أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جلال العاطي ربي - لماذا أتحدث؟ حوار أجرته مجلة ليكسبريس مع الروائي سلمان رشدي















المزيد.....



لماذا أتحدث؟ حوار أجرته مجلة ليكسبريس مع الروائي سلمان رشدي


جلال العاطي ربي

الحوار المتمدن-العدد: 5290 - 2016 / 9 / 20 - 09:59
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لقد شهدت سنة 1989 عدة أحداث تاريخية مفصلية، ففي هذه السنة سيسقط جدار برلين بما كان إعلانا رسميا عن نهاية الحرب الباردة، وبداية انهيار الإمبراطورية السوفياتية، كما ستعرف هذه السنة الأحداث الدامية لتظاهرات تيانانمن في عاصمة الصين الشعبية بكين. إنها كذلك السنة التي ستصدر فيها فتوى آية الله الخميني على موجات إذاعة طهران والتي تقضي بضرورة قتل سلمان رشدي وتخصيص غنيمة على هذا العمل البطولي، وذلك بسبب أن الأخير قد نشر سنة قبل ذلك، أي في شتنبر 1988 روايته آيات شيطانية التي ستثير عاصفة من السخط والاستياء في العالم الإسلامي لأن صاحبها اتهم بالإساءة لشخص النبي محمد (ص) وتدنيس المقدس. وقد وصلت حدة ردود الفعل التي صاحبت إصدار الرواية إلى درجة إحراق المكتبات، وتوجيه طعنة قاتلة إلى مترجمها الياباني، كما مات ما يقارب 37 شخصا إبان الاحتجاجات على مترجمها التركي...
في هذا الحوار الذي خصه سلمان رشدي لمجلة ليكسبريس الفرنسية سيتناول عدة مواضيع وقضايا قديمة وراهنة بدءا بمسألة الرسوم المسيئة للرسول (ص) على صفحات مجلة شارلي إيبدو ومقارنة قضيته السابقة بقضية رسامي المجلة التي تندرج حسبه ضمن نفس المنطق الظلامي للراديكالية الإسلاموي، مرورا إلى الحديث عن أحداث 11 شتنبر والدولة الإسلامية (داعش) وعن أسباب نشأتها ومآلها واستنكاره للتيه الجيوسياسي الغربي، وانتهاء بأعماله الروائية وسيرته الذاتية في كتاب جوزيف أنطون وعمله الأخير الذي سيرى النور قريبا وتحديدا في شهر شتنبر من السنة الجارية.
كما يعود بين الفينة والأخرى في هذا الحوار إلى سيرته الذاتية ويعالج قضايا من صميم عمله كمؤلف كتجربته الخاصة وطبيعة أسلوبه الأدبي ومشروعه المقبل وغير ذلك من المواضيع. ونترك للقارئ فرصة اكتشاف مضمون الحوار الذي من شأنه إزالة الغشاوة عن عينيه وتغيير بعض الأفكار المسبقة التي كان يحملها عن سلمان رشدي بسبب الضجة الإعلامية التي أحدثها كتابه الرابع، آيات شيطانية.

ليكسبريس: احتدم الجدل في الولايات المتحدة بعد أن قرر المركز الأمريكي المرموق"Pen " (نادي Pen)، وهو جمعية أدبية أمريكية، أن يمنح أعلى جائزة شرفية لجريدة شارلي إيبدو. غير أن مائتي مؤلف من أولئك الذين يرفضون تحمل تبعات الخط النقدي الموجه ضد الإسلام، سيوقعون على عريضة تندد بتوشيح شارلي إيبدو بجائزة الشجاعة وحرية التعبير، وهي العريضة التي سيتم الترويج لها ونشرها خلال الاحتفال الذي ترأسته في 5 ماي. هل أدى هذا الاحتجاج غير المتوقع إلى إفشال الحدث؟
سلمان رشدي: علينا ألا نضخم من حجم هذه الاحتجاجات: إننا نتحدث عن مائتي كاتب وقع على العريضة من بين خمسة آلاف ممن يحتسبون على نادي Pen (القلم). وبالتالي فهو عدد ضئيل. لقد تم استقبال كل من جيرار بيار Gérard Biard وجون بابتيست توريه Jean-Baptiste Thoret اللذين جاءا إلى نيويورك لتمثيل قضية شارلي إيبدو في الاحتفال/المهرجان بحماس عز نظيره من قبل غالبية الكتاب الحاضرين. وقد طلبت من الكاتب ألان مابانكو Alain Mabanckou بمنحهما جائزة الشجاعة وحرية التعبير. فعلى اعتبار أني عشت في ثقافات مختلفة، فأنا أحس بتواطؤ شخصي إزاء هذا المؤلف الفرنكوكونغولي الموهوب الذي يستقر بكاليفورنيا، ولقد تأثرت كثيرا بالنص الذي نشره على صفحات ليكسيريس كرد حازم على الإعلان عن المقاطعة. لهذا السبب التمست منه أن يعيده على مسامعنا بالإنجليزية خلال الاحتفال. كما أعبر عن امتناني لرئيس "كفى عنصرية" SOS Racisme، دومينيك سوبو Dominique Sopo، على حرصه على المجيء إلى نيويورك من أجل الدفاع عن ذكرى الرسامين الذين قتلوا وإقبار الاتهامات المجحفة في حقهم.
