|
هل التجارة خساسة؟
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 5294 - 2016 / 9 / 24 - 13:21
المحور:
كتابات ساخرة
البيعُ والتجارةُ مهارةٌ ما بعدها مهارة، فمن البائعين من يجذب عينيك، ومنهم من يجذبك بأذنيك، ومنهم من يتحداك حتى تقع في شباكه. كنتُ ذات يوم أسيرُ في أحد أسواق العرب في سورية الشام، سورية، جذرُ شجرة التجارة الأولى في العالم، حين قبض على ساعدي أحدُهم، وأَقسم ألا يتركني إلا بعد أن أرى بضاعته، انصعتُ، تحت وقع قبضته القوية، واطمأننت، وأنا أرى جمهور الناس من حولي، فأوقفني أمام دكانه، وهو يقول: أنا أعرف الرجالَ من ملامحهم، فأنت ابن أصولٍ، وما إن تراخت يدُه عن ساعدي، حتى تملَّصتُ، وأنا أتركه يقول: صحيح أهل الأصول ماتوا! من أنابيش قصص التجارة في سوق الحميدية، في دمشق، في هذا السوق يولدُ الأطفالُ، وهم يرضعون من أثداء أمهاتهم حليب شطارة التجارة. لم أكن أعرف يومها؛ أن الوقوف أمام دكانٍ، ثواني قليلة للنظر، يعني أنني أصبحت فريسة، ومن العار على صاحب الدكان أن يتركني أغادر، بدون أن أشتري من دكانه شيئا. ولم أكن أعرف بأن المفاوضات بين البائع والمشتري تجعل البضاعةَ أقلَّ من الثمن الذي طلبه البائعُ في الشوط الأول من المباراة، بثلاثة أضعاف، إلا في هذا السوق! توقفتُ متأملا واجهةَ محلٍ، تتدلى منه أربطةُ عنقٍ، متعددةُ الأشكال والألوان، ذكَّرتني بأنها تصلح للهدايا، فهي خفيفة الوزن، وذات بهجة. وما إن تأملتها للحظاتٍ، حتى خرج اثنان من داخل المحل، وقاداني إلى داخله مُكرها، فوقفت على الباب، وأنا أعلم بأنهما لن يتركا لي خيارا، فإما الشراءُ، وإما الشراء! فسألتهما عن ثمن ربطة العنق، فقال أحدهما وهو يأمرني بأن أدخل حتى يريني ما هو أجمل من المعروض،قال: ثلاثين ليرة !! فأدرتُ ظهري، فحذف من الثلاثين عشرة، عندما صرت خارج المحل، سرت ولم أكن أعلم بأنه يسير ورائي، وهو يقول: أخي، خمس عشرة ليرة. وواصل سيره على الرغم من ابتعادي عن محله وسط الناس، وقال: عشرة ثم، خمس ليرات، ولم ييأس من صمتي، وحين أحسّ باليأس قال بصوت عالٍ وسط وردد آخر لعنات اليائسين: العمى بعيونك! وأخيرا، هل حلَّتْ لعنةُ أفلاطون على السوريين عندما قال عن التجار: "هم معدنُ الدولة الخسيس"!؟ أم أن أرسطو شخَّص واقع التجارة في عصره، عندما قال: " الاشتغال بالتجارة هوانٌ ومذلة "؟!! أم أن الحقيقة هي: أنَّ منظمة التجارة العالمية، وهي صاحبة اليد الطُولى في عصرنا، تخلَّصتْ بالفعل من آخر سلالات الفينيقيين، البارعين في التجارة، والمنافسين لهذه المنظمة؟!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكلام المهموس مسموع
-
أطباء آخر زمن!
-
هل الزواج العربي زواج؟
-
بيت الطاعة العولمي
-
الأنبوش والأنابيش
-
ورم الزعامة عند الفلسطينيين
-
زعماء المكارثية الثقافية في إسرائيل
-
الحل الاستيطاني النهائي
-
مجازر نيس، والكراده، وباريس!
-
القواقع القبلية في فلسطين
-
جعفر الإفريقي، ابن قاهر الامبراطورية
-
كيف كنتُ آكلُ البطيخ؟!!
-
انتهاء صلاحية الإنسان العربي
-
مقال مرفوض بمناسبة الأعياد اليهودية
-
في فقه العلاقات الإسرائيلية الروسية
-
لماذا تسعى إسرائيل لإفشال مؤتمر باريس؟
-
تسونامي ليبرمان الجديد
-
هل غزة فاشستية؟
-
فلسفة للتبرير، وليس فلسفة للتنوير والتغيير
-
تدمير بُنية الأجيال
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|