أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 41















المزيد.....

سيرَة أُخرى 41


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5292 - 2016 / 9 / 22 - 03:56
المحور: الادب والفن
    


1
ابني الصغير، عاد من سفرة استجمام في مدينة " الجديدة " بعد ما قضى فيها عشرة أيام. الجديدة، هي مدينة ساحلية تبعد عن مراكش بحوالي ساعتين بالسيارة وقد أسسها الغزاة البرتغاليون في القرن الثامن عشر وأطلقوا عليها اسم " مازاغان ". لم أستطع مرافقة العائلة إلى الجديدة، مع أنني كنت دائماً أرغب بذلك بهدف التعرف على هذه الحاضرة التاريخية والكتابة من ثم عنها. بل ولم أتحرك من مراكش طوال أكثر من شهرين، بسبب انشغالي بتنضيد روايتي الجديدة.
مساءً، طلبت من ابني مرافقتي إلى السوق. فأبدى موافقته، ولكن ليس بدون أن يشترط عليّ شراء لعبة جديدة. ركبنا التكسي إلى مركز المدينة، وكان الجوّ حاراً. طلب مني أن أشتري له زجاجة ماء، فقلت له متقصداً المزح: " أنسَ إذاً شراء اللعبة! ". لم يعلق، بل صار يجول بعينيه في السوق بحثاً عن محل يبيع الماء المعدني. بعدما تم الأمر، تمشينا إلى غيليز لنتعشى في ماكدونالدز. كانت هذه المرة الأولى، التي أزور فيها المطعم بعد ترميمه وتوسيعه. جلسنا على التراس، مستمتعين بالهواء اللطيف ومشهد الساحة بنوافيرها العملاقة وما يحيطها من حدائق وعمارات جميلة. حان وقت العودة للسوق لشراء لعبة ابني، ولكنه لم يتحمس وأراد أن نأخذ تكسي فوراً للعودة إلى البيت. هنا، أدركت بأنه يريد التبول. عاتبته، لأننا كنا تواً في المطعم والحمّام كبير ونظيف. فأجابني محرَجاً: " ألم تقل لي أن أنسى شراء اللعبة؟! ".

2
أكتب من مقهى شعبي، يطل على " ساحة الخصّة " في مدينة تطوان. في وسط الساحة مستديرة، تتوسطها بحرة دائرية كبيرة يحيطها الورود وأشجار النخيل. كنيسة من الحجر العسلي، لها برج جرس مربع كبير، تنزوي إلى جانب مسجد على النمط المحليّ مصبوغ باللون الأبيض. هذا الأثر الأخير، هو الوحيد في الساحة لا ينتمي للعمارة الأوروبية الكلاسيكية. إنها أبنية رائعة، ناصعة البياض، تحدق بالساحة وينفتح من بينها ستة مداخل لشوارع رئيسة، أهمها شارع محمد الخامس. وراء الأبنية، تظهر الأحياء المتسلقة الصخور بألوان بيوتها البيضاء. يمّر رجل، مختل العقل، فيتهدد أصص أزهار القرطاسية الزاهية، المرصوفة بمقابل المقهى. يدعوه بعض الرواد للقدوم، إلا أنه يخاطبهم عن بُعد بكلماته غير المفهومة ثم يمضي في طريقه.
الطريق من سبتة إلى تطوان، كان من أجمل ما رأته عيني. عشرات المستديرات، المتخمة بأزهار البيتونيا وفم السمكة والخبيزة، تقطع الطريق على جنون الشوفيرية بالسرعة. كذلك يمرّ المرء بمدينتين رائعتين؛ هما الفنيدق ( سان خوسيه بالاسبانية ) والمضيق. ثلاثون كيلومتراً، بين سبتة وتطوان، تخللتها مناظر ساحرة للشواطئ الفيروزية والفيلات الفخمة والجبال الخضراء، المختفي قممها بالضباب فيما سفوحها تضيء بالمساكن الأنيقة ناصعة البياض. إلا أنني فوتُّ الكثير من مناظر الطريق، بسبب الحديث عن الوضع في سورية. جارتي في المقعد الخلفي، وكانت أربعينية تعيش في سبتة، هي من بدأ بسؤالي عن الوضع. ثم أشترك الآخرون بالنقاش بما فيهم السائق. ولكنني كنتُ محظوظاً، من ناحية أخرى، لأنه بجانب موقف سيارات الأجرة يقع أوتيل جيد متعدد اطوابق، والسائق هو من دلني عليه.

3
مقهى " البادرينو " الشعبي، يُشرف على الساحة الرئيسية في المدينة. عامل المقهى الشاب، كان قد قدم إليّ أول مرة فحياني بالاسبانية، فأجبته بالعربية وطلبتُ عصير برتقال. أشعة الشمس، الزاحفة حثيثاً، أجبرتني أن أغيّر مكاني. فانسحبتُ إلى مدخل المقهى، مسنداً ظهري إلى الجدار. هناك، بدأت حديثاً مع رجل من نواحي الدار البيضاء يعمل في مدريد وكان قد اشترى منزلاً في تطوان. وإذا بالنادل يعود إلى طاولتي الأولى، وهوَ يهز رأسه بحيرة وأسف. فيما كان يضع قدحَ العصير الفارغ على صينيته، أشرت له من مكاني. أنبسطت أساريره لما رآني، ثم حضر إليّ كي يأخذ ثمن العصير مع بخشيش.
مساءً، لم يكن هناك مكان فارغ في ترّاس المقهى. انتبه إليّ النادل نفسه، فأخذني إلى طرف المقهى ثم أحضر طاولة وكرسياً. ثمة، أنتبهتُ إلى أنّ اسم المقهى يعني " العرّاب " باللغة الاسبانية. فقد تمّ وضعُ صورتين لبطليّ الفيلم ( مارلون براندو وآل باتشينو ) على سور المقهى الحديديّ. فيلم المافيا الأشهر هذا، سبقَ لي أن شاهدت أجزاءه الثلاثة ما يزيد عن العشر مرات.