ليكسبريس: هل انتهى الحادث وصار في طي النسيان ؟
سلمان رشدي: لا شك في أنه سيترك آثارا وشقاقات عميقة في عالم الأدب. من جهتي، وبصدق، لقد صدمتني رؤية هذه الاحتجاجات، التي صدرت عن كتاب كانوا، من بين الأكثرية فيهم، أصدقاء مقربين. أمثال ميكائيل أوندات، بيتر كاري، جينوت دياث، ميكائيل كانينغام. إنهم أناس لم أتخيل أبدا أن يبدوا مثل هذا الموقف. وقد كتبت إلى أحدهم، وهو المحرض الرئيس للحادث، تيجو كول Teju Cole، لأنه هو من حرر النداء إلى المقاطعة. وقد كان رده غريبا: » أيها العزيز سلمان، يا أخي الكبير، كل ما أعلمه، تعلمته على قدميك «... وما إلى ذلك من كلام فارغ وسخيف. لكن جوابه ينطوي أساسا على تأكيدات مغلوطة : لقد طمأنني Teju بأنه لم يتبن هذا الموقف ضد الآيات الشيطانية، لأن الأمر في حالتي يتعلق بتهمة التجديف ،بينما في حالة شارلي إيبدو هي مسألة عنصرية للمجلة اتجاه الأقلية المسلمة. وقد قلت لا، فيما كتبت، لقد تمت تصفية هؤلاء الأفراد لأنه تم فهم ما فعلوه على أنه تجديف وليس غير ذلك. إنه بالضبط نفس الأمر. راودني الإحساس بأنه لو أن الهجوم على الآيات الشيطانية قد حدث اليوم، فهؤلاء الأشخاص لن يمنحوني فرصة الدفاع عن نفسي وسيواجهونني بنفس القرائن والحجج باتهامي بالإساءة إلى أقلية إثنية وثقافية. من جهة أخرى، فأنا مصدوم من قدرتنا على الإساءة إلى ذكرى الأموات، وذلك بتشويه كلامهم وتغييره عن مواضعه. بالنسبة لأولئك الذين قرؤوا هذه المجلة، وكيفما كان رأيهم حول هذه الكاريكاتورات، ليس بوسعهم إلا استنتاج أن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بالعنصرية واتخاذ لموقف حاسم ضد الجبهة الوطنية. أما فيما يخص ادعاء "هاجس إهانة الإسلام" فهو مردود. لقد أشارت لوموند بأن سبعة أعداد فقط، من بين 523 عددا وعلى مدى 10 سنوات خصصت للإسلام. أما الباقي، فتناول البابا وإسرائيل والجبهة الوطنية أو –لا أعلم- ساركوزي، والعنصرية الفرنسية ونخبة السلطة. في الواقع، في هذه النقطة، فمضمون المجلة ذاته ليس ذا شأن ما دامت حرية الكلام تعني الدفاع عن الحق في التعبير عن الآراء التي لا نتقاسمها. هؤلاء الأشخاص، لنذكر بذلك، ماتوا بسبب ما رسموا.
ليكسبريس: هل تغير شيء على مستوى العقليات منذ صدور الآيات الشيطانية؟
سلمان رشدي: بعد مرور ما يربو على خمسة وعشرين سنة على إصدار الآيات الشيطانية، يبدو أننا لم نستخلص إلا الدروس الخاطئة. فبدلا من التفكير في معارضة هذا الهجوم على حرية التعبير، اعتقدنا أن أنه يتعين تهدئتهم بالتسويات والتنازلات.
ليكسبريس: لماذا؟
سلمان رشدي: يمكننا أن نشجب عودة ما هو سياسي صحيح في أوساط المثقفين. بيد أن ما لا يتحدث عنه أي أحد هو الخوف. إذا كنا لا نقتل أشخاصا في هذه اللحظة، وإذا كانت القنابل والكلاشنيكوف لا تتكلم اليوم، فالنقاش سيكون مختلفا جدا. إن الخوف يتوارى خلف قناع من الاحترام.
ليكسبريس: لقد تنكر لك البعض في سنة 1989...
سلمان رشدي: قال البعض إنني بحثت عنوة عن ذلك، وإنني ذاتيا أتحمل عواقب الأمر. لكن هذه الهجمات أتت من اليمينيين، من المحيط المقرب من مارغريت تاتشر وبعض الأوساط الرسمية المحافظة. واليوم، تأتي من اليسار.
ليكسبريس: تحدث بعض الكتاب الناقمين على شارلي عن الغطرسة الاستعمارية الفرنسية وعن سوء تعاملها مع القلة المسلمة.
سلمان رشدي: يتعين علينا أن نكون عميانا لكي لا نرى المشكلات السوسيو-اقتصادية، والمظالم والعنصرية التي تتعرض لها هذه الأقلية في فرنسا. مع ذلك علينا الاعتراف بأن جزءا كبيرا من هذه الجالية تميل أكثر فأكثر نحو اللائكية. إذ أصبح المسلمون ينظرون إلى أنفسهم كفرنسيين لائكيين أكثر منهم كمؤمنين. إذن لماذا نريد بهذه الإطلاقية توصيفهم بألفاظ دينية خالصة كما يحبذ ذلك الملات؟ ولقد أمضى جورج باكر، من جريدة النيويوركر الكثير من الوقت في الضواحي الفرنسية بعد الهجوم الذي تعرضت له شارلي إيبدو، وقد أخبرني بأنه لم يسمع شبابا يرددون عبارات أكثر راديكالية من عبارات الروائية فرانسين بروز Francine Prose، وهي واحدة من المحتجين من نادي "Pen". فالشباب، في الحقيقة، لا يبالي بهذه الأسبوعية التي لا تسحب إلا 20000 نسخة، أما الذين ينتقدونها اليوم فيحركهم الشعور بالذنب القديم لبِيض اليسار.
