب الكاهن في البيت لا أحب الدبّابات في الحديقة لا أحب الجنرالات في المدينة لا أحب أوامرهم لا أحب خرائطهم لا أحب مدافعهم لا أحب معاطفهم لا أحب أنوفهم المعمارية لا أحب أي شيء سوى موتي الذي أحيا فيه وجهشات النساء الأرامل التي تصدح حولي كجناح نعامة يشق طريقه في الظلام . كل جنرال مع قتلاه ونياشينه التي تلمع مثل العار . كل منفي مع مستقبله وحنيناته . كل مجد يزول ويأخذ لون الرماد شأن الأكاذيب . لا مكان آخر سوى الصمت والمضي برأس غجري في الريح يتأرجح كشمعة . تحت أشجار الربيع التي يهزها نسيم البحر والحرية . يزرع الشاعر الغجري فجراً كوكبياً ويشع الفضاء عذوبة . المال والنساء والأطفال الذين يتزحلقون على مرايا كبيرة يرحبون بي أنا المنفي :{ مساء الخير أيها الغجري الملعون ، ستعود الى وطنك على غيمة} . سأهتف متذكراً ميتاتي المتكررة بين عرائن الجبال وفي الدروب المليئة بالذئاب والحراب : {اشرقي اشرقي يا شمس على جنازي . قشعريرات القتل ولت وولّت حقارات حياتي} . ما سبب حزن الغجري ؟ ما سبب انطفاء الشعلة ؟ هذه الزهور والينابيع التي تجف في يدي الآن . تحجبني عن هواء العالم هذه الكتب التي لوثت حياتي سأحرقها كلها . الجنود الذين ماتوا في الهجوم الماضي الجنود الذين سيموتون في الهجوم القادم لم يأكلوا شيئاً ولم يكتبوا رسائل الى أمهاتهم لديهم ما يكفيهم . عندهم الندم والحسرات والوصايا التي لم تكتمل والمراثي التي ستكتب باجلال فخم والأضرحة التي شيّدت بأبهة والزهور والشموع والاحتفالات التذكارية . عندهم الأرائك والأنهار والنساء الفردوسيات وأشجار المدفعية التي ذللت تذليلا . عار يلطخكم ، لعناتكم لي أيها الأوغاد السفلة . هذه الأقنعة ، أقنعتكم سوف تفضح عفوناتكم . ستكون هوامشي وعواءات حياتي . أغنيات في الحدائق المستقبلية . انخيدوانا انخيدوانا سأبقى عائشاً في صعلكاتي حتى أشهد تفساخاتك . هذه الجروح الساهرة لن تنام . فوق أشجارك العاطلة تذرق الغربان . 20 / 1 / 1993 بغداد
أمريكا ، حروب ، مجاعات ، حيوانات قذرة
أمريكا ، انني أحتج ضد حروبك وحيواناتك القذرة أمريكا ، غطي وجهك . عيناي قذيفتان لقد رحل والت ويتمان . استيقظتُ . هربتُ . أعاد النهار ليلي . أمريكا ، آلن غينسبرغ بلحيته الشعثاء الشبيهة بدخان حروبك مدفع حلو القصف . يا أرض الدم والنفايات والنسمات الحديدية يا هبوب المناخات الحامضة والهضبات الجرداء . هي ذي الشعوب والقبائل المنقرضة احتشدت {بالنشوة المتأتية من باخوس وآلهة الرقص والكنيسة}1 . هناك أضرحة عظيمة في {فيردان} و{البصرة} و{اور الكلدانيين} و{بتروغراد} و{السوم} و{الناصرية} و{غرناطة} و{بيزنطة} . أضرحة ملأى بالعظام الضخمة . تحفر العفونة فيها كهفوفاً كهوفاً عميقة . أمريكا ، لماذا يموت المارينز حزانى في الصحراء ؟ هناك اهرامات نصب تذكارية سلاسل في العظام صهيل بدون جياد وعبر أقمار أسيرة ومحطمة تصعد أصوات العاطلين والفقراء في أمريكا محشرجة مثل نباح بدون كلاب : {نريد المزيد من المال فليس عندنا ما يكفينا والحياة أقصر من أن نضيعها ونحن فقراء المال في كل أشكاله الجميلة عملة الهمود الحمر الباهتة وعملة الايرلنديين الذهبية البراقة والمحارات التي تغمض عيونها وتفتحها على شاطئ الفجر والثيران المصبوغة والروبية ذات الألوان العشرة }2 أمريكا ، أتذكر جورج بوش وكلبه غورباتشوف لقد درّبه على أن يدق جرساً ثم يعطيه عظمة وبعد فترة قصيرة تعلم غوربي وسال ريقه كلما سمع الجرس . هذا هو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد . أمريكا ، ابنة الكلبة . ألمح في ماديسون سكوير أزهار فحم راسخة وفتيات بنميات وهايتيات ومكسيكيات ينتحبن تحت شمس باردة ويأكلن فاصولياء معلبة منذ 3 سنوات . ألمح ازرا باوند يكتب على مدفع قديم : {في هذا الشارع المتاجرة بجورب قديم حلّت محل العناية بالزهور المقدونية} ألمح ادغار آلن بو يصرخ بوجه تمثال الحرية : {هل أستطيع أن أضم الغادة القديسة التي يسميها الملاك ليونور ؟ أعانق الطاهرة المشعة التي يسميها الملاك ليونور} . أمريكا ، لماذا تآمر نيكسون وشركة الطيران الأمريكية واسبيدو اغينو وستروم ثرمود وجون ميتشيل ووالتر كرونكيت وهيئة اذاعة كولومبيا والاذاعة الوطنية وهيئة الاذاعة الأمريكية ومليون من العقول الغبية لاحراق مدينة شيكاغو ؟ يا أرض الدم والعظام . يا كومة عظام عالية تهب منها رياح حارة وفجائع راسخة وأرتال من النمل تنطُ وتطفر في الخراب . مستنقعات زنخة تتقيأ فيها التماسيح . حشود هيبيز عارية في الشوارع والأنفاق . مذابح وحشية لا تعرف الظل . أمريكا ،هنا حنيناتك المطفأة ونعيق غربانك واندحارك الوشيك وعواءات كما نشيد وحشي ، كما أصداف حنكليس على ضفاف هارلم . أمريكا ، عيون المارينز التي تترك النهار حائراً بطيوره الكونكريتية وأجساد مثقوبة في أكياس من بلاستيك أخضر . أمريكا ، سيقان من خشب . بطون مبقورة كعلب صفيح ووجوه لا ميسم لها . أمريكا ، العالم ميت في نظامك الجديد . العالم يحترق في مؤامراتك الخبيثة . هل الجرائم والأفيون ورقصة الروك جزء من مؤامرة عراقية ضد مصالحك ؟ أمريكا ، من أين تحصل خزائنك على ملياراتها ؟ هل حقاً حربك ضد العراق نظيفة أكثر مما يجب ؟ أمريكا ، أن أفكاري لا أجدها عند ماو تسي تونغ أو عند ستالين أو عند هوشي منه ، بل وجدتها في أشعار السياب . أمريكا ، حين يشتد قصفك الصاروخي ، أحتمي في حفرة مغطاة بناموسية ممزقة وأحدق في صورتك التذكارية : جورج بوش في الوسط الى يمينه ديك تشيني الى يساره الجنرال شوارتزكوف وخلفهم الدبّابات والطائرات والمدافع والسفن الحربية والجنود والجنرالات ، كلهم يحملون قذاراتهم وعار جرائمهم وعلى وجوههم خيبات واندحارات . أمريكا ، شمسك الوحشية تسطع على عارك ونذالاتك ، وأقمارك السود تتعثر بخوذات وأثداء مطاطية ، وجزمات بسيقان مقطوعة . آهٍ ، يا لخرابك يا لأبواقك الوحشية غرورك يفني الليل والدالية أرضك التي من رماد غيومك التي من بازلت شدقك ِ مراصدكِ أسنانك الفولاذية . أمريكا ، أنت هبوب شظايا طوال العام . تفتحين صباحي بقذيفة . تغمضين عيني بشظية . أمريكا ، موت مفتوح على جبال مميتة حيث أضواء ربيع تتصحر وحيث يلمع صخر الدم في هبوبه الكريه . أمريكا ، عدم ، عدم ، عدم . وجوه تتلاشى حين ألمحها وعواء ذئاب في شقق سكنية تحت سماء قاحلة ومشروخة تلوح في الظلام ، وبعد طلوع القمر العقيم أبحث وسط الأنقاض . أبحث محموماً عن وجه أو ذكرى . عن صدى أغنية وسط الأسلاك الملغومة . أبحث . أهذي . يتبعني موتي . لا وجه لا ذكرى . القمر العقيم يرحل . النجوم تهوي . أبحث عن صيحة . عن حشرجة . أمريكا ، {أحصيتُ موتاي أحصيتهم كلهم أحصيتهم واحداً واحداً أحصيتهم في بيروت أحصيتهم في الفاو أحصيتهم في تونس أحصيتهم فوق جبال حاج عمران أحصيتهم في فيتنام أحصيتهم في بنما أحصيتهم في غرينادا أحصيتهم في هاييتي أحصيتهم في الصومال أحصيتهم في كل الخنادق في كل الحدائق في ودائع الدفن في أنقاض البيوت التي هدمتهاالصواريخ . أمريكا أمريكا يا حفارة قبور يا حديداً يحترق يجفف العطر والحنين يا صحراء جاثمة على أعناقنا يا كهفاً في الجرح يا قوادم فولاذ يا مقصلة يا عفونات يا فناء يا صخراً يتشظى في العيون يا تمثال تبغ يا برد خسارة يا شريعة رمل يا وصية سفاح يا أياماً ظالمة ليس لي سوى صرخة دفنتها فوق جبال العراق . أمريكا ، يا أرض الأسلاك والأنابيب والموازين والبكرات هاهم آلهتك يفركون أكفهم المرتعشة وهم يطيرون في الجو . انني ألمحهم ، هاهم الآن يهبطون فوق ناطحات سحاب . ألمح ملائكتك السود يهبطون ببراشوتات فوق أبراج