4
الكتابة، تضيّع عليّ متعة الخروج صباحاً للتجوال في المدينة. أفقت مبكراً في الخامسة، وبقيت أكتب إلى الثامنة. في العاشرة نزلت للفطور في مطعم على الدور الثاني، ثم عدتُ لغرفتي فنمتُ حتى الثالثة ظهراً. شرفة الغرفة، تطلّ على منظر رائع: شارع الكورنيش، يقع مباشرةً مقابل الفندق. بدَوره، فالكورنيش يشرف على شارعٍ آخر من علو حوالي خمسين متراً. أشجار التين وجدعات الصبّار، وجميعها مثمرة، تنبثق من هذا المنحدر الوعر. أمس عند الغروب، كانت امرأة مسنّة تقطف التين من شجرة، ثمة على طرف الكورنيش من جهة المدينة القديمة. وهيَ من ساعدتني في العثور على ثمرة ناضجة، ثم لم تلبث أن طلبت من عامل مقهى أن يغسلها: " هذا الأخ من الشام، وهوَ لم يتذوق تيناً طازجاً من ثلاثين سنة! ".
من شرفة الغرفة، يتجلى مشهدُ أحياء المدينة، المغطية جانباً كبيراً من الجبل المقابل. أما حيّ القصبة القديم، فإن بيوته البيضاء الأنيقة تتسلق جبلاً آخر أقلّ علواً، تُتوّجُهُ قلعة حربية من زمن الاستعمار الاسباني. تطوان، تُدعى " مدينة الحمامتين "؛ وذلك لأن منظر بيوتها البيضاء، المتسلقة كلا الجبلين، يجعلها أشبه بحمامتين. وهيَ معروفة أيضاً ب " غرناطة الثانية "، كونها جنّة خضراء. حتى أصول معظم ساكنيها، فإنها تمتّ إلى المهاجرين المسلمين من الأندلس. ساكنوها، يتميّز الكثير منهم بهذا الجمال الأندلسي ـ الأموي. في سوق المدينة، تحادثتُ مع ثلاثة تجار متوسّطي العُمر. كانوا لطفاء جداً، يشع النور من سحناتهم الوسيمة. كنتُ أسألهم عن واجهة بناء على النمط الأوروبي، فأخبروني أنه مقر قديم للحامية الإسبانية. رحبوا بي كثيراً، عندما عرفوا أنني سوري وأعربوا عن مشاعر مواطنيهم المتضامنة مع مأساة شعبنا. قلتُ لهم مازحاً، قبل أن أمضي: " لو أنني رأيتكم في بلد آخر، لأعتقدتُ من هيئتكم أنكم شوام! ".

5
" المارينا "، هيَ منتجع الاستجمام الأساسي لسكان مدينة تطوان. ولكن أقرب شاطيء لتطوان يمكن الوصول إليه خلال خمس دقائق، في منطقة تُدعى " الكابيلا ". تبعد المارينا عن المدينة بحوالي عشرين كيلومتراً، يفصل بينهما مدينة المضيق، الصغيرة. وصلتُ إلى المارينا بالتكسي مع مجموعة ركاب، وقد أكملوا طريقهم إلى مدينة أبعد قليلاً، تسمى الفنيدق. المدخل الرئيس، يمرّ بمجموعة من المطاعم والمقاهي، ومن خلفها إقامات فندقية فخمة يتوسطها بحيرات اصطناعية كبيرة. ولأن وصولي كان في الرابعة عصراً، فإنني أتجهتُ أولاً إلى مطعم لبناني. وإذا بصاحبه كردي من القامشلي، يعيش في المغرب منذ عشرين عاماً. تحدثت معه بالكردية، فيما الكثير من العوائل المغربية حولنا يتكلمون بلهجة الريافة، الأمازيغية، أو اللغة الاسبانية.
مساءً، عدتُ إلى تطوان بتكسي كبيرة وكان السائق لطيفاً ومثقفاً. طوال الطريق، كنا نتحدث في الهمّ السوريّ. بعد ساعتين من الوقت في المقهى بساحة المدينة، ذهبتُ إلى مطعم شامي قريب أعتدتُ على تناول العشاء فيه. لم يكن ثمة طاولة فارغة، فقضيت عدة دقائق بالتكلم مع صاحب المطعم الشاب. ثم دعاني أحد أشقائه إلى طاولة في الطابق الثاني، لأنضمّ إلى فتى بعُمر المراهقة. طلبَ هوَ سندويش فلافل باللهجة الشامية، وبدا أنّ عامل المطعم يعرفه. بدَوري طلبتُ وجبة فلافل، فابتسم الفتى ثم سألني ما إذا كنتُ من سورية. هوَ من المليحة؛ إحدى البلدات المدمّرة بريف دمشق. يقيم في تطوان مع شقيق أصغر، وتتكفّل عائلة مغربية بدفع إيجار مسكنهما. لم أسأله عن والديه، لأنني غصصتُ بكلماتي. لم يرضَ أن أدفع عنه الحساب. توادعنا خارج المطعم، وهناك أيضاً أعتذرَ عن قبول مساعدة صغيرة مني بالرغم من إلحاحي.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39
- الفصل الرابع من الرواية: 7
- الفصل الرابع من الرواية: 6
- الفصل الرابع من الرواية: 5


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 41