ليكسبريس: ما الذي يتوجب علينا قوله؟
سلمان رشدي: هناك رفض لفهم أمرين. فمن جهة، إننا نعيش الزمن الأكثر ظلامية الذي لم نعرف له مثيلا. إن ما يقع الآن مع داعش هو من الأهمية بمكان بالنسبة لمستقبل المعمورة. ومن جهة أخرى، فالتطرف يشكل هجوما على العالم الغربي أكثر منه على المسلمين أنفسهم. إنه أولا استحواذ على السلطة، إنه بالذات محاولة لبسط دكتاتورية فاشية في قلب العالم الإسلامي. من هم أول ضحايا آيات الله بإيران أو طالبان؟ من يتعرض للتعذيب اليوم للتنكيل في العراق؟ قبل كل شيء إنهم مسلمون يهدرون دماء بعضهم البعض. لقد أحسنا صنيعا بإلقائنا اللائمة وتجريمنا للطائرات الأمريكية بدون طيار، لكن مع كل قذيفة كنا نحصي آلاف الهجمات والتفجيرات من قبل الجهاديين سواء ضد الأفراد أو المساجد. غداة إصدار الآيات الشيطانية، قام مناصرو آيات الله في البداية بتهديد كل من لا يقبل الفتوى التي صدرت ضدي سواء في لندن أو في مكان آخر. الأمر الذي يدفعني إلى القول بأن مهاجمة المتطرفين لا يعني العدوان على الجالية المسلمة. يتعين علينا أن نعرف لماذا نحارب. إن محاربة التطرف، لا يعني محاربة الإسلام. أكررها للمرة الثانية. بل العكس هو الصحيح. إنه دفاع عنه.
ليكسبريس: كيف تفسر توسع داعش؟
سلمان رشدي: أرى أن هذه الحركة ليست في الحقيقة عربية. إنها تجمع أفرادا أتوا من الشيشان وأستراليا والعالم بأسره. لقد كتبت سابقا وقبل الأحداث الحالية في الشرق الأوسط بأن الراديكالية الدينية تشع بنوع من "البريق". ضع في متناول شاب لا يملك فلسا، وبدون عمل، ويائس من إمكانية تكوين أسرة، ضع في متناوله كلاشينكوفا وزيا رسميا، وفجأة ستمنح سلطانا للذي كان يشعر بالضعف وانعدام القيمة. علاوة على هذا الشعور بالإجحاف والجور هناك أيضا خطابات الكراهية التي تنتشر في المساجد الراديكالية. ببساطة، إن هذه القوة المطلقة تنطبق أيضا على المرضى النفسانيين. لأن الكثير من هؤلاء المتطوعين لا يذهبون هناك إلا من أجل متعة القتل.
ليكسبريس: كيف تفسر هذا العنف الفائق وهذا التمجيد للفظاعة؟
سلمان رشدي: يكمن الاختلاف مع حقبة الفتوى في ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، في سرعتها في نقل المعلومات، في الاستعمال الخبير لها، ما يمكنها من تأجيج جذوة الفتنة والإثارة. خاصة أنها تثير الذعر. الهدف هو تعزيز ومضاعفة سلطتهم بواسطة الرعب. أستحضر رواية الطاعون لكامو أو وحيد القرن ليونيسكو. وهي مؤلفات تتحدث عن توتاليتارية أخرى، لكنها تصف نفس التعفن الفكري.
ليكسبريس: هل يمكن أن نلوم الغرب؟
سلمان رشدي: إن داعش تصارع حدودا كولونيالية اصطناعية، وتقوم بتدمير بلدان كالعراق، الذي لم تتوحد طوائفه وفصائله إلا تحت الحكم العضوض للطاغية. نعم، فمغامرة بوش هناك- إذا ما أسيء فهمها- أسهمت في الوضعية الحالية. لكن الخطأ التاريخي الأفدح والذي لا زلنا ندفع ثمنه إلى اليوم هو الدعم الغربي للملكة العربية السعودية. فقبل أن تصبح هذه السلالة الحاكمة أكبر قوة عالمية بترولية، لم تكن الوهابية إلا طائفة دينية مجهرية تفتقد إلى أدنى تأثير. لكن ثروتها الهائلة سنحت لها بنشر رؤيتها للإسلام لمدة أجيال وفي كل أصقاع العالم. وها هو اعتقادها المتعصب يتحول إلى قواعد معيارية دينية كونية. عندما أشاهد الرئيس الأمريكي يوقف زيارته لتاج محل للحاق بقادة الغرب في الرياض لنعي وفاة الأمير، فلأذكر أن هؤلاء الناس ليسوا أصدقاء لنا، بل إنهم منبع السم.