كنائس شبيهة بباذنجان عتيق . {سأخرج اليك أولاً أيتها البائسة الجميلة أيتها الكلبة . سأقول هاكِ العطف والحب والشهرة هاكِ المشهد الذي تحبينه ، هاك الكتب التي تحررها النساء وعلى وجه التحديد الفتيات البالغات الرشد اللاتي يدفعن مذكراتهن اليومية الموجزة للنشر على هيئة روايات } . أمريكا ، هاكِ هذه الجريمة الجميلة من أجل أحلام سعيدة من أجل غد أفضل لك ولأطفالك وكهنتك وجنرالاتك وكلابك : 1- باتسي خادمة من سان فرانسسكو 2- توم : رجل من مشيغن باتسي وتوم يعملان لحساب سيدة متطفلة على الفن تدعى ويلا مكورد التي تصنع نوافذ ملونة الزجاج . لقد واجهت كل من باتسي وويلا مشاكل جنسية حادة . ترحل باتسي تاركة تعليقاً وداعياً بعد عشر صفحات من مناجاة النفس على غرار مولي بلوم . كان زوجها الخصي يحدث جلبة حين يبتلع الطعام ، اضافة الى قدميه كريهتي الرائحة كانت ويلا قبيحة الوجه ومن طراز النساء اللاتي يرتعبن من الرجال . انها تتسلق هذا المبنى الضخم بعد نهاية الاسبوع مع امرأة من جامايكا تدعى اورو ، صاحبة البشرة الزنجية . عندما تعود الى البيت بعد هبوط الظلام . يكون الزوج العاجز المغفل توم بانتظارها في المدخل لايقاع العقوبة بزوجته الخائنة باتسي . ينهض توم بينما هي تجتاز المدخل وينقض عليها بقوة حتى أن الصرخة التي أطلقتها ، احتبست في حنجرتها وبدت كانها نحيب . تموت وظهرها نحوه وعندما تسقط صريعة على الأرض ، يساعدها في ذلك ثم يكتشف انها ويلا المسكينة وليست زوجته . المسافرون الى نيويورك يعودون بذكريات واضحة : 1 – جندي مقطوع الرأس يصيح في الزحام 2- بغل مجنون يتأرجح ببرج كنيسة . {أيها المسيح من ذا جاء بك الى هذه الطريق ؟ من هم القتلة الذين فصلوا يديك الخيرتين اللتين لمستا البرص بحنان ووضعتا مرهم الحب الشافي ؟ من هم أولئك الشياطين الذين قطعوا وشوهوا قدميك المقدسين ؟ من هم أولئك الأوغاد الذين أرجحوك كطائرة من ورق ممزقة ؟ 3- دبابة تسير وتقود حماراً من رقبته ، وأكثر العميان الذين تطرق عصيهم على حجر الأرصفة هم سود ، وفوق كل ناطحة سحاب مجنون . كل المجانين يقضون ساعات على الأفاريز . ليس هناك فرو ثعالب ، لذلك لم تحمله وتتباهى به الفتيات . نيويورك ممتلئة وهي تكرر نفسها فيعلق بعض خرابها في الذهن . أنا أيضاً عدت من نيويورك . ذاكرتي تضم قذائف تطير في جميع الاتجاهات . هنا ، أمام نافدة ، شوارع فيها محلات للوشم ينقشون فيها جلود الموتى وحيوانات مفترسة تسير جماعات جماعات تحت الأرض . في الجانب الآخر يقسمون انهم شاهدواتمثال الحرية يطير بين أعمدة الكونكريت . هنا ، رسام وشم يغير الابر والجلود ويعلق النماذج على مصطبته . هنا ، امرأة بدينة تنسم لنفسها بمروحتها على رصيف محطة . {أيها المسيح لقد أمطروا القنابل على الأماكن العامة المدارس المستشفيات الكنائس الملاجئ المقاهي على أمواج دجلة والفرات . الحرية……………… لمن ؟ هي لك من على الصليب . أمريكا أمريكا عبر هبوب برد الكونكريت والألمنيوم والاعلانات الصدئة تهب عفوناتك صوب وجهي ، وهذه الدمامل يقطين يحجب الشمس . أموت بلا موت أنزف بلا نزف أبحث عن نبع وفي هارلم لا توجد موجة . لشدقك مذاق الكبريت ليديك شكل القيد لعينيك رائحة البارود درعك الفولاذي تذرق فوقه الغربان كنت تضطجعين على صخرة وحين أيقظتك نسيت اسمكِ . لكِ كل الأسماء وليس لي سوى نشيدي . أمريكا ، هل حقاً {أعلنت بول اندرسون نائبة رئيس شركة ترانس تكنولوجي أن شركتها قررت وقف تصدير الغازات المسيلة للدموع الى اسرائيل ؟}3 يا معرية العظم والأحلام يا طاردة الفجر والقرنفل يا حسرة هولاكو وجنكيز خان لا المسيح لا البابا يعرفان مكانك . يا أرض الشر كله . هل حقاً يستيقظ المنعزل في زريبة قبل الحصان والخنزير ؟ هل حقاً يستيقظ قبل ابراهام لنكولن ؟ ألمح ناراً طاغية فوق شعابك الصخرية فوق مياه الهدسن وحقائب المارينز أمريكا ، {عندما ينظر نصيف الناصري الى امرأة ويتعارفان . تكون الشفاعة هي التعري من الأسماء . اسمح لي أن أكون شفيعتك ، انها كلمات انخيدوانا الشفيعة ، لكنه خضع للقوانين وأحبها فكوفئ بالاخصاء وأفضل من ذلك الجريمة . أين كنت ؟ ما اسمك ؟ وما اسمي أنا ؟ هل سبق أن أعددت خططاً للصيف ولكل صيف في وول ستريت منذ عشرة أعوام مع نانسي كوفن التي كانت لها شمعتان تأتي العصافير لتشرب منهما الضياء؟ وهل قالت لي استبرق في الطرف الشرقي من الكيسنبورغ : لا تقل للهواء / هناك دائماً آب أم انها قالت ذلك لآخر نسيته أم انني اختلقت القول ولم يقله لي أحد ؟ هل سرت في نهر الهدسن متحدثاً وحدي مع الريح المجنونة ، ولدى وصولي الى غرفتي وهي دائماً غرفة ، ألم تتعرف عليّ المرايا ؟ وهل شاهدنا من فندق بلازا الفجر راقصاً مع شجر الكستناء . : لقد تأخرنا كثيراً . هل قلتِ ذلك وأنت تسرحين شعركِ ، في حين كنت أرى لطخات على الجدار ولا أقول شيئاً ؟ هل صعدنا معاً الى قمة البرج ؟ هل شاهدنا الماء يسيل من فوق الرصيف ؟ هل أكلنا عنباً في تايمز سكوير ؟ هل اشترينا أزهار غاردينيا ……………؟ 4 أمريكا أمريكا يا أرض العظام النخرة والقار والقيء يا أرض أسماك السلمون العفنة يا أرض عفونات عرانيص الذرة يا أرض الجاز والنمل يا أرض الديناصورات والتنانين {لا للقوارب النيسية القديمة لا للمجد الذي كان يوماً اثينا ولا العظمة التي كانت يوماً روما} 5 هذه الرقصات الوحشية المسلحة كسطوع الذهب جميعها لأجفانك الثقيلة كيعاسيب . الآن في انطلاقات الرعد ، يتقدم الموت الحيّ ويلتهم الحشرجات . أمريكا تتفسخ أمريكا تتعفن أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمريكا أمعيكا أمعيكا أمنيكا أمعيكا أمنيكا أمنيكا أمنيكا أمعيكا أمعيكا أمنيكا من يخرجها من شباك الموت ويرفع عنها الرماد والأوبئة ؟ من يخرج في ليل الريح ويجمع شظاياها ؟ من يضع حجارة على جثث قتلاها ؟ تكرار الغزو دمّر أمعيكا عبر سنين تاريخها ، فما أن يغادر عدو حتى يجمع آخر قواه ليهدد من تبقى من سكانها . عندما خلت السماء من النسور واجه الناس انتشار الأفاعي ، وانقراض العناكب ترك الذباب يطير أسراباً سوداً ، كما أن الانتصار على النمل الأبيض جعل المدن تحت رحمة الارضة . الأنواع المتضاربة أنهاها الموت فاندثرت قدرة الناس فيها على شق الدروع والحراشف وعلى الاطاحة بالأجنحة والريش . من البداية ولسنين طويلة لم يكن من مؤكداً أن النصر سينتقل الى آخر نوع مقاتل ضد امتلاك الانسان للمدن ، وهو الفئران . من كل جيل من أجيال القوارض . تخلق البقية الضئيلة التي تنجو نوعاً أسوأ يمتنع على المصائد ويقاوم كل أنواع السموم . خلال بضعة أيام أعيد اسكان خياطي أمريقا مع حشود من الفئران المنتشرة . أخيراً – وفي مذبحة كبيرة دمّر الناس ببراعاتهم المتنوعة في القتل قوى الحياة الهائلة للأعداء . أمريقا وهي مقبرة كبيرة لمملكة الحيوان أغلقت . تم تعقيمها بعد دفن آخر الجثث مع آخر البراغيث وآخر جراثيمها . الانسان أخيراً – أعاد اقامة نظام العالم الذي أربكه بنفسه . لا يوجد نوع آخر من الأحياء يثير الريبة بعد الآن ، ولكي تتذكر أمريقا ما كان فيها من الحيوان . تحتفظ رفوف مكتباتها بمجلدات دارون وكافكا . أخيراً – هذا الذي صار يعتقد فيه سكان أمريقا وقد ابتعدوا عن تصور نهوض الحيوانات القديمة من سباتها . لقد أبعدت الى مناطق نائية وأماكن خفية ومنذ أن استقروا على انعدام الأحياء . حيوانات أخرى بدأت تعود الى النور من سراديب المكتبات ، حيث يحتفظون بالكتب القديمة . كانت تقفز من من رؤوس الأعمدة ومن أنابيب المجاري وتهبط على أسرة النائمين . عنقاوات تنانين خطافات وحيدات القرن فيلة ديناصورات .
