قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 16:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من حكايات التراث الشعبي العراقي حكاية (شعيط ومعيط) التي تروي لنا أنه في بلد ما وزمن ما، كان هناك (دفّان) اسمه (شعيط) ولم يكن أمينا في عمله؛ فقد كان ينبش قبر الميت المدفون حديثا، ويسلب كفنه ثم يعيد دفنه، وكان جميع أهل البلد يعرفون ذلك، ولكنهم ساكتون خوفا من سطوته، ولا يرون في فعله مشكلة طالما أنه يعيد دفن الميت.
-
مات (شعيط) وخلفه في مهنته ابنه (معيط)؛ فكان كلما مرَّ قرب جماعة يسمع منهم اللعنة على ابيه. فسأل أمه عن السبب، فأخبرته بقصة والده؛ فقال واللهِ لأجعلنهم يترحمون على أبي؛ فقرر القيام بفعل أكثر بشاعة مما كان يفعله أبوه من أجل أن ينسى الناس ما كان يقوم به أبوه ويترحمون عليه ولا يلعنوه.
-
بدأ(معيط) بتنفيذ قراره ، وهو سرقة أكفان الموتى، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل كان يقوم بوضع خازوق بمؤخراتهم بعد التمثيل بجثثهم، ولا يعيد دفنهم بل يتركهم طعاما للكلاب. ولما شاع ما يفعله (معيط)، أخذ أهل البلد يترحمون على أبيه (شعيط) وعلى عهده. وبهذا الفعل حجب الأبن لعنة الناس عن أبيه.
-
ربّاط (سالفتنا) اليوم هو ما آل اليه حالنا؛ فمثلما روى التاريخ لنا قصة (شعيط ومعيط) سيروي للأجيال القادمة حكاية (داعش وماعش).وسيكتب التاريخ بأن حالنا في العهد الديمقراطي صار كحال أهل الموتى الذين سُرقت أكفانهم؛ فأخذوا يترحمون على عهد (شعيط) بعد أن تحكَّم بنا الفاسدون ونهبوا مواردنا؛ فصرّنا نخاف اليوم من أن لا يكتفوا بسرقة (اكفاننا) بعد موتنا، بل نخاف من أن يسرقوا ما يسترنا ونحن أحياء.
-
وبعد القتل والسبّي والتهجير الذي مارسه بحقنا تنظيم داعش. وبعد ما لحق مدننا من خراب ودمار، وعلى وفق وصية (داعش) لخلفه (ماعش) قرر أن يفعل مالم يفعله سلفه؛ فحلل لنفسه سرقة (بقايا) آثاث النازحين دون أن يأخذ بنظر الاعتبار حق الجار على الجار ودون أن يتمسك ببقايا ما ورثه من أخلاق أهله، وعُرْف مدينته ودون أن يخاف الله. حتى صار الناس يترحمون على (داعش) بعد الذي يلاقوه اليوم من (ماعش).
-
إن المقارنة بين عهدين في العراق وتفضيل أحدهما على الآخر خطأ كبير، وذلك لأنه لا يوجد عهد أفضل من عهد. بالأمس ترحمنا على (شعيط) بعد الذي فعله بنا (معيط)، ولا نريد اليوم أن نترحم على (داعش) وعلى أيامه السوداء بسبب ما يقوم به اليوم خلفه (ماعش)، ولا ندري ماذا سيحل بنا غدا وعلى مَن سنترحم ، وعلى من ندعو باللعنة والثبور والويل وعظائم الأمور؟!
-
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