ليكسبريس: هل تصرح فتوى 1989 علانية عن التطرف الحالي؟
سلمان رشدي: لقد كتبت في مذكراتي بأن قضية الآيات الشيطانية كانت أول نوطة في هذه المعزوفة. وبأننا نستمع اليوم للسانفونية الجنائزية. أحيل أيضا إلى صورة الطيور لهيتشكوك. فعندما يحط طائر وحيد على عتبة نافذة فلا أحد يعيره اهتماما. ولكن عندما تصبح السماء ملآى بالعصافير وتبدأ الأخيرة في الهجوم، إذاك نتذكر ذلك العصور الأول كعلامة تحذير. لقد عشت أحداث 11 شتنبر 2001 بالولايات المتحدة، وفي اليوم التالي للتفجيرات أخطرني بعض المثقفين بأنهم يتفهمون أخيرا ما وقع لي سنة 1989. لأنهم بدورهم عاشوا نفس الأمر. لكن، هل كان يجب مكابدة هذه الكارثة الإرهابية؟
ليكسبريس: لا أحد استشرف ما سيقع؟
سلمان رشدي: في عام 1989، حاولوا أن يضعوا جانبا ما وقع لي، بوصفهم مصيري بأنه استثنائي، ورفضوا أن يجعلوه نموذجا. وقد صرخ المدافعون عني بأنه لم يحدث أبدا أن عومل أي كاتب بالكيفية التي عوملت بها، ولهذا وجبت مساندتي. أما منتقديّ فقالوا بأن كتاباتي تستأهل اللوم بشكل شنيع ما يجلها لا تستحق الحماية باسم حرية التعبير. من جهة أو من أخرى، فحالتي تم اعتبارها كحالة "منفردة". ليكن، فلا أحد من الكتاب المعروفين باللغة الإنجليزية تعرض لهذا في الغرب، غير أن هذا العنف الموجه ضد المؤلفين وُجد في كل مكان، في إيران وتركيا وليبيا وباكستان ونيجيريا والعربية السعودية ومصر كما عايشه نجيب محفوظ. إن انتقاد هذه القوى ليس فيه شيء من انتقاد الإسلام. لأن التزام الصمت لا يخدم مصالح المسلمين.
ليكسبريس: ما الذي يتعين فعله؟
سلمان رشدي: ما يجب فعله هو وضع حد لهذا الطابو المتعلق بما يعرف ب"الإسلاموفوبيا". أكرر القول. لماذا لا يمكننا مناقشة الإسلام؟ فمن الممكن احترام الأفراد، وتوصيفهم باللاتسامح، وفي نفس الوقت إبداء النزعة الشكية إزاء أفكارهم، أو قل بالأحرى انتقادها بشدة.
ليكسبريس: إلى الآن، لم نتحدث إلا عن الجهادية وليس عن المؤلف رشدي...
سلمان رشدي: لأن حالة شارلي إيبدو تفرض نفسها. لكن، وبصراحة، لا أحب الحديث عن مثل هذه المواضيع، ولا التعليق كذلك عن الأخيار والأشرار. بالنظر إلى تاريخي، فغالبا ما يطرح علي مثل هذا النوع من الأسئلة. في المقابل أنا لست محللا سياسيا بل أنا كاتب خيال. لقد شوّهت الآيات الشيطانية الرؤية التي كان يمكن أن تكون عني بوصفي فنانا. وصرت المرجع الذي يجيب عن أسئلة الإسلام، بيد أنه وباستثناء الآيات، وتبعا لهذه الحالة فقط وفي مقطع صغير من الكتاب، لم أعتبر نفسي أبدا ككاتب يعنى بالديني. على اعتبار أني عشت في أسرة غير متدينة. فأمي كانت إلى حد ما أكثر تديّنا، وخاصة بعدما وافت أبي المنية. كما أني ترعرعت في بومباي، المدينة التي واكبت الحقبة الأكثر لائكية أكثر من غيرها من المدن في الهند، والتي أصبحت أكثر طائفية اليوم، وما يشهد على ذلك الصراعات بين المسلمين والهندوس. أما في فترة زواجهما، فقد عاش والدي بديلهي، التي تنحدر منها عائلة أبي، وبعد ظهور الهند فقد قرروا، مثلما فعل مائة مليون من المسلمين، بعدم الذهاب إلى باكستان. لأنهم، لغياب إيمان كاف، استشعروا بأنهم أبناء الهند قبل كل شيء. لكنهم سيتركون ديلهي، التي أصبحت الحياة فيها خطيرة بسبب المواجهات بين الجماعات، والاستقرار في بومباي التي يسود فيها التسامح، والانسجام وهو ما زلت أحتفظ عنه بذكرى ملحمية.
ليكسبريس: من النادر أن نجد اليوم مسلما شهيرا يعلن بشكل مفتوح عن لائكيته؟
سلمان رشدي: لقد كان الأمر دارجا في جيلي، وفي سنوات الستينيات والسبعينيات. لقد كانت العديد من المدن كبيروت وطهران ودمشق، التي صارت اليوم فضاءات للنزاعات الكبرى، لقد كانت مفتوحة ومتطورة ومتعددة الثقافات. وفي حياتي الراهنة، رأيت هذه الأمكنة تبدأ في الانسداد ولم يتبق لي أي سبب يبعث على التفاؤل غير هذا الأخير. إذا كان لهذا التغيير أن يحدث على امتداد حياة إنسان ما، فيمكن للوضع من دون شك أن ينقلب بسرعة رأسا على عقب.