الهوامش والتعليقات
1- ازرا باوند 2- ماري كامبل 3- خبر نشر في مجلة {الوطن العربي} عدد 299 في 16 آيار 1988 4- من قصيدة لاكتافيو باث وقد جرى تحوير لملائمة الغرض 5- ادغار آلن بو .
…………………………………………………………………………… 1- الأرض خراب وكل خراب : أمريقا 2- نيويورك / هارلم / بروكلين / آلن غينسبرغ يعيش في عربة قطار 1965 3- كانت مستعدة للزواج منه بعدما تقدم ليطلب يدها لكن ابنها الذي أصبح كاهناً وتربى متكبراً أجبرها على أن تعد بعدم الزواج . عندما توفيت مرّت جنازتها أمام مخزنه خارج نيويورك . كان المسكين بعينيه المبتلتين يرفع قبعته بيده عندما مرّت السيارات أمامه ومن عربة الجنازة كان كاهن حليق شاب بصدرية عالية ينظر اليه بسواد مدلهم كالغيوم . 4- أمريقا ، لماذا تحتشد في فمك الصراصير ؟ 5- القتل مقرف حين تكون الحرب فوق ناطحات السحاب . على القتيل أن يحفر قبره بين الهواء وبين الظلام . 6- أمعيكا ، لماذا تتغوط القذائف فوق رؤوس رجال الأعمال ؟ 7- أمنيكا ، أقاليم قذرة وشوارع ضيقة سود مليئة بنفايات وحيوانات ميكانيكية ميتة وبيوت ذات دهاليز تفوح منها روائح البول وأدراج مظلمة تؤدي الى منعطفات ضيقة والى غرف كئيبة تتسابق فيها الفئران والصاصير مع قاطنيها من البشر للاستحواذ عليها . أمريكا ، مرثيات تفوح بروائح فواكه وأطعمة متعفنة . مياه آسنة . قاذورات . قاذورات تامة بينما قطة بلون مياه المرحاض تحاول نبش بقايا رأس سمكة في احدى الحاويات . 8- نيويورك / واشنطن / البنتاغون / الكونغرس / البيت الأسود / الكابيتول / CNN / ناسا . بول براز رطب . سموم . 8- كان من الممكن أن يحدث ذلك قبل مدة أطول لو كنت مقيمة في بلادي ، لكني أمضيت الستينات في عالم روجيه فاديم وكنت شقراء باهداب اصطناعية ، ومع أن البعض يرفض التصديق إلاّ انني كنت دائماً أدافع عن الولايات المتحدة الأمريكية ولم أكن أتحمل أولئك الفرنسيين الذين كانوا يوجهون لي السؤال التالي :- {ماذا تعتقدين عن القرى الفيتنامية ؟ } لقد كنت أرد عليهم :-{هذا غير صحيح} وهذا بالضبط ما كان يقوله لي أبي فيما بعد ، وكان يجب أن يحل عام 1968 باحداثه العاصفة في الولايات المتحدة وانتفاضة الطلبة في باريس لكي أبدأ بالتأمل ، وأخذت أقرأ عن الحرب . كان زواجي على وشك الانهيار فعدت الى البلاد واتصلت بسام براون الذي كان آنذاك رئيس لجنة تأجيل التجنيد وقلت له :- {أنا جين فوندا بماذا يمكنني مساعدتكم ؟ }. 9- يا والت ويتمان دعني أصلي لك هذه الصلاة الفرعونية : لك التجلة يا والدي المقدس يا من تملك وجودك باعضائك انك لم تتلف انك لم تصبح دوداً انك لم تضمحل انك لم تصر عفناً انك لم تفسد وانك اك تتحول الى رماد رأسك هو رأس هوميروس وجهك هو وجه جون دن عيناك هما عينا شكسبير اذناك هما اذنا دانتي أنفك هو أنف افلاطون شفتاك هما شفتا سقراط أسنانك / أسنان هانيبال رقبتك هي رقبة الموناليزا يداك هما يدا هرقل عمودك الفقري هو العمود الفقري لكولومبس قضيبك هو قضيب باخوس عروقك هي عروق بابل صدرك هو صدر المسيح بطنك وظهرك هما بطن ثور آشوري وظهره ردفاك هما ردفا حصان وركاك ورجلاك هما وركا بغل ورجلاه ما من عضو يا والت ويتمان في جسدك ليس عضواً لإله أن الزمان ليستر جسدك كله وأنت المسيح يوماً بعد يوم أمريكا وحيدة كطابور تعال خلصها من أدناسها يا والت ويتمان .
1988 / أربيل 1991/ بغداد
ظلال محيي الدين بن عربي
1
ما الذي يجعلهم يشعلون النار في هذه الحديقة ويهدمون أجراس الصباح الفضية ؟ القديسون يزرعون الأفكار الحرّة ويطلقون الفهود لا يهمهم قمحنا المحروق ولا الأصفاد فوق أكتافهم اللازوردية غمامات ونوارس أقمارهم اللامعة تشع على كهوفنا الحيوانية .
ما الذي يجعلهم يشعلون النار في هذه الحديقة ويهدمون أجراس الصباح الفضية ؟
لماذا لا يطردون الآلام والخوف من البيوت ؟ لماذا لا يطردون الظلام المتطحلب في المدينة ؟ لماذل لا يهدمون القلاع وأسوارها العابقة بذرق الغربان حتى تتحرر طواويسهم . رهائن الفحم والخيزران .
ما الذي يجعلهم يشعلون النار في هذه الحديقة ؟
2
أيها الليل الجميل ، يا جسر اللوعة يا عزلة عميقة يدّوي عريها في الجبال امنحني قوة جبارة لأهجر الزمن امنحني القدرة لأستوطن في العدم لست أبغي تمثالاً ينصبونه لي في ميدان لأنني أجهل الآلهة ونعوش أباطرة المستقبل .
أيها الليل الجميل ، يا جسر اللوعة يا عزلة عميقة يدّوي عريها في الجبال .
نجومك الخائنة التي ناجاها الرعاة في السفوح سأقطفها نجمة نجمة وأزرعها في الأضرحة . هذه النسور التي تحتضر في الأفنان الزجاجية سأطلقها حيث زيزفون الله يمد ظلاله على العالم .
أيها الليل الجميل ، يا جسر اللوعة .
3
جئتُ الصحراء أبحثُ عن نسمة صافية أوقظُ فيها الجمال وذكريات أمواتي . هذه الرمال والصخور المكدسة أكثر قداسة هذا العراء المترامي طافح بأعياد وحنينات هل لي أن أدعو الموت ليشاركني انشادي في هذه الشمس الشبيهة بسهرة في الزمن ؟
جئت الصحراء أبحث عن نسمة صافية أوقظ فيها الجمال وذكريات أمواتي .
اقتلعيني أيتها الصحراء من جذري الخاوي سأحضن الرمال واللهب الجيّاش المنبعث من الأعماق شمس اليقين المطيرة تشع على أيامي وأهدابي صقر يصعد الى الفضاء .
جئت الصحراء أبحث عن نسمة صافية . 4
هذه الكلمة الحادة لا تفرط فيها لا تدنسها ولا تقايضها بخزائن يوسف . اعضدينا أيتها الكلمة الوديعة يا روح الله لمعانك بلسماً لجروحنا العميقة . بالكلمة سترفع الذهب من مناجم عميقة وساكنة وتشبع فقراء ومشردين في ليل العالم .
هذه الكلمة الحادة لا تفرط فيها لا تدنسها ولا تقايضها بخزائن يوسف
ستبني من خلالها بيوتاً للعشاق والمنفيين وستدحر فيها غزوات يقوم بها مغامرون متعطشوت للدماء منشدة وإياك عذابات البشر الحزانى في الأرض .
هذه الكلمة الحادة لا تفرط فيها .
5
طويلة رحلتنا عبر الفضاءات المفضية الى مملكة الله سنمرّ باهوال وتطوقنا عذابات قديسين ستطأ أقدامنا أرضاً شديدة اللهب لكننا سننطلق في فضاءات رحبة سنرى من تحتنا العالم الكئيب تفترسه الحروب والمجاعات وسنبتهل الى الله من أجل أن يمنح بركاته للأرض الفقيرة .
طويلة رحلتنا عبر الفضاءات المفضية الى مملكة الله سنمرّ باهوال وتطوقنا عذابات قديسين .
ليهب أيها الرب العظيم عصفك على مشعلي الحروب لتحرق صواعقك أدناسهم التي ملأت الأرض لقد أحرقوا زروعنا وأبادوا شموسنا وها فتياتنا يبكين تحت برد العاصفة الثلجية .
طويلة رحلتنا عبر الفضاءات المفضية لمملكة الله .
6
صيحاتنا المبحوحة في البراري كرقبة حصان ونظراتنا المصوبة اليك . تناديك أيها الزمن اللامع . افرد لنا أجنحتك الناعمة ليظللنا السلوان سيشيعنا الخريف من دون أن نعطى ورقة ساقطة من دون أن نترك ظلاً من ظلال نزهاتنا الطويلة سنذهب حزانى لأن ألماً طافحاً يعتصر نفوسنا .
صيحاتنا المبحوحة في البراري كرقبة حصان ونظراتنا المصوبة اليك . تناديك أيها الزمن اللامع .
هل حقاً مرّت على الأرض أيامنا سدى ولم نأخذ بغيتنا من الحياة الكبيرة ؟ فقراء لا مال لنا ولابيوت ينبت فيها الأطفال أعيادنا دموعنا ، وصرير الأسنان في الحروب .
صيحاتنا المبحوحة في البراري كرقبة حصان .
7
اهذا أنت يا سقراط تجلس في حديقة البلدية لسانك سيف ولحيتك سماء صافية ؟ اعطني ياقوتة من يواقيت خاتمك الجميل ارفعني من ظلال عالم الموتى ومرمره البارد . كلماتي المشعة في السديم تنزف دماً ولا أضمّدها كل كلمة محرقة لنذور الرسل والشعراء والشهداء .
اهذا أنت يا سقراط تجلس في حديقة البلدية لسانك سيف ولحيتك سماء صافية ؟
عمدّني أيها الرسول الشهيد في نار لحيتك الكريمة سأنصب لك خيمة في شمس الحقيقة المطبوعة وأناديك من خلف الشراسات الحرّة وكهوف الارهاب كلماتي لهب يعري البطش وعهود الظلام .
اهذا أنت يا سقراط تجلس في حديقة البلدية .
8
حرارة شمسك المحيطة بالعالم ، غيمات ذهبية مولعاً بحرارة الشمس المنبعثة من جسدك . اليوم فتحت باب قبري ورأيت عهداً جديداً يشرق على الأرض انني أتحدث اليك باسم أولئك العشاق الموتى نافخاً بمزاميرهم فوق هضبات الفجر ، منتظراً جواهر لأدلها على جمالك الذي يكسو دروبنا .
حرارة شمسك المحيطة بالعالم ، غيمات ذهبية مولعاً بحرارة الشمس المنبعثة من جسدك .
أيتها السماء ، يا ذهب حقول أحلامنا العصية انني أرى أقماراً بلورية جديدة تسطع فوق أنقاض العالم أرى محاريثاً فضية تشع على الجذور . مرحى مرحى انني أحييك بمزاميري . أحيي الحياة .
حرارة شمسك المحيطة بالعالم ، غيمات ذهبية .
9
قال كونفوشيوس :{الجنرال العظيم هو الذي يكره الغزو} لكن افلاطون وارسطو أقرا شرعية الحروب تماماً . أين ؟ وعلى أية جبال غريبة وكافرة سيضحى بنا ؟ وعلى أية رمال وفي أية صحراء ستتعفن أجسادنا ؟ مرة بعد مرة نترقب أعياد الطبيعة وولادة الآلهة لكن كلما يجن طاغية تخفت حماساتنا .
قال كونفوشيوس :{الجنرال العظيم حقاً هو الذي يكره الغزو} لكن افلاطون وارسطو أقرا شرعية الحروب تماماً .
مع أبواق نسمات الفجرالباردة والصاخبة سيجيء ما هو أعظم من حاجاتنا الشخصية ستبقى المجازر مستمرة على هذا الكوكب النقي وستعفن جيفنا الكريهة الأصقاع المترامية البعيدة .
قال كونفوشيوس :{الجنرال العظيم حقاً هو الذي يكره الغزو}
10
القرد الحكيم يشعل في الغابة الخمودات ويبكي متحسراً لمصائر الطغاة الحمقى . انظروا كيف تصعد الجذور سعيدة باشراقاتها ومياه الينابيع تجرف الأوحال والخوف والضغينة . آهٍ ، يا لهذه الحماقات التي تعصف بالبشر ويا لهذه الأرض الخربة والحزينة .
القرد الحكيم يشعل في الغابة الخمودات ويبكي متحسراً لمصائر الطغاة الحمقى .
أمجادهم الرملية ستجرفها شمس الفناء العنيدة وسيتولاهم الذعر في الفجر الذي يحضن الحقيقة ستتفسخ جثثهم الكريهة تحت لهب الحجر وتذري رماد عفوناتهم رياح الليل النوّاحة .
القرد الحكيم يشعل في الغابة الخمودات .
11
يخرج الشاعر وحده معافى من نيران الأسلحة يصعد قلاعاً وتتبعه الآلام العدوة . في الضجيج القادم من عناد الموتى في الخشخاش . في المعصية والغفران يبحث عن درع الابداع وماسة الحرية العالم في يده وحوله كآبة العصور .
يخرج الشاعر وحده معافى من نيران الأسلحة يصعد قلاعاً وتتبعه الآلام العدوة .
لا للعمالقة الغلاظ / القتلة / السفلة لا للذين يشحذون خناجرهم في قلب الشجرة لا لآلهة الدم والحروب والأوبئة ينشد الشاعر السلام للبشر المعذبين على تخوم الأبدية .
يخرج الشاعر وحده معافى من نيران الأسلحة .
12
لا البطولة لا القداسة . من قبل أن تطير الملائكة . من قبل أن يخلق آدم ينمو الموت فينا منذ الولادة نتنفس ويتنفس معنا . يقاسمنا سرورنا وهمومنا وحين نتزوج ، يتزوج معنا .
لا البطولة لا القداسة .
لكن الله لأضرحة الشعراء يجيء حاملاً مبخرته وظلال اقحوان يربت على أكتافهم ويمسح بيده الخضراء وجوههم المتعبة . أيها الرب . أصفيائك الشعراء ، اجعلهم في عليين من مدادك بحارك يغرفون . أنت تلهمهم .
لا البطولة .
13
كريمة عطاياك يا الله وغالية وديعتك الكلمة أيها القدوس . إلهي الظافر أترصدك في أحلامي مترقباً تجلياتك البهية أبحث عنك في هياكل الطبيعة وسيّر حيوات الشهداء والذين يبحثون عن ملاذات لنفوسهم الكبيرة .
كريمة عطاياك يا الله وغالية وديعتك الكلمة .
هل لي أن ألمح التماعة من بروقك الخاطفة ؟ البحر ، البحر ، البحر اللامتناهي . غطست في البحر وشربت كلماتك الحكيمة . آخيت البحر وتوحدت في اللامتناهي منتظراً نارك الرحيمة .
كريمة عطاياك يا الله .
14
ظلال محيي الدين بن عربي على روح{عين الشمس} الخالدة . أيتها الظلال . نحن نجلس هنا حتى الرمق الأخير النساء اللواتي نعشق ، يغزلن أغنياتنا تحت لهب الريح تشتاق كل واحدة أن تأتي وترقص رافلة في النور على البلاطات . بلاطات الصيف الخضر .
ظلال محيي الدين بن عربي على روح{عين الشمس} الخالدة .
أيتها الظلال ، اننا لن ننسى ذكرياتنا هناك أيتها الخواتيم التي شهدنا والمدائح التي أنشدنا أين الغزالات اللواتي طاردنا ؟ قولي اننا لبثنا دهوراً لأننا ذات فجر منكسر سنرحل عن بساتين هذا العالم .
ظلال محيي الدين بن عربي .