ليكسبريس: هل أنت متفائل إلى هذه الدرجة؟
سلمان رشدي: إن تركيزي لا ينصبّ كثيرا على الماركسية، ولكني أحب كثيرا ما يقوله غرامشي، بأنه ينبغي أن يكون الفكر متشائما و الإرادة متفائلة. من كان يصدق أن يحدث، قبل عام، هذا السقوط للصرح الشيوعي الضخم؟ هتلر ليس رجلا لا يقهر لكي نقبل بالتضحيات الجسام والضرورية من أجل هزيمته. لقد درست التاريخ خلال شبابي واكتشفت قدرته على المباغتة. يمكن توقع كل شيء، كل شيء يمكن أن يمحى وبسرعة فائقة. ليس من الحكمة أن نكون متشائمين أو متفائلين، لكن الحكمة تكمن في أن نبصر، وأن نعرف قيمنا وألا نستسلم أبدا. لأن ثقافة الحرية هاته لم تبن بسهولة. والفرنسيون يعرفون هذا جيدا لأنهم ساهموا في ذلك بشكل لافت. إذ بدون الأنوار، ما كان ليكون لنا توماس بين Thomas Paine ولا إعلان الاستقلال، ولا هذا التمثال في مرفأ نيويورك (تمثال الحرية).
ليكسبريس: هل الكاتب هو من يحمل مشعل الحرية هذا؟ هل هذا هو دوره؟
سلمان رشدي: لست أدري ما هو دوره، ولست من بين أولئك الذين يمنحونه دورا معينا. إن بهجة الأدب تتجلى في أنها تحمل في ذاتها تبريرها الخاص بها. فالأدب ليس موجودا من أجل إعطاء الدروس. فأنا أكره أسفار وكتب الوعظ، والأعمال الفنية الحاملة للرسائل. إن دور أدب الخيال أن يبدع عوالم متخيلة يحب القراء أن يسكنوها وتحثهم على التفكير في حياتهم الخاصة. إن الهدف من الفن عميق. يقول سول بيللوو Saul Bellow بأن الفن يقود القضايا الجادة نحو جذور الطبيعة الإنسانية. إن دورنا يتمثل في تقصي ماهية الكائن الإنساني، فرديا وجماعيا، وكيف يعيش على هذه الأرض.
إن مصادفات الحياة، مكنتني من الكتابة عن أشياء هي الآن من صميم الإنسانية: مسألة الهجرة، صدام الثقافات، السرديات الوطنية والتاريخ، التي تطالب بنفس المكان الأرضي من قبيل تلك المتعلقة بالفلسطينيين والإسرائيليين. لقد عشت نصف عمري في الغرب، والنصف الآخر في الشرق، ومثل هذه الوقائع تسنح لي بموقعة سردياتي في أمكنة وفضاءات هي من الاختلاف والتباين كسان فرانسيسكو وإسلام أباد. إني أغبط الكتّاب الآخرين الذين قضوا وجودهم في نفس المكان، متجذرين وراسخين بعمق مثل فولكنر، الذي استطاع أن يستوحي عملا فنيا تذكاريا من الأزقة العشرة التي تضمها أوكسفورد (ميسيسسيبي). في المقابل، كان قدري مختلفا، لأني وُهبت منظورات متعددة.
زد على ذلك أن العالم قد تغير. قديما، كانت الأمكنة متباعدة عن بعضها البعض. تطلّع إلى جين أوستن وهي تصف في 1812عالمها في كبرياء وتحامل دون أن تتحمل للحظة عناء التلميح أو الإشارة إلى الحرب الدائرة حينذاك ضد نابليون. فلا يظهر جنود القوات الإنجليزية في كتابها إلا كتجسيدات وديعة في حفلات استقبال. كما أنه إضافة إلى الفجوة الجغرافية ثمة هوة أخرى بين دائرة الخاص والعام. إذ يمكن للمؤلفين أن يحكوا عن حياة خاصة دون أن يأخذوا في الاعتبار الأحداث الخارجية، وبالتالي الدولية إذا ما كانت لا تؤثر في الحياة اليومية. في أيامنا، الأشياء تتصادم ، وتتشابك مع بضعها البعض، وليس على المؤلِف إلا أن يتساءل عن الكيفية التي سيكتب بها عن هذا العالم الجديد. لنتأمل أحداث 11 شتنبر 2001، في نيويورك. ففي هذا اليوم، أصبح تاريخ نيويورك وتاريخ العالم العربي سيان. لم يعد بوسعنا فهم تاريخ المدينة من دون معرفة تاريخ من ألقى بتلك الطائرات. والآن، أمست تلك الارتطامات أمرا يتكرر كل يوم.
ليكسبريس: هل يستشعر المؤلفون ذلك؟
سلمان رشدي: لطالما تأثر الأدب الأمريكي بالهجرة، وخاصة الهجرة اليهودية والإيطالية. لكن، في الولايات المتحدة، يستقدم جيل من الكتاب الأستراليين من العالم أجمع كتابات محدثة ومجددة للرواية وجاعلة إياها أكثر كونية. أتذكر هنا جومبا لاهيري Jhumpa Lahiri وإسهامه في الهند، ويين لي Yiyun Li وأصوله الصينية، وجينوت دياز Junot Diaz ذي الأصول الدومينيكانية، دون أن أنسى نام لي Nam Le الفييتناموأسترالي، وخالد حسيني المزداد بأفغانستان والمقيم هنا.