2 / 1988 السليمانية / قلا جوالان
أحلام المجيء
1- قبر سردار الحائك الكردي سردار ، ميت منذ عام 1973 تحت صخرة كبيرة . في سفح أحرقته قذائف المدفعية يرقد المسكين بعيداً عن أهله وأصوافه . في الصباحات الشتائية الوحشية ، تجيء امرأة في الأربعين حاملة أنوالاً وأطعمة . تبكي مرتلة رثاء غير مفهوم وتلطم صارخة :{سردار ، سردار عد الى الأنوال عزيزي سردار} وحين تصب دموعها في صحن المقبرة . تعود الى القرية مخضرة العينين . في الليل يتسلل جنود من ربيئة ويلتهمون طعام الميت ساخرين من خبل امرأة تؤمن ببعث الأكراد .
2- قبر في الذاكرة
كنت أحفر قبراً . قبراً مهيباً في مدفن العائلة أعمق من جميع القبور التي علاها الصدأ والنسيان . كانت جهشاتي تفيض ينابيع تلبط فيها الطيور والأسماك . كانت عيناي محمرتين كصيدلية وحين تعبت من الحفر . توقفت ريثما يطلع الصباح . في اليوم التالي كنت أشعر بصدع عظيم . استيقظت فلم أجد القبر . بحثت في جميع الأماكن التي من الممكن أن أدفن فيها الخالة العزيزة . في المساء شاهدت أفعى رقطاء فوق شجرة صفصاف تتسلل بحذر وتقتنص عصفورة نائمة . يا إلهي لقد كنت أحفر القبر في الذاكرة .
3- رغبات مؤجلة
قلت لأبي : اعطني نقوداً لأسكر فتح فمه فخرج منه أسد جائع قلت لحبيبتي : اعطني قبلة فتحت فمها فخرجت منه لبوة قلت لآمر سريتي : اعطني اجازة يا سيدتي {فتح فمه فخرجت منه دبّابة} . الأسد الجائع واللبوة اصطحبتهما معي في نزهة على الدبّابة ثم عدت الى السجن مصدوع الرأس .
4- أحلام المجيء
الأب في النهر النهر شبكة الأم في النهر النهر سمكة الولد في النهر النهر نورس البنت في النهر النهر نورسة الشرطي في النهر النهر سمكة قرش .
5- مجانين الملك
الملك: أيها الوزير ، هات قائمة باسماء جميع المجانين في مملكتي . الوزير: أمرك يا صاحب الجلالة . ......... الوزير:{بعد ثلاثة أيام} هذه قائمة باسماء جميع المجانين في مملكتك يا صاحب الجلالة . الملك:{مصعوقاً} ولكن لماذا وضعت اسمي في أول القائمة ؟ الوزير: لأنك يا صاحب الجلالة أعطيت الأغراب الذين استقبلتهم نهار الأمس ذهباً كثيراً . الملك:{بعصبية} تباً لك أيها الأبله . هؤلاء تجار ماشية وسوف يجلبون لي أبقاراً كثيرة . الوزير: حين يعودون بالأبقار ، الأبقار الكثيرة . سوف أشطب اسم جلالتك وأضع اسماءهم .
6- المتسلط
أحدهم طويل القامة . طويل ، طويل يحمل بندقية محشوة وسلاسل أجلسني في تابوت وقال :{من أنتَ؟} أجبته وخيمة رأسي ترتفع وقبري يهرول صوبي وآخر غصن من حياتي ينكسر . - الشاعر نصيف الناصري . ألقى البندقية والسلاسل وخرّ لي ساجداً يقبل الأرض التي تهتز من شدّة رعبي .
7- لقاء الملوك
في مدينة مبادة ومخسوفة التقيت ملك سدوم وملك بابل وملك مصر وامبراطور اثيوبيا والسلطان التركي سليمان القانوني {كف عن سن القوانين منذ أمد بعيد طبعاً} وبدلاً من أن أحييهم باجلال وفخامة شتمتهم واحداً واحداً وتزحلقت فوق عمائمهم الحريرية الشبيهة باعشاش لقالق .
8- الى الشعراء الخصيان
لا نريدُ من ينابيعكم الآسنة التي عطرتها الشمس بعفونات جثث منتفخة {لسنا أولاد كلمات وحيوانات فظة وآباؤنا ليسوا خيالات تافهة على الطريق}* الله ينسى قصائدكم كعجائز في مأتم ويحفظ قصائدنا كفتيات في عرس .
* بول كلوديل
9- موت الرجل الوقور
الرجل الوقور الرجل المهذب وقف على شاطئ النهر يلقي الخبز لطيور النورس تكاثرت النوارس الجائعة مسرورة الرجل الوقور مسرور أيضاً رمى المزيد من الخبز منحته النوارس صخبها . منحته حنينها وأغنياتها فكّر الرجل المهذب مسروراً لرؤية أسراب النوارس متجمعة أمامه . - ملكي هذه النوارس : قال الرجل ، كلها لي أخيراً – حين نفد الخبز والنوارس شعرت بالنعاس أخرج حجراً ثقيلاً من جيب معطفه ورماه بقوة صوب السرب النائم . سقط الحجر على صورته في الماء مات الرجل الوقور مات جريحاً بغطرسته .
غجري
تحت ظلال أشجار البنايات القديمة المثمرة طوال العام عيناك تدمعان في وهج الظهيرة وحبيبتك تغني في غرفة المحررين هي في الأحجار المبعثرة من حولك وهي في الظلام وهي في السواد الذي يلفك . أنت الغجري الذي لا تعرف شيئاً عن شجرة نسبك ولا الألقاب الفخمة ستهجر الأرض الخادعة والمرأة الخادعة ستحفر تراباً بلون الذهب وتشم عطوراً بلون الشعلة تعرفك الجبال والثكنات والأرصفة ويعرفك الجياع العزّل الذين يحيون بلا مستقبل ، لأن المتسلقين كانوا يحتشدون تحت السلالم . كنت تحلم أن تكون حرّاً وطليقاً لتنام في بيت أو على مصطبة في ساحة {النصر} مع جان دمّو . كانوا يودون لو تقتل فوق جبل {كَرده مند} بينما هم يأخذون رغيفك الحار أو يتفيأون تحت ظلال موتك الباردة لأنك لم تبحث يوماً عن مجد في الرمال ولا عن الطحالب في المستنقعات ولا عن العطايا القذرة التي يحصل عليها المتسلقون بينما العفن يأكل أرواحهم . ها أنت في {قصروك} تنام في مخفر وتحلم بتجوالات طويلة مع انخيدوانا وها أنت في {بعشيقة} تقود فصيل استطلاع عبر غابة الزيتون وها أنت في {ديكَه له} جالساً تحت ليل مقبرة تكتب رسالة الى صديق : {ما الذي تفعله بنا النساء يا صديقي ؟ لسنا أولاد خنازير ولا لصوصاً ولا تجاراً ولا ضباطاً وسقف بيتنا ليس من خشب الدولة} . وها أنت في بغداد مع شاعرة تراها جميلة وهي قبيحة وتتسكع مع كاظم النصّار في {الوزيرية} و{الباب الشرقي} الجيوب فارغة إلاّ من قصائد لا تنشر والعيون تدمع من شدّة الجوع تفكران في السرقة وتحلمان بالخبز والنبيذ والسفر . {عبثاً تحاول الاستراحة عندما تملك الوقت ، تملك الحرية} . ها أنت في {الرفاعي} لدى قاضي التحقيق وكمجرم يضعونك رهن التوقيف . تفكر في امرأة تغني في غرفة المحررين : يا أم الرحمة هل هذه نهاية شفاعاتك ؟ هل يتوجب عليّ أن اموت وأنا في ذروة المأساة ؟ لست جميلة يا شفيعتي لست جميلة والعاشق الأكثر روعة هو الشفيع هكذا كنت تقول لنفسك وأنت تتمزق أنت الذي تلاحقك أحقاد الطحالب ويحاولون تهميشك ويطردونك من جنتهم العفنة ، لأنك كنت عاشقاً وأخفيت عنهم . سلام على ليالي السجون العادلة على التقززات والتنكيلات سلام على النهارات السود والسفوح . أنت الآن في شارع {الرشيد} تضمّد جروحك التي تلتئم ولا تلتئم تحت ظلال أشجار البنايات القديمة المثمرة طوال العام وتتأمل بذعر رجال الشرطة في المنعطفات واذا كنت في بار {شريف وحدّاد} فانك تكون سعيداً وعلى الطاولة زجاجات بيرة وليمونة جافة . أنت مذعور ، ترى نفسك مشنوقاً على أي شيء وتسير عقارب ساعة {القشلة} سيراً عكسياً وأنت تعد أعوامك التي تذبل بسرعة {لقد قمت برحلات ومررت بتجارب مفرحة ومؤلمة قبل أن تلاحظ الخداع والتقدم في السن . غداً تصبح المروآت صخراً والزمن نسمة تهب نائمة على الغصون} لهذا لم تقرف من الشاعر الذي كتب اسم حبيبته على زنده وارتدى أسمالاً بالية في الهجوم على {سيده كان} ليلة 9 / 9 / 1985 . في تلك الليلة كانت الأرض حمقاء والسماء سافلة . شاهدت أحشاء الزهور ولا تريد نسيان طبعات غدرها هي الشفيعة والجريمة المنقسمة كشجرة صبار حين تفتح فمها وتتحدث ، تسمع الأكاذيب في العشب وجهها السخام وجهها حشرة. كانت شفاعاتها فحماً راسخاً كشعلة خديعة كنت تتمزق في عزلتك وهي تتعهر مع أشباه رجال كنت كنار تطاردها الأنهار ولم تقرف من الذين يجرعون ماء البغاء والعجائز ذوي النظرة الخضراء الذين يعشقون الغلمان ويحرقون شفاههم في الصمت بل سخطت عليهم وقلت : {نعم ، يا مخنثي الشفيعة ذوي اللحم الورم والعقول القذرة مجاري الوحل أيها الأعداء الساهرون} . تحت ظلال أشجار البنايات القديمة المثمرة طوال العام عيناك تدمعان في وهج الظهيرة وحبيبتك تغني في غرفة المحررين . تألمت في الحب في العشرين والثلاثين من عمرك ولقد عشت كمجنون وأضعت أيامك . انك تنظر وعيناك تسكبان الدمع الى هؤلاء الأكراد المهرجين انهم يعشقون فضاءاتهم وتراب حقولهم والنساء يرضعن أطفالاً انهم يملأون بعطورهم ومواشيهم سماء {ديبه كَه} ويأملون أن يجمعوا مالاً في {دشت حرير} . انك تجلس في بار قذر في حي {آزادي} تحتسي الخمر مع العمال {الخمر يزيل الرائحة رائحة الفقر والنقود لا رائحة لها} وفي الليل عندما تذهب الى الثكنة وتسرق النقود من حقائب العرفاء وتكون في مطعم كبير . تفكر في شاعرة تراها جميلة وهي قبيحة {أرغب أن أموت وأنت ما زلت تحبني . وأنت تراني جميلة} كانت تقول لك ذلك قبل أن تهجرك . أن يديها اللتين لم أرهما قاسيتان ومشققتان أشعر الآن بالعطف الذي لا حدّ له لشحوب وجهها . تلك كانت أيام سعادتك أيام حزنها وأيام ترملها . انك عريان والبرد قادم وأنت تفترش هذه الأرصفة المهدمة كما تفترش حياتك .