ليكسبريس: في الآيات الشيطانية، تتحدث عن نفسك، في مذكراتك، ، كرجل فاقد للرؤية عن العالم.
سلمان رشدي: إن أي رؤية للعالم هي ذلك النسيج من العلاقات والاتصالات التي نقيمها مع الأمكنة، والثقافات، والأصدقاء الذين نتعلق بهم وجدانيا. إن هذه الروابط هي السبب المميز للجنون، حيث يصبح كل شيء كتوليفة فاقدة للمعنى. ما آلمني بشدة هو رؤية أناس أكتب لهم وعنهم، كمسلمي لندن على سبيل المثال، يتظاهرون ضدي. لقد نسف ذلك الصورة التي لدي عن موقعي في العالم، الأمر الذي استلزم مني وقتا لا يستهان به من أجل استعادة اتزاني. إن ما وقع لي يمكن أن يقع اليوم لأي كان. فقد غدا الكوكب مكانا غريبا منذ نهاية الحرب الباردة سنة 1989، كما أن التجزيء الذي تلاها هو مصدر الحروب في أوربا التي كانت، إلى ذلك اليوم، مستقرة، وهو أيضا مصدر الحركات الجديدة في قلب الإسلام. علاوة على ذلك، فإيقاع التغيير التكنولوجي في عالم المعلومات قد أدى إلى اضطراب الأفراد وقادهم إلى التقوقع في أمكنة اليقين كالدين وحقائقه الأزلية.
لقد سألتني عن رؤيتي للعالم... إني عايشت سنوات الستينيات، وهي الحقبة التي اعتقدنا أننا كسرنا في وإلى الأبد سلطة الدين، حيث تم احتقار فكرة عودته المحتملة إلى بؤرة المشهد العالمي. وأقر بأني لازلت مندهشا بهذا الانقلاب التاريخي.
وهو ليس الانقلاب الوحيد. ففي 1989، قاسيت كثيرا بسبب إدانتي بالظلامية وعانيت الهجرة السرية في الوقت الذي كان يبدو فيه العالم تنويريا. لقد كانت سنة استثنائية وغير عادية، ومفصلية في التاريخ. فعلى الرغم من المصير الحزين لتيانانمن Tiananmen الذي لا يزال محجوبا عن ذاكرة الصينيين، فانهيار الشيوعية فتح كل آمال الحرية. مع ذلك فمآل الحال يزعجني: فقد فسحت الإمبراطورية السوفياتية المجال لفاشيات صغرى، وللاتسامح الإسلاموي...
ليكسبريس: هل كنت تؤمن بالتقارب بين الهند وباكستان؟
سلمان رشدي: طالما تقاتل هذان البلدان. لكني في المقابل منهمم وخائب الأمل بالانجرار الطائفي في الهند. إنني أنتمي هناك إلى الجيل المحتٙقر من أنصار اللائكية، جيل نيهرو، كما أن الاستغلال السياسي للانشقاقات الدينية يخيفني من أجل الحريات العامة لمواطني الهند. ومن ناحية أخرى، فثمة هناك أشياء مهمة تحدث من وجهة نظر أدبية.
ليكسبريس: قد يرجع لك الفضل في أن كتابا هنديين جددا يسيرون على أعقابك.
سلمان رشدي: إن "أطفال منتصف الليل" هو ما فتح الطريق. لكن المذهل هو هذا التنوع الأدبي. يمكننا أن نكتشف المؤلفين الأيروتيكيين، وكتاب الخيال العلمي أو كتاب الأدب القصصي المثير والخيال المزدهر. لقد توسع المشهد الأدبي بصورة غير عادية، وهو شرط لصحة نابضة بالحياة. بل إن الأدب الباكستاني يعرف هو الآخر منذ مدة قصيرة حركية مشابهة، مع مؤلفين شباب في الثلاثين أو الأربعين من العمر يتمتعون بموهبة عالية، أمثال محمد حنيف وكاميلا شمسي وناظم أسلام. فعلى النقيض من الكتاب الهنديين الذين أهملوا مسائل المجتمع وفضلوا الحميمية intimisme، فهؤلاء (الباكستانيين) يعالجون بصورة قطعية المجال العام، لأنه بالنسبة لهم يوجد في كل مكان ولا مناص منه، كما تجدهم يتجادلون بكيفية متنوعة ومثيرة حول مشكلات بلدهم.
ليكسبريس: كيف يبدأ الأدب في الازدهار؟
سلمان رشدي: لست أدري، ربما بضربة حظ... في سنوات السبعينيات والثمانينيات (من القرن الفائت) كنا ننتسب في لندن إلى جماعة يمكن وصفها بأنها لحظة رائعة في الأدب الإنجليزي، وقد شملت الجماعة كلا من مارتن أميس Martin Amis، ويان ماك إيوان Ian McEwan، وكازوو إيشيغيرو Kazuo Ishiguro، وأنجيلا كارتر Angela Carter، وجانيت وينترسون Jeanette Winterson، وبروس تشاتوين Bruce Chatwin، وجوليان بارنس Julian Barnes. لكن لم يكن ينتابنا شعور بأننا نمثل حركة. إذ لم نكن نملك بيانا رسميا، على العكس من السرياليين، كما كنا لا نملك أي مشروع مشترك. كذلك، لم يكن الانسجام والتفاهم سائدا بالضرورة بيننا، لكن ما كان يجمعنا هو استجابة لرغبات القراء لكتابة جديدة، راديكالية وخيالية تقطع مع تواضعات الأدب الإنجليزي لما بعد الحرب.