3 / 4 / 1991 بغداد
كيمياء الألم
نامي ، نامي يا نموري الصغيرة . أيتها المتوحشة يا أحزاني . الليل برموشه الطويلة ينسدلُ على آلامي ليل حياتي التعيسة ينزلقُ برفق الى الأعماق القديمة والسماء الغاصة باسراب الحشرات والمطموسة بالعويل . أجراسها الصدئة تترنح مهدمة فوق رأسي . فوق الأعمدة وفي الميادين فوق الأشجار المتوحشة العارية وعلى الأبراج ترفرفُ مدفوعة صوب الماضي رغباتي المنكمشة . ***
ما الذي سأفعله بمستقبل ميت أنا الذي عشتُ حياتي كلها في مستنقع من الجحيمات ؟ تعلقت الظلمة في جبيني تعلقت الصحراء تعلقت العناكب والطحالب . العالم هاوية وعيناي معصوبتان برماد حاضر ميت . على أية سنبلة أتكئ ؟ أية شمس تعينني على النهوض ؟ حاضري رماد وماضيّ عدم لي من الذكرى ثمة جروح محفورة حتى العظم لو أردتُ النوم يكبلني قصف مدافع وتقودني هلوسات الحروب الى جوّ من الجحيمات . أسمع حشرجات موتي وتفيض أمواج العذابات ارتفاعاً يناسب اغراقي . لماذا يداي متخشبتان كحاضري ؟ لماذا أبصق القصائد وأعاين مشهد خرابي ؟ أصوات الموت المزمجرة لا تزال تصبغ عشب النهار لا قناديل لي ولا ثلج لا فضة ولا ربيع لي هذه الساعات المهشمة والعاطلة التي لا تضيؤها الشمس طوال العام .
***
عندما أمرّ ببغداد قادماً من الجنوب ، في طريقي الى الشمال أعجز عن رؤية{ نصب الحرية} و{تمثال السعدون} .
***
العزلة العزلة العزلة آهٍ ، أيتها العزلة العزلة العزلة العزلة مسودة أنت مثل شجرة مسيجة أرضك شجية وشفيفة وجرائمك المشمسة تشع على لياليّ مرة ترفعني من الهاوية ومرة تأخذني الى أرض قبور غريبة ومرة أخرى تغرقني في مياه ساعات ميتة ومرة أخرى تدلني على سجون وكهوف مليئة بالتثاؤب ومرة أخرى تلفني كجثة محطمة . جرائمك الثقيلة الحمولة والمرفوعة فوق عشب حياتي تلمعُ في ليل العظم في صدأ الأسلحة المتروكة في مرايا الأمل الذي يقوسه طيران البوم في الحب المرفوع فوق الانهدامات في جوع الطيور والأشجار المضمدة المجنونة .
***
هذه السماء الخشنة التي أرقبها الآن . تحتضر وتتعثر في أنفاسي تتعثر الغيوم والأدراج . الموت الذي غفل عني عندما غشي عينيه النعاس ما يزال مخيفاً ملقى باهمال فوق صدري كأرنب جريح . آهٍ ، يا موتاً يرافقني ويلتصق بي مثل زئير يعري فراغ الظلام . لا صيف عندي لأفتح أبوابه من أجل الأبدية . بحاضر شرس يتهاوى الى الوراء ، أرقب انهداماتكم وأرى الخرائب التي لن تروها . هنا – على شواطئ نهر دجلة . في المدينة التي بناها المنصور أرقب صعود الصحراء صوب الجنائن العالية وأتساءل : ماذا يعني أن تتعرى الأشجار من لغاتها ؟ اهو الزمن يغوص في أذرع العناكب ؟ الآن- تطير أمامي الغربان الجائعة في سماء المدينة وتطير معها أحلامي . أحلام فقيرة سود أحلام صفر أحلام خضر أحلام زرق أحلام بنفسجية . مرة رأيت في الحلم طفولتي المهدمة تنهض من أنقاضها وتصافح الفراشات .
***
طلبت عشبة فوجدت مسماراً طلبت شمساً فوجدت ثلجاً طلبت نجمة فوجدت مقبرة طلبت ثدياً فوجدت شوكاً طلبت يداً فوجدت مدية .
***
أصدقائي الذين ماتوا عام عام 1987 . بينهم شعراء وعشاق ومجانين . ماتوا في الهجوم الايراني على بحيرة {الأسماك} من أجل مياه لا مرئية . زهور وشموس تلفح وجوههم اللطيفة . جدائلهم الخضر ابتلعها ليل الهاوية . أصدقائي الموتى يأتون في أحلامي ويعرضون عليّ جروحهم العميقة قائلين : - {انها عميقة} وكأني لا أملك في حياتي جروحاً عميقة . أصدقائي أصدقائي الموتى الموتى الموتى أصدقائي الموتى الموتى الموتى الموتى أنا وهم باب في المياه يمرّ من خلاله ليل الأبدية .
***
هنا- يلعب الملائكة الأيتام مع الكلاب البيض في منعطفات الشوارع هنا- الدبّابات المزمجرات يتحدثن عن أحزانهن ، وفي آخر الطريق يقف الشاعر شاحباً وقدمه على رقبة مستقبل ميت . مرآة الشمس مثلومة والهواء عويل . هنا- كل شيء ميت ما عدا القمر الذي يتشظى مثل صحن صيني .
***
أريد الآن أن أخوض في عراك وحشي لأصعد من هذا الرماد الذي تزينه بقع الدم . آهٍ ، الدم الدم الدم الدم العفن . لا أريد أن أعيش وسط هؤلاء الذين يعيشون ببلادة ويتألمون بلا جروح . لماذا يعانون من عبودية بلا ظلام ؟ لماذا يعيشون في قلعة بلا جدران ؟ لا شمس لهم ولا يخجلون من دناءاتهم . يضحكون على أنفسهم ويكذبون على أطفالهم . تاركين تلك الآثار الباقية في أجساد الفقراء {الذين تنازلوا عن جلودهم لمدافع الهاون وعظامهم للسديم} . ما الذي أخشاه وأنا جزء من الهاوية ؟ ماضيّ الذي يدمع في طرقاتي الآن . لن أرفع له راية .
***
ذهبية حقول الطفولة . أراها ، والشمس . شمسها يدي ، مرئية طفولتي كواكبها ساطعة ترّف . حديقتان إلهيتان تركضان في صدرها . آهٍ يا طفولتي من أجل أعيادك وقرابينك التي ترتفع مسلوبة من سلطتك الشيطانية على خرابي المظلم . هل تأويني سماؤك الهشة ؟ مبتهج بخرابي اذا فجرك أضاء جبيني . أنا ابن ماض لا مبارك تعثرت بشدّة فوق الجبال حتى تخلصت من عناد موتي . كنت نرجساً ، نرجساً أبيض مشعاً ونسمة ووردة حمراء في زند النهار . كنت نبعاً يحضنك عطش الأرض . ارجوحة كوكبية . نورساً . مدينة . كنت الحلي السلطانية المرتعشة بين أصابعي ، كنا نستطيع أن نحلق لكن لم يبق وشم أو ظل قيلولة . لماذا انطفأت رغوة الصيف مثل وشيعة فقيرة ؟ كأن لم تكن هناك يد حانية كأنما ضروع نهر {الغرّاف} كانت مجرد سراب .