مع ذلك، ينتابني إحساس بأننا أصبحنا اليوم نعود إلى ذلك الأدب الطبيعاني التقليدي. ومن جهتي، أحسّني أقرب إلى الاستعانة بخيال مؤلف مثل لازلو كرازناهوركاي Lazlo Krasznahorkai، الفائز خلال هذه السنة بالجائزة القيمة "رجل البوكر الدولية" Man Booker International، أكثر منه إلى الخيال الذاتي لكارل أوف كنوزغارد Karl Ove Knausgaard على سبيل المثال. إن روايتي المقبلة، والتي سترى النور في شتنبر بالولايات المتحدة، تخرج عن هذه المعايير. فهي سريالية بصورة غير عادية، إذ تسلم نيويورك إلى العباقرة. بعد مرور أربعين سنة من حياتي ككاتب، اكتشفت أن الأدب يستجيب ويواكب كذلك الموضات. فالأذواق تتغير، ولا نملك إلا أن نسلم بذلك. إننا لا نملك إلا أن نستمر في فعل ما نحسن صنعه وليس شيئا آخر.
ليكسبريس: إنك تأتي بخيال، وبخليط ثقافي أيضا. فهل هذه هي خصوصيتك؟
سلمان رشدي: أنا فخور لكوني أحمل اللذة والمتعة إلى القراء الغربيين والشرقيين، الذين سيخرجون بقراءات مختلفة نوعا ما. لا أرى في نفسي مؤلفا لبلد بعينه، ولكن أراني كاتبا للمدنية. كما أنني لم أعد أتماهى مع مدن بعينها خاصة نيويورك أو لندن أو بومباي التي قضيت فيها حياتي. بل مع فكرة ومثال المدينة.
ليكسبريس: سيستولي العباقرة إذن على مدينة نيويورك، هل يتعلق الأمر بوول ستريت؟
سلمان رشدي: أجل، بكل ذلك. سأنقل إليك ما قلته للناشر عندما اقترحت عليه هذا الكتاب الجديد، الذي كان عنوانه: سنتان وثمانية شهور وثمانية وعشرون ليلة. وهو ما يذكر بعدد آخر في ألف ليلة وليلة. فبعدما أمضيت عدة سنوات وأنا أخط مذكراتي في كتاب جوزيف أنطون [السيرة الذاتية لسلمان رشدي]، وأدقق كل حيثيات الحقيقة، فقد نلت كفايتي واخترت الجهة المقابلة تماما، الخيالية بشكل جذري تخليدا لذكرى القصص والحكايات الخيالية التي كنت أستمع إليها إبان طفولتي. إن عالمها سحري، ومفعم بالجنون لكنه يستند على اليومي الواقعي والموثوق للمدينة، وللأزقة والبازارات. في الواقعية السحرية ترجح كفة الواقعي على حساب السحر. لأن الخيالي والساحر ليس ذي شأن ولا أهمية إلا لأنه ينشأ عن الواقعي وعن الإحاطة l’enlace. كما هو الحال في قراءاتي السابقة، فالحكايات الرمزية الحيوانية لـ"لبانشاتانترا"، وألف ليلة وليلة، أو هذه التحفة الرائعة عن كشمير المعنونة ب Katha Sarit Sagara (محيط تيارات التاريخ) المليئة بالحكايات الساخرة، والشريرة، والمثيرة والتي يغيب فيها الدين كليا. ففي هذه الكوميديا الإنسانية، تسبح الشخصيات في الازدواجية أو النفاق، وتضاعف من مظاهر الخداع واللقطات المشينة. فهم يجامعون نساء غيرهم، والله ليس له أي حضور في كل هذا. ولهذا السبب حاولوا في مصر نبذ ألف ليلة وليلة عشية الربيع العربي. إن هذه الحكايات تثير سخط واستياء الطهرانيين لأنها تعج بحقائق الطبيعة الإنسانية. أود العودة إلى هذا التقليد، والاغتراف من هذا التراث من أجل الحديث عن الواقعي وعن الحاضر.
ليكسبريس: كان من الممكن لك، وأنت المثقل بخبرة عن عوالم غاية في الاختلاف أن تغريك النسبية الثقافية وتوافق القيم، مثلما وقع مع مثقفين آخرين عدة،. فكيف تجنبت أنت هذا؟
سلمان رشدي: إنه الخطر الأكبر في زماننا. لقد دخلنا عصرا للاختلاط واللقاءات وصهر وتذويب الثقافات. أي عصر التعدد الثقافي الذي أحتفي به في كتبي والذي أصبح واقعا قائما. إن الكوكب يتعولم ولا يمكن لأي أحد أن يوقف زحف العولمة. كما أن لا شيء يمكنه أن يزيل التعدد الثقافي في فنوننا، وأغذيتنا، ويومياتنا. بيد أن النسبية الثقافية غدت عبارة مبتذلة، إنها بعبارة أخرى الأخت التوأم الشريرة للتعددية الثقافية. إنني أرفض الفكرة التي مفادها أنه باسم عادات البلد الأصلي نسعى إلى المروق عن قيم أقدر أنها كونية: القبول ببتر الأعضاء التناسلية للنساء، الميز، قتل المثليين الجنسيين في البلدان الإسلامية. كل ذلك ليس شيئا أمام الموافقة على إعدام الكتّاب الذين يلقون استياء هنا أو هناك، وهو انحراف، كما تعلم، لا أحبذه. (يضحك). وفي هذا الصدد، فالحزم على هذه المبادئ هو أقوى في فرنسا منه في إنجلترا. ربما يعزى ذلك إلى أنه من السهولة معرفة ما يعني أن تكون فرنسيا.