***
أرفعيني اليك أيتها النيران العالية . ضمّيني اليك أيتها الحرارات الأشدّ حناناً من الذهب العميق . اظفري آلامي أيتها النيران الخصيبة بين الليل وبين الليلك . حدقي صوبي يا غيوم الحروب . أيتها اللافحة والمحتفية كرماد حياتي . ارفعيني من العزلة العزلة العزلة العزلة .
***
إيه . الشتاءات التي تفسختُ في زمهريرها بعيداً عن البيت ما تزال تهب على أحلامي . شمسي قتيلة ومعصيتي مطفأة . زادي الشظايا وخمرتي دموع أصدقائي الموتى .
31 / 12 / 1993 12 / 2 1994 بغداد
محني الظهر تحت أوامركم
عن قصيدة لشاعر هندي
أريد أن أقول انني لا أتذكر شيئاً من صحيفتي العسكرية إلاّ أيام الغياب والهروبات والعقوبات . هنا يتمشى رجلان تحت مظلة متهرئة . أيديهما فارغة وهما يستعطفان . الرجلان اللذان نراهما الى جانب تمثال الرصافي عام 1987 كانون الأول . عام 1987 في ذروة البرد ، كانا مسلحين ويحلمان بالقاء القبض عليّ . على أي وجه سنقذف بالبصاق ؟ على أي قبر سنكتب أسماء القتلى ؟ انها لنا هذه الأشجار العالية اليابسة من أجل التوابيت واحراق الأكاذيب . والآن- انتهت الحروب وها أنا {عاري الرأس أنزع عن قدمي مشبك دراجتي باحترام وحرج}*. عندما أدخن سيكارة . أضع عقبها في المنفضة . أنا رجل متمدن رقيق ودمث الأخلاق . في اجازتي الدورية أذهب لزيارة أصدقائي ولا أحقد على أحد لكنني عندما أفرط في السكر أضع جميع المقدسات في المرحاض وشأن كافة المواطنين الصالحين أسدل الستائر حال سماع صفارة الانذار . لم أفعل شيئاً يستحق اقامة نصب لي بحيث يخسر بعض المسؤولين يوم عمل من أجل تدشينه . هربت من الخدمة العسكرية عدة مرات واختبأت في أمكنة سرية كئيبة . حوكمت وسجنت وتبهذلت واعتبرت جرائمي في {قادسية صدام} مخلة بالشرف . والآن- أنا عاطل عن العمل لا أملك غرفة ولا غيمة ولا حذاء ولا ثمن وجبة طعام . حياتي هامشية . علمتني صحيفة {القادسية} أن أحب الوطن وأموت من اجل ترابه مع انني لا أملك ذرة تراب واحدة ، وحفظت الحديث الشريف {أرواح الشهداء تعلق في حواصل طيور خضر من طيور الجنة} ، ولكي تكتسب ثقافة عالية وتنجح في الحياة . عليك أن تقرأ كل شهر مجلة وزارة الدفاع {حراس الوطن} باستثناء بعض الأكاذيب الصغيرة . حتى الآن أنا أجهل وزن بندقيتي . في الليل أجلس على الكرسي في شرفة الفندق وحيداً . القمر الجميل يلمع في مقدمة حذائي . أجلد عضوي الجنسي وعلى وجهي أكتب حمار . ليست لي عشيقة ولا أملك نقوداً لكي أذهب الى المبغى وشكله الشبيه بثكنة . أحياناً أقف ساعات في الطابور ، لو أصبت بالاكزيما ، بالبثور بأي مرض جلدي ، فهناك أنواع المراهم . لقد عشت حياتي كما أنا . الجميع يمكنهم سحب كلماتهم . لا أقبل شروط أحد . يتحتم أن أعبر الحشود المكتظة . عبر أسراب الذباب ، عبر كل الذين عرفتهم واحداً واحداً . ها أنا الآن غطيت نفسي بنفايات الفشل ورغم انني أحيا مستقيماً فالمرارة ما زالت تحكم حياتي . أن تكنس العالم من هذه النفايات فأنت بحاجة الى كاسحة نفايات . خلف هذا العالم وخزائنه هناك نفسي الجائعة . في امعائي اجترار اللاشيء وفي رئتي عار الذين لا يملكون شيئاً . مغطى بالهامش أسود محني الظهر تحت أوامركم .
9 / 4 / 1991 بغداد * فيليب لاركن العزلة الداخلية
1- طائر البلشون
طائر البلشون يجرح نفسه في الظهيرة . محاط بالتحننات والعطور التي بعثرها الزمن . طائر البلشون ملك المغامرين في حلبة أعياد العالم . يراقبكم في ظهيرته التي لا تنتهي . لماذا لا تنسحق الكلمة على اللاهوت ؟ طائر البلشون يتكئ على جرحه . أنهار كلمته تضيء تحت أرض الليل . سنبلة الرأس قلعة الضوء وسطوع الحشرة . رموز للعزلة الداخلية . يد التمثال المشققة التي يبللها في الينابيع ، يد وديعة تكتظ بخرائب نجوم أخرى . تتألق التجديفات مع اللذة المولودة في العزلة . طائر البلشون وقصيدته يتنفسان الهواء الطلق في غابة الرموز . القنديل على ضوئه حصان يحمحم عند نبع .
14 / 4 / 1994 بغداد
2- غيوم مشققة
العشب فوق السفوح ، مرايا ضخمة تعكس جمال الهاوية . شمس الجسد شمس عذراء تلتحم مع الثلج في شوقها لعناق الليل . هذه سماء تتشقق في صعودها النابوليوني . سماء غيوم مشققة . المنفى قصيدة تقاد عبر التخوم الغريبة . ظلال فوقية . ظلال التعارضات التي تهدم التعارضات . العقائد مصائد . الظلال العاطفية للماضي تجمد ظهورنا المحدودبة والمعضوضة من قبل الحاضر . ثآليل . كدمات . يرقات تئن في سجون أرواحنا . نظراتنا التي تتقلص من شدّة الرصد ، تنسحب مهزومة الى الداخل . النهارات سود وتبتسم كالدم . هل الشمس اليابانية تشبه الشمس الصينية ؟ متى تعفى الذبيحة من الذبح ؟ نندب المعصية نندب الغفران . رواد الفضاء الأوغاد حطموا أحلامنا في الوصول الى جنة ما .
14 / 9 / 1994 بغداد
3- الفردوس في نهدي الشجرة
نريد من اللامكان مساحة مزروعة بالبياض . نريد من الماوراء . من اللاشيء الديمومة التي تتمدد في الفضاء الرحب . في مرايا الأموات ، في مرايا الكوارث تصعد أشجارنا ملطخة في ذرقها اليابس . هنا تماثيل حيوانات تغني على قمم الفجر . تماثيل غاليلو وانعكاس مرآته الخضراء الجدارية . تماثيل الشاعر التي تحملق في قرونها وتأسر الفراغ . الفردوس في نهدي الشجرة . أين ابتهالاتنا في المعبد ذي السلالم الضوئية ؟ كلمات تناسلية تنفصل عن مياه الأنهار وتصعد الى الأعلى . الى مناورات الصيف . كلمات الصاعقة والجذور الجائعة والنهمة للشمس . هذا هو بيت الكائن وصمته المرفوع فوق المرايا . صمت الطير المعلق بين الأرض والسماء . صمت الليل الذي يتمرد في اللهب . صمت يتماثل للشفاء ويمطر على الكهوف . صمت الماوراء . صمت المسالك المهجورة التي توازي الشمس . صمت الموت الذي بلا عمر . خشخشات وخطوط منحوتة في اليد من أجل البياض وعصائره المتشابهة دائماً . قبور تولد في الظل . زمن مستعاد ، زمن غيوم مقذوفة على الأرض الخربة .
15 / 9 / 1994 بغداد
ليل يبارك فرائسه / أوقات
1- المنفى
شواطئ ونافورات نجوم لا ترى إلاّ باللمس . بوابات كبيرة من الفضة المرفوعة بين الليل والنهار . لماذا تعبد الماضي وتبكي عليه ؟ المنفى يخترع الأضواء وأعياد المستقبل الذي يتكئ على نفسه في صفاء الفجر . المنفى يفتح أمامك طرقه اللامتناهية والنوافذ المجهولة للغتك التي تكاد تنقرض . المرايا العميقة التي تصالح ليل المنفيين تصطف بانتظارك عارضة نيرانها الساهرة بكتاباتها الحائلة اللون لتدلك على الساعات اللازمنية . على الجوهر المحروس الذي يصارع داخل نفسه من أجل الشعلة الأسيرة حيث يتسلل النهار ويرفع الغيوم من حدائقها النائمة . المنفى وقت البحر وأرضه المتحركة حيث لا ظل أسود ولا صدأ . وقت الصقور التي تتضرع لذهب الصيف . وقت الميت الذي يرفع بيت الثعلب . وقت اخوة العظم وهو يلمع بين أذرع العشب للسنة المكسوة بصفرة الشمس . هل هذه أشجار حياتك تأكلها العفونة ، أم عظام منقوشة في أروقة الهاوية ؟ تسلحت بالتعب ، التعب الذي ينفتح فوق شفتيك . فراشاتك التي بلا ريش تطير لا في الحدائق المليئة بالقناديل . تطير في الرماد الذي لا يضيئك ورسائلك المتحمسة للهواء ، تنقصها النجمة المستريحة فوق حافة الظلام . يا نصيف الناصري يا تلميذ الألم أنت نفسك يا ابن الجنوب وأغنيته الشجية يا ابن رماده وابن لوعته المنفى سماء عظيمة من الهواء الحرّ ، يربض فوق انعكاساتها اللامرئية الليل بكل أحجاره وضفافه الفوسفورية . مدن أمهات تلمع كما لمعان عقيق في الحماد الغريب . أعشاش طواويس في أشجار لغات . لا الحروب لا الخشخشات لا ليل الجروح لا الندبات لا منعطفات الثلوج العابثة في داخلها الأسلحة المحطمة . لا القتلى في أقنعتهم التي من الزبد المتجمد . مياه نجوم خضر على الصلصال. أزمان ظلال تختفي خلف معناها ، ودائماً نفس الشفاه الممسوكة بالارجوان . لماذا لا ننثر بذور الشمس على الأرض كلها ؟ لماذا لا نعلق القناديل فوق ليل الشاعر ؟ الوطن أصغر من حبة قمح والمنفى ينفتح على طرق المرتفعات اللامتناهية أرض ضروع تضمّد جروحك وتستقبل أحلامك وتحنو عليك مثل نهر أشدّ حنواً من صاعقة .
14 / 8 / 1994 بغداد
2- زهور سود على المياه البهيجة
ضوء في الزمن الذي بلا خيانات . ضوء العشب الذي هو خمرة وخزائن شفافيات مدفونة بعمق تحت مرتفعات الليل ، والحديقة بين الشموع تشتعل على الأنهار . ميثاق الظلمة التي تصالح جمرنا المنقوع بالصرخات . ميثاق بلورات تنهداتنا التي يرفعها الغراب الأخضر . ما الذي يجعلنا نترقب الحطامات في بهو الضباب ؟ يا أملُ . في الأرض غير المرئية ، أرض السهرات القديمة . تتقدم مجاميع من مصابيحك وترفع بصيفها ثلوج أشجارنا العارية ، تتقدم أنفاسك المضيئة التي تتمدد مثل سماء خضراء تثقلها ثمار ذهب تكسوه الزرقة الأسيانة . يا أملُ . فوق جبينك ، جبين الأحجار الكريمة ، تتكاثر أصداف الماضي . يرحل الشجن مع غيومه المحروقة . نسمعك تسافرين مع أشجار تحضن تحت أثدائها فضائح جنرالات يتعذبون . الأمواج الشيعية . الحجارة الحبلى كلها متشابهة وتئن تحت نار شفتيك . افتحي ذراعيك واستقبلينا نحن عشاقك المجانين . سننحني عليك مثل حلم يضيء بقمحه صحراء العالم . يا أمل . عم بذخاً يا وجهاً يرفل بهالاته . يا وجهاً أشدّ لمعاناً من لمعان العقيق العتيق . يدكِ النجمة تسهر وحيدة تحت ظلال الموسيقى المرفوعة فوق الرماد . بيضاء تحت نهر من الشمس المتسلحة بالخضرة الدائمة . يا عظم الليل اللامع في أرض الهدنات المتكسرة والمنقلبة ويا دفء الريش المختلط بحجارة أرض ضفافنا الوقورة . اكشفي وجهك الذي هو وجه الشعلة المتأرجحة والمشدوهة . وجه الموسيقى المتعاقدة مع الأقمار . وجهك أساور من ريش يسفعها البرد . عندما تمشين تمشي أمامك ظلالنا وتنفتح الظلمة المرصعة بالتوهجات . شفتاك الخضراوان تنيران باستمرار أرض العالم . فوق ، قرب النبع الأرضي تصعد رغباتنا مجهدة والصرخات تنطفئ . لهيب المشاعل يضيء السقوف المليئة بالأقنعة المتآكلة . مشدودون الى الماضي نرقبك في النار العشقية ونظراتنا تقفز متموجة بين الرمل وبين الريش العاري . اصعدي بمياهك الينا . ازيحي الانهدامات عن نهارنا المنقلب صوب الأيام الشبحية التي تومض لموتنا المزدحم بنقوش العطش والخسارات . يا أمل . شمسنا ناقصة ومثلومة وليلك متلألئ ومرفرف براياته وثرياته الكبيرة . صخور الريح تقوّض جدران رغباتنا المحمومة وأنت تحيطيننا بذهبك الحار وترفعين أمواجاً متنهدة . ذراع قرنفلة وحيد . ضرع بقرة مسيحية يلمع فوق تل من الصلبان المزروعة وشجرة من النوم تثغو باتجاه الليل اللامتناهي . ضياء ، وجزر عشقيات ، واللوعة والقيثارات اللاهثة بين مشاعل الصيف . قلائد حاضر مجنون ، والضجة البعيدة للسيف المجاور للوردة . طعم السهر ، حيث لا نبع ولا سنبلة . في مدن لا أضواء لها ، تتلاشى رغباتنا تحت غثيانات ثقيلة وتخفت حماساتنا لعناق الليل وخطواته المستديرة والمنسجمة مع الشواطئ والأغصان المليئة بالجذام والظلمة . آهٍ ، ما أقسى الليل في أعشاش المقابر . ما أقسى الفراشات السود التي تنحني في الهاوية الموشوشة . ما أقسى الصمت المتوهج بين الحشائش النائمة . مثل نورس يهاجر يدخل العاشق حمّى أحزانه . همسات العاشقة تحلق فوق مروج الماضي المطفأة ، وفي الحاضر الشرس يتمرأى الميتون . بهدوء مع ثلج الخيانة وقبر الأكاذيب الوردية ، يضطجع العاشق في حلبة جنونه .
10 / 9 / 1994 بغداد
3- أوقات
وقت الشمس الكرستالية وهي تجلس فوق شجرة اللاهوت . وقت التحشدات الضخمة لجيوشنا العظيمة . وقت النسور وهي تصعد لتحية الشمس . وقت البحر الذي يدفع أمواجه في الخلجان السرية . وقت القواقع وهي تدفن أصدافها . وقت الليل وعصّابته الملفوفة حول العالم . الثور الأخضر العظيم . الثور الإله يسحق بشهوته التي تتقدم باسلحتها الكثيرة ، زهور البابونج وهي تحرك حواجبها للساعات اللاهثة في الفضاء . لماذا تستبد بنا كلما استبدلنا جهشاتنا ؟ هذه أشجار ملحنا الضخمة تضيء بقناديلها ليل الأرض ولا تضيء ليل الجرائم . السجن – الشظية ، وشمس الطاغية مزرعة جراثيم . أين الجنرالات الطواويس ؟ أين حشرجاتهم اللامسموعة في الجذور التي تتسلل من أرض العدم ؟ لماذا لا تضيء شفاههم ينابيعنا السود ؟ الليل الذي يزأر تحت هالة الضوء البنفسجية والذي يرفع مخالبه الكبيرة ليبارك فرائسه ، هو ليل أحلامنا وقلاعها ذات الجدران القرمزية الممتلئة . الليل وزئيره الداخلي الذي يصعد عبر الأروقة القديمة للأماكن العالية في النهار . أين صيفك أيها النهار، صيفك الذي يصالح الجمرة الساهدة للبرد العاري إلاّ من حدائقه المتقدمة صوب شواطئ الغيوم العميقة ؟ صيف الشفة وأرضها الخضراء مثل أبواب السنة . وقت موسيقى الهنود الحمر . وقت سمير اميس وهي تودع جيوشها . وقت تأملات أمراء منشوريا . وقت العشب الذي يومئ للكواكب المسلحة . وقت الشكوك الناضجة المتمهلة . العالم متعفن ومسموم . هل العالم متعطش الى إله أم الى حرب سوريالية ؟ هذه النجمة الزرقاء هي نجمة العاشق التي لا تضيء الطريق لقطعات جيش الجنرال . متى نطلق الأغنية وهي قوس قزح فوق برد قصر الجنرال ؟ وقت الميتافيزيقيا وهي دائرة ضيقة . الجنون فضاء . وقت الجرح بجنحه الأسود الأكثر تحليقاً من الصراخ . وقت الساعات المضيئة فوق أعشاب القبر . وقت جوهر الحياة الذي يمزق الظلمة وعبثها . وقت الغيوم الروسية التي تشرب من أنهارنا تاركة نهودها فوق جبال الأورال .
21 / 9 / 1994 بغداد
* شاعر من العراق يقيم في السويد
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
22 قصيدة
-
نشيدُ محنتِنا الشَّبيهُ بالصَّلواتِ المزدوجةِ لنساءِ الإغريق
-
أحلامٌ تذبلُ من شدّةِ الدّوي
-
في ضوء السنبلة المعدة للقربان
-
ولاء إلى جان دمو
-
قصيدة عن عبقرية وحياة حسن النواب المقدسة والشجية
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|