ليكسبريس: يمكن لصهر الثقافات وعملية التطعيم أن تكونا عسيرتين. لقد قمت بوصف ذلك كمؤلف وعايشته بشكل شخصي.
سلمان رشدي: إن انسياقنا وراء الجلبة التي كانت حول الآيات الشيطانية قد أنسانا النقطة الجوهرية. إذا كانت مؤلفاتي الأولى تعالج، قبل كل شيء، عالم الشرق الذي تركته، وعالمي الهند وباكستان، فكتاب الآيات تناول إشكالية المهاجر والهوية والاستيعاب الثقافي. أو قل الصدام بين الحياة السابقة والوجود في الغرب. فعلى صعيد شخصي، ورغم مكانتي المتميزة، عشت مصير المهاجر ضحية الأحكام العنصرية المسبقة، وظللت طوال فترة دراستي أكابد الأمرين في مدرسة داخلية بروغبي Rugby. وقد وصل بي الأمر إلى كراهية إنجلترا والتوسل إلى والدي بأن يدعني أواصل دراساتي العالية في واحدة من أفضل جامعات بومباي بدل الاستمرار في كامبريدج. لكنه أقنعني بالبقاء. إن ذلك من حسن حظي، لأن سنواتي الجامعية كانت سعيدة. يا لها من سعادة بأن تكون طالبا خلال الستينيات! ناهيك عن أن البتيلز قد اكتشفوا الهند. فجأة أصبح بلدي الأصلي أكثر لطفا.
ليكسبريس: أنت مؤلف لك صيت طيب لدى الصحافة، لكن الذين ينتقدونك يواجهونك بعنف يبعث على الاندهاش.
سلمان رشدي: لقد لقيّت مذكراتي، جوزف أنطون استحسان الغالبية العظمى من الصحافيين، لكن هذا لا يمنع من أن أكون موضوع تهجمات مفرطة، عن أقوالي المغلوطة والكاذبة وحول أفكاري وعن عملي ككل. يمكن للناقد أن يصنع اسما له عبر طعن مؤلف ذائع الصيت. إني لا أعلم إذا ما كانوا يعاتبونني عن شهرتي النسبية، لكني لست مادونا ولا ميلي سيرس، واسمي يمكنّني، في أحسن الأحوال، من حجز مائدة في مطعم.
ليكسبريس: ربما يلومونك عن البريق الظاهر لوجودك؟
سلمان رشدي: ربما لأني تزوجت امرأة حسناء. يا للوقاحة! بأي حق؟ هكذا، ترى على صفحات بعض الجرائد الصغيرة مقالات ساخرة بعنوان: "الجميلة والوحش"، التي لا تقف وراءها إلا الغيرة. لكن حياتي هي في غاية البساطة. أتجول بكل حرية في نيويورك، حيث يتعرف علي البعض أحيانا، من دون حماية خاصة وطيلة سنوات عديدة، وعندما لا أتنقل من أجل الندوات أقضي جل وقتي في الكتابة بمنزلي.
ليكسبريس: هل تعاني بسبب الاهتمام الذي حظيت به الآيات الشيطانية؟
سلمان رشدي: إنها قصة قديمة. يوميا أتحدث إلى أناس كانوا أطفالا زمن صدور الرواية. لقد كانت كتابي الرابع، ووصلت اليوم إلى كتابي الثالث عشر. على الرغم من ذلك، أستحسن أننا تجاوزنا مع الوقت كل هذه الضجة من أجل الاهتمام أخيرا بصلب المؤلف، الذي ندرسه في كل الجامعات. كعارف جيد لتاريخ الإسلام، أكثر من غيري من الراديكاليين اليوم، أقول بأن محمد (ص) عرف هو أيضا الشك والإغواء، وبأن هذه التجربة المشتركة بين كل الأنبياء، قد ساهمت في تربيته. لقد تحولت مذاك إلى أشياء أخرى. لقد قال لي يوما صديقي مارتن أميس بأن طموحنا الوحيد هو أن نترك بعد وفاتنا رفا بسيطا من الكتب. سأترك بعدي واحدا. وفي الانتظار، لا أتمنى إلا شيئا واحدا، وهو الاستمرار في أن أكون، ما أمكنني ذلك، الفنان الذي أردت أن أكونه.
حاوره فيليب كوست. عن مجلة ليكسبريس، عدد 3342، الصفحات: 27-33. 2015



#جلال_العاطي_ربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التربية الحديثة: مغامرة استكشافية جديدة
- في الحاجة إلى مقاربة ظاهرة الغش مقاربة تعددية
- المدرس سيزيف هذا العصر


المزيد.....




- ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا ...
- السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا ...
- -صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ ...
- بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا ...
- مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع ...
- إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا ...
- مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا ...
- من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
- غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ ...
- طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جلال العاطي ربي - لماذا أتحدث؟ حوار أجرته مجلة ليكسبريس مع الروائي سلمان رشدي